تعريف وغلاف ومقدمة وفهارس كتاب “حدّ الردّة ركن التكفير”/تأليف لويس صليبا

تعريف وغلاف ومقدمة وفهارس كتاب “حدّ الردّة ركن التكفير”/تأليف لويس صليبا

 

المؤلّف/Auteur            : د. لويس صليبا Dr Lwiis Saliba

مستهند وأستاذ في الدراسات الإسلامية والأديان المقارنة

عنـوان الكتاب                 :  حدّ الردّة ركن التكفير

بحث في جذور الأصوليات التكفيرية في الإسلام

Titre                             : La peine de l’apostasie

Hadd Ar-Riddah

عدد الصفحات                 : 428 ص

سنة النشر                       : طبعة أولى 2017.

الإخراج الداخلي            : صونيا سبسبي

الـنـاشــــــر                    :              دار ومكتبة بيبليون

طريق المريميين – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان

ت: 540256/09-03/847633 ف: 546736/09

www.DarByblion.com

Byblion1@gmail.com

 

فذلكة الكتاب

مدخل إلى أبحاثه وطروحاته

وما من كاتب إلا ستبقى   كتابته وإن فنيت يداهُ
فلا تكتب بكفّكَ غير شيءٍ   يسـرّك يوم القيامة أن تراهُ

علي بن عبد الكافي تقي الدين أبو الحسن الأنصاري([1])

يطيبُ للكاتب أن يستهلّ دراسته بهذين البيتين، وطالما استوقفاه، واجتهد صادقاً أن يعمل بهما. وكلّما حبّر قلمه وهمّ باستخدامه تمثّل قول الشاعر هذا، وخشي العاقبة. فهو فانٍ والكلمة خالدة. ففي البدء كانت، وفي الختام لن يبقى إلا هي. ولو وعى ذلك أولئك الذين تُزهق أرواح الناس بسبب ما كتبوا، لتأنّوا ربّما، وكفّوا عن التكفير، واتقوا الله فيه.

نشأت فكرة هذا البحث من محاضرة ألقاها الكاتب في المؤتمر الفلسفي الدولي، ونُشرت ضمن أعماله([2]). وكان موضوع الرِدّة قد استأثر باهتمامه مذ عرف الإسلام، وهو ما يرويه في ف1 من هذه الدراسة، وقد بحث فيه في كتابين سابقين([3])([4]). وغالباً ما يقود الدرس والتحليل إلى جوانب ليست في الحسبان، وما كان يدور في خلَد الباحث أنه سيصل إليها. وهذه الجوانب إذا أحسن البحث فيها من شأنها أن تسفر عن اكتشاف جديد. وما  خطر للمؤلف في البدء أن حدّ الرِدّة، أو بالأحرى ما سمّي بحدّها وهو ليس كذلك، أساس كل تكفير في الإسلام. وكلّ هذا يقود حتماً إلى الحديث عن جديد هذه الدراسة، لا سيما وأن المكتبة العربية تحفل بالكتب التي تتناول موضوعها.

جديد الدراسة

وأبرز هذا الجديد: ربط الرِدّة بالإرهاب والتكفير السلفي الوهّابي، ومن هنا العنوان: “حدّ الرِدّة ركن التكفير”. ولكن ثمة أمور ونقاط أخرى يمكن إيجازها كالتالي:

1-الرِدّة ليست حدّاً، وحتى أكثر الفقهاء تمسّكاً بعقوبة قتل المرتدّ كابن تيمية وابن قدامة وغيرهما، أحجموا عن اعتبار الرِدّة حدّاً من حدود الله.

2-التركيز على توسّع مفهوم الرِدّة، ووجوب العودة إلى معناها الأصلي. وبالتالي التمييز بين المعنى القرآني للرِدّة، والمعنى الفقهي لها، وهذا الأخير مفهوم اصطلاحي متأخّر، كان ولا يزال، أساس تعميم الكفر والتكفير.

3-دور الفقهاء المشبوه والحاسم عبر تاريخ الإسلام في إيجاد مسوّغات للحاكم للقضاء على منافسيه ومعارضيه، وحدّ الرِدّة كان أبرزها.

لقد قسا الفقهاء على الناس، خاصّتهم والعامّة، لحساب الحاكم موظِّفهم ودافع أجورهم من بيت المال. والإمام الشافعي نفسه، وهو شيخ الفقهاء، يعترف بقسوتهم، يقول في بيتين يحلو للباحث الدكتور عبد الناصر العاكوم تردادهما:

فقيهاً وصوفياً فكن غير واحدٍ   فإني وحقّ الله إياك أنصحُ
فذلك قاسٍ لم يذق قلبه تُقىً   وهذا جهولٌ، كيف ذو الجهل يصلحُ([5])

يقول د. عبد الناصر العاكوم معقّباً على هذين البيتين: «فلا بدّ من الفقه، إلا أنه لا بدّ لنا من تحرّي درجة الإحسان، لأن ذلك في الدين والشريعة، بمثابة الروح من الجسد»([6]).

فإذا كان الإمام الشافعي، شيخ الفقهاء، يقرّ بأن الفقيه قاسٍ لم يذق قلبه تُقىً، فهل يعجب المرء بعدها من دور الفقهاء المشبوه في خدمة الحاكم، ما جعل الكثير من موسوعات الفقه خالية من أي إحسان وجسداً بلا روح!!

4-الفرق الشاسع بين الوقائع التاريخية، والمفاهيم والتوظيفات الفقهية التالية لها، فحروب الرِدّة في وقائعها ومجرياتها وحقيقتها التاريخية شيء، وهي في مطوّلات الفقه ومصادره شيء آخر مختلف تماماً. وخبرية حرق الإمام عليّ مجموعة من الزنادقة، والتي بُني عليها حديث قتل المرتدّ، ليست بواقعة تاريخية، وإنما وُضعت لترويج هذا الحديث، وتأسيس هذه العقوبة الظالمة.

5-حدّ الردّة المزعوم هو أساس الإرهاب المتجلبب بعباءة الإسلام. إنها أبرز نتائج البحث كما أسلفنا. ولا جدوى لكل محاولات التصدّي لهذا الإرهاب، إذا لم تقرن بسعي حثيث وجدّي لتجفيف منابع التكفير، وتفكيك آليّاته، وأبرز أركانها هو حدّ الرِدّة. فهذا التوسّع المبرمج والهادف بمفهوم الرِدّة، والذي استمرّ لقرون، كما يبيّن البحث، وكما يُستنتج من موسوعات الفقه المتتالية، هو في أساس الإرهاب الإسلامي الحالي. لذا فمن العبث التصدّي له إذا بقي مفهوم الرِدّة على حاله.

تضخّم مفهوم الرِدّة وخطره

لقد تضخّم مفهوم الرِدّة مع الزمن، حتى بات أكثر ضخامة من الإسلام نفسه، وبات يهدّد هذا الأخير وجوداً وتطوّراً. فإمّا أن يعاد تفكيك هذا المفهوم وآلياته، وإلا فسيكون خطره على الإسلام حاسماً ولن تحمد عُقباه. فحتى التكفير نفسه لا معنى له ولا خطر من دون الردّة وحدّها المزعوم. فالكافر الأصلي في اصطلاح السلفية الجهادية، أي من ليس مسلماً، إذا عاهد المسلمين عصم دمه وماله. أما المسلم الذي صُنّف مرتدّاً فلا عصمة له، وليس أمامه سوى السيف، أو الانضمام إلى السلفية الجهادية. والمسألة الأساسية في الإرهاب السلفي تدور حول تكفير المسلمين والحكم بردّتهم. ورِدّتهم هي ما يبرّر قتالهم وتنفيذ العمليات الإرهابية بحقّهم. ونظرة أولى إلى ارتكابات الحركات السلفية الجهادية تظهر أن تكفير الأنظمة الإسلامية  والحكم بردّتها هو أساس ما تقترف من جرائم إرهابية تزهق أرواح البشر، وتهدم الحجر. ومن هنا يأخذ حد الرِدّة أبعاداً غير منتظرة. لقد تضخّم حتى صار أكبر من الإسلام نفسه، وإذا استمرّ في تضخّمه فسيبتلع هذا الدين، كما يبتلع المارد سيّده، ولا بدّ من إرجاعه إلى القمقم الذي خرج منه، وإعادته إلى حجمه الطبيعي. فأين علاء الدين يحتال على المارد ويتحدّاه في العودة إلى القمقم ليقفله عليه؟!

حدّ الرِدة غدا، حقّاً اليوم، كالشجر قاتل أبيه([7])

ماذا الآن عن عمارة هذه الدراسة وبنيتها؟ خلافا للعادة لن يتمّ عرض ما في أبوابها وفصولها من عناوين ومواضيع، فهي معروضة مع ما تضمّنته من جديد في الخاتمة، ولا ضرورة للتكرار. ويكتفي الكاتب بمناقشة بعض ما تضمّنته الدراسة من محاور وعناصر وبُنى.

التراجم في الحواشي وأهميتها في هذا البحث

وأول ما يريد توضيحه مسألة التراجم في الهوامش. وطالما سُئل عنها. ولا شكّ أن حجم كتاب يسمح أحياناً بالتوسّع بالتراجم والنبذات، في حين يحول حجم آخر دون ذلك. بيد أن دور التراجم في هذه الدراسة بالذات حيويّ وأساسي. وقد حرص المؤلف على أن يكون محايداً، فترجم لمعارضي عقوبة الرِدة كما ترجم لمؤيديها، ولم يفرّق. لا بل اهتمّ خصوصاً بالترجمة للداعين إلى قتل المرتدّ، ففي جوانب معيّنة من سيرتهم، أو من شخصيتهم، ما يتيح فهم بعض خلفيات موقفهم وأسباب تشدّدهم. فابن قُدامة المقدسي عاش زمن الحروب الصليبية، بل وحارب الفرنج وشارك في معركة حطّين وتحرير المدن الساحلية. وهذه العوامل والظروف التاريخية المتأزّمة، يصعب فهم تشددّه في كفاح “الكفّار” ومجاهدتهم بمعزل عنها (ب3/ف2، فق: الرِدّة في الفقه الحنبلي). وعبد العظيم المطعني نشأ مع إخوته فلاحاً صعيدياً للأرض، وفي فلاحي الريف شدّة وقسوة لا نجدهما عند أبناء المدن (ب2/ف1، فق:الإعرابي الذي ارتدّ). ومحمد بن عبد الوهّاب  صحراوي استمدّ من باديته جفافاً في الخَلق والخُلق (ب4/ف2، فق:كل مسلم لا يؤيد). وحفيده الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ جار الزمن عليه فأفقده بصره في السابعة عشرة، فجار بفقهه وقساوته على الناس (ب4/ف2، فق: كل بلد مسلم). وأمثلة كهذه تكفي تبياناً لأهمية التراجم في حواشي هذه الدراسة.

الاستشهاد بمؤلفات الكاتب السابقة

وثمّة مسألة ثانية تحتاج إلى إيضاح. فقد لحظ البعض أن الكاتب يكثر في دراساته من الاستشهاد بمؤلّفاته السابقة، فغمز من قناته معتبراً ذلك نوعاً من الدعاية!

أما هو فيقول إن الهدف من العودة الدائمة إلى دراساته السابقة ومؤلفاته  ربطها ببعضها لتبدو، رغم تنوّع موضوعاتها وأساليبها، رزمة واحدة منسجمة العناصر والمكوّنات. وهذه الميزة التي يسعى جهده ليضفيها على مجمل مصنّفاته، تعلّمها من ألبير كامو (1913-1960) الذي طالما أُعجب برواياته ومسرحياته، كما ذكر في دراسة سابقة([8]) له. يقول الفيلسوف والناقد الأدبي عمانوئيل مونييه (1905-1950) Emmanuel Mounier ([9]) في ذلك: «يربط كامو كلّ كتاب من كتبه بآخر قريب منه. وهو بذلك يشجّعنا على أن ننظر نظرة سيستيماتكية نظامية إلى آثاره الروائية والمسرحية. فقصة مسرحيته “سوء التفاهم”  Le Malentendu تظهر في قُصاصة جريدة بين يديّ مورسو Meursaultبطل روايته الغريب، وقصة الغريب تُروى في حوار في [روايته] الطاعون، فيكون لها بالغ الأثر في بطلها كوتّار Cottard. فالكاتب يعْلمنا أنه يثابر، ليس على بناء شخصيات وحسب، بل وعلى علاقات [بين مختلف الروايات] كذلك»([10]).

هكذا سعى كاتب هذه السطور، على مثال كامو، أن يربط كل سفر جديد له بسابقه، أو بغالبية ما سبقه من أسفار، فتكوّن المجموعة نظاماً متناسقاً وبناءً متماسكاً. وهذا ما يُسمّى في علم الألسنية والمصطلح النقدي الحديث التناصّ الخاص، فالتناص :Intertextuality هو تداخل النصوص، وكل نصّ محكوم حتماً بالتناص، أي بالتداخل مع نصوص أخرى، والنص فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة. والتناص العامّ هو علاقة نصّ الكاتب بنصوص غيره، أما التناصّ الخاص، فهو علاقة نصوص الكاتب نفسه بعضها ببعض. والكاتب الحصيف هو من يعي التناص الخاص أي علاقة نصوصه ببعضها، وهذا ما كانه كامو ([11]).

العنف في النصوص المقدسة يترجم عدوانية وإرهاباً

وثمة نقطة أخرى يودّ الكاتب أن يثيرها، فخلال إلقاء محاضرته التي هي مادة ب5/ف1 رأى البعض أن ما حُكي عن تأثير الفقه في الإرهاب الذي يقع أكثر المجتمعات اليوم ضحية له مبالغ فيه. إنها مسألة أثر النصّ المقدّس، ولا سيما المقاطع العنيفة فيه، في توليد العنف والعدوانية عند المؤمن به. وهذه المسألة دُرست اليوم علمياً وكانت موضع تجارب واختبارات في علم النفس. وفي ما يلي عرض لواحد من أبرزها مقرون بتحليل لما آل إليه من نتائج واستنتاجات.

ففي دراسة تناولت علاقة العنف بالتدين، قامت بها مجموعة من علماء النفس سترد أسماؤهم في الهامش، بيّن هؤلاء أثر قراءة مقاطع كتابية بيبلية على عدوانية الطلاب الذين شاركوا في التجربة. أجري البحث في جامعتين، في الأولى Birgham Yong University صرّح 99% من طلاّبها أنهم يؤمنون بالله وبالكتاب المقدّس. في حين لم تزد هذه النسبة في الجامعة الثانية Vrije Universitiet Amesterdam عن 50% إيماناً بالله، و27% بالكتاب المقدّس. قرأ المشاركون من الفريقين نصّاً يصف تعذيب امرأة وقتلها، ثم آية معدّلة: {أمر الربّ إسرائيل أن يحملوا السلاح ضدّ إخوتهم ويعاقبوهم أمام الربّ}. وقيل لنصف المشاركين إن النصّ والآية وُجدا في مخطوط أثري، وقيل للنصف الآخر إنهما مستلاّن من سفر  القضاة. ثمّ اشترك الجميع في مسابقة يحقّ للرابح فيها أن يعاقب الخاسر بصوت صفّارة في الأذنين (حتى 105 Decibels ما يعادل قوة صفّارة إنذار الحريق.) واتّخذت قوّة الصفّارة التي اختارها الرابح مقياساً للعنف. وكما توقّع الباحثون، أبدى كلّ المشاركين، المؤمنين وغير المؤمنين كذلك ولكن بنسبة أقلّ، عدوانية كبرى عندما قيل لهم إن النص بيبلي، وإن الله هو الذي يأمر.

واستنتج الباحثون أن الإصغاء الانتقائي لمقاطع عنيفة من الكتب المقدّسة، تشدّد على عقاب غير المؤمنين، يزيد من خطر العدوانية والتصرّفات العنيفة والتطرّف. ([12])

أليس هذا تحديداً أثر النصوص الفقهية التكفيرية في نفوس جهاديي السلفية؟! تُحشى رؤوسهم بالنصوص والأحاديث التي تهدّد الكفّار وتتوعّدهم بعذاب أليم!! وقديماً سمّى المسلمون السلفيين وأهل الحديث “الحشوية” أي الذين يحشون رؤوسهم بالأحاديث حسنها وضعيفها لا فرق! وها هم حشوية هذا الزمن تتفجّر النصوص التكفيرية التي حشوا رؤوسهم بها عنفاً وإرهاباً يسقطُ الألوف ضحية له!!

منهج السلفيين الانتقائي

ولكي نكون منصفين، فالمسؤولية لا تتحمّلها فقط وحصراً النصوص الفقهية. فانتقائية السلفيين الجهاديين تلعب دوراً في الترويج للإرهاب وممارسته. ففقيه داعش أبو عبدالله المهاجر يأخذ مثلاً بقول أبي إسحاق الشيرازي: «وإن غصب خيطاً فخاط به جرح حيوان، فإن كان مباح الدمّ كالمرتدّ والخنزير والكلب العقور: وجب نزعه، وردّه لأنه لا حرمة له.» (ب4/ف2، فق:الحربي والمرتد دمهما كدم الخنزير)، ويطرب له. ولكنه بالمقابل يتغاضى عن الحديث الذي ينشره أبو إسحاق الشيرازي ويروّجه: «من أراد السلامة، فليطلبها من سلامة غيره.» وترويج تعليم سلامي كهذا يغفر للشيرازي زلاّت لسانه. بيد أن حديثاً من هذا النوع لا يعبأ به فقيه داعش، بل إنه يعتّم عليه وعلى أمثاله.  فهو يأخذ من كل فقيه أسوأ ما أتى به وأقساه. وانتقائيته هذه تجمع أشدّ ما عند الفقهاء وأكثره صلابة وإباحة للدماء، وتتجاهل عمداً أحاديث صحيحة مثل قول الرسول لأسامة: «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!» (متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود). فعند قدماء الفقهاء شدّة ولين. وليس عند فقيه داعش وأمثاله من أنصاف العلماء في عصرنا سوى الغلظة والفظاظة…والإرهاب. وفيهم ينطبق قول الحكمة اليوغية:

A little Knowledge is a very dangerous thing      قليل من المعرفة أمرٌ خطيرٌ جدّاً.

فهم يعرفون القليل، ومن هذا القليل يفجّرون ما بداخلهم من وحشية وأحقاد.

العمليات الانتحارية بدعة صرف

وهم كذلك يدّعون اتّباع السلف الصالح، ويزعمون العمل على إحياء السنّة وإخماد البدعة. وهل من بدعة أعظم من هذه العمليات الانتحارية التي تروّع البشر اليوم؟! فما من أثر لها لا في أقوال القدماء، ولا في موسوعات الفقهاء. وهذه الأخيرة لم تترك شاردة ولا واردة لم تحصها أو تتحدّث عنها، ومع ذلك فلا نجد فيها أية إشارة أو فتوى أو تبرير لعمل انتحاري. وليس في التقليد الإسلامي، ولا في تاريخ الإسلام وفقهه، سابقة للعمليات الانتحارية ولا مكان. إنها حقاً بدعة من بدع السلفيين الجهاديين وهرطقاتهم، والمفارقة أنهم يزعمون العمل على إخماد البدع.

وختاماً، فحتى لو سلّمنا أن الرِدّة حدّ، وهي ليست كذلك، فقد صحّ عن رسول الإسلام عليه أشرف السلام قوله: «إدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم»([13]). وما نراه، مذ باشر الفقهاء التوسّع بمفهوم الرِدّة، نقيض ذلك تماماً.   فهل من يتّقي الله ويعمل بسنّة الرسول هذه؟!

Q.J.C.S.T.B.ل.ص

باريس في 22/09/2016

[1]– ابن عبد ربّه الأندلسي، أبو عمر بن محمد (246-328هـ)، العقد الفريد،تحقيق أحمد أمين وآخرين، بيروت، دار الكتاب العربي، ط1، 1983، ج2، ص208.

[2] -صليبا، د. لويس، هل من حرية معتقد في الإسلام في ظلّ حد الرِدّة، ضمن حرية التفكير والاعتقاد أعمال المؤتمر الفلسفي الدولي 2-4 ك1/2015، بيبلوس/لبنان، المركز الدولي لعلوم الإنسان برعايةالأونسكو، ط1، 2016، ص121-154.

[3]-صليبا، د. لويس، عابر يلبس كهنوت المسيح سيرة الأب عفيف عسيران وروحانيته، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2014، ب3/ف5، ص472-483.

[4]-صليبا، د. لويس، الآثار الكاملة للأب عفيف عسيران، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2015، ب1/ف6 و ب1/ف7 و ب1/8، ص87-168.

[5] -العاكوم، د. عبد الناصر مهيب، في تزكية النفس، طرابلس/لبنان، ط1، 2009، ص152.

[6] -م.ن.

[7] -يقال عن شجرة الموز: شجر قاتل أبيه. لأن شجرة الموز، بعد أن ينضج ثمرها، يجب أن تُقلَع لتكبر إحدى الشتلات الصغيرة التي تفرّعت عنها. أو إنه بعد أن تنتج شجرة الموز ثمارها تيبس وتموت لتنمو الشجيرات الصغيرة على كعبها وتستمرّ بالنمو لتنتج الثمر، فتموت مجدّداً وتتفرّع عنها شجيرات جديدة، وهكذا دواليك، لذلك سمّي الموز قاتل أبيه.

[8] -صليبا، د. لويس، اليوغا في المسيحية دراسة مقارنة بين تصوّفين، تقديم د. بيتسا استيفانو، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط2، 2016، ص76-78.

[9] -ترجمنا له في: صليبا، د. لويس، قاموس الفلسفة المسيحية اللاهوت الكاثوليكي مصادره وفلاسفته، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2016، ص383-385.

[10]-Mounier, Emmanuel, Malraux Camus Sartre Bernanos L’espoir des désespérés, Paris, Seuil, 1953, pp67-68.

[11]-تناول المؤلف مسألة التناص في مقدمة كتاب له صدر مؤخراً، لذا فهو يحيل إليه مع ما فيه من إرجاعات تحاشياً للتكرار: صليبا، د. لويس، من خبايا التراث اللبناني صفحات مطوية من الزجل والتاريخ وأدب المهجر، جبيل/لبنان، ط1، 2017، ص 19.

[12]-Bushman B. J, Ridge R. D, Das E, Key C. W, Busath G. L, When God sanctions killing: effect of scriptural violence on aggression, Psychological Science, No18, March 2007, pp204-207.

[13]-أخرجه البيهقي والترمذي والحاكم النيسابوري، أنظر: العمر، تيسير، الرِدّة وآثارها، م. س، ص123.

 

 

 

محتويات الكتاب

كتب للدكتور لويس صليبا………………………………. 2

الإهداء………………………………………………………. 5

فذلكة الكتاب……………………………………………… 7

– جدلية الدراسة………………………………………….. 10

– تضخم مفهوم الردة وخطره…………………………… 11

– حد الردة غدا، حقاً اليوم، كالشجر قاتل أبيه………. 12

– التراجم في الحواشي وأهميتها في هذا البحث………. 12

– الاستشهاد بمؤلفات الكاتب السابقة…………………. 13

– العنف في النصوص المقدسة يترجم عدوانية وإرهاباً 15

– منهج السلفيين الانتقائي………………………………… 17

– العمليات الانتحارية بدعة صرف…………………….. 18

باب1/الإسلام والردّة وحقوق الإنسان …………. 19

ف1:دراسة الإسلام من الداخل………………………….. 21

– الآخر المختلف كان علامة استفهام………………….. 23

– تعلّمت الإسلام… في كلية الطبّ……………………… 26

– معرفة كتبية للإسلام في كلية الآداب………………… 29

– رؤيا صوفية تفك أسرار العلاقة……………………….. 30

– عيش الإسلام في جامع جبيل………………………….. 32

– دراسة الإسلام بين باريس والقاهرة………………….. 33

– التصوّف وجه الإسلام المشرق…………………………. 37

– رمضان بين الأزهر والحسين……………………………. 38

– ما أحببته في الإسلام…………………………………….. 40

– البسطامي شيخي ومعلّمي……………………………. 41

– دعوات متكرّرة للدخول في الإسلام…………………… 42

– مشكلة الباحثين في الإسلاميات……………………….. 43

ف2:عقوبة الردّة وحقوق الإنسان………………………. 47

– حقوق الإنسان: شرعة عابرة للبلدان والأديان……… 49

– الشرعة العالمية والمواثيق العربية والإسلامية………. 50

البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام……………… 52

إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام…………….. 53

قتل المرتد ضرورة لحفظ حرّية المعتقد؟!…………….. 55

نحر حرّية التعبير بمسوّغات شرعية……………………. 57

الميثاق العربي لحقوق الإنسان………………………….. 58

الجامعة العربية تقرّ حدّ الرِدّة في قوانينها…………… 60

– مفكّرون ضد حدّ الردّة…………………………………. 66

– حرية المعتقد في لبنان بين الدستور والواقع……….. 68

– من مفارقات حدّ الردّة…………………………………. 71

باب2/الردّة في القرآن والسيرة والحديث …….. 73

ف1:لا حدّ للردّة في القرآن ……………………………… 75

– لا إكراه في الدين قاعدة عامّة غير منسوخة……….. 77

حرية العقيدة في القرآن مطلقة………………………… 79

– آيات الردّة في القرآن……………………………………. 81

أ – آيات بلفظ الردة……………………………………… 81

ب – آيات الكفر بعد الإيمان……………………………. 83

– إجماع على أن ليس من حدّ للردّة في القرآن……….. 88

– الحدّ في القرآن شرائع لا عقوبة……………………….. 90

الحد في اللغة………………………………………………. 90

آيات الحدود في القرآن…………………………………… 92

ف2:لا حدّ للردّة في سيرة الرسول…………………….. 97

– لا أثر لحدّ الردّة في أفعال الرسول……………………. 99

– الإعرابي الذي ارتدّ عن الإسلام…………………………. 101

نصراني أسلم ثم ارتدّ………………………………………. 105

ابن أبي سرح ارتدّ دون عقاب…………………………… 106

مسلمون آخرون ارتدّوا…………………………………… 107

ف3:الردّة في الحديث النبوي……………………………. 109

– عكرمة ناقل حديث الردّة……………………………… 111

تضعيف رجال حديث عكرمة………………………….. 120

– نقد متن حديث الردّة………………………………….. 121

لفظة زنادقة لم تكن معروفة زمن عليّ……………….. 121

حرق عليّ أناس واقعة لم تقع…………………………… 123

النزعة الخوارجية في حديث عكرمة…………………… 125

النزعة التعميمية تضعّف حديث عكرمة…………….. 127

– حديث عِكرمة في الكتب الستة………………………. 130

حديث آحاد لا يفيد إلاّ الظن…………………………… 133

– حديث المارق من الدين……………………………….. 134

– الحديث الثاني……………………………………………. 134

مَن هو المارق في الدين؟…………………………………. 135

– حديث موطأ مالك……………………………………… 137

باب3/الردّة تصير حدّاً……………………………….. 139

ف1:حروب الردّة بين الحقيقة التاريخية ……………… 141

– المفهوم التقليدي لحروب الردّة ……………………… 143

– منع الزكاة موقف سياسي وليس ردّة………………… 146

وجوب التمييز بين متمرّد ومرتدّ……………………….. 148

– التوظيف الفقهي لحروب الردّة……………………… 151

– المستشرقون والقراءة النقدية لحروب الردّة……….. 152

ﭬـلهوزن: الردّة معارضة لحكومة أبي بكر……………… 153

– كايتاني: القبائل اعتبرت أنها غير ملزمة بأبي بكر…… 156

بيكّر: أكثرية القبائل المرتدّة لم تدخل في الإسلام…….. 160

حتّي: حروب الردّة لإخضاع قبائل غير مسلمة………. 162

لويس: الردّة إنهاء لعقد سياسي بموت طرف منه…… 165

– عرب ينقضون مفهوم حروب الردّة………………….. 168

عبدالرزاق: الردّة معارضة لأبي بكر…………………….. 168

آل ياسين: روايات حروب الردّة ضعيفة………………. 172

شوفاني: المؤرّخون اهتموا بتبرير الردّة لا بأسبابها……. 177

– الانحراف بمصطلح الردّة عن مفهومه……………….. 182

– سمّيت حروب الردّة لتبرير وحشيتها……………….. 184

ف2:الردّة ليست حدّاً………………………………………. 187

– الحدّ يعني الجريمة وعقوبتها في آن…………………. 189

ميزات الحدود……………………………………………… 190

– الردّة لا ترد ضمن الحدود…………………………….. 191

الردّة في الفقه الحنفي……………………………………. 194

الردّة في الفقه المالكي……………………………………… 194

الردّة في الفقه الشافعي………………………………….. 195

الردّة في الفقه الحنبلي……………………………………. 196

القدماء لم يعتبروا الردّة حدّاً…………………………….. 197

فوزي: الردّة جرم سياسي…………………………………. 198

مرسي: الفقهاء اتفقوا على أن الردة ليست حدّاً……… 200

لو كانت الردّة حدّاً لما صحّت فيها الاستتابة…………. 203

– الخلط بين الردّة والحرابة……………………………… 203

ف3:الإجماع المزعوم على حدّ الردّة………………….. 205

– دعوى الإجماع باطلة……………………………………. 207

عمر بن الخطاب يرفض قتل المرتدّ…………………….. 209

عمر الثاني على خطى جدّه في الردّة…………………… 211

سفيان والنخعي: المرتد يستتاب أبداً………………….. 212

– معارضو حدّ الردّة من المعاصرين……………………. 214

الشيخ الصعيدي: إجماع مدلّس………………………… 214

العلواني: الإجماع المزعوم ذريعة للقتل……………….. 218

العوا: عقوبة تعزيزية…………………………………….. 219

البنّا: إجماع يعكس روح عصر تغيّر……………………. 220

إدلبي: قتل المرتد جريمة…………………………………. 222

آراء القدماء والمحدثين تسقط مزاعم الإجماع……….. 223

باب4/الردّة أساس الإرهاب في الإسلام……….. 225

ف1:حد الردّة ركن التكفير ……………………………… 227

– تحريف مفهوم الردّة…………………………………… 229

– الردّة في اللغة……………………………………………. 229

– الردّة في الفقه……………………………………………. 234

توسّع مفهوم الردّة………………………………………… 236

تارك الصلاة يصير مرتدّاً………………………………….. 239

مَن لا يصوم رمضان مرتدّ………………………………… 243

الردّة إنكار ما هو معلوم بالدين……………………….. 245

الأنظمة التي لا تحكم بالشريعة مرتدّة………………. 248

– حدّ الردّة أساس التكفير………………………………… 249

ف2:الردّة في الفكر السلفي الجهادي…………………… 253

– الكافر والمرتدّ أساس فقه السلفية……………………. 255

– كل كافر حربي مباح الدم والمال……………………… 257

– كل مسلم لا يؤيّد السلفية الجهادية مرتدّ…………. 260

– كل بلد مسلم لا يقيم الشريعة دار ردّة……………. 263

– أولوية قتال أنظمة الردّة على أنظمة الكفر………… 264

– الحربي والمرتدّ دمهما كدم الخنزير………………….. 266

– حدّ الردّة أساس استراتيجية إدارة التوحّش…………. 271

باب5/الردّة الإرهاب الإسلاموفوبيا……………….. 277

ف1:من الردّة إلى الإسلاموفوبيا ………………………. 279

– ما أوّله تكفير آخره تفجير……………………………… 281

– الفوبيا في علم النفس………………………………….. 281

من الفوبيا إلى الإسلاموفوبيا…………………………….. 282

أنواع الفوبيا وموقع رهاب الإسلام منها……………….. 284

– الإرهاب والإرهاب المقدّس……………………………. 285

نصف إله ونصف وحش…………………………………. 288

– الإرهاب والإرعاب القرآني……………………………… 289

– الجهاد بالمفهوم السلفي إرهاب………………………. 291

– التكفير أساس الإرهاب الديني……………………….. 293

– حدّ الردّة ركن التكفير………………………………….. 296

أسباب انحراف مفهوم الردّة…………………………….. 297

التوظيف الفقهي لحروب الردّة………………………… 298

– الإعلام ودوره في تصنيع الإسلاموفوبيا وترويجها…… 304

الإعلام مسبّب للاكتئاب………………………………….. 304

داعش يتقن اللعبة الإعلامية……………………………. 306

إعلام داعش: بساطة ووضوح…………………………… 307

– دور الفقه في تصنيع الإرهاب والإسلاموفوبيا………. 310

الإرهاب وليد النصوص التكفيرية………………………. 314

الفضائيات ودورها في توليد الإرهاب………………….. 315

ف2:الإسلاموفوبيا والعلاقات………………………….. 317

– تاريخ إيران الديني ولحظاته الأربع…………………. 319

– لحظة خامسة: مواجهة الإسلاموفوبيا……………….. 320

– الإسلام بفئاته في مواجهة الوهابية…………………… 321

العرب انتصروا عسكرياً والفرس ثقافياً………………… 323

– إيران أقدر الدول على مواجهة الإسلاموفوبيا………. 324

– رسالتا الخامنئي لمواجهة الإسلاموفوبيا………………. 327

– رسالة الخامنئي2: بلاغة وودّ………………………….. 328

الشباب المسلم في الغرب: تنشئة تكفيرية……………. 330

دور الغرب في نشوء الحركات التكفيرية ودعمها……. 333

– رسالتا الخامنئي وخطاب البابا: محاكاة في الشكل.. 335

– الرسالتان والخطاب: مقارنة المضامين……………….. 338

البابا يؤكّد أن المسلمين مؤمنون………………………… 338

البابا يمتدح الحضارة الإسلامية والإمام يذم الحضارة.. 340

العنف في المسيحية والإسلام بين إقرار وإنكار……….. 341

الآخر المختلف قبولاً ورفضاً……………………………… 343

حقوق الإنسان بين المسيحية والإسلام…………………. 343

– الخطوة الثالثة المنتظرة………………………………… 344

ذبح الكاهن يهزّ الوجدان المسيحي……………………. 345

ف3:الأزهر في مواجهة الوهابية……………………….. 347

– حرب الفتاوى في عيد الميلاد…………………………… 349

الأزهر يفتي بجواز التهنئة………………………………. 349

الوهّابيون يردّون بتحريمها……………………………….. 350

فقهاء الأزهر: الأصل في الأمور الإباحة…………………. 351

المسلمون تركوا الجوهر ليتفرّغوا للقشور…………….. 352

– درس في الحوار المسيحي-الإسلامي من القرن3هـ…. 353

شيخ المتكلّمين يتعلّم من لاهوتي……………………….. 353

عقيدة أهل السنّة في القرآن مأخوذة عن المسيحية… 354

– شجرة الميلاد ألغت عادة وثنية……………………….. 356

– خاتمة…………………………………………………. 359

– مؤتمر علماء المسلمين في مواجهة الوهابية…………. 368

الوهّابية ليست من أهل السنّة………………………… 369

نمو العلوم يعني انحسار التكفير……………………….. 370

– الوهّابية خوارج العصر الحديث……………………… 370

ردّ لقب أهل السنّة إلى أهله……………………………. 372

الردّة عند الإمامية…………………………………………. 373

– عقوبة المرتدّ في الزرادشتية والإسلام…………………. 375

-ملحق مقالات للمؤلّف وعنه……………………. 379

بطاقة الدعوى إلى المؤتمر الدولي للفلسفة 2015……. 380

مجلة الحسناء …………………………………………….. 382

بطاقة الدعوى إلى المؤتمر التأسيسي للنفط2015…….. 384

مجلة فريال………………………………………………… 386

مجلة الربوع……………………………………………….. 389

شهادة تقدير……………………………………………….. 397

– مكتبة البحث……………………………………………. 399

– قائمة المختصرات…………………………………………. 412

– فهرس التراجم وسائر الحواشي………………………… 413

– المحتويات………………………………………………… 415

 

شاهد أيضاً

تعريف وغلاف ومقدّمة وفهارس كتاب وديوان “سائح على ضفاف الذات”/ تأليف لويس صليبا

تعريف وغلاف ومقدّمة وفهارس كتاب وديوان “سائح على ضفاف الذات”/ تأليف لويس صليبا المؤلّف Auteur    …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *