“حوار الأديان في لبنان: المسيحية والإسلام تاريخاً ومستقبلاً ومعتقدات وعلاقات في الفكر اللبناني المعاصر”، تأليف د لويس صليبا، صدر بمناسبة الاحتفال بالمئوية الأولى للبنان الكبير 1920-2020، عن دار ومكتبة بيبليون في 535 ص من القطع الكبير، وتجليد فاخر.
سعى المؤلّف إلى استطلاع وعرض وتحليل آراء ومواقف أبرز المفكّرين اللبنانيين الراهنين من ماضي العلاقات المسيحية الإسلامية وحاضرها، ومعرفة كيف يستشرفون مستقبلها في لبنان والعالم.
يقول في المقدّمة (ص4): “هو جهدُ نحو سنواتٍ ثلاثٍ ما نجمعه بين دفّتي هذا الكتاب. بعضه دراساتٍ وبحوث في فكر كتّابٍ لبنانيين وطروحاتهم في حوار الأديان وتاريخها وعلومها وغير ذلك، وأكثره حواراتٍ مع مفكّرين آخرين في هذه المواضيع”.
وأوّل المفكّرين والقادة الدينيين والمدنيين هو “المطران الأحمر” ورائد العَلمانية غريغوار حدّاد (1924-2015)، وقد دعى إلى (ص38): “إعادة النظر في مفاهيم الإسلام، وهل هو فعلاً دين ودولة؟ فالدولة الإسلامية لا أساس لها في القرآن”
وأكّد حدّاد أنّه لا يخشى على المسيحيين في لبنان والمشرق (ص37): “لا أخاف على المسيحية في لبنان، بل أخاف على المسيحية من المسيحيين أنفسهم، لأنّهم لا يعيشون كما يريد المسيح”
ويعلن المطران الأحمر موقفاً متقدّماً ورائداً من أديان الشرق الأقصى ومؤمنيها، فهي لا تفتقر إلى الوحي والتوحيد كما يظنّ معظم أبناء الديانات الإبراهيمية، يقول (ص45): “أيعقل أن يكون الله أرسل أنبياءه إلى المسيحيين والمسلمين واليهود فقط وترك باقي الشعوب كالهندوس والبوذيين وغيرهم؟! عدالة الله تتطلّب أن يكون لكلّ مجموعةٍ بشرية أنبياؤها. ويجب أن نقبل جميعاً بهذه الاختلافات”
وللشيخ عبدالرحمن الحلو داعية الفكر التجديدي في الإسلام مواقف رياديّة في العلاقات بين المسيحيّة والإسلام، وممّا يقول (ص57): “يجب على المسلم أن يقارب المسيحية من مصادرها الأصليّة، ولن يتمّ له ذلك إلا بالبحث المعرفي الذي يتيح للمسيحي أن يعرّف هو عن نفسه”
وبشأن التصوّف وعلاقته بالسلفية وتأثير كلّ ذلك على الإسلام، يقول الحلو (ص64): “لا أستغرب موقف السلفيين أو الوهّابيين من الصوفية، فهم في قبضة زعيمهم الفقيه الحنبلي المأزوم ابن تيمية. وهو الذي أخذ على عاتقه تكفير عامّة الفرق الإسلامية. وهذا الاستحضار المكثّف لابن تيمية يثير مخاوفي على مستقبل الإسلام الديني”
وثالث من يعرض الكتاب لمواقفهم التقدّمية في الفكر الديني الأب لويس خليفة (1930-1997) رائد التأوين في كنيسة لبنان. فقد دعا إلى (ص80): “جعل التاريخ بما فيه تاريخ الأديان خادماً للإنسان، وليس الإنسان خادماً للتاريخ”.
وبشأن التأوين نادى خليفة بـ (ص81): “ضرورة تحليل النصّ البيبلي باستمرار على ضوء الحياة المتطوّرة والمتجدّدة”.
وكم أبدى رائد التأوين من حسرة على وضع لبنان والكنيسة فيه، وكان رؤيوياً في نظرته وتوقّعاته (ص86): “ما زلنا، في أكثريّتنا الساحقة، شاوول الشريعة، ولمّا نعبُر بعد إلى بولس الرسول. فكم نحن بحاجة اليوم إلى بولس ليقيمنا من هذه التجربة”
أما الشيخ محمد النقّري، مهندس عيد البشارة عيداً وطنيّاً جامعاً، فيؤكّد أنه (ص102): “لا بدّ في القرن الواحد والعشرين من إعادة صياغة الفقه الإسلامي على ضوء المعطيات الجديدة، وخاصّة في مجال العلاقة مع غير المسلمين”
وللنقّري طروحات متقدّمة ورائدة في مجال المواطنة، فهو يرى ببساطة أن مفهوم الذمّة قد سقط في الزمن الراهن (ص106): “مبدأ المواطنة هو الأصل في التشريع الإسلامي، وهو ما جاء في وثيقة المدينة، فهي تشترط في المواطنة التساوي في الحقوق والواجبات. (…) والآن ليس للذمّة أي مبرّر، فمن المعلوم بأن الجزية تسقط عن الذين يلتزمون بحماية الدولة، إذ شُرّعت في مقابل حمايتهم، فتنتفي بانتفاء مسبّباتها”
ويرى الأب عيسى فرنسيس (ص124): “أن الإنسان في محاولته التوجّه نحو الله هو هو في النسك المسيحي والتصوّف الإسلامي”
وتطول لائحة المواقف البالغة الدلالة، فالكتاب يعرض لآراء 16 مفكّراً لبنانياً بين رجل دين وعلماني، وهو يظهر بالنتيجة أن هذا الوطن الصغير لا يزال أرض لقاء وحوار بامتياز.