“مذكّرات الشاعر أحمد الصافي النجفي”، دراسة وتحقيق د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل، في ط3، و 590ص.

“مذكّرات الشاعر أحمد الصافي النجفي”، دراسة وتحقيق د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل، في ط3، و 590ص.

أحمد الصافي النجفي (1897-1977) شاعر عراقي مبدع أحبّ لبنان، وجعله مسكنه ومهبط وحيه، وأمضى فيه زهاء 47 عاماً، ولم يغادره إلا مصاباً برصاصة قنّاص أردته أرضاً.

والنجفي في حبّه الجارف للبنان، وتشبّثه بأرضه، يذكّرنا بشعراء ومفكّرين عرب آخرين، أحبّوا لبنان وجعلوه مقرّاً دائماً لهم، يتنفّسون فيه هواء الحرّية المفقودة في بلادهم، وموئلاً وملجأ يحميهم من ملاحقة واضطهاد. وهل ننسى نزار قبّاني، وأدونيس، وكثراً غيرهما… رزق الله عَ هديك الأيّام.

ومذكّرات الصافي جزءٌ لا يتجزّأ من تاريخ لبنان المعاصر، ففيه عاش وأبدع. وروى ذكرياته لصاحب الفندق الذي كان يقيم فيه في صيدا، فدّونها هذا الأخير، وسلّم المخطوطة، قبيل وفاته، إلى محقّق الكتاب البروفسور لويس صليبا، فعمد هذا الأخير إلى تنظيمها وتصحيحها ونشَرَها مرفقةً بدراسة أكاديمية عن سيرة الشاعر وآثاره.

ومن سيرته نعرف أن النجفي عراقيّ الأب، لبنانيّ الأم، فوالدته من آل معتوق من الزراريّة/جنوب لبنان. وكان الشاعر فخوراً بانتمائه المزدوج هذا، ويعتبر أنّه يوحّد فيه بين البلدَين العريقَين (37):

فآبائي الصيد من هاشمٍ         وأخوالي الغرّ من عاملِ

أُوحّدُ سوريّة بالعراقِ           وأجمعُ لبنانَ في بابلِ

ومن قصيدة أخرى يقول:

كأنّي جاعلٌ لبنان داري       أسافر والداً وأقيمُ خالا

وبقي النجفي صامداً في لبنان، رغم الحرب الضروس، وكان يسكن غرفة على خطوط التماس، وفي يوم من ك2 /1976 خرج من مسكنه بعد أن بقي محبوساً فيه ثلاثة أيّامٍ من دون أكل، فتصيّده قنّاص، فنُقل إلى المستشفى، وفقد بصره فيها، وكان همّه منصبّاً على دواوينه المخطوطة، فجمعتها جارتُه ونقلتها إلى السفارة العراقية، أمّا هو فغادر إلى بغداد في 19/2/1976، وأنشد عند وصوله قصيدة عصماء جاء فيها (ص46):

يا عودةً للدارِ ما أقساها       أسمعُ بغدادَ ولا أراها

ولم تطُل فرحته بالعودة، إذ توفّي متأثراً بجراحه في 27/6/1977، ووري الثرى في ترابه في النجف، وعلى مقربة من مثوى جدّه الأعلى الإمام عليّ.

فللنجفيّ على لبنان واللبنانيين حقّ، إذ سقط شهيد حبّه وتشبّثه بأرض هذا الوطن الصغير، ولعلّ في الحفاظ على مذكّراته ونشرها بعضٌ من وفاءٍ وإحياءٍ لذكراه العطرة.

ويقول محقّق المذكّرات عن الصافي (ص6): “عاش زاهداً مترهّباً للشعر، وكانت له تجربة صوفيّة رائدة حاولنا فكّ رموزها وتظهير أبرز عناوينها”.

والصافي نفسه يصرّح أن (ص78): “الحياة التي يعيشها الرهبان هي الحياة التي يتمنّاها لنفسه”. ويضيف المحقّق معقّباً (ص79): “للشعر عنده قدسيّة مطلقة. وقد عاش سحابة عمره في خدمة شعره. أي أنّه خدم الشعر ولم يستخدمه”. فكان (ص83): “أبيّ النفس، يرفض التكسّب في الشعر، لا يبيع مشاعره بمالٍ مهما كان الثمن غالياً”. فعاش فقيراً معدماً، رفض مثلاً هبةً مالية من الرئيس السوري قيمتها 3000 ل س، كما رفض حتى مساعدة ماليّة من ابن أخيه، وعرضاً من 10 آلاف ل ل لإعادة طباعة ترجمته لرباعيّات الخيّام، وغيرها كثير. وكان يعتبر الشعراء التكسّبيين “نَوَر” لا شعراء. (ص81). وفي هذا السياق يقول عنه مارون عبّود شيخ النقّاد (ص84): “حسبه من التجديد أنّه لم يمدحْ ولم يرْثِ”.

اشتهر النجفي بترجمته الشعرية المبدعة لرباعيّات الخيّام، وعن سرّ نجاح ترجمته ورواج شعره يقول (ص8): “أنا أمين في ترجمتي وفي شعري، ففي ترجمتي لم أُدخل شيئاً من فكري، وفي شعري لم أُدخل شيئاً من فكر الناس”.

أمّا المحقّق فيدرس ترجمة النجفي للرباعيّات، وينشر في آخر الكتاب نصّها الكامل، ويقول في خلاصة دراسته لها، ومقارنتها بسائر الترجمات (ص119): “لا نغالي إذا قلنا إنّ ترجمته ليست فقط أدقّ الترجمات وأبلغها، وإنّما هي الذروة في نتاجه الشعري، وهي علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي، وفي مصاف الترجمات الخالدة مثل كليلة ودمنة”.

كتابٌ يجمع بين الطُرفة والإبداع الشعري والوثيقة التاريخيّة.

شاهد أيضاً

مداخلة هشام أبو جودة ابن شقيق الصحافي ميشال أبو جودة في ندوة كتاب “فؤاد شهاب ما له وما عليه” لـ لويس صليبا، الجامعة الأميركية للتكنولوجيا AUT، الفيدار-جبيل، الخميس 20 شباط 2025

مداخلة هشام أبو جودة ابن شقيق الصحافي ميشال أبو جودة في ندوة كتاب “فؤاد شهاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *