تعريف وغلاف ومقدمة وفهارس كتاب “ديانة السيخ بين الإسلام والهندوسية: تاريخها، عقائدها، صراعها مع الإسلام وأبرز نصوصها المقدّسة”/ تأليف لويس صليبا
المؤلّف/ المترجم Author: د. لويس صليبا Dr. Lwiis Saliba
أستاذ وباحث في الدراسات الهندية والإسلامية/باريس
www. Thoughts.com/LwiisSaliba
عنـوان الكتاب : ديانة السيخ بين الإسلام والهندوسية
تاريخها، عقائدها، صراعها مـع الإسلام
أبـرز نصوصهـا المقدّسـة
Title : Sikh Religion: its history,
Believes, conflict with Islam
and sacred texts
عنوان السلسلة : أديان… وكتب مقدّسة 6
عدد الصفحات : 350 ص
سنة النشر : 2016 طبعة ثالثة مزيدة ومنقحة/ط2: 2011/
ط 1: 2008 .
تنضيد وإخراج داخلي : صونيا سبسبي
الطباعـة : مطابع دار ومكتبة بيبليون
الناشر : دار ومكتبة بيبليون
طريق المريميين – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان
ت: 540256/09 – 03/847633 ف: 546736/09
www.DarByblion.com
Byblion1@gmail.com
2016 ©- جميع الحقوق محفوظة
إهداء
إلى جندارك أبي عقل
صديقة، ومدقّقة لغوية:
منكِ تعلّمتُ الكثير.
لويس
سلسلة أديان … وكتب مقدّسة
تعريف
التوارة، الإنجيل والقرآن: كتب مقدّسة، ومَن لا يعرفها؟ فهي متوفّرة في المكتبات، ولها ترجمات في شتّى اللغات. المشكلة هي أن معرفة القارئ العربي بالكتب المقدّسة عند الشعوب تكاد تنحصر بالأسفار الثلاثة هذه. فما هي الكيتا؟ أو ما هو كتاب البوذية المقدّس؟ الخ… سؤال يحار هذا القارئ، غالباً، في الإجابة عنه.
لكل ديانة كتابها، وكلٌّ أهل كتاب. ولكلٍّ مفهومه في الوحي ومصادره. وعديدة هي الكتب المقدّسة التي لا تقلّ أثراً وتأثيراً في فكر الإنسان وحضارته عن أسفار الأديان الساميّة الثلاثة المذكورة أعلاه. ولكنّ المكتبة العربيّة لمّا تزلْ، حتى اليوم، تعاني نقصاً في توفير هذه النصوص.
وهذه السلسلة تطمح إلى أن تساهم، بقدر الإمكان، في ملء هذا الفراغ.
وتلتزم بتقديم أيّ كتاب مقدّس، لأي ديانة أو ملّة، مشفوعاً بدراسة جادّة هدفها التعريف وليس النقض. وتبتعد عن الانتقائية والاستنسابية والأحكام المسبقة. فكلُّ كتاب يعتبره أهله مقدّساً مرحّب به، ويمكن أن يشكّل حلقة في سلسلتنا. بغضّ النظر عن موقف الآخرين من قداسته.
وتجمع هذه السلسلة كتباً عريقة في القدم، إلى أخرى حديثة الظهور. فمن ريك ڤيدا الذي يتجاوز عمره ألوفاً سبعة من السنين إلى الكتاب الأقدس الذي يقارب عمره القرن ونيّفاً. أيّاً يكن زمن الكتاب المقدس، أو ثقافته، فله في هذه السلسلة مكان.
أملنا أن تُستقبل حلقات هذه السلسلة، بمثل ما أعدّت به من انفتاح ومحبّة وجدّية واهتمام.
سلسلة أديان … وكتب مقدّسة
صدر منها
1 – الكيتا كتاب الهندوسية المقدّس. ترجمة ودراسة د. ماكن لال شودري. 155 ص، 6$
2 – أقدم كتاب في العالم: ريك ڤيدا، دراسـة، ترجمة وتعليقات بقلم د. لويس صليبا. 590 ص، 14$
3 – كتاب الأقدس، كتاب البهائية المقدّس مع مدخل إلى الدين البهائي تاريخه وعقائده. 260 ص، 10$
4 – مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله نزلت بعد كتاب الأقدس ويليها ردّ على تحذير جبهة العلماء. 270 ص، 10$
5 – كتب البابيّة المقدّسة، فهرسها ونشرها وقدّم لها المستشرق إدورد براون. 270 ص، 10$
6 – ديـانــة السـيـخ بيـن الإسـلام والهندوسية: تاريخهـا عقائـدها، صراعـهــا مــع الإسـلام وأبــرز نصـوصـها المـقـدّسـة. د.لويس صليبا.
7– الدهمّاﭘـادا: كتاب البوذية المقدّس. ترجمة سحبان مروّة.
220ص، 8$
يصدر لاحقاً:
- التوراة السامرية.
- كنزا ربّا
مقدّمة المؤلّف للطبعة الثانية
عودة ثانية إلى ديانة السيخ، ويا طيبها عودة. عدنا والعود أحمد يقول المثل العربي. وهل أحلى من رفقة شُعراء مطبوعين ومتصوّفة أمثال غورو ناناك وأرجان وكبير وغيرهم؟!
وأبرز ما حَوَتْه هذه الطبعة الثانية من جديد، قصائد أخرى للشعراء/المعلّمين الثلاثة المذكورين. قصائد ترجمت عن مصادر لم تكُن بحَوزتنا حين إعداد الطبعة الأولى. وقد ذكرناها في مكانها.
وإلى ذلك فقد أدخلنا بعض الزيادات التاريخيّة لا سيما ما يختصّ بسيَر المعلّمين العشرة، وفنّدنا كتباً في السيخيّة والأديان صدرت بعد طبعتنا الأولى، ونقّحنا النصوص المترجمة عن الغرانت/كتاب السيخيّة المقدّس لتعرض في حلّة عربيّة قشيبة، وتكون في الوقت عينه أقرب ما يمكن إلى الأصل.
ولا يمكننا ختاماً سوى أن نبدي ارتياحنا لِما لقيَ كتابنا هذا من اهتمام في الأوساط السيخيّة في البلاد العربيّة ولا سيما في لبنان. فقد تناقلته بتقدير وامتنان أشعرانا بارتياح وبمسؤوليّة في آن.
ولسنا نزعم أن ما ضمّته دفّتا سِفرنا هذا يفي الموضوع حقّه، ويعرض لديانة السيخ من كل جوانبها وفي كل عقائدها ومراحل تاريخها. إنه بداية، وخطوة أولى لعرض لها وحديث عنها من الداخل، أي كما يفهمها أهلها ويحيونها.
وعسى هذه الخطوة تليها خطوات.
Q.J.C.S.T.B
باريس في 20/08/2010
مدخل إلى أبحاث الكتاب
لمعت فكرة هذا الكتاب في ذهني، للمرّة الأولى، خلال زيارتي لأمرِتسار/مدينة السيخ المقدّسة. وكان ذلك في 11 و 12/03/2001، زيارة جدّ مؤثرة كَنَست من خاطري الكثير من الأفكار والأحكام المسبقة عن السيخ وديانتهم. والأحكام المسبقة هذه تعود إلى بداية تعرّفي إلى ديانة السيخ، فقد سمعت بها للمرّة الأولى غداة استشهاد رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1984، وكان اغتيالها ردّة فعل على هجوم الجيش الهندي على المعبد الذهبي/أمرِتسار في حزيران من تلك السنة([1])، ولا أنكر أنني أحسست يومها بنقمة كبرى على جماعة “السيخ” هذه التي لم أسمع عنها من قَبل. فقد كنت أكنّ لأنديرا غاندي حبّاً واحتراماً كبيرَين. فهي ابنة جواهر لال نهرو، وتحمل اسم عائلة المهاتما غاندي الذي كنت ولا أزال أعتبره معلّمي الأوّل في اللاعنف، وأنديرا غاندي كانت تحمل شيئاً من ميراث المهاتما في اللاعنف. وطالما استشهدتُ بقولها الذي ترجمتُه لها في أحد كتبي:«إذا لقيت مصرعي بعمل عنف، كما يتآمر ويخطّط البعض، فإنني على يقين أن العنف يكمن في فكر القاتل وعمله وليس في موتي. فما من حقد مهما اتّسعت ظلمته بقادر أن ينال من حبّي لشعبي ووطني، وما من قوّة مهما عَتَت بقادرة على أن تثنيني عن عزمي ومسعاي لدفع هذا البلد إلى الأمام»([2]). وأَشدّ ما أحزنني في استشهاد أنديرا غاندي أنها رفضت مراراً تسريح العناصر السيخ من بين حرّاسها، وحجّتها أن لا عداوة بينها وبين هؤلاء، وأنّ ما فعلته في اجتياح المعبد الذهبي لم يكن موجّهاً ضدّ السيخ، وإنما كان هدفه الحفاظ على الهند وحدودها. وهؤلاء الحرّاس السيخ هم مَن غدروا بها وقتلوها. ولا أنسى أن تبرير السيخ، بغالبيّتهم، لهذا الاغتيال، بل وتبنّيهم له، زاد من نقمتي على هذه الجماعة، وجعلني أعتبرها “طائفة” أو فرقة تعتمد العنف والإرهاب.
كان ذلك، في مطلع الشباب، في العام 1984 كما قلت، ولكنّ زياراتي المتكرّرة إلى الهند منذ العام 1998 أتاحت لي الفرص للقاء كثير من السيخيين في معابدهم في دلهي وغيرها ما هيّأ الظروف والعوامل لتعديل هذا الحكم المسبق والمجحف، وحتى تبديده. والفرص المذكورة هذه تُوّجت بزيارتي إلى أمرِتسار، مدينة السيخ المقدّسة، يومها انقلبت فكرتي عن السيخ رأساً على عقب، وعاينت الوجه الآخر والحقيقي للسيخ: الجماعة المُحبّة، المنفتحة التي تؤمن بالأُخوّة الشاملة بين جميع البشر، وتعيش هذه الأخوّة. وتأثّرت بالكرم والعطاء المجّانيَّين اللذَين لمستهما في معبد أمرِتسار. وكذلك بالجو الروحي العميق السائد في ذاك المكان. انطباعات لمّا تزل راسخة في فكري ووجداني. وقد سجّلتُ الكثير منها في يوميات رحلتي. ومنها أقتطف ما يلي، مترجماً إلى العربية:
«أكتب الآن في وسط المعبد الذهبي في أمرِتسار. إنه جزيرة صغيرة داخل بحيرة الماء، ومكان مشحون، استثنائياً، بالتردّدات الروحيّة Vibrations Spirituelles. زرت الطابق الأرضي منه، والطابق الأوّل. أنا الآن في الطابق الثاني. وفي الطابق الأوّل والثاني أغمضت عَينَي وتأمّلت مصغياً إلى التراتيل الدينية التي تُنشد بشكل متواصل»([3]).
كل ما في هذا المعبد رائع الجمال: الذهب الذي يزيّن الأسطح والجدران، هندسة المعبد والمياه التي تحيط به. وكل ذلك يساهم في “شحن” هذا المكان بطريقة استثنائية. إنها بالفعل لنعمة أن يُتاح للمرء أن يعيش أوقاتاً مماثلة في مكان كهذا، وتستحقّ كل مشقّات السفر.
وزيارة المعبد الذهبي هي من أقوى لحظات رحلتي هذه إلى الهند.
لقد أُغرمتُ بهذا المكان، ليس فقط بسبب جماله الاستثنائي وحسب، وإنّما، وبشكل أخصّ، بفضل لحظات الهدوء والسكون التي عشتها في مختلف زواياه»([4]).
ومن زيارتي الثانية في اليوم التالي 12/03/2001 أقتطف الانطباعات والمجريات التالية:«للمرّة الثانية أمارس التأمّل في المعبد الذهبي، الطابق الأول. لم أشعر حتى بالوقت، لدرجة أنني ركضت بعدها مسرعاً لألحق بالباص.
لقد تأثّرت، بعمق، بروحانية السيخ. فهُم جماعة منفتحة وأصحاب رسالة شاملة.
معبدهم نظيف والدخول إليه منظّم، والاستقبال جيّد، والمياه المحيطة بالمعبد لها فاعليّة كبرى. إنها بحيرة اصطناعية كبيرة تعيش فيها أسماك من كل الأحجام. وفي مطعم المعبد يقدّمون وجبات مجّانية لألوف الزائرين كل يوم. ولكن لم يتح لي الوقت للمشاركة بواحدة منها.
ولم ألحظ في معبد أمرِتسار أيّ منحى تجاري على الرغم من أن بمقدور القيّمين عليه الاستفادة تجارياً في مجالات عديدة. فكل الخدمات: حفظ الحقائب والأحذية… الخ تقدّم مجّاناً. وحتى الكتيّبات السياحية وبعض الكتب توزّع من دون مقابل.
وبكلمة، المكان منظّم أحسن تنظيم، وهو مثالي للتأمّل والصلاة.
يبقى عليّ أن أعرف السيخيّة عن كثب. فهذه الزيارة أثارت فضولي والأصحّ حماستي أو اندفاعي لمزيد من البحث ودراسة هذه الجماعة التي أحفظ عنها، ومنذ الآن، انطباعاً جيداً»([5]).
هذا ما دوّنت يومها، وما خطر لي من مشروع بحث في ديانة السيخ. وكانت أوّل خطوة في هذا السبيل شراء ما أمكنني من مصادر ومؤلّفات بالإنكليزية عنها. فرجعت من أمرِتسار محمّلاً، بل مثقلاً، بالكتب. أضفت إليها ما وجدتُ بعد ذلك في دلهي وغيرها. فغدت حملاً يفوق وزناً وحجماً حِمل ابن رشد([6]). وهي المراجع المذكورة في مكتبة البحث.
ولكن ماذا عن استشهاد أنديرا غاندي، وهل أن زيارة أمرِتسار غيّرت موقفي من هذا الحدث الجسيم؟! بالطبع لا. ولكنني أدركت، ووعيت، كم أن تاريخ السيخ ووجدانهم مرتبط بأمرِتسار. فتاريخ هذه المدينة، ولا سيما معبدها الذهبي، يلخّص تاريخ السيخ ويجسّده. كم من مرّة دافعوا عن هذا المعبد وافتدوه بأرواحهم وبكل غالٍ! وكم من مرّة دُنّس هذا المعبد واستباحه أعداء السيخ، فاستردّه هؤلاء بدمائهم من الغزاة([7])لا سيما في القرنَين 18 و 19.!
فاستباحة المعبد الذهبي مجدّداً أصاب الوعي الجماعي عند السيخ بصدمة جديدة وعنيفة، ذكّرتهم بمآسي الماضي وما لقوا فيها من ظلم وعسف. فكانت ردّة فعلهم على الاحتلال الجديد عنيفة جدّاً. وغدوا مع حصار معبدهم كالقطّ الذي حُشر في الزاوية. فأخرج مخالبه، ودافع دفاع المستميت عن وجوده. ولست هنا بصدد تبرير عمل عنف وإجرام ذهبت أنديرا غاندي ضحيّته، وإنّما أحاول تفهّم بعض دوافع هذا العمل راجياً أن يكون مجرّد جزء من الماضي، وينطبق عليه المثل اللبناني:“ينذكر وما ينعاد”.
أعود إلى العهد الذي أخذته على نفسي في نهاية زيارتي القصيرة والمؤثّرة لأمرِتسار؛ لقد كانت أولى ثمارها قصيدة طويلة عنوانها أمرِتسار. مدينة الذهب والأنوار([8]) عبّرت فيها عن كثير من المشاعر والانطباعات التي رافقت زيارة الحجّ هذه وأعقبتها: وها أنا الآن أفي بكامل تعهّدي، وأقدّم للقارئ العربي ثمرة بحث ودراسة طويلَين في ديانة السيخ.
وما تبيّنته أثناء إعدادي لهذا الكتاب، أنني لم أكُن وحدي ضحية أحكام مسبقة وأفكار غير دقيقة ومغلوطة عن السيخ: بل إن غالبية القرّاء العرب يقعون فريسة المشكلة عينها. وهذا ما عرضت له في الفصل الثالث من الباب الثالث في هذا الكتاب. ولا حاجة هنا للتوسّع فيه. وديانة السيخ، كما بيّنت منذ الفصل الأول، عانت، ولا تزال، سوء فهم لها ولمبادئها وعقائدها.
ولعلّها أكثر الديانات التي لما تزل تعاني جهل الآخرين وسوء فهمهم لها. وليس كتابي هذا بقادر على اجتراح المعجزات في هذا الشأن. ولكنه يحاول، قدر المستطاع، تبديد الأوهام والمغالطات التي تملأ الكتب العربية وغيرها في ما يخصّ ديانة السيخ.
ومصنّفي هذا يعتمد المقاربة التي ألتزمها في دراسة الأديان المقارنة وتدريسها: أي دراسة الأديان من الداخل. فالظاهرة الدينية تتناول أعمق ما في فكر الإنسان ووجدانه. ولا يمكن، بالتالي، دراستها وفقهها كما لو كنّا ندرس أيّة ظاهرة طبيعية كسقوط المطر مثلاً. هذه المسافة، بين الذات (أو الباحث) والموضوع، الضرورية في العلوم البحتة، قد تكون عائقاً في علوم الأديان. فالظاهرة الدينية والروحية تختلف، نوعاً وجوهراً، عن الظواهر الطبيعة وحتى الاجتماعية وغيرها. ومقاربة الأديان من الداخل تعني أن نفهم الدين (أي دين) كما يفهمه أهله ويعيشونه. وأُولى شروط هذه المقاربة، كما سبق لي أن أوضحت «أن نصغي إلى الآخر كآخر ومختلف، وأن نجتهد لندعه يتكلّم، لا بل حتى أن نفرض الصمت لحين على وجهات نظرنا. وذلك كي نفهم هذا الآخر كما يفهم هو نفسه، وليس كما كنّا نتخيّل، أو نتمنّى فهمه قبل أن يتكلّم»([9]). لذا فالأَولَويّة في هذا الكتاب تعطى لنصوص ديانـة السيخ ومعلّميها ومفكّريها: كيف يفهم هؤلاء جميعاً عقيدتهم ويعيشونها؟ وكيف يميّزونها عن سائر العقائد والديانات؟.
ولكن إفساح المجال أولاً لمفكّري السيخ ومعلّميهم ونصوصهم المقدّسة لا يعني بتاتاً أن يكون الكتاب الذي نقدّمه مصنَّف دعوة وتبشير ونقد لسائر الأديان، كما هو شأن غالبيّة الكتب العربية، لا سيما منها ما يتناول الأديان وبالأخصّ الإسلام. فكتابنا هذا يعرّف بالسيخيّة كما يعرفها أهلها ويعيشونها، ولكن عرضنا يبقى تقريرياً موضوعياً. ولا يتجاوز ذلك مطلقاً إلى الدعوة إلى الدين الذي نعرض. فهذا ليس من العلم بشيء. والمقاربة الداخليّة للأديان هي، إذا صحّ التعبير، حدّ وسط بين حدَّين متطرّفَين: الدعوة والتبشير لدين ما، من ناحية أو نقده ونقضه، من ناحية أخرى. فلا هذه المقاربة، ولا تلك، لها مكان في البحث الرزين والموضوعي.
قلنا إن كتابنا يفسح مجالاً رحباً للنصّ المقدّس. ولا يغربنّ عن بالنا هنا أن مؤلّفنا هذا هو الجزء السادس من سلسلة أشرفنا على إصدارها منذ سنتين ونيّف في دار ومكتبة بيبليون، ألا وهي “سلسلة أديان وكتب مقدّسة”.
وهدف هذه السلسلة، تقديم أيّ كتاب مقدّس، لأية ديانة أو ملّة مشفوعاً بدراسة جادّة هدفها التعريف لا النقض.
من هنا ينقسم سفرنا بشكل طبيعي إلى قسمَين:
القسم الأوّل، دراسة ومدخل إلى ديانة السيخ ومعلّميها عقائدها وطقوسها وتاريخها وغيرها.
القسم الثاني، مكرّس لكتاب السيخيّة المقدّس: غورو غرانت صاحب.
وفي ما يختصّ بالقسم الأوّل فقد وفيناه هنا حقّه من حيث المنهجيّة والمقاربة. تبقى إشارة أساسية بشأن مقاربتنا، ألا وهي النزعة المقارنة. وهي برأي أستاذنا المستشرق بيير لوري “شرط أساسي لتأسيس علم الأديان”([10]). وإذا كانت هذه النزعة شرطاً لدراسة الأديان بشكل عام، فكم بالحري، بالنسبة إلى السيخيّة التي نشأت وترعرعت وسط دينَين آخرين، الهندوسية والإسلام. وتفاعلت معهما، إلى درجة أن بعض الباحثين اعتبروها، عن غير حقّ كما نبيّن لاحقاً، محاولة توفيق بين هذَين الدينَين. فهل يمكن بالتالي دراسة السيخيّة من دون مقارنتها بالهندوسية والإسلام، وتتبّع الأثر المحتمل لكل منهما فيها؟!.
بالطبع لا. فإذا كانت النزعة المقارنة أمراً ضرورياً في دراسة أيّ دين، فهي في البحث في السيخيّة أمرٌ إلزامي، لا جدوى للدراسة بدونه. من هنا توقُّفنا الطويل عند مسألة التفاعل بين السيخيّة والإسلام، من ناحية، والسيخيّة والهندوسيّة من أخرى. فكان لا بدّ من وضع الكثير من النقاط على الحروف بشأن العديد من المفاهيم السائدة في هذا الشأن. فبينّا أن التأثير المزعوم للإسلام في السيخيّة أمر محدود. في حين أن الصراع بين العقيدتَين والجماعتَين المتجاورتَين كان له أبعد أثر في التكوين الاجتماعي/الديني للجماعة الدينية الناشئة (السيخيّة) وتحويلها من جماعة مسالمة إلى مجتمع عسكري محارب. وبالأحرى مدافع عن وجوده واستمراره.
وبعد دحض الأثر المزعوم، حاولنا الإجابة عن السؤال الكبير:
هل السيخيّة ديانة مستقلّة أم مجرّد طائفة هندية/هندوسيّة؟ ولا ضرورة لتكرار الجواب هنا، إذ يمكن العودة إليه في الفصل الثاني/الباب الثالث، الذي يعرض للسيخيّة في علاقتها بالهندوسية وتفاعلها معها.
نصل إلى القسم الثاني من الكتاب والمختصّ بالنصوص المقدّسة عند السيخ. فالباب الأوّل منه مدخل ضروري لفهم “الغورو غرانت صاحب” كتاب السيخ المقدّس. وكان بودّنا تقديم النص الكامل لهذا الكتاب، ونقله من لغته (أو بالأحرى لغاته) الأصلية. ولكن ذلك يتطلّب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، كما بينّا في المدخل إلى الغرانت. فكان لا بدّ من اختيار النصوص الأكثر تمثيلاً أو إبرازاً للسيخيّة وعقائدها. وقد برّرنا اختياراتنا هذه، وقدّمنا لها. واجتهدنا أن تكون الأنطولوجياAnthologie التي نقدّمها كافية لإعطاء فكرة دقيقة وصحيحة عن ديانة السيخ عبر النص الأصلي. ولا نغالي إذا قلنا إن سِفْرنا هذا هو الأوّل والوحيد، حتى الآن، الذي يتيح للقارئ العربي رجوعاً إلى النصوص السيخيّة المقدّسة الأصلية. وهو الهدف الأساسي الذي قامت عليه “سلسلة أديان.. وكتب ومقدّسة” والتي تطمح “إلى ملء الفراغ الذي تعانيه المكتبة العربية في ما يخصّ النصوص الأصلية لكتب الأديان”.
على أمل أن يحتلّ سِفْرنا مكاناً له في المكتبة العربية، ويكون باكورة دراسات وترجمات تغطّي المزيد من نصوص السيخيّة وشؤونها، نستودع القارئ والباحث سلامنا، راجين اللقاء القريب.
Q.J.C.S.T.B.
د. لويس صليبا
السوربون/باريس في 16/09/2007
[1] – أنظر، الفصل الثالث/الباب الثاني من هذا الكتاب.
[2] – صليبا، د. لويس، إشارات، شطحات ورحيل، تقديم المستشرق بيير لوري، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2005، ص 65.
[3] – إنها التلاوة المستمرّة لكتاب السيخ المقدّس “غورو غرانت صاحب”.
[4]– Saliba, Lwiis, Journal de voyage, Inde, 2001, cahier N°4, p 68-69.
[5]– Saliba, Lwiis, Journal, op. cit, p 71.
[6] – تتحدّث الروايات أنه حين وفاة ابن رشد الفيلسوف العربي الأندلسي، وُضع جثمانه على دابّة، ووُضعت مجموعة من كتبه في الجهة الأخرى، ففاقت الكتب الجثمان وزناً وحجماً.
[7] – تاريخ أمرِتسار مبيّن في الفصلين الثاني والثالث من الباب الثاني من هذا الكتاب.
[8] – صليبا، د. لويس، مقامات الصمت والمدن المقدّسة مع ملحق في اليوغا والصمت، تقديم المستشرق بيير لوري، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون،ط1، 2008.
[9] – صليبا، د. لويس، صراع اليهودية والإسلام من منظور يهودية، دراسة وتحقيق لِزتاريخ اليهود في بلاد العرب، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2006، ص 4.
[10] – لوري، بيير، من تاريخ الهرمسية والصوفية في الإسلام، ترجمة وتقديم، د. لويس صليبا، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2005، ص 25.
المحتويات
كتب للدكتور لويس صليبا…………………………………… 2
بطاقة الكتاب………………………………………………. 4
إهداء…………………………………………………….. 5
سلسلة أديان… وكتب مقدّسة، تعريف…………………………. 6
سلسلة أديان… وكتب مقدّسة، صدر منها……………………… 7
مقدمة المؤلّف للطبعة الثانية…………………………………. 9
مدخل إلى أبحاث الكتاب……………………………………. 11
القسم الأول من الكتاب/الباب الأول: معلّمو السيخ سِيَرهم وعقيدتهم. 25
الفصل الأول: ديانة السيخ، ومؤسّسها وعقائدها……………….. 27
السيخيّة وسوؤ الفهم التارخي لها……………………………. 29
– غورو نانَك………………………………. 34
– عقيدة نانَك………………………………. 36
– طرق الصلاة…………………………….. 42
الفصل الثاني: معلّمو السيخ خلفاء نانَك وإنجازاتهم………………. 45
1 – غورو نانَك……………………………. 47
2 – غورو أنجَد……………………………. 48
3 – غورو أمَرداس…………………………. 49
4 – غورو رام داس…………………………. 51
5 – غورو أرجان………………………….. 52
6 – غورو هارغوبيند………………………. 53
7 – غورو هار راي……………………….. 55
8 – غورو هاركريشان……………………… 56
9 – غورو تيغ بَهادور……………………… 57
10 – غورو غوبند سينغ…………………… 59
إنجازات الغورو الخامس…………………………………… 60
أعمال الغورو العاشر……………………………………… 64
الفصل الثالث: السيخ بعد عصر المعلّمين وحتى اليوم………………. 69
من غوبند إلى رانجينت سينغ……………………………….. 71
رانجينت سينغ والمملكة السيخية…………………………….. 74
الصراع بين السيخ والإنكليز………………………………… 76
السيخ في الزمن المعاصر………………………………….. 77
– مجزرة أمرِتسار 1919……………………….. 77
– تهجير السيخ بعد تقسيم الهند………………….. 79
– حركة الانفصال والهجوم على أمرِتسار 1984……. 82
القسم الأول/الباب الثاني: طقوس السيخ ومعابدهم………. 86
الفصل الأول: احتفالات السيخ وأعيادهم…………………….. 88
الاحتفالات الأساسية عند السيخ……………………………. 91
1 – الولادة……………………………… 91
2 – الدخول في الخالصة…………………. 91
3 – الزواج…………………………….. 94
4 – الوفاة……………………………… 95
أعياد السيخ……………………………. 96
1 – بايساكها Baisakha…………… 97
2 – ذكرى استشهاد غورو أرجان…….. 97
3 – ديڤالي Divali……………….. 97
4 – عيد مولد غورو نانَك…………… 98
5 – موها موهالا Moha Mohala….. 99
الفصل الثاني: معابد السيخ ومدينتهم المقدّسة……………….. 101
معابد السيخ……………………………………………… 103
أبرز مكوّنات المعبد…………………………….. 106
1 – پراشاد Prashad……………………. 107
2 – الموسيقى………………………….. 107
3 – الغرانت……………………………. 108
4 – العَلَم………………………………. 108
أمرِتسار مدينة السيخ المقدّسة………………………………. 109
القسم الأول/الباب الثالث: السيخية وموقعها من الإسلام والهندوسية.. 113
الفصل الأول: السيخيّة والإسلام……………………………. 115
هل السيخيّة مزيج من الهندوسية والإسلام……………………. 117
السيخيّة في نظر مسلمي الهند……………………………. 119
عقيدة نانَك ردّة فعل على الهندوسية والإسلام……………….. 121
هل في السيخيّة مؤثّرات إسلامية:…………………………. 125
– توحيد نانَك والتوحيد الإسلامي………………… 126
– النموذج النبوي في السيخيّة والإسلام…………… 129
– تفنيد آراء المسلمين الهنود في نانَك……………. 132
– خلفاء نانَك ومزيد من المؤثّرات الهندوسية………. 133
– الصراع الدموي بين السيخ والإسلام……………. 135
– نقد سيخي للتوحيد الإسلامي………………….. 137
الفصل الثاني: السيخيّة وعلاقتها بالهندوسية……………… 139
السيخية والهندوسية……………………………………… 141
السيخيّة وتقاليد Sant…………………………………… 143
بعض الشعائر الهندوسية في السيخية……………………… 146
خاتمة: السيخيّة ديانة أم طائفة؟!…………………………. 149
الفصل الثالث: ديانة السيخ في المراجع العربية……………. 151
افتقار العربية إلى مراجع عن السيخيّة……………………… 153
دائرة المعارف المرجع الأقدم والأكثر موضوعيّة……………… 154
الموسوعة الميسّرة وأغلاطها………………………………. 157
السحمراني: تسرّع ومغالطات وسطحية…………………….. 159
قاموس المذاهب: أخطاء فادحة…………………………… 165
موسوعة المعرفة تنقل وتزيد من الأخطاء…………………… 167
موسوعة الأديان الحيّة تنقل عن السحمراني أخطاءه………….. 168
أديب صعب يقدّم عرضاً حيادياً موجزاً……………………… 173
المنجد ودائرة المعارف الهندية…………………………….. 176
القسم الثاني/غورو غرانت صاحب،كتاب السيخ المقدّس،
دراسة ونصوص………………………….. 181
الباب الأول/غورو غرانت صاحب، مدخل ودراسة………….. 183
جمع أناشيد الغرانت…………………………………….. 185
أناشيد الغرانت وأبرز تقسيماته……………………………. 186
الحفاظ على الغرانت من التحريف…………………………. 189
لغات الغرانت………………………………………….. 192
أناشيد غورو نانَك………………………………………. 197
أناشيد غورو أرجان……………………………………… 199
كبير: حياته، عقيدته، وأناشيده………………………….. 203
– سيرة كَبير…………………………………………… 204
– أسطورة وفاة كَبير ورمزيتها…………………………….. 207
– أناشيد كَبير في الغرانت……………………………….. 208
الباب الثاني: أناشيد غورو نانَك………………………….. 211
الفصل الأول: جاپجي صاحب……………………………. 213
مول مانترا…………………………………………….. 214
خاتمة الجاپجي………………………………………… 226
الفصل الثاني: أناشيد نانَك في الهندوسية والإسلام……………. 227
إجعل الحقّ قرآنك………………………………………. 229
ألف محمد على باب الله…………………………………… 231
الجسد هو الورقة……………………………………….. 232
أئمّة مزوَّرون…………………………………………… 234
اكتناه سرّ الدين………………………………………… 235
الديانة الحقة ديانة القلب…………………………………. 236
النجاسة الحقيقية……………………………………….. 237
المرأة…………………………………………………. 238
الباب الثالث: أناشيد غورو ارجان: سكون الفكر……………. 239
شلوك 1………………………………………………. 241
الأشتپادي الأوّل………………………………………… 243
الأشتپادي الثاني……………………………………….. 250
صلاة السيخ اليومية…………………………………….. 257
تحرّرت من الهندوسيين والمسلمين………………………… 258
الباب الرابع: أناشيد كبير……………………………….. 259
ليكُن عقلك كعبتك………………………………………. 261
لا نفع لما سنّه الأئمة لي………………………………… 262
الإمام الحقيقي…………………………………………. 263
مقرّ الله في القلب………………………………………. 264
ما فائدة الوضوء والسجود؟……………………………….. 266
الله ليس في الهيكل ولا الجامع…………………………….. 267
الڤيدا والقرآن مجرّد ألفاظ…………………………………. 268
لمَ الصراخ في الصلاة…………………………………… 269
ما جدوى القراءة إن لم تعرفه في قلبك……………………… 270
الهندوس والمسلم من طينة واحدة………………………….. 271
لو كان للختان منفعة لولد الناس مختونين…………………… 273
مصالحة المحدود واللامحدود……………………………… 275
في البدء لم تكُن ڤيدا ولا قرآن…………………………….. 275
إسمك كنزي……………………………………………. 277
راما أمي……………………………………………….. 277
الله بضاعتي……………………………………………. 278
حِكَم من الغرانت………………………………………… 279
الباب الخامس: نصوص مقدّسة سيخيّة بعد الغرانت…………… 283
ابتهال السيخ Ardas……………………………………. 285
قواعد السلوك السيخي……………………………………. 290
خاتمة الكتاب: بين حريّة التعبير واحترام مقدّسات الآخر…………….. 295
الملحق………………………………………………… 309
ملحق الصور…………………………………………… 320
مكتبة البحث…………………………………………… 323
فهرس الصوَر………………………………………….. 337
المحتويات……………………………………………… 341