ندوة للمؤلف لويس صليبا حول الإسلاموفوبيا
“الإسلاموفوبيا: نحو صدامٍ بين عالمين، بحث في علاقات الإسلام المعاصر بالمسيحية والغرب”، تأليف أ. د. لويس صليبا، صدر مؤخّراً عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط2، في 429ص وتجليد فاخر.
منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كان العالم يتحدّث عن “بريطانيا الماكرة” الدولة الاستعمارية الأولى التي لا تغيب عن أراضيها الشمس. وهذا المكر أورثته إلى من حلّت محلّها في زعامة الغرب ربيبتها الولايات المتّحدة الأميركية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بداية التسعينات مع سقوط الاتّحاد السوفياتي سادت الحرب الباردة وصراع الجبّارين أجواء العلاقات الدولية. وإثرها هتفت أميركا مع فوكوياما “انتصرنا” وخالت أن جدلية الصراع بين عالمَين قد انتهت وصار العالم أحادي السمة والطابع. لكن “نهاية التاريخ” التي تحدّثت عنها تبيّن بسرعة أنها مجرّد نهاية مرحلة، إيذاناً ببداية أخرى أُرّخ لها مع هجمات 11 أيلول 2001. وأميركا التي استمرّت نحو نصف قرن تدعم الأصوليّات الإسلامية والحركات السلفية كعدوّ شرس للشيوعية، لم تفطن أنّها ستكون بالأحرى عدّوها اللدود الأوّل، وأن الإسلاموفوبيا وصراع العالمَين: الإسلام والغرب سيكونان العنوان العريض للمرحلة الراهنة (ص7). هكذا خلقت أميركا الوحش: القاعدة وداعش وأخواتها وعجزت بسرعة عن التحكّم به.
والإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام، ما هي جذورها وأسبابها؟
على مدى قرن تقريباً، يقول المؤلّف، استقبل الغرب بمختلف بلدانه ومدنه جحافل المهاجرين المسلمين ضمن سياسة استقدام من أبرز أهدافها موازنة سكّانه الأصليين بآخرين من أديان مختلفة لزيادة التنوّع وإيجاد توازن عددي ما بين المسيحيين وأتباع الأديان الأخرى من السكّان تسهيلاً لإحلال العلمانية ونشرها. (ص9). تلك كانت حال فرنسا مثلاً. لكن ما فاتها هو أن ما أبدته الكنيسة من مقاومة للعلمانية سيبدي الإسلام أضعافاً مضاعفة منه. (ص10). والأزمة الراهنة دليل على تقصير الغرب في فهم الإسلام من الداخل (ص11). وما صحّ مع المسيحية واليهوديّة اللذين عرفهما الغرب منذ القدم لم يصحّ مع الإسلام!
لكن هذا لا يعني أن الغرب وحده المسؤول عن معضلة الإسلاموفوبيا، فللعالم الإسلامي حصّة الأسد في المسؤولية. ويتشارك العالمان الإسلامي والغربي في مسؤولية ظهورها وتفاقمها، ولا بدّ من أن يبحثا معاً عن حلول. (ص11).
وكما في كلّ مسألة فالسؤال البديهيّ الأوّل: مَن هو المستفيد ومَن المتضرّر من ظاهرة الإسلاموفوبيا؟ وواضح وبديهيّ، يقول الباحث أن المستفيد الأوّل هو داعش وأخواتها، أي تنظيمات السلفيّة الجهادية، أمّا الخاسر الأكبر فهو العالم الإسلامي، ويليه الغرب.(ص38-39) فكلا الفريقَين متضرّرين وإن بنسبٍ متفاوتة.
العالم الإسلامي تشوّه الإسلاموفوبيا صورته وتمسخ قيَمه. وداعش وأخواتها في فقهها الانتقائي الاستنسابي تأخذ من كلّ فقيه أشدّ ما عنده وأقصاه وأكثره تطرّفاً وتضعه في الواجهة وتجعل منه قاعدة عامّة في كلّ الأمكنة والأزمنة. (ص48). وأئمّة فقهاء داعش الكبار أمثال ابن تيميّة وابن قدامة المقدسي وغيرهما عاشوا في زمن الحروب الصليبية وكانوا يكتبون ويُفتون وطبول الحرب تدوّي في آذانهم. فلهم عصرهم ولنا عصرنا. وما أفتوه يومها أكثره لا ينطبق على يومنا!
ويدعو الباحث أيضاً إلى وجوب تأوين النظرة الإسلامية إلى الغرب. فكما قصّر هذا الأخير في فهم الإسلام من الداخل، فتقصير العالم الإسلامي في فهمه يفوقه بأضعافٍ مضاعفة. فليس هو الغرب الصليبي، ولا حتى الغرب المسيحي كما تنعته الأدبيات الإسلامية، بل بالحري الغرب الخارج عن المسيحيّة Déchristianisé، وكفى استخداماً للمصطلحات المتحفيّة والمحنّطة. (ص70).
أمّا العمليات الانتحارية وسيلة داعش وأخواتها الأولى في الإرهاب والإرعاب فهي بدعة لم يعرفها الإسلام إلا في عصرنا، وقد استنسخت هذه المنظّمات نموذج شيخ الجبل وحشّاشيه الذين كفّرتهم أساساً، واستوحت منهم آليّات عمل، ووعوداً بالجنّة وحوريّاتها. (ص50).
ويواصل الباحث تفكيك منطق السلفية الجهادية وفقهها ومبادئها مميّزاً بين الإسلامي والإسلامويّ الذي يتجلبب بعباءة الإسلام ويستغلّه ويصادر اسمه في محاولة جادّة لفهم المعضلة وإزالة الكثير ممّا التبس من مفاهيم. وفي سبيل حوارٍ مثمرٍ بين الديانات والحضارات إذ كان ولا يزال الوسيلة الوحيدة للخروج من المأزق.