“الهندوسية وأثرها في الفكر الإسلامي بحسب البيروني (ت1048م)، للبروفسور لويس صليبا، صدر بالفرنسية في نشر مشترك عن دار بيبليون/باريس، ودار ومكتبة بيبليون/جبيل-لبنان في 250ص، وتجليد فني فاخر.
الكتاب هو في الأصل أطروحة للمؤلّف قُدّمت ونوقشت في جامعة السوربون. ثم صدرت في طبعة أولى 1995، وها هي تصدر مؤخّراً في طبعة جديدة مزيدة ومنقّحة. قدّم للكتاب أستاذ المؤلّف والمشرف على أطروحته المستشرق البروفسور بيير لوري. وممّا قال (ص11): “أنجز د. لويس صليبا واحداً من أكثر الأعمال فائدة وخصوبة، وذلك بوضعه مؤلّفات البيروني بمتناول جمهورٍ فرنكوفونيّ واسع. فمدّ جسراً جديداً بين عوالم ثقافية ودينية لا تتواصل عادةً قطّ.” ويتابع لوري فيشير إلى أهمّية مسار تلميذه الأكاديمي والبحثي، وسفراته المتعدّدة إلى الهند لمعرفة فكرها الديني والفلسفي من الداخل، فيقول: “والدكتور صليبا واحدٌ من أولئك المفكّرين اللبنانيين الذي يكوّن الانفتاح الفكري على العالم سمة أساسية في شخصيّتهم. فهو منذ سنواتٍ عديدة يجهد في فهم فكر الهند وحكمتها. وقد سافر إلى الهند مراراً وتآلف مع العقائد الروحية لهذا البلد، أو بالأحرى لهذه القارّة. وهذا الكتاب لبنة جديدة تُقدّم في سبيل فهم أفضل للآخر”. ويمضي البروفسور لوري مؤكّداً على أهمّية المساهمة العلمية لأطروحة صليبا، لا سيما وأنها تمرّ مباشرة من شرقٍ إلى شرق دونما حاجة للعبور بالغرب، فيقول: “ونلحظ أنه ولمرّة فهذا النقل من ثقافة إلى أخرى لا يمرّ بواسطة الغرب! ففي مجال الأديان المقارنة كما في مجالات أخرى فقد جعل الغرب نفسه في وضعية المحتكِر للتواصل بين الثقافات. فلفهم الآخر لا بدّ من المرور بالعلم الغربي. أما عمل باحثين من أمثال د. لويس صليبا فيكسر هذا الاحتكار بطريقة جدّ لافتة”.
وهنا يلفت لوري إلى ميزة بارزة في بحث صليبا، فالشرقي ولا سيما اللبناني مؤهّلٌ لفهم الهندي واستيعاب منظومته الفكرية والدينية والفلسفية، فكلاهما شرقيَين خلافاً للغربي. ويستشهد هنا بالكاتب اللبناني الفرنكوفوني أمين معلوف ليخلص بشأن أهمّية أطروحة صليبا وما من شأنها أن تفتح من آفاقٍ فيقول (ص12): “عندما سُئل أمين معلوف عن الهويّة اللبنانية كان جوابه: إن الانفتاح على العالم هو تحديداً ما يميّز سلوك اللبنانيين برأيه. ومن هنا فعمل د. لويس صليبا يفتح آفاقاً رائدة. فهو يبشّر بمجتمع جديد كي يرسّخ قايين نفسه فيه، فليس عليه أن يقتل أخاه، وإنّما أن يفهمه ويقدّره ويتقبّله”.
أمّا المؤلّف فيقول في مقدّمة الطبعة الجديدة من كتابه (ص13): “هذه المساهمة المتواضعة في دراسة البيروني وجدَت طريقها، وبسرعة، إلى مكتبات القرّاء. وإنّني لفي غاية السرور أن تكون هذه الدراسة عن البيروني قد لقيت هذا النجاح”.
وعن غايته من ترجمة النصوص البيرونيّة إلى الفرنسية يقول المؤلّف (ص14): “هدفنا ينحصر في أن ندع هذا العالِم يقدّم نفسه من خلال نصوصه مهما بلغ تنوّعها وتعدّدها”.
ويعرض الباحث إشكالية أطروحته كالتالي (ص19): “إن دراسة وتقصّي أثر الأفكار الهنديّة في الفكر العربي الإسلامي مشروعٌ طويل الأمد، وتكتنفه صعوبات جمّة، وذلك لأسباب عديدة أبرزها التالي: 1-لقد استمرّ هذا الأثر قروناً عديدة، وتجلّى في مؤلّفات العديد من الكتّاب المسلمين. 2-كان أحياناً غير مباشر: إذ ظهر من خلال ثقافات قريبة مثل الثقافة الإيرانية، أو حركات فكرية مثل الأفلاطونية المحدثة، الأمر الذي يجعل من عزله عملية صعبة ومعقّدة. 3-لم يكن بتاتاً موضوع بحث خاصّ، ولا نجد عنه سوى إشارات عابرة في مؤلّفات تناولت تأثيرات الأفكار والفلسفات الأجنبية في الفكر العربي-الإسلامي”.
وهنا يحدّد الباحث موضوع دراسته: “ولا يطمح هذا العمل إلى أن يسدّ هذه الثغرة. ولكن كي تكون أطروحتنا دقيقة ومحدّدة الموضوع عمدنا إلى تحليل المصنّف العربي الأول والأقدم الذي تناول تحديداً الفكر الهندي، ألا وهو “تحقيق ما للهند من مقولة” للبيروني”.
والقسم الأول من الكتاب يتناول البيروني في سيرته ومؤلّفاته ولا سيما في علاقته بالهند. والقسم الثاني يقدّم تحليلاً تاريخيّاً وتقنياً للكتاب ومصادره الفلسفية والدينية الهندية، ثم يدرس المنهجية العلمية البيرونية. أما القسم الثالث فيتبسّط في دراسة نصوص البيروني التي يعرض فيها الفلسفة والعقائد الدينية الهندية، ويتوقّف عند مقارناته بين الفكر الهندي واليوناني واليهودي والمسيحي والصوفي الإسلامي. ليخلص إلى الأهمّية المركزية لهذا الكتاب في علوم الأديان والأديان المقارنة.