ندوة للمؤلف عن اليوغا ويوغا كمال جنبلاط
“حوار الهندوسية والإسلام والمسيحية: جنبلاط اليوغي وعلاقته بنعيمه والحايك”، كتاب للبروفسور لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في 500ص، وتجليد فاخر.
طغت هويّة كمال جنبلاط السياسي والزعيم الاشتراكي اللبناني والعربي على جوانب أخرى من شخصيّته، لا تقلّ عنها أهمّية، بل تفوقها: كمال بك المفكّر والكاتب وبالأخصّ المتصوّف واليوغي. وعلى هذه الجوانب التي غالباً ما أُغفلت شاء المؤلّف أن يسلّط الضوء. وأراد أن يكون مصنّفه خطوة فاعلة نحو كتابة سيرة فكرية وروحيّة متكاملة لهذا الكاتب والمتصوّف اللبناني.
وبين كمال جنبلاط واليوغا في لبنان علاقة جدلية لا تزال إلى اليوم راسخة في وجدان معاصريه: عُرف بها، وعُرفت به. فيوم لم يكن أحدٌ بعد في لبنان قد سمع باليوغا كان كمال بك يحاضر في الجامعة اللبنانية وغيرها عن اليوغا والتصوّف الهندي وأديان الهند وفلسفتها وتراثها، فكان من أوائل المستهندين في لبنان.
والباب الأوّل من الكتاب: “مدخل إلى اليوغا ويوغا كمال جنبلاط” (ص37-210)، يبحث في أركان هذا المسلك الصوفي العرفاني، وهذه الرياضة الفكرية والجسدية، ويبيّن أنها هي عينها أركان يوغا كمال جنبلاط. فهو يوغيّ أصيل استمدّ معرفته ومذهبه العرفاني من معلّمه الحكيم الهندي شري أتمانندا، وديوانه الفرنسي آنندا الذي “يتغزّل” فيه بمعلّمه هذا، ويرفع إلى حضرته أناشيد الحبّ والتبجيل يذكّر بديوان شمس تبريز لمولانا جلال الدين الرومي: كلّ منهما أُغرم بمعلّمه منذ النظرة الأولى، وكان وَجْدُهما هذا طريقهما إلى العرفان.
أمّا الباب الثاني فيروي فيه الكاتب تجربته مع يوغا كمال جنبلاط: كيف تعلّم اليوغا في مدرسته، وأيّة أسئلة وإشكاليّات طرحتها شخصيّة السياسي/اليوغي عليه: إنها جدليّة كمال بك تلميذ المهاتما غاندي، وقائد الحركة الوطنية الساعي بكلّ ما أوتي من قوّة ووسائل إلى الحسم العسكري في حرب السنتين 1975-1976.
أما الباب الثالث من الكتاب، فيدرس كمال بك من زاوية خاصّة: إنها علاقته المميّزة الفكرية والودّية باثنين من أعلام الفكر والفلسفة والأدب في لبنان: ميخائيل نعيمه والمونسنيور ميشال الحايك: مثلّث فكريّ عرفاني أرسى بلقائه وتعاون أطرافه وتفاعلهم أسس حوارٍ راسخ ومتين في موطن الأرز، لم تستطع عواصف الحرب الدمويّة أن تزعزعها.
كيف يقرأ المواطن اللبناني اليوم تجربة الحوار الاستثنائية هذه، وكيف يفعّلها، ويتفاعل معها، ويستثمرها ليومه وغده؟
“قدرُ هذا الوطن الصغير أن يكون أرض حوارٍ. فالحوار هو القاعدة التي بُني عليها، أمّا العنف والحرب فاستثناء، وهؤلاء الثلاثة الكبار: جنبلاط ونعيمه والحايك كانوا في لقائهم، ولا يزالون منارات لنظرائهم ومواطنيهم ليتشبّثوا بوطنهم فسحة لقاء وحوار من شأنها أن تنقل العدوى إلى كلّ الجوار”، يقول المؤلّف في ختام مقدّمته. (ص35).
إنها تجربة حوارٍ استثنائي تستحقّ أن يؤرّخ لها، وتُستخلص منها الأمثولات والعِبر. فقد شملت تقاليد دينيّة وروحية ثلاثة: الهندوسية والإسلام والمسيحيّة، أي الديانات الكبرى الثلاث في العالم تلتقي في لحظة استثنائية في التاريخ، وفي أصغر بقعة بين الأوطان، وعشية حرب أهلية طاحنة ضروس دكّت الحجر، وقتلت البشر. وذلك في شخص جنبلاط اليوغي بإرثه المزدوج الصوفي والتوحيدي الإسلامي والفيدانتي الهندوي، ميخائيل نعيمه المفكّر المسيحي المشبع بالفلسفة الهندوسية، واللاهوتي والكاتب المونسنيور ميشال الحايك.
ولم تقتصر هذه العلاقة الثلاثية على جلسات حوار شفويّ وحسب. فقد كتب جنبلاط عن نعيمه وإليه كما كتب عن الحايك. وكتب نعيمه عن جنبلاط وإليه ونقد مؤلّفاته، وناقش طروحاته. وكتب عن الحايك كذلك. ويجمع هذا الكتاب للمرّة الأولى هذه النصوص النفيسة ويحلّلها ويتوقّف عند ما جاء فيها من مسائل الدين والإنسان والوطن.
لماذا آثر كمال بك النعيميّة في مرداد على الحكمة الجبرانية في “النبي”. وكيف نظر نعيمه إلى شعر جنبلاط وفلسفته السياسية والدينيّة-التوحيديّة. وكيف قيّم كلا المفكّرين لاهوت الحايك المشرقي ومساهمته الفاعلة في الحوار المسيحي الإسلامي، أسئلة يجيب عنها هذا الكتاب بالعودة إلى نصوص المفكّرين الثلاثة هؤلاء ودراستها وتحليلها.