“معراج محمّد/المخطوطة الأندلسية الضائعة: ترجمة لنصّها اللاتيني مع دراسة وتعليقات وبحث في جذور نظرة الغرب إلى الإسلام”، تأليف وترجمة د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل، طبعة4، في 360ص، وتجليد فاخر.
يقول الباحث سحبان أحمد مروّة في مقدّمته للكتاب (ص12): “الكثير ممّا ورَدنا من قصصٍ إسلامي ليس إسلامياً صرفاً، بل لطالما استعان المسلمون بعلم رجال ديانات سبقت الإسلام، فأخذوا عنهم ما رأوه موائماً”
ويختم مروّة مقدّمته منوّهاً (ص16): “أشكر المؤلف على ثقته بي حين شرّفني بمهمّة التمهيد لهذا الكتاب. وأنا إذا فعلتُ ذلك، فلأنّني على ثقةٍ لا يعتورها الريب بسلامة طويّة الرجل، وإخلاصه للعلم والحقيقة والدين، وهو عنده واحدٌ من طرقٍ عدّة”
ويحدّد المؤلّف الهدف الأساسي من مصنّفه (ص17): “تحاول هذه الدراسة أن تعبُرَ من النصّ إلى فهم جذور نظرة الغرب إلى الإسلام. كيف ساهم بعض حكايات المعراج العربية في خلق أساطير، بل خرافات، عن الإسلام ونبيّه. وهي لا تزال جاثمة حتى اليوم في الوعي الجماعي الغربي”
المقصد إذاً سبر أغوار وخبايا وخلفيّات الصورة التي رسمها الغرب عبر العصور عن الإسلام ورسوله، وذلك بالعودة إلى النصوص التأسيسية المكوّنة للوعي الجماعي الغربي المختصّ بالإسلام، و”معراج محمّد” من أبرزها.
فما ميزة هذا الكتاب وأهمّيته؟ إنّه نصّ أو مجموعة نصوص عربية (ص70) نقلها إلى القشتالية إبراهيم الطبيب اليهودي، ومنها إلى اللاتينية بونافونتورا دوسينيس بطلب وتمويلٍ من الملك الإسباني ألفونسو العاشر (1252-1284). أما أصول هذا الكتاب العربية فضاعت وفُقدت تماماً مع ضياع الأندلس وفقدانها. (ص22). وقد غدا تأثيره في الكوميديا الإلهية لدانتي اليوم أمراً محسوماً، وإلى هذا التأثير يدين “معراج محمدّ” بالكثير من شهرته الحالية. (ص35). وهو بين كلّ روايات المعراج الإسلامية الأكثر تفصيلاً واكتمالاً مقارنة بسائر الروايات في كلّ اللغات. (ص66). ويخلص المؤلّف في هذا الشأن (ص22): “فمن حقّ نصّ عربي الأصل، أثار كلّ هذه العواصف من النقد والأبحاث، وترَكَ بصماتٍ بيّنة في واحدة من شوامخ الإبداع الإنساني عبر العصور، وكان له أثرٌ بيّن في الصورة التي رسمها الغرب في مخياله عن الإسلام، أن يُعرف بلغته الأمّ، ويكون بمتناول القارئ العربي”
وعن طريقته، في تحليله النقدي لهذا النصّ وما استخلص منه، يقول المؤلّف (ص27): “ميّزنا بين الروايات الشعبية للمعراج والنصوص القانونيّة لها كالسيرة النبوية وتفسير الطبري وغيره. وأشرنا إلى الفوارق الأساسية بينها، وحدّدنا موقع “معراج محمّد” من الفئتين. فتبيّن لنا أن هذا الأخير يأخذ من الروايات القانونية خطوطه الرئيسة، ويملأ الفراغات بين هذه الخطوط بما تيسّر له من مواضيع الكوسمولوجيا وعلم الملائكة وغيرها، يستعيرها من الروايات الشعبية والمصادر الأخرى”
ويخلص في هذا الشأن: “النصّ اللاتيني بقي عموماً أميناً لمصادره الإسلامية”
ومن خلاصات دراسة المؤلّف لهذا النصّ البالغ الدلالة (ص28): “”معراج محمد”، كما “معراج ابن عبّاس” نموذجٌ إسلامي للأدب الأبوكريفي المنحول الذي عرفته اليهودية والمسيحية ويتمتّع بالميّزات والخصائص عينها: النسبة المغلوطة إلى مرجعيّة دينية معروفة، سرد العجائب والغرائب، الارتكاز على آداب الرؤيا”
ويتوقّف المؤلّف في ختام دراسته عند أحد أبرز أسباب سوء فهم الغرب التاريخيّ للإسلام، ألا وهو المقارنة الدائمة بين سيرتَين ورجلَين (ص151): “أما التباين بل والتضادّ الذي يركّز عليه الملك ألفونسو العاشر صاحب ومموّل مشروع ترجمة “معراج محمّد”، بين شخصيّتَين وسيرتَين: المسيح ومحمّد، فهو نفسه ما يشدّد عليه دوسينيس مترجم هذا النصّ في المقدّمة. ما يؤكّد أن نقله إلى اللاتينية ابتغى أولاً إثبات هذا التضادّ ودفعه إلى أقصاه. وبالتالي استخدامه في الجدل والمحاججة مع المسلمين”
وخلاصة المؤلّف (ص29): “إنه عملٌ في الأديان والآداب المقارنة، أردناه حلقة حوار وفهم متبادل. (…) وأولى شروط الحوار أن نبتعد عن المجاملات والتكاذب. وليس الانفعال بقادر على تصويب رأي وتصحيحه، بل وحده التفاعل يستطيع شيئاً من ذلك».