“هكذا علّم توما الأكويني: مدخل لقراءة آثاره يليه كتابا الأنبياء الكذبة والوجود والماهية ونصوص أخرى”، كتاب للبروفسور لويس صليبا، صدر مؤخراً عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط3، في 416ص.
قدّم للكتاب العلّامة المونسنيور بولس الفغالي، وممّا قال(ص25): “توما الأكويني معلّم في الفلسفة، واللاهوت، وشرح الكتب المقدّسة، وأخيراً في الحياة الروحية. أما ما نُشر إلى الآن من مؤلّفات هذا المعلّم الكبير فهو النزر اليسير. ونحن نشكر الدكتور لويس صليبا لأنه بدأ بفتح الطريق، ونتمنّى له أن لا يتوقّف”.
أما المؤلّف فيقول في ديباجة الكتاب (ص31): “لا يخفى على أحد ما في نصوص هذا الفيلسوف من صعوبة وأساليب معقّدة في التعبير. فكانت وسيلتي أن أتتلمذ عليه، وأعيش في عالمه وروحانيّته. ومع العودة الدؤوبة والمتكرّرة إلى النصوص تذلّل الصعوبات وتتلاشى”. ويضيف الكاتب متحدّثاً عمّا يقدّمه مصنّفه من جديد لم يسبق أن توفّر بالعربية: “إنه منفذ مباشر لمقاربة الأكويني وفهمه وذلك عبر نصوصه هو وليس الدراسات عنه. فكان هذا السفر كالنحلة يحطّ على الأزهار، ويمتصّ من كلّ واحدة رحيقاً.”
ويقول المؤلّف محلّلا سرّ نبوغ الأكويني وغزارة نتاجه (ص45): “عبقريّته، قدرة الفهم والاستيعاب الاستثنائية، وقد روى أنه فهم كلّ صفحة قرأها. ذاكرته الجبّارة، وقد صرّح أّنه لم ينسَ قطّ شيئاً قرأه. كلّها كانت عناصر أساسية في غزارة نتاجه الاستثنائية. ملكات وقدرات فكريّة وعقلية لم تتوفّر حتى لكثير من كبار المفكّرين. عمقٌ في التفكير والتحليل مقرون بمقدرة كبرى على التنظيم والترتيب والتركيز قد تختصرها كلمتا نبوغ وعبقرية”.
ويشير المؤلّف إلى ميزة أخرى للأكويني، وهي ما يسمّيه الانفتاح الكبير (ص47): “فهو في مصادره لم يستثنِ أحداً من السابقين والمعاصرين أياً يكن انتماؤه: أعداء المسيحية، فلاسفة المسلمين… وكان شعاره “كلّ قولٍ حقّ أياً يكن قائله، آتٍ هو من الروح القدس”.
ويخلص الكاتب في ميّزات الإرث التوماوي الذي سمّي “كاتدرائية فكرية” (ص64): “اثنان وعشرون عاماً فقط. نتاجٌ غزير في حياة فكرية قصيرة. ولكنها كانت كافية ليستوفي القدّيس توما شرح أرسطو عاملاً على دمج فلسفته باللاهوت المسيحي. وليحدّد بدقّة العلاقات بين الفلسفة واللاهوت. وليؤسّس اللاهوت كعلم. ويُظهر تلاحم جميع أسرار الإيمان”
ويقدّم المؤلّف نصّاً توماوياً لم يسبق أن نُقل إلى العربية. فيعرّب عن اللاتينية مقالة “الأنبياء الكذبة”. ويقول في أسباب اختيارها (ص137): “لأن موضوعها يهمّ القارئ العربي أياً كان انتماؤه الديني. إذ يتناول القديس توما فيها النبوّة بالمفهوم اللاهوتي والكتابي اليهودي المسيحي، ما يتيح المقارنة بينها وبين نظرية النبوّة في الفلسفة الإسلامية، وعند علماء الكلام. والمفهوم المسيحي التوماوي للنبوّة يبيّن نقاط تلاقٍ عديدة مع مفهوم علم الكلام الإسلامي لها…” وعن منهجية الأكويني في شرح البيبليا يقول الباحث (ص139): “الكتاب المقدّس بعهدَيه هو بمنظور الأكويني وحدة متكاملة: الآية تشرح الأخرى وتبيّن معانيها وغوامضها. فالمصدر واحد وإن اختلف الكتّاب والعصور. ما يذكّر بما يعرف في علم تفسير القرآن بـِ تفسير القرآن بالقرآن. أي تدبّر معاني آية ودلالاتها بالعودة إلى آياتٍ أخرى”.
ومن هم الأنبياء الكذبة؟ قد يسأل سائل، ومّما يقدّم توما من أجوبة (ص155): “ثمّة أنبياء كذبة بسبب سيرتهم الفاسقة. كمثل من يعلّم شيئاً، ويحيا بطريقة أخرى”.
وعن تأثير الكواكب على شخصيّة الإنسان ومصيره، يقول الأكويني (ص171): “فحتى لو كانت الكواكب تهيؤنا لميول معيّنة، فإنّنا نبقى أسياد أنفسنا، ونتحكّم بالتأثيرات التي تمارس علينا، ونستطيع أن نمنع هذه الأخيرة من أن تجرّنا رغماً عنّا”.
وللقديس توما وصايا مهمّة لكل باحث يعرّبها المؤلف، ومنها (ص342): “أحبب حجرتك كثيراً إذا أردتَ أن يُدخلوك إلى أقبية الخمر. ولا تستفسر بتاتاً عن أعمال الآخرين. ولا تكن شديد الإلفة مع أحد، فكثرة الإلفة تقود إلى الانسلاخ عن الدراسة”
والخلاصة فهو كتاب غير مسبوق في مجالات الفلسفة واللاهوت والتصوّف والحوار المسيحي الإسلامي. ويسدّ ثغرة في المكتبة العربية.