“بحوث مهداة للخورأسقف بولس الفغالي” كتاب تكريمي أصدرته المجلّة الكهنوتية، إشراف الخوري أنطوان الدويهي مشاركة د. لويس صليبا، في 560ص.
للعلّامة المونسنيور بولس الفغالي فضل كبير على الكثير من المجلّات الصادرة في لبنان والدول العربية، ومنها مجلّتنا “الأمن” فقد بقي طيلة سنتين ونيّف يزوّدها بمقالاته القيّمة. والكتاب التكريمي التذكاري هذا عمل على إصداره تلميذه المقرّب ورئيس الرابطة الكهنوتية أنطوان الدويهي تقديراً للجهود الفكرية والبحثية للفغالي طيلة ما يزيد عن النصف قرن.
قدّم للكتاب البطريرك الماروني بشارة الراعي. فأشار إلى الحادث الصحّي الذي تعرّض له علّامتنا في صيف 2018 ومنعه عن مواصلة جهوده البحثية (ص6)، وأشاد بهذه البادرة قائلاً (ص5): “إنّنا نثني على تكريمكم للخورأسقف بولس الفغالي، إذ يستحقّ هذا التكريم لما قدّم للكنيسة ولعالم الفكر من منشورات تفوق الأربعمئة كتاب ومجلّد، ما عدا المقالات اللاهوتية والعلمية والرعائية والروحية التي يفوق عددها الخمسة آلاف في أكثر من مجلّة ودورية في لبنان والبلاد العربية”.
حقّاً إن إرث الفغالي الثقافي تراث قائم بذاته، ومفخرة كبرى للبنان وللموارنة.
ونقرأ للتلميذ الخوري الدويهي شهادة مؤثّرة في معلّمه الفغالي، وهو الذي رافقه طويلاً، واهتمّ بطباعة مسودّات كتاباته على الكومبيوتر وإرسالها إلى المجلّات والمطابع حتى فاقت كتبه طوال سنوات عشر المئة كتاب. (ص12). حقّاً ما من كاتب في عالمنا العربي بهذه الغزارة!
ونتابع مع الدويهي ذكرياته عن معلّمه الاستثنائي (ص12): “حُدّدت رسامتي الكهنوتية في 4/6/1994، فأقمتُ رياضتي الروحية في دير الكريم في غوسطا، وكان الخوري بولس هو مرشد الرياضة، فكان يأتي مرّتين في اليوم من حريصا إلى دير الكريم لإلقاء عظات الرياضة عليّ وحدي طوال أسبوع كامل. كما اتّخذته عرّابي في الكهنوت، ويا ليت لكلّ كاهنٍ مرشداً مثله”.
وينقل الدويهي بعض نصائح معلّمه الفغالي القيّمة (ص13): “إذا تسكّر بابٌ بوجهك فالله يفتح لك مئة باب”. ويضيف معقّباً: “هذا ما أكتَشفه كلّ يوم”.
وعن نظام معلّمه اليومي في الكتابة يقول الدويهي (ص13): “يستيقظ الخوري بولس باكراً وقبل الترويقة ينتهي من كتابة مقالة. وإذا توقّف عن الكتابة، لأي سببٍ كان، يعود، ولو بعد حين، ويُمسك القلم، ويتابع الكتابة وكأنّه لم يتوقّف أبداً”
وعن سرّ هذه الغزارة في الكتابة، وخصوبة النتاج ينقل الدويهي عن الفغالي قوله (ص13): “لستُ أنا الذي يكتب، بل يسوع هو الذي يكتب بواسطتي. فيدي أداةٌ يستعملها لكي يدوّن ما يريدني أن أدوّن”.
وعن مقالات الفغالي يقول الدويهي (ص16): “لم يبخل يوماً بمقالة طُلبت منه، حتى تخطّت مقالاته العالم العربي ووصلت إلى فرنسا وكندا وأستراليا”.
ماذا الآن عن هذا الكتاب الضخم والموسوعي؟ قسّم الدويهي كتابه التكريمي إلى عدّة محاور، “في الكتاب المقدّس”، بين اللاهوت والليتورجيا”، “في التاريخ الكنسي”، “أعلام في الدين والفن”. أما مؤلّفو الأبحاث المهداة إلى الفغالي فنخبة من كبار الباحثين في لبنان والعالم العربي أمثال: الآباء أنطوان ميخائيل، بولس مطر، أنطوان القزّي، دانيال زغيب، والدكاترة يوسف كمال الحاج، عبدالله الملّاح، لويس صليبا، روز أبي عاد، باسمة الخوري، وكثير غيرهم.
ومن بين البحوث المهداة واحد للبروفسور لويس صليبا بعنوان “المونسنيور ميشال الحايك الشاعر الصوفي وعلاقته بجنبلاط ونعيمه” (ص464-492)، نقرأ في مقدّمته عن العلّامتين الصديقَين (ص464): “بين بولس الفغالي وميشال الحايك مشتركات عديدة، فأوّل ما يخطر لك عند ذكر هذين الاسمين أنهما يأتيان في طليعة المفكّرين والكتّاب من الإكليروس الماروني المعاصر (…) وكلاهما شخصيّتان حواريّتان بامتياز حاورا الطوائف المسيحيّة الأخرى، وحاورا كذلك الإسلام والمسلمين بلُغةٍ راقية ودودة، وبمنهجية أكاديمية رصينة في آن”.
وفي خلاصة مقارنته بين مساهمة كلّ من العلّامتين الحايك والفغالي في الحوار المسيحي الإسلامي يقول صليبا: “إنهما من مدرسة حواريّة واحدة. بل هما في الحقيقة من أبرز روّاد المدرسة المارونية الحوارية المعاصرة”
كتاب هو في الحقيقة بمجموعة بحوثه درّة نفيسة في علوم الأديان.