محاضرة الوزير جان لوي قرداحي في ندوة كتاب “فؤاد شهاب ما له وما عليه” للدكتور لويس صليبا، الجامعة الأميركية للتكنولوجيا AUT الخميس 20شباط 2025
من دواعي سروري أن أتحدث عن تجربة فؤاد شهاب بما له وما عليه على قدر ما أعرف عنه عبر والدي الذي كان في عداد القريبين منه ولكن سروري أكبر أن أتحدث عن فؤاد شهاب في جبيل ومن خلال كتاب الصديق الدكتور لويس صليبا، الذي نفاخر نحن الجبيليون بغزارة عطاءاته وعمق كتاباته. لذا فإنَّ فرحتي فرحتين.
أيها الأصدقاء، مساء الخير،
قبل أن أتكلم عن هذا الكتاب المميز الذي حلل الكثير مما كتب عن فؤاد شهاب من قبل العديد من الأطراف، وسعى إلى مقابلات قيمة مع من عرفوا أو عملوا مع الرئيس شهاب أريد الإجابة عن بعض الأسئلة:
_لماذا فؤاد شهاب لايزال يثير الإهتمام بعد مرور حوالي ٦٠ سنة على انتهاء ولايته؟
_كيف نفهم أن يقوم رئيس الحكومة الحالي خلال أول مقابلة تليفزيونية الاستشهاد به ليبرِّر مساره؟
_على ماذا ارتكز عهد فؤاد شهاب ؟ وهل نحن فعلاً نرتكز على المبادئ التي اعتمدها؟
1_ استند عهد فؤاد شهاب على مبدأ اعلنه صائب سلام لدى انتهاء ثورة ١٩٥٩: لا غالب ولا مغلوب. لا بين اللبنانين ولا بين الأطراف الدولية والاقليمية المتصارعة على أرض لبنان. وهذا المبدأ اليوم غير معتمد حيث أن بعض السياسيين يعتبرون المحور الموالي للولايات المتحدة ومعها اسرائيل هي المنتصر ويتصرفون حتى الآن على هذا الأساس ولم يتعلموا شيئاً من تجربة فؤاد شهاب الذي وضع على طاولة مجلس الوزراء كمال جنبلاط وبيار الجميل في آن واحد، وعدل بينهما فيما هي مصلحة لبنان.
2_ أطلق الرئيس شهاب مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية ولم يعادي أهل المال والتجارة لكنه لم يشركهم في السلطة، والقرار لتامين حرية القرار السياسي والحفاظ على المصلحة العامة.
3_ عبر تطويره ديوان المحاسبة (القضاء المالي) أطلق مفهوم المحاسبة في الإدارات العامة المركزية والمحلية وهذا مبدأ لم يرق لطبقة سياسية تعودت على استخدام المرافق العامة مكنة انتخابية دائمة لمحازبيها.
4_ مقولة فؤاد شهاب، ماذا يقول الكتاب استندت على احترام الدستور نصاً وروحاً لكننا اليوم، وللأسف رأيناها في المجلس النيابي ، بعيدين كل البعد عن تطبيق هذه المقولة.
5_ يمكن سرد العديد من الأمثلة… لكن الاهم اليوم أن نتطلع إلى الحاضر.
أولاً: ليس لدينا فؤاد شهاب ثانٍ ولم يكن كذلك الوضع رغم انتخاب المجلس النيابي ثلاث جنرالات أتوا من قيادة الجيش اللبناني مباشرة إلى رئاسة الجمهورية.
لماذا؟ لأن فؤاد شهاب كان صاحب رؤية لبناء دولة عصرية ، كان لديه ثقافة سياسية واسعة ، احتضن سياسيين عارفين وصالحين أولهم الرئيس رشيد كرامي وبنى معه إدارة صالحة لجميع اللبنانين دون تفرقة – لم يتطلع إلى مقربين أو موالين لشخصه بقدر ما عمل على استقطاب شخصيات صالحة للعمل العام اصبحوا لقناعتهم بشخصه وريادته موالين لعهده.
لم يرتكز فؤاد شهاب على المقربين والأقرباء، بل ارتكز على مجموعات سياسية /واقتصادية/ واجتماعية قبل الارتكاز على العسكربين.
ثانياً: علم فؤاد شهاب كيف يتعامل مع التغيرات الإقليمية ومع القوات الأميريكية التي دخلت لبنان آخر عهد الرئيس شمعون، وعلم أن التوازن الوطني وحده يسمح بإرساء الاستقرار في البلد، في هذا الظرف بالذات اليوم أتمنى أن يتعلم السياسيون من هذه التجربة لنتمكن من الحفاظ على استقرار وطننا.
ثالثاً: القوى السياسية كانت في عهد فؤاد شهاب تتمتع بحيثية ذاتية لا تتأثر بالسفارة الفلانية أو بأجهزة المخابرات الإقليمية أو الدولية، أما اليوم فنحن أمام سياسيين وكيانات ضعيفة تفتقد الدقة في أفكارها والانسجام في سلوكها الوطني جزء منها مرتبط بقوى خارجية تملي عليها ما يمكن أن تفعل ولا تخجل من الإشارة الى هذا الموضوع.
رابعاً: إن المرض الأساسي الذي يدمر مجتمعنا وهو الطائفية والمذهبية هي الآن في أعلى مستوى تأثيرها السلبي وهي من أسباب اهتراء أجهزة الدولة، وهذا لم يكن الحال عليه في ظل عهد الرئيس شهاب.
خامساً: ان فؤاد شهاب سعى الى جمع اللبنانيين حول مفهوم الدولة والمواطنة ولم يشجع الحقد والكراهية والتفرقة.
لم يقبل مخالفة الدستور لإعادة انتخابه ، لم يسعى إلى السلطة ورفض عام ١٩٧٠ انتخابه مجدداً، وضع اصبعه على الجرح حينما قال إن إداراتنا ومؤسساتنا عقيمة وتحتاج إلى إصلاح لتأمين حياة كريمة لشعبنا ولممارسة ديمقراطية إجتماعية عادلة، وهذا ما لم يكن أصحاب القرار في لبنان راغبين فيه منذ زمن طويل.
أخيراً: لأن المطلوب الكلام عن الكتاب موضوع اللقاء اليوم اسمحوا لي أن ألفت الإنتباه إلى فؤاد شهاب الإنسان المتواضع فعلاً، المنفتح على كل فكر وطني، المؤمن بالله وبالوطن.
لا يمكن التعليق على كلّ ما ورد في كتاب قيّم لحوالي ٥٠٠ صفحة إنما اخترت بعض المقاطع للتعليق عليها.
1_ في المقدمة صفحة ٩ يقول الدكتور صليبا “أن الخصوم توحّدوا بوجهه في انتخابات ١٩٧٠ رغم ما كان بينهم من عداوات”
برأيي إن الأساس هو بانقلاب شارل حلو عليه لا سيما تحت ضغط الصهيونية التي لا تريد بناء دولة قادرة سليمة مجتمعها متنوع. وأذكر:
_إفلاس بنك انترا في ١٤/١٠/١٩٦٦ مما أدى إلى ضرب القطاع الاقتصادي المتنامي.
_حرب ٥ حزيران ١٩٦٧ التي ضربت في الصميم مفهوم قدرة العرب على مواجهة اسرائيل.
_حلف المسيحيين في انتخابات ١٩٦٨ الذي دمّر مفهوم العيش المشترك اللبناني.
كل هذا أدى إلى إسقاط قواعد العهد الشهابي.
أذكر ما قاله لي والدي وما سمعه شخصياً من الرئيس شهاب خلال أزمة بنك انترا:
Quand il y’a le feu, on éteint le feu avant de chercher le pyromane.
لم يكن الرئيس شهاب راضي على موقف الحكومة آنذاك بما فيها موقف الرئيس فؤاد بطرس بعدم حماية بنك أنترا ومنعه من الإفلاس.
2_ في الصفحة ٤١ يذكر الدكتور لويس صليبا عن العميد ميشال ناصيف، أن رغبة الرئيس شهاب في إنجاز طريق القمم، كان سببه ربط هذه الطريق بالموانئ البحرية تفادياً لأي حصار قد تتعرض له المناطق المسيحية.
مع محبتي وتقديري للعميد ميشال ناصيف، وفق متابعتي لتاريخ الرئيس شهاب فإنني أعتبر هذا السبب غير دقيق لأن الرئيس شهاب نظرته كانت أكثر شمولية وليست مناطقية أو طائفية. كان برأيي السبب إنماء الأرياف وليس هاجس مسيحي.
3_ في الصفحة ٥٢ حول موضوع اختيار الرئيس شارل حلو.
إن هذا الاختيار كان لفرنسا والكرسي الرسول وقام فؤاد بطرس والوزير فيليب تقلا ورئيس الإرساليات اليسوعية والسفير البابوي بإقناعه الرضوخ لهذا الخيار وتبنيه.
لم يكن بالتالي خياره ولم يكن بإمكانه فرض شروط أو تعهد على شارل حلو كما ذكر الكاتب في الصفحة ٥٤
4_ في الصفحة ٦٥ حول كلام الرئيس حلو أنه لا يعمل شيئاً إلا بالاتفاق مع “الشباب” أي المكتب الثاني والدليل أن كابي لحود كان على الدوام في القصر الجمهوري !! انني ولو صدم هذا الكلام الكثيرين، مقتنع بأن جهاز المكتب الثاني لم يعد يلتزم برؤية شهاب منذ ربما السنة الثالثة لولاية الرئيس حلو. (في الصفحة ١٤٥/انتخابات ١٩٦٨)
أذكر بالتالي عدم التزام المكتب الثاني مع النهج في انتخابات ١٩٦٨. خبرتي مع رئيس جمهورية كان بالشكل الأجهزة تستمع له وبالفعل تعمل وفق برنامجها.
5_ حول اتفاق القاهرة،
سعى البعض تحميل فؤاد شهاب مسؤولية في هذا المجال وهذا تعسّف لأن حلو وكان صاحب قرار وليس اللاقرار كما ورد في الكتاب صفحة ٧٣ قبل باتفاق الطائف وكان أميل بستاني أيضاً مسؤولاً حيث تم إغراؤه بأن يصبح رئيساً بعد حلو. وكان حلو وبستاني والشعبة الثانية قد خرجوا عن سلطة شهاب وتوجيهاته في الحقيقة.(سنة ١٩٧٠)
6_ كل طرف كتب عن الرئيس شهاب لم يكن بالضروري موضوعياً وهذا أمر طبيعي لأن الإنسان عموماً ينظر إلى الأمور من خلال بصيرته. ربما بين كل ما قرأت عن شهاب فإن ما نقله الأب يعقوب سقيّم له ربما الأصح بين الكتاب.
يجب أيضاً أن ننتبه إلى الإستنتاجات. فمثلاً في الصفحة ٢٠١ موقف الرئيس حلو لدعمه الحلف الثلاثي لم يكن أبداً “مبالغة منه في عداء المكتب الثاني” إنما كان الموضوع طلب خارجي من الغرب وسفاراتها.
7_ أخيراً لعدم إطالة الكلام نرى أنّ الهجوم على الشهابية استمرت بعد خروج فؤاد شهاب من الحكم أكثر من ٦ سنوات إذ نرى في الصفحة ٣٦١ مقالات في النهار لغسان تويني سنة ١٩٧٠ ضد الشهابية واتهامها زوراً بالفساد الخ وهذا يدلّ على أن المعركة كان سببها سياسياً لمنع فؤاد شهاب العودة إلى السلطة وبالتالي أخذ البلد إلى مكان آخر في السياسة.
ونعلم جميعاً ما جرى بعد ١٩٧٠،
وتطور الصراع مع إسرائيل ١٩٧٣
١٩٧٥وصولاً إلى الحرب الداخلية
١٩٧٩كمب دايفيد
١٩٩٣اتفاق أوسلو
١٩٩٤وادي عربا
واللهم يعلم كيف وإلى أين سنصل.
بالعودة وخلاصة إلى فؤاد شهاب وكل ما سبق وقلناه.
خلاصة:
حكم فؤاد شهاب هو المحاولة الوحيدة المبرمجة لإصلاح الحياة العامة في لبنان على الصعيد السياسي والإداري كما وعلى الصعيد الاقتصادي والإجتماعي.
فكيف يمكن أن نستفيد من هذه التجربة اليوم؟
كيف يمكن أن نخلق حالة أفضل من الأداء العام اليوم؟
هذه الأسئلة هي برسم المسؤولين الحاليين.