“الديانات الإبراهيمية بين العنف والجدل والحوار: مع بحوث في اليوغا والتصوّفَين الإسلامي والهندوسي”، كتاب للبروفسور لويس صليبا صدر في ط3، عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في 300ص

“الديانات الإبراهيمية بين العنف والجدل والحوار: مع بحوث في اليوغا والتصوّفَين الإسلامي والهندوسي”، كتاب للبروفسور لويس صليبا صدر في ط3، عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في 300ص وتجليد فاخر.

“هذا السِفر بمواضيعه ومحاوره المتعدّدة هو بمثابة سيرة ذاتيّة فكرية لكاتبه”، يقول المؤلّف في فاتحة كتابه. ويضيف: “كلّ ما كتبته حتى اليوم يدور في فلك الأديان وتفاعلها بل وتداخلها، أو يتمحَور حول اليوغا والأيورفيدا والتصوّف بمختلف تيّاراته وتقاليده”.

والعلم علمان: علم المطلق والنسبي، علم المادّة وعلم ما وراء المادّة، أو كما يقول الحديث الشريف: “علم الأبدان وعلم الأديان”. (ص10).

وتبقى الإشكالية الكبرى التي يدرسها هذا السِفر: لماذا رافق العنف الأديان الإبراهيمية تكويناً ونشأة وتطوّراً؟!

لأنها مؤسّسة ومبنية على العقيدة يقول المؤلّف. وبالمقابل فأديان الهند مؤسّسة على التجربة والاختبار. ما يهمّ في المرء ليس ما يعتقد، بل ما يختبر، يقول الهندوي، هندوسياً كان أم بوذيّاً، أم غير ذلك، فليست عقيدته ما يحدّد دينه وتديّنه بل عَيشه وأدب حياته، وشتّان بين المقولتَين الإبراهيمية والهندويّة.

ولماذا العقيدة قد تكون في أساس العنف في الأديان، يسأل الباحث، ويجيب لأنها تُطرح بزعمِ أنها الفيصل بين الحقّ والباطل: من أخذ بها كان على حقّ ومع الحق، ومن لم يأخذ ما كان على صراطٍ مستقيم. وهكذا فالتفريقُ بين مؤمنٍ بعقيدة، وغير مؤمن، أو بالحري كافر مولّدٌ دائمٌ للعنف. ألم نرَ مؤخّراً أن التكفير أساس الإرهاب الذي أفنى البشر وهدّ الحجر؟! فما أوّله تكفير آخره تفجير.

الدين إشارة إلى الهدف وليس الهدف. قاربٌ للعبور إلى الضفّة الأخرى، وليس الضفّة. وسيلة إلى غاية هي التحقّق والاستنارة. (ص19) هذا بالمفهوم الهندوي، يقول غوتاما بوذا في هذا الصدد (ص176): “تعليمي ليس عقيدةً ولا مذهباً. ولكن البعض سيعتبرُه كذلك، عليّ أن أؤكّد أن تعليمي نهجٌ لاختبار الحقيقة وليس الحقيقة عينها. تماماً كما أن الإصبع الذي يدلّ على القمر ليس القمر. ومن لا ينظر إلا إلى الإصبع، ويخلط بينه وبين القمر لن يرى القمر الحقيقي بتاتاً.” أليست هذه حال أكثر الناس؟!

والعقيدة ليست سوى جانبٍ من الدين وليست الجانب الأهمّ. العقيدة تفرّق الناس، والروحانية والاختبار والخلقيّة تجمعهم. وستستمرّ الأديان مولّدة للعنف إذا استمرّ معتنقوها على تشبّثهم بالعقيدة. (ص19) فحيث هناك عقيدة هناك محدودية تقول حكيمة الهند ما أنندا مايي.

ويتناول الباحث الأثر الثنوي الزرادشتي والمانوي في الأديان الإبراهيمية، فيظهر له الأول حاسماً لا سيما في مفاهيم الجنة والنار والشيطان والنبوّة وغيرها (ص105-107). أما المانوية فيدرس أثرها على حدة (ص109-112).

وفي الباب الثاني يدرس المؤلّف التنفّس وأثره في شخصية المرء وصحّته. أدب التنفّس أدب الحياة، يقول (ص121)، وقل لي كيف تتنفّس أقل لك من أنت، فالتنفّس الصحيح ينعكس صحّة في البدن والنفس. ورهان اليوغا على تحسين نوعيّة الحياة يكاد يرتكز على تغيير نمط التنفّس وتحسينه. (ص20). ضبط النفَس هو الطريق الأمثل لضبط النفْس، ومن دون ضبط التنفّس لا نستطيع أن نضبطَ شيئاً. (ص144).

ويعرض الكاتب كذلك للتأمّل وفوائده، ولا سيما تأمّل الميتابهافانا أو تنمية الحبّ. وهو طريقة لتطهير القلب من كلّ المشاعر السلبية. فقد أثبت الطبّ الحديث ما أكّدته كلّ الثقافات القديمة: الحقد والحسد والغيرة والخوف والغضب كلّها أسباب مباشرة للأمراض، بل يذهب الطبّ الهندي الأيورفيدا إلى أبعد من ذلك ليقول إن هذه المشاعر السلبية أساس ظهور الأمراض على الأرض. (ص154). وفي تأمّل تنمية الحبّ نغسل القلوب من آثار هذه الأسقام، ونعاود النظر إلى ذواتنا بمحبّة ودون أيّة عقدة ذنب تسمّم الجسم وتُسقمه. “ألا وإنّ في الجسد مضغةٌ إذا صلُحت صَلُح الجسدُ كلّه، وإذا فسُدت فسُد الجسدُ كلّه ألا وهي القلب”، يقول الحديث النبويّ الشريف. (عن البخاري).

والخلاصة فهو كتابٌ جامع ماتع، ومدخلٌ جيّد إلى علوم الأديان وتفاعلها، والجوانب الروحية والعقائدية في كلّ منها.

شاهد أيضاً

أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون في 380 ص.

“أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *