الغضب: تأثيراته الفيزيولوجية وعلاجه، محاضرة لويس صليبا على Zoom، الأربعاء 12 أذار 2025 التأثيرات السلبية للغضب

الغضب: تأثيراته الفيزيولوجية وعلاجه، محاضرة لويس صليبا على Zoom، الأربعاء 12 أذار 2025

التأثيرات السلبية للغضب

الغضب انفعال قوي ومؤذٍ ويتّصف بأحاسيس العداء والإثارة والإحباط. وكما الخوف، يمكن أن يلعبَ الغضبُ دوراً في تفعيل استجابة المواجهة أو الهرب. فهو غريزة يتشارك فيها الإنسان مع سائر الحيوانات. وعندما تظهر أحاسيس الغضب، فقد يميل المرء إلى درء الخطر وحماية نفسه.

وللغضب تأثيرات نفسية وفيزيولوجية عديدة. وقد كشفت أبحاث حديثة عن تأثير بالغ للغضب على القلب والدماغ والجهاز الهضمي، لا سيّما إذا استمرّ لمدة طويلة. وبحسب ما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية فإن مفاعيل الغضب تتخطّى الجانب السيكولوجي وتؤثر بشدة على الجسم بمختلف أعضائه.

تأثيرات الغضب على القلب

جاء في دراسة نُشرت مؤخّراً في مجلة جمعية القلب الأميركية أن الغضب يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية لأنه يُضعف عمل الأوعية الدموية.

ودرس الباحثون تأثير 3 انفعالات مختلفة على القلب وهي الغضب والقلق والحزن، فقُسّم المشاركون إلى ثلاث مجموعات، الأولى عمد الباحثون إلى استفزاز أفرادها لإثارة غضبهم. في حين أثير القلق عند أفراد المجموعة الثانية. أما الثالثة فأثيرت عند أفرادها مشاعر الحزن.

واختبر الباحثون عمل الأوعية الدموية عند كل مشارك من المجموعات الثلاث، وذلك باستخدام جهاز قياس ضغط الدم.

وكان تدفّق الدم لدى أفراد المجموعة الغاضبة أسوأ ممّا لوحظ عند المشاركين في المجموعتَين الأخريين.

وخلُص رئيس فريق البحث الدكتور دايتشي شيمبو أستاذ الطب في جامعة كولومبيا إلى الاستنتاج التالي: “نرجّح في الغالب أن الغضب الشديد يرهق شرايين المرء ويعرّضه لخطر الإصابة بأمراض القلب”.

تأثير الغضب على الجهاز الهضمي

عندما يغضب امرؤٌ ما، يُفرزُ بدنه عدداً من البروتينات والهرمونات التي تزيد من الالتهابات في الجسم، والالتهاب المزمن يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض.

ويؤّكد د. ستيفن لوب مدير قسم أمراض الجهاز الهضمي في كليفلاند كلينك أن الغضب: “ينشّط الجهاز العصبي الودّي (السمبتاوي) في الجسم أو ما يعرف بنظام “الهجوم أو الهروب”، الذي ينقل الدمّ بعيداً عن الأمعاء إلى العضلات الرئيسية، ممّا يؤدّي إلى إبطاء الحركة في الجهاز الهضمي، ويسبّب مشاكل مثل الإمساك”.

والإضافة إلى ذلك، يتابع ستيفن لوب، يضاعف الغضب المسافة بين الخلايا في بطانة الأمعاء، ممّا يسمح بمرور المزيد من الطعام والفضلات في تلك الفجوات، ويزيد بالتالي من الالتهاب الذي من شأنه يسبّب عوارض مثل آلام المعدة أو الانتفاخ أو الإمساك.

تأثير الغضب على الذهن

تقول جويس تام، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي والعلوم السلوكية في المركز الطبي بجامعة راش في شيكاغو، إن الغضب يمكن أن يُضرّ بأدائنا المعرفي، فهو يؤثر في الخلايا العصبية في قشرة الفصّ الجبهي، وهي المنطقة الأمامية من دماغنا والتي يمكن أن تؤثر على الانتباه والتحكم الإدراكي وقدرتنا على تنظيم الانفعالات.

وتضيف جويس تام: إن الغضب يمكن أن يحفز الجسم على إطلاق هرمونات التوتّر في مجرى الدم، والمستويات العالية من هرمونات التوتر يمكن أن تُلحق الضرر بالخلايا العصبية في قشرة الفصّ الجبهي والحُصين في الدماغ. وهذا الضرر في قشرة الفصّ الجبهي يمكن أن يؤثر على اتخاذ القرارات وعلى الانتباه والوظيفة التنفيذية.

وتتابع جويس تام فتؤكّد أن الحُصين هو الجزء الرئيسي من الدماغ المستخدم في الذاكرة. لذلك، فعندما تتضرّر الخلايا العصبية، يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تعطيل القدرة على التعلّم والاحتفاظ بالمعلومات.

ومن ناحيتنا سبق لنا أن ذكرنا أن عدداً من علماء النفس يعتبرون الغضب “جنون مؤقّت”، وهذه التسيمة تكفي بحدّ ذاتها لتصوّر وتوقّع ما يمكن للغضب أن يحدث من أذى في فيزيولوجيا الإنسان وفي ذهنه كذلك.

نصائح لمعالجة الغضب

ترى أنتونيا سيليغوفسكي، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي في مستشفى ماساتشوستس العام وكلية الطب بجامعة هارفارد، في دراسة لها عن الدماغ والقلب أن أول شيء يمكن القيام به هو تفحّص درجة الغضب، أي إذا ما كان الغضب مبالغاً فيه. وذلك لأن الشعور بالغضب لفترة وجيزة يختلف عن الشعور بالغضب المزمن، وتضيف: “إذا كُنتَ تجري محادثة غاضبة بين الحين والآخر أو تشعر بالانزعاج بين الحين والآخر، فهذا يندرج ضمن التجربة الإنسانية الطبيعية”.

وتتابع: “أما عندما يطول أمد المشاعر السلبية، وعندما يكون لدى المرء الكثير منها، فهنا يكمن الأثر السيّئ على الصحّة.”

وتبحث أنتونيا فيما إذا كانت علاجات الصحة النفسية، مثل أنواع معيّنة من العلاج بالكلام أو تمارين التنفّس، قادرة أيضًا على تحسين بعض المشكلات الجسدية الناجمة عن الغضب.

ويوصي أطبّاء آخرون باستراتيجيات إدارة الغضب وضبطه، فيرى د. ستيفن لوب من كليفلاند كلينيك أن التنويم المغناطيسي والتأمل يمكن أن يساعدا، وكذلك فإن تغيير طريقة الاستجابة للغضب عامل مساعد. وينصح بتبطئة ردود الفعل وفهم ما يشعر المرء به وتعلّم كيفية التعبير عنه مع التأكّد من أنه لا يقمع انفعالاته، لأن ذلك يمكن أن يفضي إلى نتائج عكسية ويؤدّي إلى تفاقم هذه الانفعالات. وهذا ما تعلّمه بالأحرى الحكيمة تنزين بالمو وعلم النفس الروحي المعاصر عندما تتحدّث عن “معانقة الغضب، وسائر الانفعالات السلبية، عوض كبتها.

بحوث حديثة في علاج الغضب

ونصح باحثون يابانيون من يشعر بالغضب ألا يصبّ جام غضبه على زملائه أو أحبّائه، بل أن ينفّس حنقه وغيظه من خلال كتابة أفكاره الساخطة ثم رمي الورقة التي دوّنها عليها في سلّة المهملات أو في آلة تمزيق الوثائق.

وذكر رئيس فريق البحث البروفسور نوبويوكي كاواي من جامعة ناغويا في وسط اليابان في الدراسة التي نشرتها مؤخّراً مجلة “ساينتيفيك ريبورتس” Scientific Reports (التقارير العلمية) البريطانية: “كنّا نتوقّع أن تؤدّي طريقتنا إلى تخفيف الغضب إلى حدّ ما. بيد أنّنا فوجئنا من أن تقنية ضبط المشاعر هذه قد أدّت إلى ملاشاة الغضب بالكامل تقريباً”.

وتابع كاواي: “هذه الدراسة أظهرت أن فعل الرمي المادي لقطعة من الورق تحتوي على أفكار (سلبية) مكتوبة عن أسباب حدث مثير للغضب، يؤدّي إلى تهدئة هذا الغضب، في حين أن مجرّد الاحتفاظ بقطعة الورق لا يُحدث هذا التأثير.”

وشارك نحو 100 طالب في تجربة طُلب منهم خلالها إبداء رأيهم كتابياً في مواضيع مجتمعية كحظر التدخين في الأماكن العامة وغير ذلك. ثم تولّى باحثون من طلاب الدكتوراه مراجعة الإجابات، لكنّهم تعمّدوا إعطاء كل طالب درجات متدنّية تتعلق بتقويم الذكاء وجودة الكتابة والمنطق والعقلانية، مرفقين ذلك أحياناً بملاحظات قاسية جداً.

وطُلب من المشاركين، بعدما تسلّموا واجباتهم المصحّحة، أن يكتبوا مشاعرهم على ورقة، ثم قيل لنصفهم أن يمزّقوها ويرموها، بينما احتفظ النصف الآخر بهذه الورقة.

ولاحظ الباحثون أن جميع المشاركين ثار غضبهم عندما اطّلعوا على التعليقات المهينة، لكنّ غضب أفراد المجموعة التي رمت الأوراق تدنّى حتى كاد يتلاشى، في حين بقي غضب أفراد المجموعة التي احتفظت بالأوراق مرتفعاً. وخلص هؤلاء الباحثون إلى اعتبار نتائج هذه الدراسة مهمّة وعميقة الدلالة لأن السيطرة على الغضب وضبطه، إن في المنزل أو في العمل أو غيره، من شأنه أن يخفّف الكثير من العواقب في حياة المرء.

علاج الغضب بين اليوغا العريقة والسيكولوجيا الحديثة

وهذه التجربة العلمية الحديثة تذكّرني بقصّة كانت ترويها معلّمتنا مآ أنندا مايي Ma Ananda Moyi، فتقول: كان امرؤ حانقاً وغاضباً على صديقٍ له بعد شجارٍ حادٍّ بينهما، فكتب إليه رسالة يعبّر له فيها عن غيظه واستيائه منه، وذهب إلى مكتب البريد لإرسالها له، فوصل متأخّراً ووجده قد أقفل، فعاد أدراجه إلى المنزل، وفكّر في نفسه قائلاً: لعلّ لهجة هذه الرسالة قاسية وحادّة وهذا الرجل هو في النهاية صديقٌ عزيزٌ عليّ، وهنا عمد إلى تمزيقها، وكتب رسالة أخرى بلهجة محايدة نوعاً ما. وفي اليوم التالي ذهب لإيداعها في مكتب البريد غافلاً أن ذلك اليوم كان يوم عطلة، فعاد مرّةً أخرى خائباً إلى منزله وفكّر: كيف أكتب رسالة إلى صديقٍ عزيز بهذه اللهجة الباردة. وهنا مزّق الرسالة الثانية، وكتب إليه رسالة مفعمة بالحبّ، وبعثها إليه، وبذلك تصالحا.

وكانت مآ تعلّق على هذه القصّة بالقول: إذا تشاجرتم مع أيّ أحدٍ فاكتبوا إليه، ومزّقوا ما تكتبون حتى يمّحي الغضب والغيظ والاستياء ويتحوّل إلى مشاعر حبّ واحترام. أليست هذه في الحقيقة هي العبرة عينها التي نستخلصها من التجربة العلمية الآنفة الذكر؟! فلننظر كيف أن الحكمة القديمة والعريقة هي غالباً سبّاقة للعلم وممهّدة له.

ونتائج هذه التجربة العلمية تذكّر أيضاً ببعض التمارين في اليوغا ولا سيما في بعض طقوس البوجا Puja الفيدية حيث يُطلب من الممارس أن يدوّن على ورقة أحداثاً أزعجته وأثارت في نفسه الغضب والنقمة والاستياء ثم أن يلقي الورقة التي كتب عليها في النار لتحترق أو أن يلقيها في البحر أو النهر وينظر إليها تتوارى ويتحسّس كيف تتلاشى مع احتراقها أو تواريها مشاعر الغضب والنقمة. وفي بعض الطقوس الأخرى يُطلب من السالك أو اليوغي أن يرمي وراء ظهره في النهر أو البحر ما دوّن من أوراقٍ عن أحداثٍ أثارت استياءه أو أمورٍ أغضبته أو أحزنته، ثم يسير قُدُماً إلى الأمام من دون حتى أن يلتفت خلفه لينظر إلى مصير رزمة الأوراق التي رمى بما يعني أن هذه الأحداث والأمور صارت جزءاً من ماضٍ مضى وانتهى وامّحى ولا رجعة إليه، وبذلك يتحرّر من هذه المؤثّرات السلبية والقديمة.

وهذا الطقس الفيدي يذكّر بوصية أساسية لغوتاما بوذا يقول فيها: “كما تنزع الأفعى عنها جلدها، هكذا علينا أن نتحرّر باستمرار من ماضينا” (صليبا، لويس، هكذا علّم بوذا، ط2، 2024، 33/2، ص326). فكثيراً ما يرهق ماضينا كاهلنا، ويثقل ذاكرتنا فتغدو ممتلئة كذاكرة كمبيوتر، وعلينا بالتالي أن نفرغها كي نستطيع أن نعيش حاضرنا واللحظة الآنية.

ونقاط التشابه بين هذه الطرق اليوغية القديمة والأساليب السيكولوجية الحديثة تبدو واضحة جليّة. وهكذا تتلاقى مرّة أخرى وتتقاطع تقاليد اليوغا العريقة القدم مع الاكتشافات العلمية الحديثة.

 

العلاج بالكتابة

أيّاً يكن فهذه التجربة العلمية تعيدنا إلى مسألة بالغة الأهمّية، وسبق أن أشرنا إليها. ألا وهي العلاج بالكتابة.

فشتّان بين أن تعبّر عن غضبك وما يُغضبك شفهيّاً، وبين أن تعتمد التعبير الكتابي عن الغضب. فمن شأن الحديث عن غضبك وأسبابه ومسبّباته أن يفاقم نوبة الغضب التي تعاني منها. في حين أن الشكوى بالقلم وللورق تساعد على إخماد الغضب أو تخفيفه على الأقلّ.

فإذا كنتَ غاضباً على أحدٍ أو من أحد فاكتب إليه رسالةً تبيّن فيها دواعي غضبك وأسبابه، وتشرح ما المطلوب لإزالة هذا الغضب ومحوه. وهذا لا يعني حكماً أن تعمد إلى أن تبعث إليه هذه الرسالة، فهي بالحري تدبير ذاتيّ ونفسيّ للتنفيس عن غضبك. فالغضب كما الاستياء والغيظ والسخط والزعل والنقمة انفعالات، أو بالحري هي مرادفات لانفعالٍ واحد. والغضب يضني نفس الإنسان ويعذّبها ويلتهمها كما يُتلف الصدأُ الحديد ويأكله. وتتفاقم تأثيرات الغضب السلبية إذا بيّته الإنسان وتحوّل إلى سُخطٍ وزعلٍ واستياء. وفي العهد الجديد وصية ذهبية في هذا الصدد: {إذا غضبتم فلا تدعوا الشمس تغرُب على غضبكم} (أفسس4/26). وجاء في تفسير هذه الآية: “لا يجب أن نتركَ الغضبَ يُسيطرُ علينا، بل علينا أن نسود على مثل هذا الشعور. ولا نسمحُ بأن يطولَ الغضب ويعشّش في القلب لئلّا يقود إلى الموت” (الكتاب المقدّس، قراءة رعائية، تفسير أفسس4/26، ص366).

ويتابع النص المقدّس من العهد الجديد: {تخلّصوا من كلّ حقدٍ ونقمةٍ وغضبٍ وصياح وشتيمة وما إلى ذلك من الشرور. وليكن بعضُكم لبعض ملاطفاً رحيماً غافراً كما غفر الله لكم بالمسيح} (أفسس4/32).

والخلاصة فالكتابة وسيلة فعّالة لتسكين نوبات الغضب “الجنون المؤقّت” وتخفيفها، وكذلك لمنعها من أن تتحوّل إلى سُخطٍ وزعلٍ ونقمة وهي مشاعر وانفعالات ترهق نفس الإنسان وجسده وتتحوّل، مع الوقت، إلى أسقامٍ وأمراض.

 

«»«»«»«»«»([1])

[1]

شاهد أيضاً

Wut: Ihre physiologischen Auswirkungen und Behandlung, Vortrag von Lwiis Saliba auf Zoom, Mittwoch, 12. März 2025

Wut: Ihre physiologischen Auswirkungen und Behandlung, Vortrag von Lwiis Saliba auf Zoom, Mittwoch, 12. März …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *