عبد الاله بلقزيز: ان “الحامل السياسي”ضرورة لتنتقل الافكار النهضوية الى الجماهير.
إنّ الأحداث العربيّة التي تلت ما يُعرف بالربيع العربي شهد الكثير من الإخفاقات والانسداد التاريخيّ. فكانا موضوع مقابلتنا حول المسألة الدينية في الوطن العربيّ، بعد الانتفاضة الشعبيّة وما تلاها من أصوليّات إرهابية. باعتبار أنّ الدين ورقة رابحة من خلال استغلاله في القضايا السياسيّة، حيث تجلت عودة الظاهرة الدينية على أكثر من مستوى. من بينها الممارسة السياسيّة، والعلاقة مع الآخر، والبنية الاجتماعية، ما يستدعي طرح الكثير من الأسئلة والإشكاليات، التي تتعلق بانتشار الظاهرة الدينية، ودور السياسات الخارجية في توظيف الدين واستشراف مستقبل الإسلام السياسيّ، في ضوء مقاربة تجربة المسيحيّة السياسيّة في اوروبا. مع مناقشة تهدف الى إحياء مشروع نهضوي يطال المجتمع العربي-الاسلامي، ينقلها من هشاشتها وتناحرها الطائفيّ إلى دولة المواطنة والانسان والامان. كلها قضايا نعالجها مع الدكتور عبد الاله بلقزيز، باحث مغربي ّو مدير الدراسات في “مركز دراسات الوحدة العربية.
كيف تنظرون الى عودة الظاهرة الدينية في مجتمعاتنا وكيف استحوذت على اهتمامات العالم؟
إنّ مظاهر التدين زادت في مجتمعاتنا وهذا أمر مؤكد. لأنّ العلاقة في الأساس لم تنقطع. إنّ صلة الدين في الاجتماع العربيّ – الإسلاميّ المعاصر حتى في اللحظات التي كانت فيه متصالحة مع عصرها ومحيطها الاجتماعي والمادي. وقد يُفهم من العبارة هذه الاستثمار السياسي في الرأسمالي الديني وما ينجم من هذا الاستثمار، حركات سياسيّة تسمى بالحركات الحزبية او الإسلام السياسي. أنا أعتقد أنّ مسالة عودة الظاهرة الدينية ، امر لا يدعو الى الاستغراب في الانظمة الاسلاميّة السياسية. وإن كان كذلك، في الغرب. ونحن نعلم انّ في الغرب، نُشرتْ دراسات عديدة حول عودة الدين. إنّ عودة الدين بالنسبة إلى المجتمعات الغربية، يطرح الكثير من علامات الاستفهام، لانّ هذه العودة تبدو لكثيرين وكأنها قرينة على اخفاق مشروع الحداثة الغربية.
هل تعتقدون ان اخفاق العلمانية الغربية الشاملة فشلت في تحقيق اهدافها على صعيد البعد الانساني والسياسي والاجتماعي؟
ان الذين يطرحون المسألة على هذا النحو من الباحثين الغربيّين، يفترضون أنّ ثمّة ازمة في منظومة القيم التي قام عليها الغرب، بما في ذلك العقلانية والعلمانية.
هل لكم ان تحدّدوا لنا ذلك، فعلى سبيل المثال هناك عودة في الغرب وتحديداً في فرنسا الى شدّ العصب الكاتوليكي وتزاحم لخطاب اليمين المتطرف تجاه الاسلام وهجرتهم الى اوروبا. وهذا ما كان لافتًا في خطاب الحزب الجمهوري للرئيس دونالد ترامب في خطابه المعادي ضد الاسلاموية. في رايكم كيف تفسرون مسالة عودة الغرب الى التدين في حين ان البلدان العربية تعيش مخاض عسير من اجل الذهاب باتجاه الفصل بين الدين والدولة؟
ان ما يجري على سبيل المثال في فرنسا، وتحديداً الذين كتبوا في الموضوع انطلاقا من العلمانية الغربية اليعقوبية المتطرفة التي الغت الدين والمظاهر الدينية من الحياة العامة واكثر تمظهر لذلك، يكمن في الغاء الدين من البرامج المدرسية. حيث كان لهذا الالغاء القسري والعنيف آثار معاكسة ، بمعنى انه انتج نقيضه في المجتمع الفرنسي. وهو الهوس الجماعي بالمسائل الروحانية. وهذا ما يفسر لماذا تلجأ اكثر نسبة من الفرنسيين الى التنجيم في مجتمع علماني متقدم. وهذا ما يفسّر لماذا يستطيع اليمين المطرف ان يكسب قطاعات اجتماعية عريضة في المجتمع الفرنسي. اذًا هناك ازمة حقيقية في نموذج المجتمع الفرنسي التي ارسته العلمانية الفرنسية في اوائل القرن العشرين. ان هؤلاء يحاولون ان يفسروا اسباب هذه العودة المتزايدة للدين. دعينا من الغرب، ففي مجتمعاتنا العربية لا يمكن ان نقول ان الدين انسحب من الحياة الشخصية والحياة العامة لكن يمكن ان نقول إنه عاد وهو موجود دائماً. فهو عملية ملازمة للحياة الاجتماعية. لكن الجديد في الموضوع فقط هو ان الافكار الحديثة التي تكسب افكاراً وانصاراً وبيئات اجتماعيةً في المجتمعات العربية، بدأت تتراجع من خلال تعبيراتها الثقافية والسياسية. فعلى سبيل المثال هناك حركات مثل اليسارية والليبرالية والقومية والشيوعية والديمقراطية تراجعت مقابل صعود الحركات الدينية والاصولية والطائفية. وهذا الصعود والافول هما معا مظهران لهذا التراجع الذي تحدثت عنه على صعيد الفكر الحديث في الاوساط الاجتماعية. اما الجديد في هذا كله يكمن في انّ الدين لاول مرة يدخل هبذا القدر الهائل من القوة في المجال السياسي.
هل لكم ان تشرحوا لنا واقع الدين في الامس مقارنةً مع يومنا هذا؟
هناك مثال بسيط يجب الانطلاق منه، وهو ان خريطة الاحزاب التي كانت موجودة في البلاد العربية منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، سوف تجدينها إمّا وطنية او ليبرالية او قوميّة او شيوعية ومنظمات مركسية – لينينية . وفي ما يسمى الاسلام السياسي، لم يكن هناك سوى جماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي. بينما اليوم، هذه الاحزاب العلمانية بين قوسين، انسحبت من المشهد، واصبح المشهد كله مزدحماً بالتيارات الدينية. حيث اننا لم نعد امام كائنين اسمهما الاخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي، بل امام عشرات الكائنات الاسلامية السياسية من مشارب ومنابت مختلفة. اذاَ هذا مظهر كبير من مظاهر الاجتياح الديني السياسي للمجال السياسي.
انطلاقاً مما تفضلت به، إنّ في العصر الحديث اصوليتين بارزتين، اسلامية ومسيحية، ولدت الاصولية الحديثة على اثر سقوط الخلافة الاسلامية والاستعمار الغربي وجاءت الاصولية المسيحية كجبهة ضد النقد التاريخي للنصوص المقدسة. فالاصولية نمط من التفكير ينطبق على كل الاديان، لماذا في رايكم يتم التركيز فقط على الاصولية الاسلامية؟
لعلّ السبب في ذلك، هو ان الاصولية الاسلامية دخلت في التعبير عن نفسها عسكرياً، فيما لم تجنح الاصوليات الاخرى الى ذلك، بما سُمّيَ بظاهرة الارهاب او كما تسمي نفسها، بالقوى الجهادية. ان الانتقال من العنف الرمزي الفكري التي تمثله هذه الاصوليات، أكانت يهودية او مسيحية ام اسلامية. يمثل هذا الانتقال عملية من العنف الرمزي الفكري الى العنف المادي من اجل تسليط الضوء على الاصولية الاسلامية. فالغرب يمارس بذلك عملية انتقائية، بمعنى ان العالم العربي-الاسلامي عانى من هذه الاصولية في داخله منذ عام 1970 و1980 و1990 لكن ما من احد كان يتحدث عن مخاطر الاصوليات الاسلامية الى حين ضربت هذه الجماعات نيويورك وبنسيلفانيا وواشنطن. انقلبت الصورة وبدأ تسليط الضوء على الاصولية الاسلامية ولانها لم تكن تشكل خطرا على البشرية الى ان مسّت الرجل الابيض. اذاً كان التركيز على الاصولية الاسلامية فقط من منظور انتقائي نتيجة التهديد الوجودي الذي مارسته هذه الاصولية على مصالح الغرب. اما ان يعيش فسادٌ في مجتمعاتنا ويمزقها، فهذا امر لا يهمّ الغرب. فهذه الجرائم والابادات التي تُرتكب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، فكل هاجس الغرب تجاهها، هو في ان لا تنتقل شرارتها الى الداخل الغربي اي اوروبا وغيرها.
برأيكم الى اي مدى يمكن القول إنّ الاصولية الاسلامية جاءت كردّة فعل ضد الاصولية المسيحية؟
اولاً هذه الأصوليّات لها جذور في تاريخنا الفكري والثقافي والديني، فهي ليست تستعير غيرها.
هناك نظريتان تقومان على اساس ان الاولى تنطلق من ثوابت ان الاستعمار والغرب هو المسؤول عن ما آلت اليه الاوضاع العربية واخرى تنطلق من فكرة ان الاسلام هو العائق في الدرجة الاولى. اما تقدّم المجتمعات العربية وتحديثها، لان هذه العقيدة لا تقبل الاصلاح ولا التجديد في ارثها الديني. في رأيكم اين تكمن النزعة العربية؟
ان اوضاع العرب هو بمثابة نسيج مركب من عاملين: الاول، هو بفعل العامل الخارجي الكولونيالي والصهيوني. والثاني بفعل العامل الداخلي بتمركز الاخطاء والداء السيئ لادارة شؤنها طيلة قرن ويزيد. فالمسؤولية مشتركة. انا لا اعلق الانسداد التاريخي فقط على العامل الخارجي تحت عنوان” مؤامرة العالم ضدنا” .كما انني اجلد الذات وانسى ماذا فعلت الصهيونية والمشروع الكولونيالي الاستعماري في المنطقة منطقتنا . فالمطلوب، قراءة المشهد العربي بتجرد والعينتين. انا لا اقول ان الاسلام يحث على العنف. ان الاسلام شأنه شأن ايّ عقيدة دينيّة اخرى، فيه من الموادّ الخام الصالحة لاستثماره باتجاه التسامح والحوار والتعايش. كما يمكن ايضا تظهير الجانب السلبي من الدين، عبر تعزبز مشاعر الكراهية والعنف والاكراه والارهاب والتطرف اكان ذلك في اليهودية او المسيحية ام في الاسلاميّة. فكيف تفسرين مثلاً المسيحيّة وهي رسالة التسامح والاخوة والمحبة والانسان، تُنتج اعتى واشدّ انواع التعذيب والقتل والابادة والارهاب والتطرف والحروب في التاريخ. هذا لا علاقة له بالسيد المسيح. فالمسؤولية تقع على جرائم الغرب بحق الابرياء. كما إنّ الاسلام ليس مسؤولاً عمّا ارتكبته الجماعات الجهادية باسم الاسلام . فالخلل ليس موجودًا في النصوص، بل في من يقرأ هذه النصوص، وكيف يقرؤونها، ولاي غرض يقرؤونها. فهذا النوع من القراءة التي تعتمد تجنيد هكذا نوع من القراءة لخدمة مصالح الغرب الامبرياليةّ والصهيونية دونيوية. اذًا المشكلة في الأساس ليست في الدين، بل في التاويلات التي اصبحت لها غلبة في مجتمعاتنا العربية، حتى إن الاصوليات المسيحية الغربية اليوم اصبحت شيئاً مخيفاً. ان انتشار المدارس الانجيلية وثقافة الكراهية في هذه البيئات الانجيلية اصبح يهدد الحضارة الكونية وليس فقط يهدّد المسلمين والمسيحييّن في اميركا وفي غيرها من الدول. خصوصًا عندما تتحول هذه الثقافة الى مصدر لصناعة القرار. ولاحظنا ذلك، في حقبة المحافظين الجدد الذين كانوا يستندون الى الثقافة المتطرفة والمنغلقة. اذا الدين براء من اي تهمة . ان كل دين يحتمل توجّهات عدّة، لان النص يحمل اكثرمن معنى . فهو قد يحمل بعداً انسانيا تنويرياً واصلاحيًّا وقد يحمل بعداً شيطانياً دنيوياً ومصلحة سياسية.
اسمح لي هنا، ان انطلق ممّا شهدناه تحت ما سُمّيَ “بالربيع العربي”. هل تعتبرون هذا الربيع العربي ثورة. لماذا؟
إنّ الربيع العربي ليس ثورة. الثورة لها شروطها التي لم تتوفر في هذا الربيع. فكل ثورة بالضرورة هي مشروع اجتماعي متكامل اي لتغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعمل على نقلها نحو طور التحول النوعي الجديد. ان اسقاط النظام ليس ثورة، كما انّ الانقلاب العسكري او اغتيال الرئيس ليس ثورة. لا ينبغي ان نطيح بالرئيس اوبالنظام حتى نقول إننا انجزنا ثورة. فالثورة، هي التغيير الشامل لبنية علاقات الانتاج وهذا ما افتقرت اليه تجربة الربيع العربي في الوطن العربي. ثانيًا، الثورة لا يمكن ان تنتهي بالحرب الاهلية وسفك الدماء. وما حدث سنة 2011من انتفاضة شعبية تحولت اليوم الى تمزيق وانقسام عمودي وتفكك الاوطان العربية وللنسيج المجتمعيّ وتدمير الدول ، فعن اي ثورة يتحدثون؟ وهل تعني الثورة، النزول الى الشوارع والساحات؟ او الحرب الاهلية كما حصل في لبنان مما ادى بالدعوة الى حمل السلاح والحرب الاهلية.
في مقالة لحضرتكم تذكرون ” نحن والغرب لا قياس مع فارق” اي تلمّحون الى ان التفاوت بين المجتمع الغربي والعربي لا يكمن في المنسوب التراكمي وانّما في طبيعة التكوين الاجتماعي-السياسي التي تتولد منه الازمات من خلال المواطنة الماملة والاندماج الاجتماعي الحقيقي القائم على التمثيل السياسي لا على التمثيل العصبوي(اي القبائلي والعشائري والطائفي والمناطقي،،) بينما العرب عندهم ديمقراطية لم تتجاوز مفهوم الدسائري على كسب الاصوات عبر الاقتراع. في رايكم كيف يمكن احداث قياس فارق لكي يتم تحويل المجتمعات العربية من ” مستهلكة ” الى “منتجة” تتخطى منطق التبعية؟
هناك قاعدة يجب الانطلاق منها لاحترام عقولنا، وهي انه لا ديمقراطيّة من دون ديمقراطيين. وهل الذين قادوا الحركات الاحتجاجية كانوا في جملة القوة الديمقراطية؟ ان المجتمعات حيث المؤسسات الاجتماعية فيها غير قائمة على علاقات ديمقراطية من الاسرة الى العائلة الكبرى الى الحارة الى المدرسة الى المسجد والكنيسة الى النقابة الى الحسينيات. هذه كلّها مجتمعات لا تتمتع باي ناظم ديمقراطي داخلها، ولا تشرع للمنتسبين اليها تنشئة ديمقراطية. فمن اين ستاتي الديمقراطية, من السماء؟ الديمقراطية تبنيها المؤسسات. المؤسسات العربية ليست ديمقراطية لتبني ديمقراطية . فالحديث عن الديمقراطية لا يكفي ان تقاوم الاستبداد فقط، بل ايضاً أن تمارس الديمقراطية في الحياة العامة والاجتماعية في الاسرة مع الزوجة والاولاد والتلاميذ والموظفين. ان تربيتنا غير ديمقراطية وسؤالي هل الديمقراطية تكمن في حمل السلاح وفي مجتمعات هشة، تعزز ثقافة العنف وتساعد في انتاج نقيضه. كفى تكاذباً ونفاقاً، فمثلاً لو نزل جمهور طائفة معينة في لبنان يطالب بتغيير النظام الطائفي في لبنان والمطالبة بنظام ديمقراطي، ستكون ردة الفعل المباشرة ، هوان ينزل جمهور طائفي ذات ردة فعل نقيضة له يصطدم مع الاول؟ لانّ مجتمعاتنا منقسمة انقساماً عمودياً وليس طبقياً او افقياً بل على اساس عشائري وطبقي وطائفي. هذا التكوين العصبوي المبني على العصبيات، هو اساس هشاشة المجتمع العربي. ولذلك، ما ان تدخل على الخط ازمة كبرى كالتي حصلت مع الربيع العربي، للانتفاض على ازمة السلطة حتى تنفجر الاوضاع. وهذا ما حدث في كل من العراق وسوريا ولبنان.
ما المطلوب اليوم في ظلّ هذا المأزق العربي الكبير؟
انا سأنطلق من بلدي، وهو مجتمع مغربي حيث كانت المطالب الاحتجاجية فيه عقلانية وناضجة. وكانت تدرك أنّه ثمة مسافة موضوعية في السياسة بين المطلوب والمتاح تحقيقه، بين الواجب وبين الممكن . فإذا لم نهتدي إلى قراءة هذه المعادلة والمسافة بين الامكانيات المتاحة والمطالب القسوة، فتكون النتيجة إمّا الصدام، ويكون مصيرنا الغيبة والصدام والفشل والانهزام واليأس والاستسلام والشعور بالغيبة والانكفاء، وإمّا أن نطلب ما يمكن تحقيقه بعقل واقعيّ سياسيّ. وطبعًا لا يعترف بالامرالواقع، لكن يستطيع التقدّم رويدًا رويدًا الى خطوات متراكمة نحو انتزاع مكتسبات. فنحن في المغرب العربي عبر شعار الاصلاح السياسي وليس قلب النظام، وبمطالب قابلة للتحقيق، استطعنا أن ننتزع هذه الحقوق. وبالتالي، هذا هو السبب المباشر للانسداد التاريخيّ في الوطن العربي، الذي حال دون تطوّر واقامة تغيير عاقل في مجتمعاتنا العربيّة.
لاحظنا ان الانتفاضات الشعبية كانت سلميّة، واذ تنحرف يسكُبها الاصولية والتطرف وتخرج عن اهدافها الاساسية. في رأيكم لماذا نجحت الثورات في اسقاط عروش في كل من اليمن وليبيا والعراق ومصر وتونس، ولم تفلح في اسقاط النظام في سوريا على الرغم من المجازر واستخدام الاسلحة الكيماوية وعملية التهجير المبرمج؟ وهل استمرار النظام السوري على الرغم من محادثات جنيف والاستانة لا يزال المجتمع الغربي متمسكاً في بشار الاسد لخلفية أنّ هذه المنطقة، اي بلاد الشام، لا يمكن أن يحكمها الاّ ديكتاتورٍ عادل؟
هذا سؤال مهمّ. إنّ الثورات التي بدأت في كلّ البلدان العربية، بدأت حركة احتجاجية مدنية وسلمية، ثمّ انحرفت عن خطها السلميّ وحملت السلاح، وانسحبت من المشهد. وأصبح كلّ من اطلق الشرارة من القوى المدنية انسحبت وبقيت الميليشيات. فعن اي تغيير نتحدث عندما تتمزق الاوطان؟ فما يجري في سوريا جريمة كبرى بكل المقاييس، لم تحصل حتى في الحقبة الاستعمارية. فمن الخطأ الاعتبار أنّ الغرب لا يريد إسقاط كل هذه الانظمة من تونس وصولاً الى سوريا. لكن ما جرى في سوريا يختلف عمّا يجري في ليبيا ومصر والعراق. فالقاعدة الشعبيّة للرئيس الاسد ونظامه، صمدا امام هذه المؤامرة وفرضا واقعهما على المجتمع الدولي من خلال أنه لا حل من دون الاعتراف بوجوده. فالمسالة السوريّة نجحت لصالح النظام لانّ الدولة السورية متماسكة بعكس وضعية البلدان الاخرى. فهل تصديقين انهم يريدون الديمقراطية في بلداننا؟ الديمقراطية هي اكبر سلاح تمتلكه شعوبنا لمواجهة الغرب الامبريالي. يوم يكون فيها نظام ديمقراطي وحياة ديمقراطية، لن تستطيع شركاتهم أن تسرق وتنهب ثرواتنا، لانّها ستكون تحت الرقابة الشعبية. لذلك كانوا انتقائيّين في اختيارهم للديمقراطيّة. فهم يطالبون بالديمقراطية في سوريا والعراق واليمن وتونس. بينما في بلدان ليس فيها دساتير ولا حقوق ‘نسان ولا احزاب ولا حقوق للمرأة ولا من يحزنون، تركت تتمتع براحتها الأبدية ولم يطالبْها أحد بالانفتاح الديمقراطي والاصلاح. ناهيك أنّ تلك الانظمة تابعة للولايات المتحدة ودول الغرب، بينما نظام كلّ من معمّر القذافي وبن علي والاسد ومبارك كانلامثل شوكة في خاصرة الغرب. لذا تمّت ازالتهم والعمل على تدميرهم واستنزافهم عبر قوى يسخّرها الغرب لمصالحه الجيواستراتيجية وتنفيذ اجندتها السياسية .
أمّا القول بأنّ عروش كل من تونس ومصر وليبيا والعراق سقطت لانهم لا يشكلون خطرًا، وأنّ النظام عميل غربيّ، لذا تمّ ابقاء في السلطة، هذا كلام ليس صحيحًا. الحقيقة هي انّ ما جرى في تونس ومصر، هي أنّ الجيش ،وهو اكبر قوة في البلاد، اتخذ موقف الحياد في معركة بين الشارع والنظام، فكانت النتيجة انّ الرئيس هرب في تونس وفي مصر جاء المجلس الاعلى للقوات المسلّحة وطلب منه التنحي، فالقى نائب الرئيس خطاب التنحي . ولو لم يتدخل المجلس الاعلى للقوات المسلحة او يطلب من الرئيس التنحي، لبقي المتظاهرون في ميدان التحرير حتى الآن. اذا دور الجيش كان حاسماً. اما الوضع في سوريا فيختلف، فالجيش منذ بداية الازمة وقف مع النظام. غير انه حدثت انشقاقات لا تذكر (الجيش الحر). لكن الجيش بقي موحداً ومتماسكاً. وطبعاً الجيش هو اهم مؤسسة في مؤسسات الدولة. هذا ما يخصّ العامل الاوّل. بينما العامل الثاني، في تونس ومصر هناك قدرٌ ما من الاندماج وليس هناك طوائف. كله مجتمع سنّي مالكي. كما ان هناك في مصر تعايشاً عمره آلاف السنين بين المسلمين والاقباط. والدولة المصرية لها تقاليد عمرها خمسة آلاف سنة، لا علاقة لتقسيمات سايكي-بيكو فيها. هذا الندماج للمجتمع التونسي والمصري ساعد على تخطي اختبار الانقسام والنزاع الداخلي والطائفي.
إن الواقع السوري يختلف تماماً. فهو يعاني من تركيبة فسيفسائي طائفي ومناطقي. ومع ذلك، فان الانقسام في سوريا لم يكن طائفياً، بدليل انّ القاعدة الاساسيّة للنظام السوري متشكل من السنة الذي يبلع نسبته 80%، والسؤال لماذا لم ينشقوا، وسمحوا للأقليّة التي توالي الرئيس ان تحكم؟ إنّ المدن الكبرى كدمشق العاصمة، هي سنية، اضافة الى حلب قبل التكالب التركي-الاميركي عليها، هي ايضا سنية. اذا هناك عوامل متعلقة بالتركيبة السوسيو- سياسيّة للمجتمعات العربية لعبت دواراً كبيرةً في الصراع المحتدم داخل البلدان العربية. وهنا اريد ان اثني على فكرة ان ما من نظام في الاساس سقط، من تونس الى سوريا. فالذي تغير هو رأس النظام، بينما النظام لم يسقط. فمثلاُ، لا يزال علي عبدالله صالح شريكاً في المعادلة السياسية في اليمن. فالذي تغير هو انهيار الاستقرار الداخلي والفوضى والحرب والتمزيق.
امام مشهدية هذا المأزق العربي والانسداد التاريخي، ماهي الاهداف التي يجب تحقيقها لبلوغ مشروع نهضوي عربي-اسلامي؟
اولاً، علاقة العرب بالنهضة ومشروع النهضة ليست حديثةَ العهد. فمنذ القرن التاسع عشر وسؤال النهضة يشغل بال النخب الفكرية والسياسية العربية. وذلك، منذ أن بدأ مشروع محمد علي في مصر في الربع الاول من القرن التاسع عشر، ومنذ انطلاق المشروع الفكري النهضوي مع رفاعة الطهطاوي ومحمد عبدو وعبد الرحمان الكواكبي حتى اليوم، هناك مشروع نهضوي. فما حصل هو انّ هذا المشروع اغتنى فكرياً في النصف الثاني من العشرينات. لكنّ هذا المشروع اصطدم بجملة من العوائق. أولها قبضة الاحتلال الاجنبي، لانه اجهض عملية تبلور هذه النهضة التي كانت انذاك تتكوّن، منذ ولادة مشروع محمد علي. وبعده جاء المشروع الكولونيالي وبعده المشروع الصهيوني الذي تولّد من المشروع الكولونيالي. ونحن نعلم ماذا فعلت إسرائيل في المنطقة العربية ضد مصر وسوريا والعراق ولبنان. ناهيك عن الشعب الفلسطيني وبعد المرحلة التي اعقبتها صعود النخبة الوطنية والقومية الى السلطة. هي مرحلة جذر بكل ما للكلمة من معنى، والتي اقترنت بالطفرة النفطية والانقلاب في ميزان القوى داخل البلاد العربية، بين مراكز الثورة ومراكز الثروات، بحسب محمد حسنين هيكل. واصبح القرار الذي كان يُصنع في القاهرة ودمشق وفي بغداد، يُصنع في عواصم النفط والغاز. وهذا قسَمَ موازين السياسة في الميدان الثقافي والاعلامي، حيث تغيرت منظومة قيم بكاملها في هذا الانتقال من عصر الثورة الى عصر الثروات. وكل هذه القوى التي تملك الثروات هي قوى تابعة عضوياً للسياسات الغربية والاميركية بشكل خاصّ.
انطلاقًا من هنا، هل يمكن اعتبار نظام الأسد تابعًا لأجندات أجنبيّة، كما هو حال دول البيترودولار، لذلك هم متمسكون به الى الآن؟
كلا!، لو أنّ النظام تابع لسياسة الغرب، لما تعرض لكل هذا التدمير والفوضى والتمزيق الاجتماعي والإرهاب والعقاب. فالحديث عن سقوط أنظمة وعدم سقوط أخرى ، كأن هناك مشروع اسقاط كل الانظمة العربية . فمثلاً في تونس فعلوا ما فعلوه، لأنّ النظام كانت له تبعية لفرنسا وليس لاميركا. ثمّ إن اسقاط بن علي هو بمثابة عقاب لفرنسا ونفوذها ايضاً، ومزاحمة للنفوذ الفرنسي في المغرب العربي. ما يهمّني ذكره هنا، انّ هناك مشروع عربي نهضوي، على الاقل فكريًّا، نعثر عليه في كل ما كتبه الرواد الكبار من المفكرين العرب منذ زمن رفاعة الطهطاوي حتى اليوم. ومشكلة هذا المشروع النهضوي العربي أنه لا يجد الحامل السياسي. وممكن ان نقول ان هذا الحامل كان موجوداً ايام محمد علي، وفي القرن العشرين ايّام جمال عبد الناصر، بينما اليوم لا يوجد اي حامل سياسي.
هل يمكن ان نعتبر أنّ حزب الله يمثل اليوم نوعًا من الارضيّة لهذا الحامل السياسي العربي في القرن الواحد والعشرين؟
ليس حزب الله ظاهرة عربية بل حزب موضعي. بمعنى أنه حزب مقاوم على الساحة اللبنانية في مواجهة الكيان الصهيوني. فهو ليس ظاهرة ناطقة بالوضع العربي. هو يشكل كيانًا ذات بوادر خير، من حيث أنّ ما فعله في مواجهة الغطرسة الصهيونية لم تفعله انظمة كاملة، وما اذاقه حزب الله من مرارات انهزام للكيان الصهيوني لم يُذقه اي نظام عربي لهذا الكيان الصهيوني. لكن لو تواجد حزب الله في مصرلاختلف الموضوع. لكنه متواجد في لبنان، ما يعني انه محكومٌ بالموقع الجغرافي والحاضنة الشعبية المحدودة وان كانت آثار فعله عربية على نطاق واسع. فالمجتمعات العربية تفتقر الى الحامل السياسي، لذلك يقول ماركس: ان الافكار تتحول الى قوة ماديّة حين تمتلكها الجماهير الشعبية. واذا لم تجد هذه الافكار الحامل السياسي وتصل الى القاعدة الشعبية، فهي تبقى مجرد افكار، بما في ذلك الاديان. فالمسيحيّة لم تستطع ان تصبح ديناً عالمياً، حتى تبنتها الدولة الرومانية، حيث خرجت من الشرق وانتشرت في العالم. كذلك الاسلام، لو لم تبنى دولة المدينة بالسيف وتتحول الى امبراطورية لما انتشرت في العالم.
هناك من يظن أن الخروج من ازمة الدين والذهاب باتجاه اصلاحات دينيّة، يساعد على الحد من التطرف والارهاب. لكن تجربة الحركات الاصلاحية، كالبروتستانت التي قامت ضد طبقة الاكليروس والبابا ومحاكم التفتيش، وحاربت صحوة الغفران، سقطت هي الاخرى في فخ العنف والالتزام الحرفي للكتاب المقدس حتى انها جاءت بقوانين أشدّ قسوة مما كانت عليه القوانين الكاثوليكية وتولد عنها التيوقراطية وجماعات كالانابابتست والبيروتيان التي تطورت وكانت بذرة الاصولية المسيحية الحديثة. سؤالي كيف تفسر هذا التقهقر لدى الحركات الاصلاحية عموماً اكانت علمانية تنويرية او اصولية دينية؟
كل فكر ديني لا يتطور. يصبح هو في ذاته سلفيّا، وهذا ما يحصل. إنّ الاصلاح الديني في النهاية اصبح حركة طائفية انتجت مذهباً جديداُ في المسيحية ولم تحلّ المشكلة. ثارت على منهج البابوية ونظام الاكليروس والتعاليم الكاتوليكية، لكنهّا انتهت الى إنتاج مذهب جديد وهو البروتستانت، فاصبحت المسيحية مذاهب تفاوتت بين بروتستانتية وارثوذكس وكاثوليك. في حين انها كانت ثورة وقفت في وجه استبداد المؤسسة الكهنوتية وألغت الدين ونصبت نفسها الناطق الرسمي باسم هذا الدين. وحاولت البروتستانتية من خلال مارتن لوثر ان تعيد الصلة المباشرة بين المؤمن والنصّ، من دون وسائط او كهنوت وربطت اليوم الكنائس بالدولة. اما في ما يتعلق بمجتمعاتنا العربية، إن الاخفاقات العلمانية الغربية، تعيق المجتمعات العربية من تبنيّ نموذج التجربة الغربية لبناء دولة علمانية، تُرسي البعد الانسانيّ ومنطق التسامح، والحديث عنه. اذًا التجربة الغربية صالحة وغير صالحة لنتبنّاها في المجتمعات العربية. اسمحي لي ان اقول إنه لم يحدث في التاريخ الاسلامي ان قامت سلطة دينية على الدين. فكل ما في الأمر، أنّ هذه السلطة تتوسل الدين لشرعنة نفسها، باستثناء دولة المدينة ايّام الرسول وحقبة الخلفاء الراشدين. فالدين كان ضرورياً لاكتساب السياسة مشروعيتها منذ الخلافة الأمويّة فصاعداً، مع فارق كبير. فالدين كان ضروريًّا لإكساب السياسة شرعيتها مثل الحالة السعودية وايران وغيرها. كان سبينوزا يقول إن قوة الدولة ان تحتكر الدين وليس النظام السياسي. ما يعني ذلك أن الدين مثل الثروة ملكية جماعية ولكي تحفظها وتمثلها، على الشعب ان يكون هو مصدر شرعيتها وتاتي الدولة في المقابل لتحفظ هذا التمثيل وهذه الشرعية وليس النظام السياسي. لذلك، على الدولة ان تبسط سيادتها على الدين، لانّها إذا لم تفعل ذلك، فسوف يصبح الدين موضع منازعة بين الاطراف، حيث كل فريق يدّعي لنفسه انه ممثل الشرعيّ، ويفرض على المخالف حكمه بالقوة. وبالتالي على الدولة إخراج الدين من المنازعات السياسية. ولو اننا نجحنا لما شهدنا اصوليّات دينيّة وسياسية. ولما شهدنا فريقًا يمارس الشرعية باسم الدين ويقول هذا هو الاسلام الصحيح. ولما شهدنا التكفير والكراهية (من النصرة وداعش والاخوان المسلمين).
لا احد يعترف بالاخر . الكل يكفر ويحسب نفسه هو الاسلام الصحيح. لذلك، يكمن الحلّ في اخراج الدين من لعبة الصراع على السلطة، ولا احد يستطيع فعل هذا الخروج سوى الدولة. فابسطوا سلطان الدولة.
ان مواقف الاصولية المسيحية المتعاطفة والمساندة للكيان الصهيوني نتيجة ابعاد دينية تثير لدى الكثير من المسلمين والعرب الارتياب والقلق، ويحول جديًّا دون قيام حوار حقيقي بين أبناء الارض الواحدة. الى أي حد يمكن ان ينجح الفصل بين معتقدات اصولية وبين واقع بكل تركيبته لقيام تعايش حقيقي يحترم الاختلاف بعيداً عن الرياء والباطنية السياسية؟
أوّلًا الغرب لا يقبل أن يُختصر بالمسيحية الاصولية أو الصهيونية المسيحية، لانّ في ذلك تصويرًا له كاركاتوريًّا من الكثيرين. فالغرب ليس أصولية مسيحية ولا يهودية مسيحيّة. كما ان العالم العربي الاسلامي ليس هو الاسلام الجهادي. هذه الصور النمطية التي كوّنها المجتمع نحو الاخر، يجب ان تنتهي لان دورها الوحيد، هو في دقّ الاسفين بين المجموعات البشرية والامم والثقافات. كما في الغرب طغاة مستبدون وقتلة، هناك ايضاً جماعات مسالمون وإنسانيّون وعلميون. كانت في البدان العربية جماعات اسلامية-عربية تفرّ الى الغرب وتحظى بظروف انسانية واجتماعية، وتحظى بالحماية والرعاية. كما هناك أيضًا جماعات شيطانية وطغاة وسفّاحون، هناك ايضا أشراف وقوميّون ولبراليّون وعلمانيون واصلاحيون تنويريون في المجتمعات العربية. انّ لغة المطلقات يجب ان تنتهي. فكل مجتمع مفتوح على التناقضات الداخلية. ان الغرب متعدد في داخله، مثله مثل البلدان العربية، والكلّ يبحث عن رديفه. لماذا هناك علاقة وحلف مقدس بين الرئيس الامركي جورج بوش والاستخبارات الجهادية؟ لان مصالحهم مشتركة. فمثلاً العولمة تخدم المشروع الارهابيّ، والمشروع الارهابيّ يخدم مشروع العولمة. إنّهما وجهان لعملة واحدة. كما هو أيضًا حال المتحررين والاصلاحيون والعلمانيون. لهم مصلحة مشتركة لانّهم ضد التمييز والعدوان والاحتلال والاستبداد والفقر والتخلف وكل اشكال الانتهاكات الانسانية. فالغرب هو الاصلاح والتنوير وحقوق الانسان والديمقراطية وليس فقط الاستعمار والصهيونية والكولونيالية.
ما هو السبب الأساسي الذي تردّون اليه فشل المشروع القومي العربي وايضاً اليوم المشروع الاسلامي؟
إنّ فشل المشروع النهضوي العربي-الاسلامي يعود لاسباب عديدة. شرحت هذه الاخفاقات العربية الاسلامية وشخّصتُها في كتابين لي، “العروبة الى العروبة” و”نقد الخطاب القومي”. حيث شرحت بالتفصيل واقع اسباب هذا العجز والانتكاسات العربية –الاسلامية . باختصار شديد، ان المشروع العربي كان فيه فجوة بين جانبه الفكري وجانبه السياسي والاجتماعي. فبمقدار ما كان المشروع الفكريّ متقدّماً، بقدر ما كان المشروع السياسي متخلفاً. ولم يُستثمر الجانب الفكري بشكل كافٍ. ثانيًا، ان المشروع القومي تعرض لاخفاق نتيجة التناقض بين قواه، مثلاً العلاقة بين مصر وسوريا والعراق. فعلى سبيل المثال العراق وسوريا كانا محكومين من قبل حزب واحد وهو حزب البعث. هذا التناقض الداخلي ساهم في استنزاف المشروع القوميّ، هذا على مستوى العلاقات بين أطرافه. ثالثًا، تأذى المشروع القومي كثيراً نتيجة العثرات والإدارة السيئة والخاطئة في الحكم، خصوصًا تلك المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان أو التنمية والاقتصاد. هذا ما خصّ الاخفاق لأسباب داخلية.
وبالتالي هناك ايضاً الاسباب الخارجيةـ كالحصار والامبرياليّة المستمرة واستخدام الادارة الصهيونية. كمخلب قطّ لضرب قوى هذا المشروع. اسقط جمال عبد الناصر في حرب 1967 واسقط صدام حسين في الغزو العراقي عام 2003 . واليوم هناك محاولة لضرب اي مقاومة واسقرار لدولة سوريا الصامدة امام عدوان العالم، يتم تخريبها وتدميرها بمنهجية مبرمجة، إمّا عن طريق الارهاب او عن طريق السلاح الكيمياوي. اضف انه لا يجب اخفاء الاثر المادي الفاضح للاثر الخارجيّ، على اسباب فشل المشروع القومي العربي-الاسلامي في تحقيق نهضة عربية.
في الختام، كيف يمكن حل مسألة الغرب الذي يحول دون تقدم المجتمعات العربية من اجل تحقيق اهداف هذا المشروع النهضوي؟
هذه معركة يجب ان يشترك فيها جميع بلدان الارض، بما في ذلك البلدان الغربية. وان اردت ان تقولي، ما هو شكل الواقع العربي في ما لو لم يتواجد فيه التهديد الغربي، اين سيكون مصير العرب. اقول لكِ ان الضغوط كانت ستخفّ علينا، ويمكن لنا حينها معالجة الازمات الداخلية واسباب الخلل الداخلي عندنا. فانتِ لا تستطعين معالجة الازمات الداخلية وانتي تحت الضغط والتهديد الخارجي. فالمسألة كمن يطالب على سبيل المثال النظام الاسد بالاصلاحات السياسية وهو يعيش في حرب اهلية.