المرجع الوحيد
هو قاموس الفلسفة المسيحيّة. نعم، قاموس في الشكل أوّلاً. لأنّه اتّخذ الترتيب الألفبائيّ تبويبًا للموضوعات، أو في غالب الأحيان، للأشخاص الذين عرض لهم.
وهو قاموس الفكر الفلسفيّ التوماويّ. توما الأكوينيّ الذي طبع الفلسفة المسيحيّة باسمه حتى تماهيا: “القدّيس توما الأكوينيّ… علامةٌ فارقة ونقطة محوريّة في تاريخ هذه الفلسفة. فمصادره شملت كلّ الفلاسفة قبله… أمّا اللاحقون، فما من لاهوتيّ أو فيلسوف مسيحيّ أتى بعد الأكوينيّ، واستطاع أن يتجاهله!”
ويحلّ “قاموس الفلسفة المسيحيّة” ثامنًا في سلسلة “مكتبة توما الأكوينيّ معلّم معلّمي الكنيسة”، التي تصدرها دار ومكتبة بيبليون، وقد وُلد في رحمها. فالمؤلّف الدكتور لويس صليبا الذي اهتمّ في كتابه “توما الأكوينيّ وأثره عبر العصور”، الأوّل في السلسلة المذكورة أعلاه، بالتعريف بالأعلام من الفلاسفة والآباء والأدباء الذين سبقوا القدّيس توما أو عاصروه…” في هوامشَ جاوزَتْ نصف حجم المتن، توفّرت لديه مادّة تصلحُ لنشرها في كتابٍ مستقلّ، فكان هذا القاموس. وقد أضاف إليه المؤلّف مجموعة مفكّرين وفلاسفة معاصرين، عالجوا الفلسفة المسيحيّة المرتكزة على التوماويّة، وقد فسّروها بأسلوبهم الحديث، بحيث وُلد في تاريخ هذه الفلسفة ما أُطلِق عليه اسم “الفلسفة التوماويّة المُحدَثة”.
وما يميّز هذا القاموس، سَعْيُ المؤلّف إلى تضمينه أعلامًا من كلّ بلد أوروبيّ أو أميركيّ أو أسيويّ عرف تيّارًا توماويًّا نما فيه وازدهر. وليس هذا بصعب، لأنّه على حدّ قول الدكتور صليبا: “حيث وُجد كاثوليكيّ أو اثنين، كانت التوماويّة ثالثهما”. من هنا نجد في القاموس أسماء منذ البدايات المسيحيّة، وقد لمعت كآباء للكنيسة، من حيث أصحابُها معلّمون فيها، أمثال كيرلّس الإسكندريّ وباسيليوس الكبير وترتليان والقدّيس أنطونيوس. كما نقرأ أسماء أحبار أعظمين كالبابوات بيّوس الأوّل وبيوس التاسع وبندكتُس الخامس عشر وبولس السادس حتى بندكتس السادس عشر المالك سعيدًا. لنصل إلى آباء معاصرين، منهم من غادر كالأب عفيف عسيران، ومنهم من لا يزال يَدفُق عطاءً كالخوري بولس الفغالي. وقد ضاهوا السالفين أهمّيةً وإشعاعًا.
في الحقيقة، إنّ من يطّلع على هذا النتاج الفريد من نوعه في المكتبة العربيّة، لا بدّ سيتعرّف أهميّة هذا
الفيلسوف المسيحيّ موضوعه، عنيتُ القدّيس توما الأكوينيّ، ومركزيّته بالنسبة للفلسفة المسيحيّة ككلّ. وسيتبيّن فعلاً عمق فكره اللاهوتيّ الذي يماشي جميع العصور وجميع البلاد في أقطار المسكونة. ويشهد من ناحية أخرى لمجهود المؤلّف وبُعد نظره في وضع هذا القاموس الذي يساعد الباحث في عالم الفلسفة واللاهوت، على إيجاد ضالّته في أيّة مادّةٍ يغوص فيها، بعمقٍ ومنهجيّة هو بأمسّ الحاجة إليهما.
أيضًا وأيضًا، جديرٌ ذكر هذا القاموس كمرجعٍ عربيّ وحيد على الأرجح، يعرّف بالفلسفة التوماويّة المُحدثة، بل بالتوماويّة الشاملة، أكاد أُضيف. وفي هذا خاصّة إضافيّة للكتاب الذي يصحّ فيه، على شموليّته التي تطال كلّ فيلسوف أو مفكِّر طالت دراسته القدّيس توما أو اتّكل عليه فيها، القول إنّه موسوعة تُغني المكتبة المسيحيّة العربيّة، بجديّتها والمادّة التي تقدّمها.
وها هو الدكتور لويس صليبا يقدّم لقرّاء الضاد عمومًا، ولِوالجي عالم الفلسفة والفكر المسيحيّ خصوصًا، مرجعًا جديدًا متخصَصًا، يُبرز بُعد نظره الأكاديميّ والعلميّ. وهو بهذا يضع نفسه موضع انتظار المثقّفين، عوالمَ جديدة وتراثاتٍ مغمورة تحتاج من ينفض عنها الغبار تفتُّحًا لآفاق وسدًّا لحاجات.
في 31 أيّار 2012
عماد يونس فغالي