مداخلة العميد الركن علي أبي ناصيف
في ندوة كتاب “فؤاد شهاب ما له وما عليه” لـ لويس صليبا، الجامعة الأميركية للتكنولوجيا AUT، الفيدار-جبيل، الخميس 20 شباط 2025
حضرة الدكتور لويس صليبا:
سأدلي ببعض الملاحظات والآراء التي تكوّنت عندي إثر هذه الندوة القيّمة، والتي شارك فيها العديد من الشخصيّات الفكرية والسياسية والمهتمّة بالشأن العامّ وبتاريخ لبنان.
أولاً: الكتاب قيّم بلا ريب، ودسم. لا لأن عدد صفحاته خمسماية، ذلك أنك قلتَ، وعن حقّ، أن خمسماية صفحة تكاد لا تفي بالغرض. في حين أن القارئ قد يرى أن الخمسماية صفحة كثيرة، لا سيما وأنّ قرّاء اليوم لا جلد لهم على القراءات الطويلة. بيد أن شخصية فؤاد شهاب وتاريخه والأمور والمطبّات التي تعرّض لها ونظرته إلى لبنان والتوازنات اللبنانية والعربية تستحقّ أن تأخذَ حيّزاً من العرض. فيكون الكتاب بالتالي من 500 صفحة. ولا أدري إن كنتَ قادراً أن تجعله في جزأين لا سيما وأن من شأن ذلك أن يؤثّر على الترابط بين أقسام الكتاب وأبوابه.
ثانياً: شعرتُ أن الذي يُدير الندوة استرسل كثيراً في تبيان علاقة شخص لويس قرداحي بالرئيس شهاب، وذكر تفاصيل، وأشاد كثيراً بالوزير السابق جان لوي قرداحي. وكان كثير الميل لتسليط الأضواء على هذه الشخصية المشاركة في الندوة، والتي تستحقّ أن تحظى بالتفاتة ما، لأن والد الوزير قرداحي كان فعلاً صديقاً وقريباً من الرئيس شهاب، ورجل خير بنى المدرسة الثانوية في جبيل. لكنّ مقدّم الندوة ركّز كثيراً على هذا الموضوع.
ثالثاً: بالنسبة إلى المحاضرة الأولى والتي قدّمها الوزير جان لوي قرداحي. فقد ضمّت عدداً من المقارنات التي أرى أنّها ليست في محلّها! فهو ذكر مثلاً كيف أن فؤاد شهاب لم يستطعْ أن يُمسك بالأجهزة الأمنيّة كما يجب. فقال كنتُ وزيراً مع رئيس عسكري هو العماد إميل لحّود الذي لم يكن دوماً ممسكاً بالأجهزة الأمنية. وكنتُ سأردّ عليه، لكن ضيق الوقت لم يُتِح الفرصة لي ذلك. فالأجهزة الأمنية أيّام فؤاد شهاب كان هو من يعيّنها، ويُفترض به أن يكون مسيطراً عليها. بينما إميل لحّود، الله يساعدو، لم يكن هو من عيّن كلّ الأجهزة الأمنية، إذ كان الزمن زمن وصاية، ورجال الوصاية هم من يأمر. فكيف يشبّه ويقارن فؤاد شهاب بإميل لحّود ولكلّ منهما ظروفه؟!
وعهد إميل لحّود لم يكن بمقدوره أن يفرضَ ويُملي على الأجهزة لأنّه لم يكن هو من عيّنها كلّها. بينما فؤاد شهاب كان قادراً، لكن لا أعرف ماذا كانت نقطة الضعف؟!
وريمون إدّه طلب منه إقالة أنطون سعد لأنّه ضرب أنطوان خير الكتلوي البارز داخل وزارة الدفاع على المتحف ودمّموه. وأنطوان خير كان عديل قائد الجيش آنذاك اللواء عادل شهاب. ذهب ريمون إدّه إلى فؤاد شهاب وطالبه باتّخاذ إجراءات، لكن الرئيس شهاب لم يفعل، فاستقال الوزير ريمون إدّه. وهذه ثغرة قويّة.
رابعاً: الوزير شربل نحّاس استفاض وشرح محطّات جدّ مهمّة، وقد أُعجبتُ بشرحه. ويمكن أن يكون قد أطال بعض الشيء، ولكنه ربط الواقع الاجتماعي بالواقع السياسي، وركّز على مجيء قادة الجيش إلى سدّة رئاسة الجمهورية بنتيجة انسداد أفق الحياة السياسية والآليات السياسية في لبنان.
خامساً: د. محمد سلهب عرضه عاديّ، وتساءل لماذا فؤاد شهاب لم ينشئ حزباً، وهو سؤالٌ في محلّه. فأجابه أحد المداخلين بتسرّع إن حزب فؤاد شهاب هو مصرف لبنان وديوان المحاسبة وغيره!!
يا أخي ليس المحاضر بصدد عرض إنجازات فؤاد شهاب، بل هو يطرح السؤال لماذا لم ينشئ حزباً سياسيّاً شهابيّاً؟ لا سيما وأنّه لم يعوزه شيء لإنشاء حزب: من مناصرين وكادرات وغير ذلك.
سادساً: بما يختصّ بمحاضرتك أنت د. لويس، فقد سلّطتَ الأضواء كما يجب. وأعجبني أنّك بيّنت كيف نشأتَ والصورة الواضحة التي رسمتها: عمّك الخوري فرنسيس صليبا وهو الدستوري العتيق، ووالدتك ومحيطها الكتلوي. وكيف جاء العميد ريمون إدّه عند عمّك وتصالحا. وكيف نما عندك الإعجاب بريمون إدّه وزرته في باريس. إنّها فعلاً محطّات جميلة، وكان كلامك موضوعيّاً بالفعل.
وأخيراً الوزير جان لوي قرداحي حمّل العماد إميل البستاني أكثر ممّا يمكن أن يحتمل حول توقيعه اتّفاق القاهرة، ونسي هنا أن إميل البستاني كان موظّفاً برتبة قائد جيش، ولا يستطيع أن يذهب إلى مصر ويوقّع الاتّفاق من تلقاء نفسه. فهُمْ الذين أرسلوه أي أن الرئيسين شارل حلو ورشيد كرامي تهرّبا وأرسلا إميل البستاني. وكان الجوّ مهيّأً كلّياً. فلا نلومنّ إميل البستاني كي لا نلقي المسؤولية على فؤاد شهاب وجهاز المخابرات وغيره.
والخلاصة فؤاد شهاب ما له. له الكثير على لبنان، ونحن نحترمه زاهد جونية، ولكن هناك بعض الملاحظات. والكمال لله بلا ريب. ففي 1964 أسقط المكتب الثاني كلّ لا ئحة ريمون إدّه. وهذه ثغرة كبيرة، ولم تكن بأمر من فؤاد شهاب كما يقال. وقد حزن لها الرئيس شهاب.
وأختم بنقطة أشرتَ أنت إليها، وهي مهمّة جدّاً، ألا وهي قصّة صراع البشيرَين، وقصة تناحر الزعماء الموارنة الذي أسميته صراع الديوك. فقد أحسنتَ فيها، وكان توصيفك حقيقيّاً وواقعيّاً.
أدامك الله د. لويس صليبا، وتمنّياتنا لك بدوام العطاء
العميد علي أبي ناصيف