“فؤاد شهاب ما له وما عليه”، مقالة عن كتاب لويس صليبا، بقلم أ. د. ألكسندر أبي يونس، نشرت في مجلّة الأمن بيروت، نيسان 2025
(هذا المقال منشور في مجلة الأمن عدد 399- نيسان 2025، ص 94-96)
أُقيمت في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا A.U.T. الفيدار بتاريخ 20 شباط 2025، ندوة حول كتاب فؤاد شهاب ما له وما عليه قراءة في تجربة حكم رائدة في تاريخ لبنان المعاصر للمؤلّف الدكتور لويس صليبا، تحدّث فيها الوزيران السابقان جان-لوي قرداحي وشربل نحاس، والدكتور محمد سلهب، وأدارها الدكتور ألكسندر أبي يونس، في حضور رئيس تحرير مجلة “الأمن” العميد الركن شربل فرام، رئيس لقاء سيدة الجبل النائب السابق فارس سعيد، رئيس بلدية بلاط قرطبون ومستيتا عبدو العتيّق، الشيخ أحمد اللقيس ممثلًا إمام مسجد جبيل الشيخ غسان اللقيس، المديرة العامة السابقة لوزارة النفط اورور الفغالي، رئيس مؤسسة فؤاد شهاب عادل حمية، وفاعليات تربوية وعسكرية ودينية ورياضية وإعلامية ومدنية، والرئيسة المؤسسة للجامعة الدكتورة غادة حنين، ونائبها للعلاقات الخارجية الدكتور مرسال حنين الذي أكّد على المواقف الوطنية للرئيس شهاب ومحاربته للفساد، مشيرًا الى أننا “نستذكره في المواقف الصعبة التي نعيشها في كل مرة”.
قد يتساءل البعض عن الجدوى من صدور كتاب جديد عن الرئيس فؤاد شهاب طالما يوجد مراجع عدّة عنه. غير إن كتاب البروفسور لويس صليبا قيمة علمية مُضافة، امتاز بصياغة مختلفة وبالجرأة وهذا واضح من غلافه، بالإضافة الى طرح قضايا ومسائل واجهت عهده الرئاسي، بخاصة أكلة الجبنة التي لا نزال نعاني منها حتى يومنا هذا، وتخوّفه من الطموح السياسي لقادة الجيش الذين سيخلفونه، ومن فقدان العدالة الاجتماعية.
إحترَمَ الكاتب المنهجية العلمية، وقوانين البحث الأكاديمي، واستعرض معظم المؤلّفات التي تناولت فؤاد شهاب مُثنيًا على بعضها ومنتقدًا بعضها الآخر. أما الجديد الذي أتى به هذا الكتاب فهو استناده على يوميّات الأب يعقوب السقيّم الذي كشف معلومات مهمّة عن الأمير كنا لا نزال نفتّش عنها بخاصة بعدما أحرقَ الرئيس أرشيفه. باختصارٍ، أرَّخَ البروفسور لويس صليبا بموضوعية عن فؤاد شهاب، فأعطاه ما له، وناقش ما عليه.
د. أبي يونس
من هذا المنطلق، تناول الدكتور ألكسندر أبي يونس الكتاب من الناحية الأكاديمية، وأشار الى أن “الرئيس شهاب نذر نفسه للخدمة العسكريّة، ولم يطلب الرئاسة، علمًا أنّ الطّموح السّياسي يبرز بسرعة لدى البعض، غير إنّ شهاب يملك قدرًا كبيرًا من الإدراك والتّعقل، وقد قَبِلَ الرّئاسة على سبيل التّسوية لكون ذلك أمرًا ضروريًّا وأساسيًّا لإقرار السّلام في لبنان”. لقد قرأ الرئيس فؤاد شهاب بالكتاب وطبّقه، وله الفضل بفرض العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن في المدن والأرياف استنادًا الى تقارير بعثة إيرفد حول التنمية الشاملة في البلاد (I.R.F.E.D. منظمة فرنسية للتخطيط الإنمائي، كان رئيسها الراهب الدومينيكاني الأب “لويس-جوزف لوبريه”Louis-joseph Lebret). ونجح في ضبط التباينات الداخلية وتعزيز العيش المشترك، وأعاد إحياء الميثاق الوطني على أساس سياسة خارجية معتدلة بين الشرق والغرب مشددًا على احترام سيادة لبنان واستقلاله والبرهان على ذلك اجتماع الخيمة مع الرئيس جمال عبد الناصر. استكمل فؤاد شهاب بناء مؤسسات الدولة التي لا تزال الى يومنا هذا، من بينها مصرف لبنان، ومجلس الخدمة المدنية، والضمان الاجتماعي، والتفتيش المركزي والمشروع الأخضر، وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والتربوية. كما استطاع الرئيس شهاب فرض الأمن من خلال المؤسسات العسكرية والأمنية الأمر الذي سمح بنهضة اقتصادية، ونموًا، وازدهارًا، واستقرارًا لم يشهد لبنان مثيلًا لها.
بالمقابل، ورغم الدور الأساسي الذي لعبه المكتب الثاني في حماية لبنان، إلّا أن تجاوزاته مع بعض الأفرقاء السياسيين لاسيما تجاه العميد ريمون إده، تعتبر جزءًا من مسؤولية فؤاد شهاب. (مع إنّ قواعد أخلاقية جمعت الرجلين في ممارسة السياسة، وفي النزاهة، والتجرّد، ونظافة الكفّ، والوطنية. لكنهما تباعدا بسبب تعارض عميق في أسلوب العمل).
قرداحي
الوزير السابق جان-لوي قرداحي اعتبر ان “عهد شهاب استند إلى مبدأ أعلنه صائب سلام لدى انتهاء ثورة ١٩٥8 لا غالب ولا مغلوب”، فوضع على طاولة مجلس الوزراء كمال جنبلاط وبيار الجميل في آن واحد، وعَدَلْ بينهما من أجل مصلحة لبنان”، مشيرًا الى ان هذا المبدأ اليوم غير معتمد من بعض السياسيين. وقال: “أطلق الرئيس شهاب مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية، ولم يُعادِ أهل المال والتجارة لكنه لم يُشركهم في السلطة لتأمين حرية القرار السياسي والحفاظ على المصلحة العامة. وأطلق مفهوم المحاسبة في الإدارات العامة عبر تطويره ديوان المحاسبة (القضاء المالي)، وهذا مبدأ لم يَرق لطبقة سياسية تعوّدت على استخدام المرافق العامة مَكنة انتخابية دائمة لمحازبيها”.
وأعلن ان المجلس النيابي لا يطبّق مقولة فؤاد شهاب عن ضرورة احترام الدستور نصًا وروحًا، وأردف: “ليس لدينا فؤاد شهاب ثانٍ رغم انتخاب المجلس النيابي ثلاث جنرالات أتوا من قيادة الجيش اللبناني مباشرة إلى رئاسة الجمهورية، لم يتمكّن أي منهم من تجسيد رؤيته، لأن فؤاد شهاب كان صاحب رؤية لبناء دولة عصرية، كان لديه ثقافة سياسية واسعة، احتضن سياسيين عارفين وصالحين أوّلهم الرئيس رشيد كرامي وبنى معه إدارة صالحة لجميع اللبنانين دون تفرقة. ولم يتطلّع إلى مقرّبين أو موالين لشخصه بقدر ما عمل على استقطاب شخصيات صالحة للعمل العام أصبحوا لقناعتهم بشخصه وريادته موالين لعهده حيث كانت القوى السياسية مستقلّة وغير مرتهنة لأجهزة المخابرات الخارجية”.
وقال: “لم يسعَ شهاب إلى السلطة، ورفض إعادة انتخابه عام 1970، مدركًا أن الدولة بحاجة إلى إصلاحات جذرية. ورغم أهمية ما جاء في كتاب الدكتور لويس صليبا عن شهاب، إلّا أن بعض التحليلات قد لا تكون دقيقة تمامًا، مثلًا لم يكن اختيار شارل حلو لرئاسة الجمهورية قرارًا شهابيًا خالصًا، بل جاء نتيجة توافق فرنسي–فاتيكاني. أما المكتب الثاني، فقد ابتعد عن رؤية شهاب خلال ولاية شارل حلو، ولم يعد يلتزم بسياسته، كما أن اتفاق القاهرة الذي وقّع عام 1969 لم يكن مسؤولية شهاب بل كان قرارًا لحلو والحكومة وإميل بستاني”.
نحاس
الوزير السابق شربل نحاس ربط في كلمته بين الواقع والجغرافيا وقارب عهد شهاب بالواقع اللبناني عبر التاريخ، داعيًا الى “أخذ العبر للوصول الى وطن كما نريده”، لافتًا الى “اننا نستذكره في كل مرة تكون الأجواء في البلد ملبدةً”. وتحدّث عن الخيارات التي اتخذت وسبب نجاحها وفشلها لأخذ العبر منها، متسائلًا “لماذا كل مرة يصل قائد الى رئاسة الجمهورية دون انقلابات عسكرية داخل الجيش”، معلّلًا السبب الى “ضغط خارجي بسبب انسداد وتعطيل العمل السياسي في لبنان وإرباك القيادات السياسية، وتعطيل قرارها، في حين أنهم لا يرغبون وصول أي عسكري الى رئاسة الجمهورية يخرق أسس شرعيتهم وحصرية مقامهم في التقاسم”.
وتناول الأسباب التي “جاءت بفؤاد شهاب الى رئاسة الجمهورية في العام 1958 وقارنها بما يحصل اليوم متحدّثًا عن التغيير الأساسي في المجتمع”. وقال: “ان من قاموا بالحرب في لبنان لم يتركوا أحدًا إلّا واستعانوا به من السوريين والفلسطينيين والإسرائيليين والثورة الإيرانية والدول الأجنبية والعربية، ونجحوا في تغيير النظام السياسي مع تغيير البنية المجتمعية في لبنان حيث إن الدافع إلى هذا الأمر عدم قياس البعد الاجتماعي والسياسي الذي يولّده الانتقال من هيمنة محصورة الى اندفاع اجتماعي فعلي”.
ودعا الى “الاستفادة من التجربة الماضية في عهد فؤاد شهاب” قائلًا: “لبنان الذي نشأ بعد الحرب الأهلية لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالمرحلة التي كانت قائمة حتى مرحلة عهد فؤاد شهاب المفصلية، وهذا النظام الذي أُرسِيَ كنظام هدنة لزعماء الحرب يؤدّي الى تبديد المادة البشرية الذي هو أخطر من تبديد الأموال، فاتفاق الطائف هو بين الذين تقاتلوا في الحرب وجاء لمصلحتهم”. وختم: “لا يحق لنا اليوم إضاعة فرص كانت في عهد فؤاد شهاب وهذا هو التحدّي الكبير أمامنا”.
د. سلهب
من جانبه، تناول الدكتور محمد سلهب في كلمته مجريات الأحداث في عهد فؤاد شهاب ودور المكتب الثاني وعلاقة شهاب بالبطريركية المارونية وبالطبقة السياسية اللبنانية، متسائلًا عن “مدى نجاح التجربة الشهابية في تحقيق الأهداف التي وضعتها في برنامجها”. وتحدّث عن “النظرة الاصلاحية للرئيس شهاب وللبنانيين والمشاكل التي واجهته مع رجال الدين جرّاء فرضه الضرائب على الأملاك الوقفية”، مؤكّدًا أن “سياسته كانت إنمائية بامتياز، فعمد على تأهيل المناطق الريفية وإدخالها في الحداثة والاقتصاد والاجتماع والتربية”.
د. صليبا
في الختام شكَرَ المؤلّف الدكتور لويس صليبا المحاضرين والحاضرين، وتحدّث عن “المرحلة الدستورية والكتلوية في تلك المرحلة”، ناقلًا قول العميد ريمون اده له بأن” فؤاد شهاب هو أهم رئيس جمهورية حكم لبنان”. وتحدّث عن “صراع الديوك بين الزعماء الموارنة في تاريخ لبنان المعاصر”، مؤكّدًا أن “فؤاد شهاب يبقى مثلًا مضادًا، ولعلّه الوحيد أو الأبرز بالتأكيد، في وجه الزاعمين أن لبنان الكبير بتركيبته وحدوده الراهنة كيان غير قابل للحياة والاستمرار”.