ندوة حول كتاب الأيورفيدا والطبّ العربي
القسم الثاني من الندوة حول كتاب الأيورفيدا والطب العربي
“الأيورفيدا والطبّ العربي: دراسة في الطبّ الهندي وأثره في أرض الإسلام، مع تحقيق وشرح لـِ مقالة من جوامع كتب الهند لابن ربّن الطبري ت235هـ” كتاب للبروفسور لويس صليبا صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط3، في 375ص وتجليد فاخر.
كتاب جديد في موضوعه، لافت في طروحاته ومقولاته. فالعلاقة بين العالَم العربي والهند قديمة قِدم التاريخ، وكانت القرابة الجغرافية بين جزيرة العرب وشبه القارّة الهنديّة عاملاً حاسماً في نشأتها وتطوّرها واستمرارها حتى اليوم. وتتناول الدراسة هذه العلاقة من زاوية معيّنة ألا وهي التفاعل والتثاقف في المجال الطبّي. ونظراً لجُدّتها أثارت اهتمام الباحثين على امتداد العالم العربي، فتعدّدت طبعات الكتاب يقول المؤلف في مقدّمة ط2 (ص9): “كانت لهذا المصنّف أصداء حسنة في الأوساط المهتمّة بالطبّ العربي وتاريخه، وصلت إلى تونس وحتى إلى غزّة، وأبدى المتَخصّصون اهتماماً بالنظرية التي يطلقها الكتاب والقائلة إن الطبّ العربي محصّلة دمج مبتكرة للنظامَين الهندي واليوناني”
ولم تقتصر حلقات الحوار حول طروحات الدراسة على العالم العربي، بل وصلت كذلك إلى الهند. ويروي المؤلّف بعض ما أثارت دراسته من نقاش لا سيما في ما توصّلت إليه بأنّ للطبّ العربي أثراً حاسماً في الطبّ الهندي وقراءة النبض هذه الممارسة العريقة في الأيورفيدا أبرز وجوهه. (ص10).
وبشأن النظرية الأولى يقول المؤلّف في خلاصة بحثٍ مستفيض في الموضوع (ص125): “هذا ما فعله الأطبّاء العرب: أتاحوا فرصة ذهبيّة للتفاعل بين هذَين النظامَين الطبّيَين اليوناني والهندي، فدمجوا بينهما، وخرجوا بنظامٍ ثالثٍ جديد طبعوه بشخصيّتهم وإضافاتهم ومبتكراتهم”.
أمّا عن النظرية الثانية، والتي أثارت استغراب أطبّاء الأيورفيدا الهنود، فيقول المؤلف بعد أن يستعرض آراء العديد من الأطبّاء والمتخصّصين في تاريخ الطبّ من غربيين وعرب وهنود، ناقلاً عن علّامة هندي (ص145): “إن فحص النبض تبنّاه الأطبّاء الهنود نقلاً عن النظام الطبّي اليوناني/العربي Unani”
ولا يكتفي المؤلّف بهذه الخلاصة المهمّة المستندة إلى بحوث سابقيه، بل يروح ينقّب في المؤلّفات والمصادر الطبّية العربية، مستطلعاً ومتفحّصاً، فيجد أن معظمها عرض تقنيّة قراءة النبض، وطوّرها طريقة أساسيّة لتشخيص الأمراض. فالرازي (ت928م) دخل في تفاصيل النبض ودقائقه في كتاب “الفروق”(ص146)، والمجوسي (ت994)، تبسّط بدراسته في موسوعته “الكامل في الصناعة الطبّية”، وممّا قاله (ص147): “على الطبيب أن يرتاض في جسّ العروق زماناً طويلاً رياضة تامّة بعناية وفهم”
أما ابن سينا (ت1037) فكانت له مساهمات بارزة وحاسمة في نشر تقنيّة قراءة النبض وفي تطويرها. وقد خصّها بأرجوزة من أراجيزه ينقل المؤلّف نصّها الكامل (ص149-151)، ويشرحها بالتفصيل. وتوصّل ابن سينا إلى معرفة جنس الجنين في بطن أمّه بمجرّد جسّ نبضها. وينقل الكتاب (ص18) صورة لوحة فنيّة غربيّة، وهي قسم من زجاجيّات إحدى الكنائس الأوروبية تصوّر ابن سينا جالساً يجسّ نبض أحد مرضاه. واللوحة هذه لوحدها دليل على عمق مساهمة هذا الطبيب العربي العبقري في تطوير طريقة التشخيص بالنبض المبتكَرة ونشرها حتى عُرفت به وعُرف بها.
ومن أبرز ميّزات هذا الكتاب أنّه ينشرُ نشراً علميّاً الأثر العربي الوحيد المتبقّي في الطبّ الهندي. إنّه مقالة من جوامع كتب الهند لابن ربّن الطبري. ويمهّد لهذا النصّ الفريد بمقدّمة ضافية عن المؤّلف وعصره وأسلوبه (ص160): “أسلوب ابن ربّن يجمع بين الإيجاز والبلاغة إلى درجة تلامس أحياناً حدّ الإعجاز،كما الباب المقتضب في العطش”.
ولأنه موجز ومكتوب بلغة تقنيّة علميّة قديمة، فنصُ ابن ربّن الطبري يحتاجُ إلى الكثير من الشروح والتوضيحات لفهم معانيه، وهذا ما يعمد إليه المؤلّف في الحواشي، لذا نجد أن كل صفحة تحفل بالهوامش التي غالباً ما يفوق حجمها حجم المتن. وهو يعود إلى مصطلحات الطبّ الهندي (الأيورفيدا) الحديثة والقديمة ليفسّر ما يورده ابن ربّن والذي يبدو من دون هذا التفسير ضرباً من الطلاسم.
والخلاصة فالكتاب بمجمله مميّز في طرحه، وفريد في موضوعه.