غلاف ومقدّمة كتاب كعب الأحبار/ تأليف إسرائيل ولفنسون، دراسة وترجمة لويس صليبا
المؤلّف/Auteur : د. إسرائيل بن زئيف (ولفنسون) Israïl Ben Zeev Wolfinson
عنوان الكتاب/: Titre كعب الأحبار Kacb Al- Ahbâr
عنوان الدراسة/المدخل : الأثر اليهودي في الحديث النبوي والتفسير
كاتب الدراسة : د. لويس صليبا Dr Lwiis Saliba
أستاذ وباحث في الدراسات الإسلامية/باريس
عنوان السلسلة : سلسلة اليهوديّة بأقلام يهوديّة 15
عدد الصفحات : 336 ص.
سنة النشر: طبعة رابعة 2025/ ط3: 2016/ ط2: 2011/ ط1: 2010
الناشر : دار ومكتبة بيبليون
طريق المريميين – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان
ت: 540256/09-03/847633 ف: 546736/09
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2025 – جميع الحقوق محفوظة
مقدّمة المترجم للطبعة الثانية
يتـناول كتابنا هذا موضوعاً دقيقاً وحسّاساً فـي التاريخ الإسلامي والأديان المقارنة. فكعب الأحبار شخصيّة مركزيّة ملتبسة أثارت الكثير من التساؤلات والشبهات،ولا نجد فـي العربيّة دراسة وافية عنها غير هذه. ولعلّ فـي هذه العوامل وغيرها ما يفسّر ما لقيته الطبعة الأولى من هذا المصنّف من إقبال ورواج وسرعة نفاد. ولكنني، ورغم إلحاح الطلبات،لم أشأ أن أدفعه ثانية إلى الطبع قبل أن أدخل عليه الكثير من التصحيحات والإضافات.
فعمدت أوّلاً إلى تنقيح إضافـي لترجمة أطروحة إسرائيل بن زئيف إلى العربيّة وعدت إلى الدراسة التي قدّمت لها،فأردتها أن لا تكون مجرّد بحث نقدي لهذه الأطروحة وحسب، بل تكملة لها. فقد نشرت مخطوطات العديد من المصادر الإسلاميّة فـي طبعات محققة بعد تأليف بن زئيف كتابه كعب الأحبار ولم يكُن له إليها وصول فـي يومها، فعدت إلى الكثير منها إتماماً للفائدة وتوسيعاً لأفق البحث. وإلى ذلك فقد أغفل ولفنسون، عن سهو أو عن عمد، على الأرجح، تظهير صورة كعب الأحبار فـي المصادر المسيحيّة القديمة، ونظراً لما لهذا الأمر من فائدة فـي إظهار ملامح ومعطيات أخرى مِمّا نسب إلى كعب الأحبار من دور، فقد أضفت إلى دراستي فصلاً جديداً هو الخامس يعرض لما روي عنه فـي عدد من المظانّ المسيحيّة القديمة. وهذه الأخيرة على اختلاف فـي التفاصيل تـتـفق فـي إسناد دور خطير لكعب يمكن اختصاره بعبارة “تهويد الإسلام”، وفـي هذه المصادر تختلط الوقائع بالأساطير. ولكنها مع ذلك تبقى مؤشراً بارزاً لمحوريّة شخصيّة كعب ودوره فـي التاريخ الإسلامي. ولا أدّعي أنني وفـيت موضوع كعب فـي المصادر المسيحيّة القديمة حقّه وقتلته بحثاً وتمحيصاً. فالمسألة تتطلّب معرفة بلغات قديمة كالآراميّة-السريانيّة والكلدانيّة وغيرها والعودة إلى مخطوطات فـي هذه اللغات يصعب توفّرها أو الحصول على صور عنها. فعسى هذا الفصل الخامس الموجز يكون فاتحة لدراسات أكثر تفصيلاً وتعمّقاً.
ومن أبرز الزيادات فـي هذه الطبعة الثانية ما أضيف إلى الفصل الثالث من دراستـنا، أي ذاك الذي يتـناول تغيّر هوية الذبيح فـي المصادر الإسلاميّة، فقد عدت إلى شهادة قيّمة وقديمة فـي هذا الموضوع وهي للقدّيس يوحنا الدمشقي (ت137 ﻫ) ونقلت ما ذكر فـيها إلى العربيّة محاولاً إبراز أهمّية هذه الشهادة ومركزيّتها، كما أضفت إلى الفصل المذكور قسماً رابعاً جديداً يعادل فـي حجمه وأهمّيته الأقسام الثلاثة الأولى، ويتـناول هويّة الذبيح فـي أبحاث المستشرقين. وكان هؤلاء وعلى رأسهم جولدتسيهر أوّل مَن أشار إلى تغيّر هوية الذبيح فـي المصادر الإسلاميّة وحاولوا معرفة أسباب ذلك وخلفياته. وفـي القسم الرابع الجديد هذا عرضت لأبحاث استشراقية أربعة فـي هذه المسألة وأبرز ما توصّلت إليه من نتائج وقارنت بينها.
ولو شئت التوسّع أكثر فأكثر فـي مسألة هوية الذبيح: إسحاق أم إسماعيل فـي المصادر الإسلاميّة لانتهى بي الأمر إلى تصنيف سِفر مستقلّ فـي هذا الموضوع،وليس هذا ما أريدَ لهذه الدراسة/المدخل، لذا أحجمت عن مزيد من التوسّع وخلصت إلى دلالة هذه المسألة فـي دراسة الحديث النبوي وما طرأ عليه من تغيير وإضافات… وموضوعات.
وبكلمة، لقد اجتهدت، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فـي أن تكون دراستي مدخلاً وتكملة فـي آن لأطروحة ولفنسون، فيكون هذا الكتاب بقسمَيه الدراسة/المدخل والأطروحة مرجعاً وافياً فـي موضوعه،وفاتحة لمزيد من الأبحاث فـي شخصيّة مركزيّة فـي التاريخ الإسلامي حيّرت الدارسين ولم تستوفـي بعد ما تستحقّ من اهتمام.
Q.J.C.S.T.B
باريس فـي 15/01/2011
مقدمة المترجم للطبعة الأولى
نعود مجدداً لنلتقي إسرائيل ولفنسون (1899 – 1980) باسم جديد: إسرائيل بن زئيف (أبو ذؤيب)، بعدما غيّر اسمه. وبكتاب آخر: “كعب الأحبار”. كان مشروع أبي ذؤيب الأساسي: «إصدار سلسلة أبحاث فـي تاريخ اليهود فـي العصور الإسلامية تكون متدرّجة تدرّجاً تأريخياً، يساير الزمن ويتابع الأحداث» وفق تعبيره([1]). ونشر من السلسله هذه ثلاثة كتب: “تاريخ اليهود فـي بلاد العرب فـي الجاهلية وصدر الإسلام”، “كعب الأحبار” و“موسى بن مَيْمُونْ”. سبق ونشرنا فـي سلسلة “اليهودية بأقلام يهودية” الكتاب الأوّل مرفقاً بدراسة تحليليّة ومدخل. والكتاب الثالث موسى بن مَيْمُونْ. وها نحن، وبعد زمن من البحث والانتظار والعمل نصدر الحلقة الوسطى من ثلاثية ولفنسون: كعب الأحبار. والكتاب الذي نقدّم اليوم هو فـي الأصل أطروحة باللغة الألمانيّة نال على أساسها المؤلّف الدكتوراه فـي الفلسفة من جامعة فرانكفورت/ألمانيا عام 1933. وبعد نيل الشهادة صدرت الأطروحة فـي كتاب بلغتها الأصلية.
وبعد أكثر من أربعين عاماً، عاد الكاتب إلى أطروحته هذه فنقلها إلى العربية ونشرها فـي القدس عام 1976. وقد أعانه فـي إعداد النص العربي محمود عباسي مساعد وزير المعارف والثقافة فـي الحكومة الإسرائيليّة. أما نحن هنا فقد عمدنا إلى مراجعة الترجمة وتنقيح العديد من الأخطاء، لنصدرها فـي هذا الكتاب مسبوقة بدراسة نقديّة تحليليّة. ما سنعود إلى الكلام عليه…
ولا شك أن البحث فـي سيرة كعب الأحبار، وأثره فـي الرواية والحديث والتفسير أمرٌ شيّقٌ وشائك فـي آن= وقت. وأبو ذؤيب باختياره له موضوعاً لأطروحته، كان رائداً ومغامراً فـي الوقت عينه. وأطروحة ولفنسون جديرة بالنشر من دون شك ولكن بالدراسة والتمحيص كذلك. ففي أثناء مراجعتنا نصّ الترجمة والتدقيق فيه ومتابعة بروڤات الصفّ والتنضيد سجّلنا عدداً من الملاحظات على آراء الكاتب، كانت، فـي الحقيقة، النواة الأولى لهذه الدراسة. وكعب الأحبار، هذا الحِبْر اليهوديّ الذي طوى زمناً مديداً من عمره فـي اليهوديّة، ولم يدخل الإسلام، على ما يبدو، إلا فـي الشيخوخة، شخصيّة طالما لفتت نظرنا، وأثارت فـي النفس التساؤلات. وقد اختلفت آراء الكتّاب فيها، ولا سيما المعاصرون منهم. فبعضهم ذهب فـي التشنيع عليه إلى حدّ اتهامه بالدخول فـي الإسلام لإفساده ورمي مسؤولية جريمة اغتيال الخليفة عمر الفاروق عليه. وبعضهم الآخر برّأ ساحته. لا سيما وأن السلف من صحابة وتابعين ومؤرّخين ومحدّثين لم يشكّوا غالباً فـي حسن إسلامه. هذا التناقض فـي الآراء حفزنا للعودة إلى المصادر واستقرائها، وإعادة القراءة النقديّة لأطروحة بن زئيف على ضوئها، فكانت هذه الدراسة التي تجيء بمثابة مدخل لهذه الأخيرة ومكمّل لها فـي آن.
فـي الفصل الأول من دراستنا توقّفنا عند المؤلف إسرائيل بن زئيف (ولفنسون) وبذلنا جهوداً حثيثة للتعرّف على هذا الكاتب. وأوّل عقبة واجهتنا كانت إغفال ذكره فـي المراجع والقواميس العربية. أما الثانية والأهم فهي تغيير اسمه من ولفنسون إلى بن زئيف. وهو أمر لم نفطن له بدايةً. فكدنا لا نجد له أثراً فـي المكتبات الغربية ومواقعها على الإنترنت. أما نشاطه الصهيوني فنعترف أننا لا نزال فـي بداية التعرّف عليه. وكل ما جمعناه عن هذا الكاتب دونّاه فـي الفصل الأوّل من الدراسة. وهو وإن لم يكن شاملاً كاملاً، فكافٍ لإعطاء صورة واضحة عنه. ولعلّ دراستنا هذه هي الأولى فـي العربية التي ترسم ملامح شخصيّة هذا المؤلّف وتعرض لنشاطاته السياسيّة ولنتاجه الفكري. ولا بدّ هنا من أن نسجّل شكرنا الخالص للصديق الباحث أحمد الحوت الذي كان له الفضل فـي البحث والتنقيب عن الكثير من المعلومات عن ولفنسون.
وفـي الفصل الثاني من الدراسة توقّفنا عند اللوحة التي يرسمها بن زئيف لكعب الأحبار ومدى انطباقها على الواقع التاريخي مقارنة بما جاء عنه فـي المصادر. فكعب وفق أبي ذؤيب «كان يهوديّاً من المهد إلى اللحد… وكان بعد إسلامه وكأنه لم يترك دين أجداده». ألا يطرح هذا الحكم السؤال عن حسن إسلام كعب وصدقه. وهو أمرٌ لا يشكّ فيه الكاتب؟! أليس فـي الأمر مفارقة أن نؤكّد حسن إسلام امرئ وبقائه على يهوديّته فـي آن؟ هذا ما عمدنا إلى البحث فيه فـي الفصل الثاني.
أما الفصل الثالث، وهو الأطول، فقد خصّصناه لمسألة أثارت الكثير من الجدل فـي الإسلام، ولا تزال: من هو الذبيح الذي يشير إليه القرآن ولا يسمّيه: إسحَق أم أخوه إسمعيل؟! كعب الأحبار يقول إنه إسحق. وولفنسون بعد العودة إلى المصادر العربية وغيرها يقول إن آراء أهل القرن الأوّل للهجرة فـي الإسلام كانت تتّفق على أنه إسحاق. ولم يبدأ الخلاف على هويّة الذبيح إلا منذ القرن الثاني ﻫ، ولأسباب عرقية وعُصَبِيّة وشعوبيّة. وهذا ما دفعنا إلى العودة إلى مصادر الكاتب وغيرها مما لم يطّلع هو عليه، واستكمال بحثه بالتالي فـي هذه المسألة الشائقة والشيّقة فـي آن. فكلّما قدُمت المصادر واقتربت من عصر النبي، صلعم، اتّفقت آراؤها على أن الذبيح هو إسحاق. وقد اعتمدنا التسلسل التاريخي لعرض المظانّ، وقسّمنا آراء عُلماء الإسلام فـي هذه المسألة إلى ثلاثة: فمنهم مَن قال الذبيح إسحق، ومنهم مَن لم يقطع فـي هويته فأورد الرأيين، ومنهم مَن رجّح أنه إسمعيل. وقد عرضنا لمختلف هذه الآراء متوقّفين عند ما هو أبرز من تفاصيل الخلاف: أي دلالته على ما طرأ من تغيير واضطراب فـي الرواية والأحاديث.
وهذا ما قادنا إلى موضوع الفصل الرابع: ما دَخَلَ الحديث النبوي من إسرائيليات. روايات تنسبها مصادر إلى كعب، وترجع نسبتها أخرى إلى الرسول، صلعم، نفسه. فصحيح مسلم مثلاً ينسب إلى نبي الإسلام، صلعم، أوصافاً للأنبياء نجدها فـي كتب أخرى مرويّة على لسان كعب. والأمثلة تتعدّد وتكثر. كيف علّل ولفنسون الاضطراب والاختلاف المذكورَين؟ وإلى أي مدى يمكن الكلام على أثر يهودي فـي الحديث النبوي؟! هذا ما حاولنا الإجابة عنه فـي الفصل الرابع.
أما الفصل الخامس، فمجموعة ملاحظات ونقود على عدد من آراء ولفنسون، تحاول أن تتبيّن منهجيّته وموضوعيّته وتشير إلى بعض آثار الدعاية الصهيونيّة فـي دراسته التي تعتبر إجمالاً أكاديميّة وموثّقة.
ماذا الآن عن القسم الثاني من الكتاب، أي أطروحة بن زئيف نفسها “كعب الأحبار” ومنهجيتنا فـي نشرها.
قلنا إن النصّ الأصلي لها كتب بالألمانيّة عام 1933. وقد أصدر المؤلّف ترجمة عربيّة له عام 1976. لكن الترجمة شابها عدد من الأخطاء والتعابير غير الدقيقة أو الواضحة. فعمدنا نحن إلى مراجعة الترجمة وتصحيح الهفوات مقارنة بالأصل، مع الحفاظ على لغة الكاتب وأسلوبه وطريقته فـي التعبير. فالنصّ نصّ بن زئيف كاملاً غير منقوص. فـي حين اقتصر عملنا على التنقيح والتصحيح.
وكانت لنا مساهمة فـي إخراج الكتاب ووضع بعض العناوين الداخلية وترقيم هذه الأخيرة لتسهيل الرجوع إلى المواضيع. لم نتدخّل فـي نصّ أبي ذؤيب ولا علّقنا عليه. وملاحظاتنا يمكن العودة إليها فـي الدراسة التي تسبقه.
نأمل أن يكون عملنا هذا مساهمة مفيدة فـي حقل الدراسات فـي الأديان المقارنة الذي نعمل فيه منذ زمن. وللقارئ/الباحث الحكم الأوّل والأخير.
Q.J.C.S.T.B
د. لويس صليبا
السوربون/باريس في 06/02/2009
[1]– ولفنسوِن إسرائيل، موسى بن مَيْمُونْ حياته ومصنّفاته.