“توما الأكويني وأثره عبر العصور: بحوث في سيرته وفلسفته الإلهية والاجتماعية” تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط2، في 480ص.

“توما الأكويني وأثره عبر العصور: بحوث في سيرته وفلسفته الإلهية والاجتماعية” تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط2، في 480ص.

هذا العمل كان البداية، يقول المؤلّف، فكما أنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، هكذا الرحلة الطويلة مع توما الأكويني (1225-1274) بدأت بهذا الكتاب، وكانت محصّلتها الإجمالية 6 كتب في فلسفته ومدرسته اللاهوتية والفكرية. ويتابع الباحث معرّفاً تحديداً بهذا السِفر الأول (ص10): “كتابٌ أُريد له أن يكون طاولة حوار في موضوعه، تقبل كلّ الأفكار والمواقف الرزينة”

ويجمع هذا المصنّف بين دفّتيه أبرز ما كتب أو تُرجم إلى العربية من بحوث عن القدّيس توما وذلك ضمن محاور أربعة: 1-سيرته كقدّيس وفيلسوف. 2-لاهوته وفلسفته الأرسطية. 3-تطوّر مدرسته الفلسفية أي الفلسفة التوماويّة عبر العصور. 4-الفكر السياسي والاجتماعي للأكويني.

وهذه البحوث يناقشها المؤلّف ويحلّلها ويفنّدها في دراسة جامعة تأتي بمثابة مدخلٍ عامٍ للكتاب ودليل إلى عالم الأكويني وما نُشر بالعربية له وعنه.

ويتناول صليبا بداية جوانب عديدة من سيرة الأكويني القدّيس والفيلسوف. فيناقش مثلاً ظاهرة الاسترفاع Levitation في تجربته الصوفية، فيرى أنها ظاهرة منتشرة عند يوغيي الهند وقدّيسي المسيحية، راقبها العديد من الباحثين وأكّدوا حصولها وحاولوا تقديم تفسير علمي لها، فلا يُستغرب أن يكون القدّيس توما قد عرف اختباراً مماثلاً. (ص18-19).

ثم يعرض لمعادلة أساسية في روحانية الأكويني وفكره: “تعلّمت بالصلاة أكثر ممّا تعلّمت بالدرس”، ما يعني أن المعرفة التوماويّة اختبارية تأمّلية بالدرجة الأولى، ومن ثم عقلانية واكتسابية.

ويناقش قول معلّمه ألبرت الكبير له (ص104): “إنّ لك يا توما عقلاً ثاقباً يستطيعُ أن ينفذ إلى قلب الموضوع، فاستعمله في تعليم إخوتك في البشرية”، وبالتالي دور العقل وموقعه في الكاتدرائية الفلسفية واللاهوتية التي شيّدها بقلمه. وهنا يطرح على بساط البحث مقولة بارزة للأكويني (ص26): “في عقيدتي الكثير ممّا يفوق عقلي، لكن ليس فيها ما يناقضه”. ويناقش هذه القاعدة الأساس في التوماوية.

ويتوقّف عند نهاية الرحلة الدنيوية للقديس توما، وقد غادر وهو لم يتمّ الخمسين، وغير آسف على إقامة قصيرة في هذا المنفى (ص27): “لقد منحني الله كلّ ما سألته، وإذا كان قد وهبني الحكمة في سنّ أبكر من الآخرين، فذلك لأنه أراد أن يقصّر مدّة النفي المحكوم بها عليّ في العالم. لكي يقرّبني عاجلاً إلى مجده”.

ويتناول الباحث في عرضه لموقع أرسطو في الفلسفة التوماوية المعادلة التي طرحها إتيين جيلسون (ص36): “للأكويني على أرسطو فضل أفلوطين على أفلاطون”. فيخلص بعد شرح وتحليل: “القديس توما في حقيقة دوره وموقعه في تاريخ الفلسفة ليس مجرّد شارح لأرسطو أو تابعٍ له، بل صاحب إسهامٍ حاسمٍ في بعث الأرسطيّة وإحيائها وتكييفها مع المسيحيّة. وتقديمها فلسفة تتجاوب مع حاجات عصره وكل عصرٍ وتطلّعاته الفكريّة والروحية”

وبشأن فلسفته السياسية يؤّكد المؤلّف (ص55): “القدّيس توما هو العدوّ الأول للبيرالية الفاحشة التي لا تنظر للإنسان إلا كمستهلك”

وللأكويني نظرة “تقدّمية” إلى الزواج والعلاقات الجنسية مقارنة بمفكّري عصره. فقد اعتبر أن (ص58): “العمل الجنسي المتمّم لبقاء النوع وبالتالي وفقاً للمشيئة الإلهية في الخلق هو عمل ديني، ما يعني أن الزواج ليس تنازلاً أو عملاً دونيّاً شنيعاً، بل من الأعمال التي يعبد فيها المرء ربّه”

وبشأن المرأة، فالقديس توما وإن لم يكن بطلاً من أبطال قضايا المرأة ونصيراً لها بالمفهوم المعاصر، فهو بالمقابل لم يتحدّث مرّة عنها إلا باحترامٍ ووقار. (ص63).

وتبقى كلمة في أسلوب الأكويني فهو (ص49): “معتدل اللهجة، جليّ العبارة، وجيز الكلام، بعيد عن التنميق والمجازات الشعرية والرموز والاستعارات، فهي برأيه لا تصلح في الخطاب الفلسفي، وهي نقطة ضعفٍ عند أفلاطون”.

والرحلة في عالم الأكويني الفيلسوف واللاهوتي والمتصوّف قد تستغرق عمراً بأسره وأكثر، وما ذكر ليس سوى لافتة (آرمة) تدلّ على الطريق.

شاهد أيضاً

أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون في 380 ص.

“أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *