جورج نجم الحويّك حارس تراثنا
بقلم أ. د. لويس صليبا
لعلّ صديقنا جورج نجم الحويّك قد فُطر على الولع بالكتب، والشغف بمتابعة جديد الإصدارات وثمرات الأقلام. فهو، كما عرفتُه دائماً، قارئٌ نهم، وباحثٌ مدقّق. وقد دأب، ومنذ سنين طويلة، على جمع ما وقع تحت يديه من كتب التاريخ والتراث اللبناني حتى توفّرت له مكتبة ضخمة قيّمة، حوت ما قد لا نجده في المكتبات العامّة الجامعية العريقة! وأذكر هنا حادثة كانت لي فيها مكتبتُه العامرة خيرَ معين. فقد احتجتُ يوماً ديوان “يارا” لسعيد عقل، وهو باللغة اللبنانية، وبالحرف اللاتيني المعدّل الذي ابتكره الشاعر خصّيصاً لديوانه، وقد طبع 1961، فطبيعيّ أن يكون قد نفد من الأسواق. ولكنّني لم أجده حتى في مكتبات أربع جامعات كبرى! وفي وقت الشدّة والضيق…كان لي جورج الحويّك خير صديق. فقد وجدتُ الكتاب في مكتبته، ودهشتُ كيف لم يفته ما فات المكتبات الجامعية العامّة هذه.
قارئ نهمٌ قلتُ، وباحثٌ مدقّقٌ كذلك. فكم من مرّة اتّصل بي ليقول لي في الصفحة كذا من كتابك الفلاني هفوةٌ أو خطأ مطبعي، أو تاريخ يحتاج إلى تدقيق. وليت لكلّ كاتب قارئاً كجورج، يجبر عثراته، ويلاحقه من بحثٍ إلى آخر! وهو كذلك لا يتأخّر في أن يضع بأيديّ الباحث ما توفّر له من مراجع ومخطوطات، وكتابي “من خبايا التراث اللبناني” المهدى إليه شاهدٌ على ذلك.
وهو إلى ذلك باحث وكاتب ومحقّق مدقّق. وموسوعته الضخمة “ظلال إيل أدون وعشتار” التي جمع فيها نفائس من الزجل والفن والتاريخ والتراث اللبناني عموماً، شاهد على ذلك.
واليوم يشاءُ صديقنا جورج الحويّك أن يجعل من مكتبته الغنية مكتبة عامّة ويضعها بتصرّف الباحثين والقرّاء، فنعمَ ما يفعل، فهي نواةٌ جيّدة لمركز ثقافي يزدهر بها ويعمر.
وقد يسأل سائل هنا: وما جدوى المكتبات في هذا الزمن الرديء، ونحن شعبٌ لا يقرأ وقد قضت وسائل التواصل والإنترنت على من تبقّى بيننا من قرّاء؟!
والجواب بسيط: جورج الحويّك رجل من الرعيل العتيق المعتّق، ومن حرّاس الذاكرة الجماعية والثقافة والتراث في وطنٍ تشهد فيه الثقافة، وكلّ ما يمتّ إليها بصلة تراجعاً دراماتيكيّاً، كي لا نقول انحطاطاً. فماذا نفعلُ إزاء هذه الكارثة الفكرية، بل والحضارية؟! أنقفُ مكتوفي الأيدي، ونكتفي بأن نكون مجرّد شهود زور، فنعاين قيمَنا الفكرية والثقافية والتراثية تضمحلّ وتندثر، ونحن لا حول لنا ولا…
يجيبنا جورج ببساطة: لا. ونحن معه نردّد ونقولُ لا. لن نرضى بهذا التراجع، ولن نقبل بالانحطاط الذي من شأنه أن يودي بنا إلى الدرك الأسفل. وجورج نجم الحويّك بالمركز الثقافي الذي يعمل على إطلاقه يضيء شمعة في النفق الطويل والمظلم. ونحن معه نقول ونكرّر: خيرٌ للإنسان أن يُشعل شمعة حبّ وأمل، من أن يلعن سواد العتمة…
فبوركتَ يا جورج، وبوركت أعمالك، ومؤلّفاتك، ومبادراتك… وعساك تكون قدوةً للكثيرين.
أ. د. لويس صليبا
جبيل في عيد جميع القدّيسين 1/11/2018