“الدولة الإسلامية من منظور مسيحي: أرثوذكس سوريا ولبنان في زمن التحوّلات 1908-1920” كتاب للبروفسور لويس صليبا، صدر في ط3، عن دار ومكتبة بيبليون، في 353ص وتجليد فاخر.
كانت هذه الدراسة لمؤلّفها المدخل والتمهيد لدراسة نشوء الكيان اللبناني وما أثار من مواقف وردود فعل في الداخل وفي المحيط العربي، ومن رحمها ولد كتاب “لبنان الكبير أم لبنان خطأ تاريخي” الذي أثار ولا يزال الكثير من النقاش. يقول المؤلّف (ص8): “ما أسميناه “الصراع على نشوء الكيانات وهويّتها في بلاد الشام” قادنا إلى التفكّر والتبصّر في الصراع السياسي والفكري العنيف الذي واكب ولادة لبنان لبنان المعاصر وتلاها”. وهنا يطرح الكاتب الإشكالية التي شغلته ردحاً طويلاً من الزمن ولا تزال، فيقول: “طالما كرّر بعض المؤرّخين والباحثين أن لبنان الحالي خطأ تاريخي وغلطة خيار. ولسنا هنا في صدد الحكم على الخيارت السابقة، وما جرّت من أحداث… وبعضهم يردّد بشأنها: لم يكن بالإمكان أحسن ممّا كان”. ويكرّر المؤلّف قاعدة يراها أساسية: “إذا أردنا أن نعيش جميعاً بسلام وأمان في هذا البلد، فلا بدّ لنا من أن نفهم تاريخنا كما هو وأن نتصالح معه” ويمضي الباحث فيروي بأسلوب كاريكاتوري مفهومه لنشأة الكيان الحديث (ص10): “لبنان الكبير 1920 لو شئتُ أن أضرب مثلاً يساعدُ في فهم هذه الظاهرة/الحدث لقلتُ: يبدو لي وكأنّه قد عمد فيه عريسٌ ماروني إلى خطفِ عروس سنّية وتزوّجها. وظنّ الكثيرون يومها ولا يزالون أن هذا الزواج الذي باركه المنتدب الفرنسي وأعلنه، مجرّد زواجٍ مدني يسهل بعده الطلاق… والانفصال”.
وهنا يتابع: “ولكن الأيّام أثبتت، ولا سيما بعد تسجيل هذا الزواج وتوثيقه بميثاق 1943 والصيغة، أنّه كان زواجاً مارونيّاً غير قابل للفسخ، ولا الانفصال. وكم تعدّدت أزمات الخلاف ومحاولات الهجر… ولمّا يزال هذا الزواج قائماً… وسيبقى، على ما يبدو إلى ما شاء الله”. ويخلص في هذا الصدد إلى: “فهل نفهم هذه الحقيقة التاريخيّة ونتصالح معها لنعيش في صُلحٍ دائم”.
وأولى إرهاصات الولادة كانت إعلان الدستور العثماني 1908 وانقلاب جمعية الاتّحاد والترقّي على السلطان عبد الحميد. وتلى ذلك عقد مؤتمر باريس في 23/6/1913 وشاركت فيه الجمعيّات الإصلاحية العربية والأحرار العرب من مختلف الولايات العثمانية. ولم يغفر الأتراك الاتّحاديّون للمشاركين فيه هذه “الخطيئة المميتة”، فعلّق جمال باشا كلّ من طالت يديَه منهم على أعواد المشانق 1915-1916 مستغلّاً فرصة الحرب السانحة. وكانت هذه الإعدامات من أبرز أسباب نشوب الثورة العربية 10/6/1916 وإعلان الشريف حسين (ص72): “الجهاد المقدّس على الترك أعداء العرب ومغتصبي الخلافة من أهل البيت”. هل كان الشريف وابنه فيصل يسعيان إلى قيام دولة إسلامية عربية في الولايات العثمانية العربية ولا سيما في سوريا ولبنان؟ إشكالية يتمحور حولها الكثير من بحوث هذا ومن هنا عنوانه. وهي تصوّر السباق الحامي بين الأمير فيصل واللبنانيين ولا سيما البطريرك الحويّك لإقناع مؤتمر الصلح في فرساي ولا سيما الفرنسيين كلّ بمشروعه. فالمشروعان متناقضان، فيصل يحلم بأن ينصَّب ملكاً على “سوريا الكبرى” في حين يطمح الحويّك ومعه الكثير من اللبنانيين إلى توسيع حدود المتصرّفية وإعادة ما سُلخ من لبنان من أراضٍ وسهول ومدن ساحليّة في بروتوكول 1861. وتتبسّط الدراسة في عرض تفاصيل هذا السباق المحموم: مذكّرات الأحزاب اللبنانيّة والسوريّة إلى مؤتمر الصلح (ص87-96)، لجنة الاستفتاء التي أرسلها الأميركيّون في حزيران 1919 إلى لبنان وسوريا وفلسطين، ومن ثمّ تتوقّف عند وثيقَتَين متضاربتَين (ص113-116): رسالة كليمنصو إلى البطريرك الحويّك ومعاهدة فيصل/كليمنصو. وجاء إعلان مَلَكية فيصل في 8/3/1920 ليسرّع الأحداث ويرجّح كفّة المطالب اللبنانيّة فأجبر الفرنسيّون الملك فيصل على مغادرة سوريا نهائياً في 28/7/1920، وفي 1/9/1920 أعلن الجنرال غورو قيام لبنان الكبير .
ولا يتيح المقام الخوض في كلّ التفاصيل الأحداث الجسيمة التي يعرضها الباحث بحياد ليسلّط الأضواء على الكثير من خفايا الأمس القريب.