زاوية: كبار في خدمة لبنان (أيلول 2019)/ الأخت جاكلين بوتيجان
بقلم البروفسور لويس صليبا
الأخت جاكلين بوتيجان
والدا الأخت جاكلين
الأخت جاكلين ووالدتها
الأخت جاكلين تحتفل بميلادها التسعين
الأخت جاكلين متحدّثة
جاكلين مع والدتها التي جاوزت المائة عام
دير الميلاد الإلهي/اللقلوق صيفاً
دير الميلاد الإلهي/اللقلوق في برّية الثلوج
الأخت جاكلين بوتيجان Petitjean، جاوزت التسعين ولا تزال تحتفظ بحيويّتها. مسيرة طويلة من العمل الإنساني والروحي معظمها في وطننا. وفي زمن الحرب اللبنانية الضروس لم تغادر لبنان، رغم أنّ الكثيرين من أبنائه تركوه يومها ورحلوا. اعتبرته وطنها، وهو بأمسّ الحاجة إليها، فكيف تتركه؟! اصطحبت والدتها التي كانت قلقة عليها لتعيش معها في لبنان وتصير بالتالي جزءًا من ترابه. وكانت لهما معًا مساهمة أساسيّة في نشأة واحدٍ من الأديار المميّزة: إنه دير الميلاد الإلهي للرهبان المتوحّدين في اللقلوق/جبيل. عملت ولا تزال بصمتٍ وبعيدًا عن الأضواء، ولأنها تعمل دومًا في الظلّ كانت محاولتنا هذه لوضع مساعيها الحميدة أقلّه مرّة واحدة في رقعة الضوء.
-أخت جاكلين Petitjean ما الذي قادك إلى العمل الإنساني والحياة الروحية؟
ولدتُ سنة 1928في عائلة مسيحية. والدي رنيه (1903-1978) كان ضابطاً في الجيش الفرنسي، ووالدتي مادلين (1899-2000) كانت امرأة فاضلة، وكنتُ ولدهما الوحيد. وهذا الجوّ العائلي شجّعني للتخصّص في المجال الطبّي. فدخلتُ معهد باستور في باريس، وحصلتُ على دبلوم الدولة في التمريض 1951. وبعد تخرّجي عملتُ مع راهبة وطبيبة جرّاحة للنساء نحو سنتين في بوركينا فاسو/أفريقيا.
-هل انتميتِ إلى رهبنتها؟
أحببتُ روحانيّتها وفكرها، وطريقتها في التعامل والتفاعل مع الأفارقة. لكن لم يشأ أهلي أن أنتمي إلى رهبنة تبعدني عنهما، إذ كنت ابنتهما الوحيدة. فطفقتُ أبحثُ عن رهبنة تبقيني قريبة منهما. فأرشدني كاهن إلى جمعية من المكرّسين في بلجيكا أسّستها إيفون Poncelet (ت1955) وكان أكثر مرسليها يعملون في أفريقيا. سلّم أهلي بالأمر لأنهما وجدا ذلك أهون من رهبنة يعيش أفرادها في دير مقفل. دخلتُ هذه الجمعيّة سنة 1953، وبقيت سنتين أتابع دروس الابتداء والتنشئة الروحيّة. لم نشأ أن نكون راهبات بل علمانيّات مكرّسات في المجتمع وللعمل الإنساني. ثم بقيتُ سنتين أعملُ في مركز التنشئة هذا، وأُرسلتُ بعدها أي سنة 1957 إلى باريس لإدارة بيت للطلبة Foyer فيه 70 طالبة. وفي تمّوز 1961 أُرسلتُ إلى لبنان.
-ما الذي جعلكِ تختارين لبنان دون غيره من البلدان؟
اقترحَتْ عليّ إدارة جمعيّتي في الواقع أن أذهب للعمل الرسالي والإنساني في الهند، لكنّني استصعبتُ الذهاب إلى هناك إذ لا أعرف كيف سأعيش، وسأكون كذلك بعيدة عن أهلي. فاخترتُ لبنان لأنّه أولاً بلد المسيح، وثانياً لقربه جغرافيّاً من فرنسا، وفي الفرنسية نسمّي هذه المنطقة Proche Orient أي الشرق القريب.
-ماذا عملتِ بداية في لبنان؟
المطران نيوفيطوس إدلبي طلب من جمعيّتي مربّيةً للفتيات (بين 10 و15 سنة) تعمل عند الراهبات الباسيليّات الحلبيّات. كنتُ أدرّسهنّ الفرنسية. وبقيتُ في مدرستهن أي مدرسة مار ميخائيل-الذوق 1961-1974. وهؤلاء الفتيات الصغيرات المبتدئات لم تكنّ في الواقع حاضرات للتفكير والالتزام بدعوة رهبانية لصغر سنّهنّ، فلم أجد عملي هذا منسجماً مع الرسالة التي كنتُ أسعى إلى تأديتها لأنّني شعرتُ خلال خبرتي معهن أنّهنّ غير مهيّأات بعد لمثل هذا الالتزام. فكلّمتُ الأخت الرئيسة وطلبتُ منها تغيير عملي. كنّا يومها مرسلتين أنا وأخرى بلجيكية اختارت أن تعود إلى بلجيكا. ووسطَ هذا الأخذِ والردّ اندلعت الحرب اللبنانية 1975. وكنتُ قد باشرتُ دراسة رعوية للتعليم المسيحي استغرق سنتين، ثمّ درّسته في المدرسة المذكورة وفي غيرها. وأثناء ذلك تابعت دراسة جامعيّة في اللغة الفرنسية وآدابها في المعهد العالي للآداب وحصلتُ على ليسانس فيها.
-ألم تفكّري عندها بالعودة إلى بلدك؟
البلد الذي نذهب إليه يصيرُ وطننا، ونحبّه كما لو أنّه موطننا الوحيد. فشعارنا في جمعيّتنا أنه عندما تسوء الحالة في البلد الذي نحن فيه نبقى فيه ولا نرحل، فهو في هذه الحالة يكون بأمسّ الحاجة إلينا، وهو وطننا بالفعل، لذا لم أفكّر بتاتاً أن أترك لبنان.
-ألم يطلب منك أهلك العودة إلى فرنسا؟
كان والدي قلقاً جدّاً عليّ بسبب الحرب في لبنان، لكنه كان يعرف بالمقابل أنّه لا يستطيعُ أن يطلب منّي أن أعود. لكن عندما ساءت صحّته سافرتُ إلى فرنسا 1977 وبقيتُ مع أهلي هناك حتى توفي والدي في نيسان 1978.
-ما الذي فعلتِه عندها؟
بقيتُ فترة مع والدتي لمؤاساتها، وكان الوضع مضطرباً جدّاً في لبنان في حقبة 1978-1979، ثمّ عزمتُ على العودة إلى لبنان في أيلول 1978، ولكنّني، ونزولاً عند إلحاح والدتي، لم أعد فعلاً إليه إلا في أيلول 1979.
-كيف تمّ ذلك؟
اقترحَت عليّ والدتي أن تصطحبني إلى لبنان، وكان اقتراحها هذا يحلّ مشكلتين لها: وحدتها بعد وفاة والدي، وقلقها عليّ لوجودي في بلد تستعرُ الحرب فيها، وهكذا صار: جئنا سويّة إلى لبنان في أيلول 1979.
-ماذا فعلتِ عند عودتك؟
كان الأب جوزف هلّيط قد كتب إلى جمعيّتي. طالباً علمانيّة مكرّسة تعمل عند جماعته الرهبانية في الاستقبال والكورال، فذهبتُ إليه وسألته إذا كنتُ أستطيعُ أن اصطحب والدتي، في حال انضممتُ إلى ديره. فأجاب: الدير كبيرٌ وواسع، اصطحبيها معك، وما من مشكلة.
–ماذا كان عملكِ في الدير؟
عندما وصلتُ كانت الجماعة لا تزال في عشقوت، في بناء غير مهيّأ وغير ملائم لجماعة رهبانية. وكان الدير في شبروح/فاريا لا يزال في طور البناء. ثم انتقلنا إليه 1981، فأمضيت الفترة 1981-1994 أعمل في الاستقبال، لا سيما وأنّ الدير معدّ للرياضات الروحية، وفي المطبخ.
-وماذا بعد 1994؟
كان الأب جوزف هلّيط منذ تأسيس دير القيامة في فاريّا يفكّر بالانتقال إلى بيروت، فاشترى في نيو روضة مكاناً بنى فيه ديراً، وقال لي سنذهب معاً إلى بيروت. أمّا أنا فلم يكن هذا خياري.
-لماذا؟
منذ صباي كنتُ أحلم أن أكون راهبة كرمليّة أي من الراهبات “المحصّنات”. وعيشة الدير التوحّدية هي ما كانت ولا تزال تستهويني. لذا، عندما قرّر الإخوة في الجماعة الرهبانية، وببركة من المطران حبيب باشا راعي أبرشية بيروت وجبيل للروم الملكيّين الكاثوليك، أن يتركوا الدير لتأسيس دير جديد مختلف عن الأول، يعيشون فيه عيشة رهبانيّة توحّدية، تركتُ معهم.
–ماذا فعلتم عندها؟
سكنّا في فترة 1994-1997 في مبنى مستأجر أولاً في الأرز ثمّ في اللقلوق. وكانت أمّي معنا.
-هل كانت والدتك تقيم بصورة دائمة في الدير؟
-كانت تسافر مرّتين في السنة: تقضي الشتاء في الدير، وعند عيد الفصح وبدء الربيع تسافر إلى فرنسا وتبقى هناك حتى بدء الشتاء، أي في شهر تشرين.
-وماذا عن منزلكم في فرنسا؟
منذ سنة 1994 توقّفت أمّي عن السفر إلى Joigny حيث منزلنا في فرنسا، وكانت قد أسكنت فيه رجلاً وزوجته للعمل في الحديقة وللمحافظة عليه. وعندما توفّي الرجل في أيلول 1994 قالت لنا أرملته إنّها لا تستطيع أن تستمرّ وحيدة في هذا المنزل. عندها، وبعد مشاورة الإخوة في الجماعة الرهبانية، وكنّا يومها لا نزال نسكن في الأرز، قرّرتُ أن أبيع هذا المنزل. فطلبتُ من ابنة عمّي أن تهتمّ بإخلائه، وبعنا منزلنا في فرنسا سنة 1994، وحوّلنا المال كلّه إلى لبنان.
-لماذا تحويل المال إلى لبنان؟
كنّا قد انتقلنا مع الجماعة الرهبانية إلى سُكنى مبنى في اللقلوق، وما أن وافق المطران حبيب باشا على شراء قطعة أرض حتى اشترينا بالمال المحوَّل من فرنسا أرضاً في اللقلوق في أيلول 1996 وعليها بُني الدير الحالي، أي دير الميلاد الإلهي/اللقلوق
-ماذا كان دوركما في عملية البناء؟
كانت أمّي تخصّص كامل الراتب الذي تتقاضاه من الدولة الفرنسية كأرملة ضابط في الجيش الفرنسي لإكمال البناء. وأذكر أنّنا كنّا ندفع ثمن الحجارة، وسائر مواد البناء، من معاش والدتي.
هنا وكي تتّضح لنا معالم رسالة الأخت جاكلين ودورها الأساسي في بناء دير الميلاد الإلهي/اللقلوق توجّهنا إلى الأب عيسى فرنسيس رئيس دير ورهبانية الميلاد الإلهي ببعض الأسلئة، وكان يشاركنا جلسة الحوار هذه.
-أبونا عيسى هل لك أن تشرح مسار الأخت جاكلين ودورها في ديركم؟
الأخت جاكلين كانت في دير القيامة/فاريّا قبل أن ندخل نحن الرهبان هذا الدير. وعندما دخلناه كان العلمانيّون أعضاء في الدير مثلهم مثل الرهبان، وعندما تركنا هذا الدير لتأسيس دير جديد، كما أُشير إلى ذلك في سياق الحوار، ترك القسم الأكبر من العلمانيين معنا. ثم بدأ هؤلاء العلمانيّون تدريجيّاً يغادرون ديرنا الجديد لأسبابهم الخاصّة، ولم يبقَ معنا سوى الأخت جاكلين ووالدتها.
-ماذا كان وضع والدة الأخت جاكلين؟
اعتبرها المطران المحلّي، المثلث الرحمات إلياس نجمة، أنها تعيش كراهبة في الدير، مع العلم أنّها ليست راهبة.
-كيف وأين كانت تعيش عملياً؟
كانت تعيش في غرفتها في الدير، وتؤدّي بعض الخدمات الديريّة البسيطة كضبّ الغسيل ورتي الثياب وغيرها. وكانت تهوى المطالعة والقراءات الروحية، فتقضي ساعاتٍ طويلة كلّ يوم تقرأ خلالها الكتب الروحيّة.
-ما هو وضع الأخت جاكلين وصفتها في ديركم اليوم؟
بعد أن تركنا دير القيامة/فاريّا بدأ وضع الأخت جاكلين يتّضح في ديرنا الجديد. إنّها علمانيّة مكرّسة تعيش في الدير ملتزمة تماماً بحياة الصلاة الجماعية والعمل اليدويّ والحياة الأخويّة.
–كيف تنظر أنت إليها كرئيس دير؟
هي، وكما أسلفتُ، علمانية مكرّسة في قلب الجماعة. ولا تزال تؤدّي الخدمات القادرة عليها. تعيش معنا كواحدٍ منّا، دون أن تكون واحداً من الجماعة الرهبانية في الدير، فهي مثلاً لا تشارك في اجتماعات الجماعة الرهبانيّة، ولا في خصوصيّاتها، ولا في اجتماعاتها الإدارية والروحيّة.
-ما هو عملها تحديداً في الدير؟
كانت تعمل في المطبخ والمشغل مثل بقية الإخوة، وفي الاستقبال. ومنذ العام 2013، وبسبب عملية جراحيّة أُجريت لها في الوِرك، لم تعد تستطيع أن تصعد إلى المشغل فاكتفَتْ بأن تتابع بعض الأعمال في غرفتها.
دير الميلاد كما عرفته
غريبة هي هذه المعادلة، وتستدعي إطراقة وتأمّلاً: بيتٌ يباع في فرنسا، ليبنى بثمنه ديرٌ في لبنان! وحجارة الدير تُشقع وتعمّر من راتب أرملة ضابطٍ فرنسي!!
ديرٌ لا يكرّر سائر الأديار: مميّزٌ هو في صمته وخشوعه ودقّة نظامه وعِيشة رهبانه المتوحّدين الذين رغم استغراقهم الدائم في صلواتهم وتأمّلاتهم يأبون إلا أن يعيشوا من عمل أيديهم، وفي ذلك يقول قانونهم (ق64): “تعتمد الجماعة على عمل أعضائها لتأمين معيشتها”.
والدير معدّ لاستقبال المتريّضين أي أولئك الذين يبحثون عن خلوة ذاتيّة ويسعون إلى رياضة روحية. والدير يستقبل هؤلاء الباحثين دون أي مقابل. ينصّ قانونه المصدَّق من الرؤساء الروحيين بتاريخ 23/6/2007 في المادّة 220 على ما يلي: “لا تشترط الجماعة على الضيوف المقيمين داخل الدير مالاً لقاء إقامتهم عندها، إلا أنها تقبل بشكرٍ ما يُقدّم لها”.
وكان لي أن أُقيم في هذا الدير المبارك مراراً للخلوة. وأن أخبر وألمس لمس اليد الروحانيّة البسيطة والعميقة التي تميّز رهبانه. أذكر مثلاً أنّني أمضيتُ زمناً طويلاً حتى عرفتُ من هو رئيس الدير، فالمساواة تامّة بين الرهبان، وما من تمييز بتاتاً بين راهبٍ وآخر وفي ذلك ينصّ قانونهم على وجوب (ق3بند5): 1-الابتعاد عن هيكليّة المؤسّسة وروحها، من أجل المحافظة على هيكلية العائلة البسيطة وروحها. 2-مناداة الرهبان بعضهم لبعض بأسمائهم، وبدون زيادة أي لقب. 3-المساواة بين الرهبان بمن فيهم الرئيس.
دير لا تَسمعُ غالباً في أرجائه ولا تستطيع أن تصغي إلا إلى الصمت، فرهبانه يعملون في مشغلهم بصمت، وفي ذلك يقول قانونهم (ق51 بند2): “يُعاش العمل اليدويّ بصمت في الأوقات التي يحدّدها مجلس الناذرين”. ويعيشون معظم نهارهم بصمت، إذ ينصّ قانونهم على (ق128): “تعتمد الجماعة على الصمت المخيّم على كلّ النهار كجوّ مساعد على الصلاة”.ويمتنعون عن التدخين والكحول واستخدام العطور.(ق144).ويخلو ديرهم، بمختلف أرجائه، من أي جهاز تلفزيون. (ق146).
وما أحلى تناول الطعام مع الرهبان بصمت. فَحَول المائدة يجتمع كلّ مَن في الدير من رهبان وضيوف في آن: طعامٌ بسيط ومغذّ ولا تدخله اللحوم (ق71)، يعدّه الرهبان بأنفسهم ويتناولونه مع الضيوف بصمتٍ وعلى صدح أصوات الترانيم الدينيّة الشجيّة (ق47 بند2). وبعد الانتهاء من الأكل يتعاون الجميع على جلو الصحون وإعادة تنظيم المطبخ وترتيب غرفة الطعام دون أيّ تمييز بين رئيسٍ ومرؤوس.
وإذا احتجتَ إلى أي نصيحة أو إرشاد أو متابعة، يكون أحد الآباء الرهبان بتصرّفك، ليس خلال فترة الرياضة وحسب، بل يمكنه أن يكون لك مرشداً وناصحاً ومتابعاً مدى الحياة. وهكذا نجد المؤمنين مثلاً يتقاطرون إلى الدير يوم الأحد، وهو يوم الاستقبال العامّ بحسب نظامه، يشاركون في القدّاس، وبعدها نرى الآباء الرهبان: هذا ينفرد بمؤمن في صالون جانبيّ، وذاك يستمع إلى آخر في زاوية من زوايا الحديقة التي تعجّ بالورود، وذلك يتمشّى في الرواق مع ثالثٍ مصغياً إلى بَوحه. أمّا الأخت جاكلين فتجلس في الصالون الرئيسي تستقبل سائر الضيوف بابتسامتها المعهودة، ووجهها المشرق. وعندما يحين وقت الغداء فالجميع مدعوون لتناوله مع الرهبان في صمت وعلى صدح الترانيم الروحيّة.
وفي الشتاء يعيش جمهور الدير في برّية ثلوج وزمهرير حقيقية. إذ كثيراً ما تعزل الثلوج المتساقطة والمتراكمة الدير عن محيطه، فيخلو الجوّ للرهبان للعمل بصمتٍ وللصلاة والتأمّل. وفي ذلك ينصّ القانون على (ق3 بند3): “خدمة الراهب الكنسية الأساسية هي الصلاة في القفر وتقديس الذات من أجل العالم”. وأيضاً (ق3 بند4): “من وجوه الخفاء الذي تسعى الجماعة إلى عيشه: العيش في القفر بعيداً عن المدن في مسكن بسيط وفقير”.
والأخت جاكلين مشارك فاعلٌ وفعّال في كلّ هذه النشاطات الديريّة. فهي أوّل الداخلين إلى الكنيسة وآخر الخارجين منها. تُصلّي وترنّم بالعربية، رغم محدوديّة معرفتها بهذه اللغة، تَفهمها وتنطقُ بها، أمّا إذا احتاج الأمر إلى القراءة فهي حينها تتابع قراءة الصلوات بالفرنسية. وهي مع الضيوف المتريّضين المختلين كالأمّ الحنون: جاهزة دوماً للمساعدة، وبَسمتها الصباحية والمسائية تَنزل في القلب برداً وسلاماً. حاضرةٌ هي في المطبخ، وفي الكنيسة، وفي الحديقة، وفي الصالون كذلك، وهي صديقة لأكثر المختلين. تعيش الصمت بإفرازٍ وتمييز: صامتة وقت الصلاة والعمل والتأمّل، ومحدّثة لبقة وودودة عند الاستقبال. وهي إلى كلّ ذلك تحافظ على روتين الدير في الصلوات والعمل وغير ذلك بدقّة متناهية.
غربيّة فرنسيّة هي بصرامتها وحفظها للأنظمة والقوانين، وشرقيّة لبنانيّة في ودّها ومحبّتها للرهبان والزائرين.
أخت جاكلين ليتنا نتعلّم منك حبّ لبنان والتشبّث بأرضه والبقاء فيها، وتقديس تراباته التي وطئتها أقدام المسيح.
أيتها الأخت المُحِبّة الحبيبة : عشّاق الصمت والصلاة والتأمّل في دير الميلاد الإلهي مدينون لك بشيء… من سلامهم الداخلي.