الأب جوزف قزي، الحوار الأخير، مقابلة على Zoom/حاوره ودوّن الحوار لويس صليبا، الأربعاء 28 نيسان 2021
(يوم الإثنين 30/5/2022 نحو العاشرة صباحاً رحل الأب جوزف قزّي المفكّر والكاتب وعالم الإسلاميّات. أسلم أبونا يوسف الروح في مستشفى سيدة المعونات/جبيل. وغادر عالمنا بصمتٍ وسكون. وكي تبقى ذكراه حيّة فينا نورد في ما يلي نصّ حوارٍ أجريناه معه على Zoom، وتسجيلاً كاملاً له، وهو على الأرجح آخر مقابلة معه، وقد ضمّنها ما يمكن اعتباره بمثابة وصيّته الفكرية والروحيّة).
رابط Link على اليوتيوب لمشاهدة هذه المقابلة بنصّها الكامل:
تقديم: الأب جوزف قزي ملأ الدنيا وشغل الناس ردحاً طويلاً من الزمن، ولا سيما بكتبه التي أصدرها باسم مستعار. فمن المحيط إلى الخليج كانوا يسألون عن هذا الذي ألّف كتب الحقيقة الصعبة. واليوم وقد استعمرته الشيخوخة يُمضي الأب جوزف قزي أيّام تقاعده في ديره الذي طالما أقام فيه واستحبس ليقرأ ويكتب. وآخر ما صدر كتابٌ عنه: ثوّار من الجيش الأسود: رهبان لبنانيّون مشوا عكس السير.
الأب جوزف قزي
أبونا جوزف: أن يصدر كتابٌ من تأليفك، فليس هذا بالجديد، فلك عشرات الكتب التي وضعتها خلال مسيرتك الكتابية الطويلة. لكن أن يصدر كتابٌ عنك، فهذا أمرٌ آخر. فما هو شعورك وأنت تقرأ كتاباً عنك؟
-(مبتسماً ضاحكاً) الجواب عليّ؟!
أكيد، فعليّ أن أسأل، ولك أن تجيب.
-يا أخي لستُ مغروراً بنفسي إلى هذه الدرجة. لكنّني أكون مسروراً جدّاً أن فكري يتغلغل بين الشباب، وفي مجتمعي، وهذا لا يعني الغرور.
-أبتِ المسألةُ ليست مسألة غرور. فكتبك، ما شاء الله، بعض الكتب أعيدت طباعتها 15 مرّة. فأنتَ لست نكرة، ومؤلّفاتك عرفت رواجاً في كلّ أنحاء العالم العربي، في حين أنّك مشهورٌ بأسماء مستعارة أكثر ممّا أنت معروف باسمك الصريح. وهذا لأسباب عديدة. لكن فكرك انتشر، واشتهر. وكتبك تُرجمت إلى الفرنسية وإلى الإنكليزية، ولم يُتَحْ لمؤلّفين كُثر غيرك في لبنان أن تُتَرْجَمَ كُتبهم إلى لغاتٍ عالمية. ونحن فخورون بك، وإن كنتَ أنت متواضع، ولا تحبّ أن تتباهى بما أنجزتَ. ولكنّك كتبت وألّفت، كمّاً كبيراً من الكتب. و{من ثمارهم تعرفونهم} (متى7/20)، يقول السيّد في إنجيله، وثمارك، ما شاء الله، كثيرة. وسؤالي الثاني وهو متفرّع عن الأوّل:
-عشتَ حتى الآن عيشةً منزوية مستحبساً في ديرك تقرأ وتكتب. فلماذا هذا الانزواء؟! وهل تتجنّب الشهرة؟
-ليس قصدي أن أتجنّبَ الشهرة، ولكن عملي يقتضي منّي أن لا أضيّع الكثير من الوقت في المجتمع. قضيتُ وقتي أكتبُ وأقرأ وأغوص في المواضيع التي بحثتُها. وهي مواضيع كانت تتطلّبُ شيئاً من الجرأة والانزواء عن المجتمع. لهذا السبب كانت هذه مسيرتي وسلوكي في حياتي. هذا بالإضافة إلى أنّني بطبعي غير منفتح تماماً على مشاكل العالم، وعلى الأمور السياسية والاجتماعية وما أشبه. أنا تعمّدتُ أن أنزوي حتى أتفرّغَ لما أنا مقتنعٌ به. وبقيّة المواضيع التي كتب فيها الآخرون يمكن لكلّ الناس أن يكتبوا فيها. أمّا المواضيع التي كتبتُها فلا أظنّ أن كلّ إنسانٍ قد يتجرّأ أن يكتب فيها. ولهذا السبب اقتضت منّي هذه العزلة.
-هل تعني بذلك أن المواضيع هي التي أملت عليك هذه العزلة وهذا الاستحباس كونك كتبتَ في الإسلاميّات وفي الفرق الإسلامية؟
-المواضيع التي اخترتها، أكانت إسلامية أم مسيحية، أم لاهوتيّة كلّها فيها شيء من الجرأة وخروج عن المألوف. والذين يقرأونني هم يشهدون على ما أقول.
-هل تعتبر أن هذا الانزواء كان عاملاً أساسيّاً في هذا الخصب في الإنتاج إذ أربت مؤلّفاتك على الأربعين كتاباً. فهل جاءت هذه الكثرة بنتيجة الانزواء؟
-لا يستطيعٌ أحدٌ أن يكتب هذه المواضيع التي فيها شيء من السرّية ومن الجرأة، وأن يكون منخرطاً في المجتمع. فالمواضيع هي نفسها اقتضت منّي أن أنزوي، وأن لا أختلطُ كثيراً بالمجتمع. ولا يمكن لأحد أن يكتبَ بهذا الأسلوب، وأن يكتب ما كتبتُ في هذه المواضيع، ويحيا في الوقت عينه حياةً عاديّة. فيجب أن ينزوي وأن يتفرّغ. وعليه أن يبتعدَ عن المجتمع.
-ألم يزعجك هذا الانزواء بتاتاً، أم أنّك تعوّدتَ عليه وكان خياراً لك؟
-تعوّدتُ عليه، نعم، وهذا خيارٌ متعمّد. تعمّدتُ هذا الخيار وهذا النمط من الحياة. وفي أيّةِ حالٍ فالحياة الرهبانية التي أعيشها هي تتطلّبُ منّي هذا الانزواء. إذ لا يمكن للراهب أن يكون منفتحاً على المجتمع كبقيّة الناس، وأنا بطبعي أحبّ الخلوة والكتابة والتفكير الجدّي في الحياة. ولقيتُ استحساناً من الناس لهذا النوع من الحياة.
-بالحقيقة فإنّني أطرح عليك هذا السؤال لأن من رأى الكتاب الذي صدر منذ أيّام: ثوّار من الجيش الأسود، وفيه صور لك ما جعل الناس يطرحون عليّ السؤال كمؤلّفٍ للكتاب: أهذا هو الأب قزّي؟! ذلك أن الكتاب السابق، والذي جمع عدداً من الدراسات عنك وعنوانه “الثائر لله” لا يتضمّن أية صورةٍ لك. فالناس كانت متشوّقة نوعاً ما أن ترى لك صورة. فلِمَ حتى أنتَ لم تشأ أن تنشر صورةً لك؟! وهل هذا جزء من الانزواء الذي تتحدّث عنه؟
-ما الفائدة أن يرى الناس صورتي، ويتعرّفوا عليّ من خلال الصورة؟!
أرى أن الفائدة الكبرى تكمن في أن يتعرّفوا عليّ من خلال تفكيري، من خلال كتاباتي، وليس من خلال الصورة، فكلّ الناس لها صوَر، وهذه ليست ميزة يختصّ بها كاتب.
-أبتِ: بعد نحو 75 عاماً من الحياة الرهبانية والديريّة ما هو شعورك وأنت تنظر إلى الأيام الخوالي؟ وهل تعتقد أن الترهّب كان خياراً صحيحاً لك؟
-أظنّ أن الحياة الرهبانية أفادتني كثيراً كي أنطلقَ بطريقة جدّية في تفكيري وفي سلوكي. علّمتُ في المجتمع، وكنتُ منقطعاً عن المجتمع. وحياتي الخاصّة عشتها حتى أتفرّغ لهذا الفكر، ولهذه الأبحاث التي قمتُ بها.
-أنت تنتمي إلى رهبنة أنبتت قدّيسين أمثال شربل ورفقا والحرديني والأخ أسطفان، كما أن لها، من ناحيةٍ أخرى، تاريخ أبالسة كما تقول. فأين أنت من الفريقَين؟!
-الحياة الرهبانية في الرهبنة اللبنانية المارونية التي أنتمي إليها حياةٌ يعرفها جميع الناس. والرهبان يختلطون بالمجتمع اللبناني اختلاطاً كبيراً، أكان ذلك في رسالتهم، أم في عملهم بالمجتمع في الرعايا والمدارس وغيرها. فأنا عشتُ هذه الحياة التي يعيشها الرهبان بالتمام. وهذه حياة فيها بالحقيقة من الصعوبات الكثير. إذ لا يمكن أن تكونَ راهباً 100% وتعيش في الوقت عينه حياةً منغمسة بالمجتمع اللبناني. لا يمكنك أن تعيش حياةً رهبانية، وفي الوقتِ عينه أن تعيش حياةً وطنيّة واجتماعية. لهذا السبب فالحياة التي عشتُها ساعدتني لأفكّر بما أكتب وبما أنا مقتنعٌ به. الحياة الرهبانية هذه ساعدتني كثيراً، وأظنّ أن أيّ أحدٍ غيري يريد أن يعيش ويتفرّغ لإنتاجٍ فكري وعملٍ كتابي فهو لا يستطيعُ ذلك إلا بالتخلّي عن المجتمع.
-هل تعني بما قلتَ أنّك عشتَ حياة خلوةٍ ونسك مثل القدّيس شربل؟
-أنا أعتقد أن الحياة الرهبانية التي أعيشُها أي في الرهبانية اللبنانية المارونية هي حياة فيها ازدواجية: يعني أن تعيش النُسك، وتعيش العزلة، وتعيش الحياة الرسولية كذلك. فالحياة الرهبانية اللبنانية المارونية فيها من النمطَين. وحياتي بالواقع لم تكن منقطعة تماماً عن المجتمع وعن العالم: إذ كنتُ رئيس دير، وكنتُ مدير مدرسة، وكنتُ أستاذاً أعلّم في المدارس وفي الجامعة أيضاً. ولهذا السبب لم أنقطع عن العمل في المجتمع ومع الشبيبة، كما أنّني لم أتفرّغ لهذا العمل تفرّغاً تامّاً ونسكيّاً. لأن الحياة الرهبانية في كنيستنا هي كلّ شيء وليست نمطاً واحداً من الحياة.
-أبتِ: أودّ أن أسألك تحديداً عن القدّيس شربل، لأنّني أراك متعبّداً له. فماذا عنى لك، لا سيّما وأنّك كتبتَ عنه الكثير؟
-في الواقع لقد خلّصنا القدّيس شربل. شربل بسيرته وبحياته خلّص كالقدّيسين الذين اشتغلوا مع الله لخلاص البشر. شربل له وقعٌ هائل في حياتي وفي حياة الرهبنة ككلّ. شربل لم ينقطع في الحياة النسكية. صحيح أنّه كان يعيش في المحبسة، لكن الناس كانوا يذهبون إليه، ويطلبون شفاعته وصلاته. شربل لم يستحبس كما نفهم الاستحباس، بل عاش حياةً رهبانية مع المجتمع. كان يعمل في الأرض كبقيّة العمّال والفلّاحين وغيرهم. كان يعمل في الرعية وكان يخدم. وكذلك غير شربل من القدّيسين أي من قدّيسي الرهبانية المعروفين. فالقديس الحرديني، وهو أستاذ شربل، كانت حياته حياةً عاديّة. استلم مسؤوليّات عديدة في الرهبنة، وكانت له مواهب اجتماعية متعدّدة. والحياة النسكية في لبنان وفي الكنيسة المارونية لا تعني نسكية بالمعنى الغربي، ولا تعني انزواءً عن المجتمع. ولهذا السبب فأديارنا، كلّ أديارنا، فيها نوع من الحياة الرسولية، وحياة نسكية، والأديار كلّها فيها هذان النمطان.
أبونا يوسف: عشتَ وتعيش الحياة الرهبانية، وكتبتَ عنها الكثير، ولا سيّما مصنّفك الموسوعي “كتاب الحياة الرهبانية” في جزأين و800 ص. فما الذي يميّز الحياة الرهبانية في المسيحية برأيك، عنها في الديانات الأخرى مثل البوذيّة والهندوسيّة؟
-يكفي أن أقول لك: هناك الروح القدس. وهو الفرق الأوحد والأهمّ في الحياة الرهبانية. فلولا عمل الروح القدس، فالحياة الرهبانية هي لا شيء! فنحن نؤمن بالروح القدس. وماذا أقول لك من أمورٍ قد لا يفهمها الإنسان العادي؟!
-لكن الروح القدس ليس حِكراً على المسيحية. والمسيح نفسه يقول في الإنجيل: {إن الروح يهبّ حيث يشاء} (يوحنا3/8). فيمكن إذاً أن يهبّ في ديرٍ مسيحي وفي المسيحية، كما يمكن أن يهبّ في ديرٍ بوذي وفي البوذيّة!!
-الذي يؤمن بالروح القدس، وبعمل الروح القدس. والروح القدس يعمل في المسيحي منذ ولادته وعماده. الروح القدس تقريباً هو اختراع مسيحي. ويعمل الروح القدس في العالم ليتقدّس العالم. والروح القدس هو نفسه يقدّس العالم، ويعمل في الكنيسة.
-هل يعمل الروح القدس في الكنيسة حصراً، أم أنّه يعمل في العالم كلّه؟!
-يعمل في العالم كلّه، ولكن العالم كلّه لا يعي، وليس عنده إدراك للروح القدس، وكيف يعمل، وما هو عمله.
-أبونا يوسف: نذور الحياة الرهبانية المسيحية: الطاعة والفقر والعفّة، أين هي اليوم؟ أين الفقر والرهبان أكثرهم أثرياء؟! وأين العفّة؟ وأين الطاعة؟
-النذور الرهبانية عندي تساؤل بشأنها. فهل النذور الرهبانية هي نفسها كما عاشها أجدادنا وآباؤنا؟ أم أن النذور الرهبانية هي اليوم مختلفة؟
من الصعب الإجابة، وأرفضُ مفهوم النذور الرهبانية التقليدي. فالراهب يعيش الحياة الرهبانية بالنذور وبالصلاة والحياة المشتركة وكلّ شيء، وليس فقط بالنذور.
وضعنا النذور وكأنّها شعار لهذه الحياة الرهبانية. بينما فيها كلّ شيء من صلاة فرديّة، وصلاة مشتركة. ولا بدّ من مفهومٍ جديد للحياة الرهبانية التي لا تقوم فقط على النذور.
-على ماذا تقوم الحياة الرهبانية إضافة إلى النذور برأيك؟
-هناك الحياة المشتركة، الحياة الديريّة. لذلك ففي تجديد القوانين وضعنا قبل النذور الحياة المشتركة التي تقوم عليها الحياة الرهبانية. فمن دون جماعة أنتمي إليها ما من حياةٍ رهبانية. تبقى حياتي حياة فردية، أما الحياة الرهبانية فحياة مشتركة في دير، في حياة مع آخرين. أنا لا أعرف الله خارج الجماعة. لا أعرف الله بتاتاً خارج الجماعة التي تساعدني على معرفة الله.
-وأين الفقر في الحياة الرهبانية اليوم؟!
-يا أخي أنت مطلوبٌ منك، بحسب الإنجيل، أن تساعد الفقراء، أليس هذا صحيحاً؟!
وهل يمكن أن تساعد فقيراً وأنت معدمٌ أكثر منه؟! لا بدّ أن يكون معك مال، وأنت تتصرّف بالمال في خدمة الآخرين. أنا لذلك أغيّرُ قليلاً في النذر، وأقول أنا لا أنذر نذر الفقر، وإنّما أنذر مساعدة الفقراء. فهذا هو النذر الذي له قيمة: أن تساعد الفقراء، لا أن تعيش أنت فقيراً معدماً، وليس عندك أيّة وسيلة كي تساعد الفقراء!
والرهبان تطلبُ منهم أن يعملوا ليل نهار. والعمل منتج. ولماذا لا يكون عمل الراهب منتجاً؟!
وإذا أنتج الراهب بعمله، فإنتاجه يجب أن يساعد به الآخرين. فنذر الفقر يحتاج إلى إعادة تحديد وإعادة نظر.
-وهل يساعد الرهبان الفقراء في هذه الأيّام؟!
-الرهبان يساعدون نعم. أنا وأنت والناس جميعهم لا يعرفون كيف يساعد الرهبان، وأين يساعدون؟ وما هي المساعدة؟
هناك مساعدة، كما أن هناك رهبان يرفضون أي فقير وأيّ شخصٍ يأتيهم. هذا شأن خاصّ بكلّ إنسان.
-أبتِ يحلو لك أن تقول وتردّد: الراهبُ عاقلٌ جُنّ جنونه، فأين هي عقلانيّته، وأين هو الجنون؟
-لا يمكن أن تعتنق الحياة الرهبانية إلا إذا كنتَ واعياً تماماً أين تذهب، وماذا تفعل. هذا هو الراهب العاقل. ولكن هذا الراهب العاقل لا بدّ أن يؤدّي رسالته للناس، ويقول للناس ماذا يفعل. وفي الواقع فجنون الحياة الرهبانية هو الجنون. الإنسان العادي لا يستطيع أن يعتنق الحياة الرهبانية، عليه أن يكون عنده تطرّف، وعنده قبول لله بإيمانٍ عميق، وإلا فحياته الرهبانية غير صحيحة.
-أين هو التطرّف في الحياة الرهبانية؟
-أن تعيش وما عندك حرّية أن تتصرّف كما تشاء. وأن لا تتزوّج. وأن تعمل ليل نهار: فالناس العاديّون لا يُطلب منهم أن يعملوا ليل نهار. أما الراهب فليس عنده وقتٌ محدود ومحدّد للعمل، ولا يتصرّف كأنّه وحده ومستقلّ، وهذا بحدّ ذاته تطرّف.
-أبتِ ننتقل الآن لنتحدّث قليلاً عن الإسلام، وهو موضوع درستَه في عشرات الكتب التي ألّفتَها. وسؤالي الأوّل: من خلال معرفتك العميقة بالإسلام، فالتصوّف الإسلامي والنسك المسيحي: أين يلتقيان، وأين يفترقان؟ وهل يمكن أن يكونا قاعدةً للقاء والحوار بين الديانتَين؟
-كلّ شيء يمكن أن نتحاور حوله، ولكن لا يمكن أن نلتقي مع بعضنا بعضاً على كلّ شيء. في الإسلام هناك تصوّف وحياة نسكيّة وهناك حياة روحيّة. وأنت أظنّ تعرف تماماً بعض المشايخ والأشخاص المسلمين الذين يعيشون حياتهم الإسلامية بروحانيّة. ولكن المشكلة الكبيرة بين المسلم والمسيحي أن المسيحي هناك الروح القدس يعمل بحياته. والروح القدس الذي يؤمن به المسيحي غير موجود في الإسلام. والروح القدس هو الذي يقدّس الإنسان، وهو الذي يجعله مسيحيّاً، وليس أعماله. والروح القدس غير موجود في الإسلام. ولكن هذا لا يعني أن المسلم غير مخلَّص. فهذا كلامٌ آخر. فكلّ الناس أولاد الله مثلهم مثل المسيحي ومثل الراهب. ولكن الخلاص في المسيحية فهذا عمل الروح القدس الذي يخلّص، ويجعل المسلم والإنسان عموماً يجعله ابن الله.
-أبونا يوسف: دراستُك المطوّلة للإسلام ماذا أفادتك في حياتك الشخصيّة، ولا سيما في جوانبها الروحيّة والرهبانية؟
-أولاً في حياتي الاجتماعية والوطنية، فأنا أعيش مع أناسٍ مختلفي العقيدة والإيمان، ومختلفين في نظرتهم لله. لذلك يجب أن أعرفَ تماماً: من هو إله الإسلام؟ وكيف يتعاملُ المسلم مع إيمانه؟ ومع معتقداته؟ وأنا أنصحُ كلّ مسيحي، بل قد أُجبر كلّ مسيحي أن يتعمّق في الإسلام، وتعاليم الإسلام.
-ما الذي يستفيده المسيحي من ذلك؟
-أعتقد أوّلاً أن المعرفة ضرورية. فمن الضروري أن تعرفَ الأشخاص الذين تعيش معهم: أن تعرفهم بعقيدتهم، وبإيمانهم. وهذا ما طمحتُ إليه. وقد أفادتني هذه المعرفة كثيراً حتى أفهم المسيحية وأتعمّق بها. لذلك أتعجّب كيف يكون المسيحي مسيحيّاً وهو يجهل الإسلام.
-هل يمكنك أبتِ أن توضح لي كيف أفادتك معرفةُ الإسلام في معرفة المسيحية أكثر فأكثر؟
-أنا بذلك أستطيع أن أعرف المسيحية على حقيقتها وما هي أبعادها، وعلى ما تقوم المسيحية بعقيدتها وممارساتها أكثر من أي مسيحيّ آخر. بل أكثر من ذلك، فأنا أتساءل كيف يكون المطران مطراناً ولا يعرف الإسلام على حقيقته؟!
وكيف يعرف المطران حقيقته ورسالته إذا لم يكن يعرف الإسلام؟!
أنا في تعمّقي بمسيحيّتي، وفي معرفة مسيحيّتي أفادني الإسلام كثيراً. وأتساءل كيف يكون المسيحي مسيحيّاً حقيقيّاً وهو يجهل الإسلام؟!
فكيف تجهل الإسلام؟ وتجهل بقيّة الأديان التي تقول لك إنّها قريبة من الله. فبماذا هي قريبة من الله؟! وبماذا هي بعيدة عنه حتى تقدر أن تميّز نفسك عنها؟!
يعني كأنّني أريد أن أقول لك قد يكون المسيحيّ مسلماً دون أن يدري!
-كيف يكون ذلك تحديداً؟!
أذا لم يكن المسيحي يعرف الإسلام، ولم يعرف الفرَق الإسلامية والمذاهب التي يتعايش معها فكيف يمكنه أن يكون مسيحيّاً حقيقيّا؟! فعليه أن يعرفَ ويقارن كي يعي كيف يتعاطى مع الآخرين، ومن أيّ منطلق! معرفة المسيحي للإسلام مسألة ضرورية جدّاً جدّاً. وإلا فسيكون مسيحيّاً ناقصاً.
-أنت تقصد أبتِ أنّه يعرف العقيدة المسيحية أكثر، أم من حيث الحياة الاجتماعية عموماً؟
العقيدة بدون شكّ. فالحياة الاجتماعية مبنيّة على العقيدة. لكنّي أريد أن يعرف المسيحي العقيدة الإسلامية على حقيقتها. أن يعرف الله من منظور المسلم وكيف يعرفه هذا الأخير. فهل نعي معرفة المسلم لله معرفة حقيقيّة؟! لا أظنّ. فيجب أن يعرف المسيحي العقيدة الإسلامية، حتى يعرف من هو الله، وكيف هو مسيحي.
-أبونا يوسف، أنتقل إلى بعض ما كتبتَ في كتابك الأخير “تبرئة الله”، وأودّ أن أناقشك فيه، ولا سيما وأن طروحاتك أثارت الكثير من الجدل! تقول مثلاً (ص19-20): “في نيّتي الصريحة تبرئة الله من الأديان، إذ ليس هو الذي أوحى بها. وليس هو الذي أنزل شرائع من السماء، أو كتب كتباً سمّيناها مقدّسة. أو ثبّتَ عقائد وحقائق، وجمّد العلوم والمعارف… الله بريء، بريء من هذه كلّها” والإنسان هو المسؤول عن هذه الأديان والطوائف والمذاهب والشيَع والحقائق الجامدة… ليس الله هو المسؤول عن أيّ شيء منها.
-رائع.
-أنتَ ترفضُ إذاً الأصل الإلهي للأديان؟!
-يا أخي أعطني برهاناً أن الله هو من أنزل هذه الأديان، وأنّه أنزل هذه الكتب، وأنّه وضع هذه الشرائع. ليس عندي أيّ برهان على ذلك.
نحن نؤمن في المسيحية بحقيقة مهمّة جدّاً: الكنيسة كونها جماعة بشريّة تضع قوانين وتسنّ شرائع، وتنظّم المجتمع الذي تعيش فيه. والكنيسة هي جماعة بشريّة. أمّا أن يكون الله، وأن نتّهمَ الله أنّه هو من وضع هذه الشرائع، فهي بالواقع تهمة الله بريء منها.
-وهل الله بريء من المسيحية أيضاً كما هو بريء من سائر الأديان؟
المسيحية ليست ديناً، وأنا أهنّئك على هذا السؤال. فالمسيحية ليست ديناً بالمعنى ذاته لبقيّة الأديان. بقيّة الأديان تسمّيها أدياناً لأنّ فيها تشريع، وفيها نظام إلهي. لكنّها ليست أدياناً خلقها الله. الله لم يخلق أدياناً على الأرض، وأعطى البشر هذا الدين أو ذاك. الله بريء تماماً من هذه المزاعم.
-هل هذا يعني أنّك لا تؤمن بأصلٍ سماويّ للأديان؟
-أبداً، لا أؤمن بذلك على الإطلاق.
بما في ذلك المسيحيّة؟
-لا أؤمن بها على الإطلاق، وليس بأصلها السماوي وحسب. فليست هذه الأديان من صُنع الله.
-سؤالي: بما في ذلك المسيحية؟!
ليست من صنعِ الله.
-حتى المسيحية، إنّه سؤالي المحدّد.
طبعاً، فليس هناك من أديان من صنع الله. وليس هناك من تشريعٍ سماوي من عند الله. وليس هناك من كتبٍ منزلة. بل إنّني أذهب إلى أبعد من ذلك. فمن هم الأنبياء؟! وبماذا يتميّز النبيّ عنك؟!
النبي هو من أتاني بشريعة إلهيّة أعطانيها باسم الله؟!
أنا أرفض هذه المقولة. فليس هناك من نبيّ أفضلُ منّي ومنك. من موسى وإلى الذين أتوا بعده.
-إذا سلّمنا جدلاً بما تقول: فالمسيحية ما هي رسالتها، وهل هي مجرّد رسالة بشرية أتى بها المسيح، ومن دون أيّ أصلٍ إلهي؟!
-المسيحية تقوم على إيمانها أن المخلِّص يخلّص الإنسان. لكن يخلّصه من ماذا؟
قالوا إنّه يخلّصه من الخطيئة الأصليّة. ولكن في الحقيقة هو مخلّص إرادة الإنسان، وحياة الإنسان من أنّه مرتبط بشرائع سماويّة. يجب أن نرفضَ أن عمل المسيح يكمن في أنّه خلّصني من الخطيئة الأصلية. المسيح خلّص إرادتي من العبوديّة.
-أبتِ تقول (تبرئة الله، ص11): “ما من إنسانٍ عاقلٍ يستطيع أن يقول إن الله هو الذي صنع الأديان للبشر، فأعطى هذا الدين لهذا الإنسان، وذاك الدين لذاك الإنسان، واختار شعباً من دون شعب، وأوحى لهؤلاء، ولم يوحِ لأولئك، فميّز البشر بعضهم عن بعض، فخلفهم، وجعلهم يتقاتلون”
إذاً الأديان هي أساس هذا العنف الذي نجده في تعاطيها مع بعضها؟!
-بدون شكّ: الأديان هذه هي سبب كلّ عنفٍ وكلّ قتال بين الناس، وكلّ بغضٍ بين الناس. الأديان، وكلّ فئةٍ تحتجّ بديانة معيّنة أتتها ولم تأتِ لغيرها. فكيف يكون الله إلهاً للجميع، وهو من أعطاك شيئاً، وأعطاني شيئاً آخر نتقاتل به مع بعضنا؟!
الدين غير موجود! الدين بمعنى أنّه شريعة إلهية، الله اختارها للإنسان، أو أجبر الإنسان أن يعيش بموجبها غير موجود. والله لا علاقة له بكلّ ذلك.
-لكن المسيحية نفسها مسؤولة عن كثيرٍ من العنف!!
-المسيحية ككنيسة مؤلّفة من بشر، وهؤلاء البشر خاضعون لأنظمة اجتماعية، وتعاليم وثقافات متعدّدة، ومختلفون على ذلك بدون شكّ لأنّهم بشر، وليس لأنّ هذا عنده من الله، وذاك عنده شيء آخر. كلّ هذا غير صحيح. فنحنُ كلّنا أبناء الله، كلّنا خلَقَنا الله وطلب منّا أن نخلُصَ، وأن نكون أبناءً له. وهذا لا يعني أن نتقاتل في ما بيننا. فكلّ هذه المقولات تحتاج إلى إعادةِ نظر.
أبونا يوسف: أُكملُ مع هذا الكتاب الشيّق حيث تقول فيه (ص17): “فإذا كانت الأديان لا تتّفقُ بعضها مع بعض على هوّيةِ الله، ولا على دوره ومهمّته في العالم، ولا على صفاته وعلاقته بالإنسان، فكيف تكون هذه الأديان إذاً من عنده؟! هذا يعني مرّة أخرى أن الله بريء من هذا الأديان كلّها. ولا يد له فيها، لم يصنعها، لم يوحِ بها، بل هي من صنعِ البشر المختلفين طبعاً (…) لذا يجب أن نعملَ ما بوسعنا، مؤمنين وملحدين على إلغاء هذه الأديان عن وجه الأرض، لكي يعود الله إله الجميع (…) ويعملَ على خلاصِ الجميع”
فلو نظرنا إلى هذا المشهد، وألغينا هذه الأديان كما تقول وتطلبُ أنت، فما الذي يحِلّ بالإنسان؟ وما هو مصيره؟ وما الذي نصل إليه؟
هناك ثقافات إنسانية، حضارات إنسانية واختراعات وكتب وتعاليم وفلسفات. أوليس هناك من بشر ليس لديهم دين إلهي؟! في حين أن مجتمعاتهم سائرة على ما يرام؟!
نحن نخطئ إذ نجعل كلّ شيء من صنع الله. الإنسان صنعَ أموراً كثيرة، وهو سائر بها، وليس الله.
-ولكن سؤالي: إذا ألغينا الأديان، ولو صحّ أن أُلغيت هذه الأديان التي تتحدّث عنها، وهي أساس الحياة الاجتماعية للإنسان، فهذا الفراغ الذي يحدث كيف نملأه؟!
-لا ليست هذه الأديان هي الأساس! فكم هناك من ثقافات ومن حضارات. فالبشرية توصّلت إلى أمورٍ كثيرة ليس الله من أعطاها إيّاها! البشرية استطاعت أن تقود نفسها بنفسها، وتأتي بتعاليم أهمّ من التعاليم التي نسبناها لله، واتّهمنا الله أنّه وضعها. ولن أسمّي شرائع موجودة: الله هو الذي أمر بهذه الأمور كلّها: بالزواجات المتعدّدة؟! أي شريعة هي الأهمّ؟! الشريعة الإنسانية التي صنعها الإنسان؟ أم الشريعة الإلهية؟!
أنا أعتقد أن الشريعة الإنسانية هي أهمّ من الشريعة الإلهية. البشرية اليوم في الغرب
-الشريعة المنسوبة إلى الله تقصد، أليس كذلك؟
-أجل، لقد نسبنا كلّ الشرائع لله. والله بريء منها كلّها، من كلّ هذه الشرائع.
-عمليّاً كيف تدعو إلى إلغاء الأديان؟ هل يعني ذلك أنّك تدعو إلى تضافر الجهود كي تمحى هذه الأديان؟! أهذا ما تدعو إليه؟
-أدعو إلى أن البشرية تمشي بحسب القوانين التي صنعتها هي وترضي مجتمعها وترضي نفسها. هل اتّفق الناس على شريعة إلهيّة؟! إنّهم لم يتّفقوا بتاتاً، وأكبر خلاف موجود في البشرية هو الشريعة الإلهية. وأعتقد أن البشرية لا تخلُص من دون إلغاء الأديان. وأنا أتعجّب من لبنان. وكيف أن اللبنانيين لا يزالون سائرين بشرائع دينية وإلهية إلى ما هنالك من تسميات. وأتعجّب كيف نحن مؤمنون بالله، ويكون الله الذي نزعم أسخف من الإنسان. هناك تعاليم عنده، أو بالحري منسوبة إليه، أسخف ممّا عند الإنسان.
-مثلُ ماذا؟!
-ما رأيك ب” قاتلوا المشركين”؟! يا أخي اتركني بإيماني. ما دخلك بي كي تقتلني؟!
“تزوّجوا اثنين وثلاثة وأربعة، وما أشبه. وما هي هذه الصلوات التي تصلّيها، والصوم الذي تصومه؟ وهل الله قد فرض كلّ ذلك عليك؟! كيف يكون ذلك؟!
-أبونا يوسف: تقول بإلغاء الأديان بما في ذلك المسيحية؟!
-المسيحية ليست ديناً. كم مرّة قلناها الآن وأعدنا؟!
المسيحيّة سمّوها ديناً مثل بقيّة الأديان. ولكن ليست هي دين. ليس الله هو الذي أنزل شرائع للمسيحيين، وقال لهم اعملوا بها. أنا أؤمن بالكنيسة. أجمل شيء توصّلت إليه البشرية أنّها أنشأت كنيسة. الأحزاب كنيسة، والأوطان كنيسة. هذه كنائس كأنّها مؤسّسات أرادها الله للإنسان. ليت المرجعية عندنا تكون الكنيسة. الكنيسة هي الجماعة البشرية الإلهية وليس أكثر. الكنيسة الإنسان توصّل إلى أن يخترعَ كنيسة.
-أبتِ، تقول (ص9): إن الذي يدّعي معرفة الله قد يكونُ أشدَّ كفراً وأكثرَ إلحاداً من الذي يُنكر الله ولا يؤمن به: فالذي يقول بأنّه يعرف الله فهو يعتبر الله كائناً بمستواه، خاضعاً لمقولات العقل والمكان والزمان، ولنسبية الكائنات، فيما الله كائنٌ مطلق”
فما الذي تقصده بذلك؟ وكيف يكون المؤمن أشدّ كفراً من الملحد؟!
يا أخي الله الكائن الكامل المطلق الذي لا يُدرَك. أنا لا أعرف الله ولا هويّة الله ولا صفات الله، لا أعرف. إنّها صفاتٌ إنسانية وضعناها في الله لأنّنا نحن بحاجة أن نرى الله بهذه الصفات. ولكن هل هذا هو الله؟!
أنا أنكر أن أعرف الله كما يدّعي اللاهوتيّون والفلاسفة وغيرهم. الله لا يُدرَك. والفلسفة هكذا تقول أيضاً. الله لا يدرَك، الله لا يعرفه أحد. الله غير مدرَك ولا يعرفه أحد. وهو لم يعطِ نفسه وذاته لأحد. فكيف نعرف أن نتعامل مع الله هذا الكائن المطلق؟!
لهذا السبب على الإنسان ليس فقط أن يتواضع، بل أن يحترم الله ويقول أنا لا أعرف هذا الكائن المطلق. أن يحترم الله ويقول لا أعرف هذا الكائن. لا أعرفه، كيف هالحكي؟! المسيحيّون، ولا سيما اللاهوتيّون يزعمون أنّهم يعرفون الله معرفة تامّة؟! ما هذا الكلام؟! من يعرف الله؟! لا أحد.
كفانا تكفيراً لبعضنا بسبب معرفتنا أو عدم معرفتنا لله. الإنسان وكلّ إنسان يعرف جانباً من الله. وأنا أعرف الله كونه مطلق، كائن مطلق يحبّ البشر، ويحبّ الكون كلّه، وخلَقَه. وأكثر من ذلك ماذا أعرف عن الله؟!
بل أكثر من ذلك لا يجب أن نلاحقَ الله، ونمضي بعيداً، ونقول إنّنا نعرف الله. فالله لا يُدرَك!
-أبتِ شارف حوارنا على نهايته، وأودّ أن أسألك سؤالاً أخيراً: نحو أربعين كتاباً كتبتَ. فلو سألتك الآن بعد هذا النتاج الخصب والضخم أيّ كتابٍ من كتبك هو الأحبّ إلى نفسك؟ ولو شئتَ أن تأخذ كتاباً واحداً في يومٍ ما أمام العرش الإلهي، فماذا تختار من كتبك؟
-تبرئة الله. هذا هو الكتاب الذي أنا مؤمنٌ بمضمونه: تبرئة الله من الأديان، من الشرائع السماويّة. الله ليس بمستوانا. لنكفّ عن أن نلعبَ بالله. الله بريء.
-أبتِ، قبل أن ننهي لقاءنا الشيّق معك، الكلمة الأخيرة لك. فما الذي تودّ أن تقوله لمن يستمعون إليك ويشاهدونك؟! وها نحن نتلقّى الكثير من تعليقات الإعجاب من مشاهدين لبنانيين وفرنسيين: من مسلمين ومسيحيين، وهم يحيّونك تحيّة كبرى، ويحيّون هذه الجرأة، وهذا الفكر المنفتح. وقد قرأتُ العديد من الرسائل التي تشيدُ بما قلتَه. والناس فرحون بما تفضّلتَ وأعلنته الآن. وهم أيضاً فرحون بهذه الجرأة. فما الذي تقوله في رسالة أخيرة بعد كلّ ما فضحتَ به الأديان؟
-في الحقيقة أريد أن أقول: خلّصوا الله، خلّصوا الله. كنّا نطلب أن الله يخلّصنا نحن. والآن نريد أن نطلب من الناس أن يخلّصوا الله! ليس هذا الذي يعرفوه والذي يكتبون عنه، والذي يتقاتلون بسببه. نحن حروبنا حروب إلهيّة على الأرض. خلّصوا الله. هذه كلمتي الأخيرة، أن نحرّر الإنسان من الله، ونخلّص الله من الإنسان.
أبتِ أشكرك شكراً جزيلاً على كلّ ما تفضّلتَ به. كانت مقابلة شيّقة جدّاً. أمتعتنا، وحملت لنا الكثير من الجديد. وقد يشاركك الكثيرون، وبعضهم شاركوك وأيّدوا ما قلتَ. وقد يخالفك آخرون في ما قلتَ. ولكن المهمّ أنّك عبّرت بجرأةٍ وصراحة وبصدق عن تاريخ من الدراسات ومن التجربة والعيش في التجربة الصوفيّة والرهبانية. نشكرك على صدقك ونشكرك مرّة أخرى على جرأتك. والكلّ يحييّك من مستمعين ومشاهدين والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.