“المعراج في الوجدان الشعبي: أثره في نشأة الفِرق الإسلامية والفنون والأسفار المنحولة مع تحقيق لمعراج النبي عن مخطوطة للشيخ داود الرفاعي”، كتاب للبروفسور لويس صليبا صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط3، في 380ص وتجليد فاخر.
هو الجزء الثالث من سلسلة “المعراج/النص والواقع والخيال” للمؤلّف. وينشر مخطوطة فريدة لمعراج بن عبّاس تعود إلى عام 1299 هـ. وهي تتميّز عن سائر المعارج المنسوبة لابن عبّاس بتفاصيلها الدقيقة والجزئيّات في الملائكة والأنبياء. وفي أوصاف الجحيم وعقوباته المتنوّعة، والجنان أقسامه وأبوابه” (ص68). وعن ميّزات تحقيقه للنصّ يقول الكاتب: (ص68): “عمدنا إلى تقسيم النصّ إلى فصول متعدّدة… وكان مبدأنا وحدة الموضوع في كلّ فصل. ووضعنا داخل الفصول الطويلة عناوين داخلّية… واجتهدنا أيضاً أن نخدم النصّ بالتعليقات والهوامش… كما أشرنا، حيث يجب، إلى بعض خصائص النصّ الأسلوبية… والعناصر الميثولوجية في المتن والتي تميّز معراج ابن عبّاس هذا عن الكثير غيره من روايات المعراج”.
وعن خصائص النصّ الذي ينشر يقول المحقّق (ص17): “اتّضح لنا أن هذا النصّ يعكس حسّاً شعبياً متطوّراً، ومفهوماً معيّناً لمنزلة الأنبياء والخلفاء.إضافة لاستيعابه لعناصر ميثولوجية من حضارات مجاورة مثل السماء الدنيا وقيامها على جبل قاف، وحيّة العرش، وحوريّة المسك والكافور…”
ويؤكّد المؤلف أن معراج ابن عبّاس في غموض نسبته وما حوى من عناصر عجيبة وميثولوجية (ص18): “نموذج إسلامي للأسفار المنحولة التي عُرفت في المسيحيّة واليهوديّة” ومن هنا أهمّية دراسته في علوم الأديان المقارنة.
ويتناول الكاتب أثر المعراج في نشأة الفنّ الإسلامي، ولا سيما فن التصوير منه، ويلحظ أن (ص19): “المصوّر الإسلامي تخطّى عتبة المحظورات، وأبدع في تصويره للمعراج فنّاً عالميّاً خالداً لا يزال محطّ تأمّل الملايين من محبّي الفنّ الراقي وإعجابهم مسلمين وغير مسلمين”.
ويدرس المؤلّف في الفصل الأول أثر المعراج في نشأة الفرق الإسلامية: الجعد بن درهم أنكر التكليم، وزعم أن الله لم يتّخذ النبي إبراهيم خليلاً، ولم يكلّم موسى، وقُتل على ذلك يوم النحر في العراق في خلافة هشام بن عبد الملك (105-120هـ) (ص32). وأبو شمر (ت 215هـ)، وهو من المرجئة، أنكر المعراج من أساسه لأن الرؤية تنطوي على الكثير من التشبيه. (ص33). أما ابو منصور العجلي، فهو (ص37): “شخصية خطيرة في تاريخ الفرق الإسلامية استوحت من المعراج أساس عقيدتها، ومزجت معها العديد من العقائد المسيحيّة” فزعم أنّه عُرج به وتلقّى كما الرسول الأمر بتبليغ الناس. وقد فشلت حركته في النهاية، فقتله الثقفي والي هشام بن عبدالملك على العراق (120-126هـ).
وزعم أبو الخطّاب، وهو من غُلاة الشيعة، أنّه قام بإسراء من الكوفة إلى المدينة ليزور الإمام جعفر الصادق، وحيّاه بعبارة لبّيك” وقد تبرّأ الصادق منه.(ص40).
والفصل الثالث من الدراسة “معجم المؤلّفات في المعراج” (ص99-156) فهرس مفصّل، أحصى فيه الباحث كلّ ما كُتب حتى زمنه في الإسراء والمعراج من مخطوطات وكتب تراث مطبوعة ومؤلّفات حديثة وأخرى بالفارسية والأردية. فبلغ المجموع 367 نصّاً بين كتاب مطبوع ومخطوطة ومقالة.
ونقرأ في خاتمة البحث (ص324): “ما حدث في المعراج هو اليوم من عالم الغيب، وموضع إيمان فريق وتساؤل آخر. ولكن ما نتج عنه واقعٌ ويقين. إنهّ أدبٌ بل نوعٌ أدبي ملحمي رسخ في وجدان الناس عبر العصور. وفنّ تصويري راقٍ تذوّقه ملايين الناس ولا يزال إلى اليوم محطّ إعجابٍ وتأمّل. ونموذج روحيّ ألهم الكثير من السالكين، وأضاء لهم الطريق. وهكذا فالرحلة في المعراج لم تعد مقصورة على عروج شخص، على أهمّية هذا الحدث، بل هي أيضاً نقطة انطلاق وشرارة أولى لارتحال الكثيرين في طلب الحقيقة والتحقّق”
كتاب يعالج موضوعاً تراثياً تقليديّاً بأسلوب غير تقليدي، وبمقاربة أكاديميّة موضوعية، ولا يكتفي بتكرار ما قيل في مجاله كما هي عادة أكثر كتّاب العربية. لذا فهو جديرٌ بأن يقرأ ويكون موضوع حوار ومطارحات.