“الماسونية وأثرها في الأديان الإبراهيمية: دراسة في جدلية علاقتها باليهودية وموقف المسيحية والإسلام منها”، كتاب للبروفسور لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في 425ص، وتجليد فاخر.
تكثر المصنّفات عن الماسونية في المكتبة العربية. ولكنها بمجملها منحازة معها أو عليها! ومن هنا أهمّية هذا الكتاب وميزته، فهو لا يكرّر سابقيه، وشاءه المؤلف الدراسة العربية الأولى في الماسونولوجيا أي علم الماسونية الذي يشهد تطوّراً ملحوظاً في الغرب اليوم. لذا فهو يقف على مسافة واحدة من المناوئين والمؤيّدين، ليحاول من هذا الموقع المحايد أن يستجلي الحقيقة عن هذه الجمعية السرّية التي تضاربت فيها الآراء وتناقضت. وما يهمّه تحديداً هو الماسونية في المشرق: في لبنان وسوريا ومصر والعراق، وأثرها في تاريخ هذه البلدان وتفاعلها مع أديانها ومجتمعاتها.
والبداية من القرن 19 حين استفحل الصراع بين الماسون واليسوعيين. وانطلاقاً من نصّ غير متداول للكاتب والمؤرّخ الماسوني اللبناني شاهين مكاريوس (1835-1910). يحاول الباحث أن يتبيّن خفايا هذا الصراع وخلفيّاته: اليسوعيّون هم الحرس البابويّ ورأس حربة الكنيسة الكاثوليكية في صراعها مع خصومها وعلى رأس هؤلاء الماسون!
في نصّ مكاريوس المحلَّل الكثير من التحامل. ولكن اليسوعيين وجريدتهم البشير، وجهبذهم الأب لويس شيخو لم يقصّروا في الدفاع فردّوا له الصاع صاعين، ورشقو الماسونية بوابل من الاتّهامات. ما جعل شريكه في جريدة المقطّم د. يعقوب صرّوف يسعى إلى المهادنة، فيبعث إلى شيخو برسالة في 14/6/1911 وهي بالغة الدلالة، ويتوقّف عندها الباحث ويحلّل مضامينها. (ص131-132).
والفصل الثاني من الباب الثاني يدرس نداء المحفل المصري إلى أهل فلسطين في 20/4/1922: هل كان للصهيونية في مصر أصابع وأيدٍ خفيّة حرّكت الأقلام لتوجيه هذا النداء؟! فقد أثار يومها زوبعة من النقد والردود جعلت المحفل يصدر بياناً توضيحيّاً له، ويتراجع عن بعض مواقفه فيه. ولكنه لم يفلح في تهدئة الغليان، وانتهى الأمر إلى إزاحة رئيس المحفل إدريس راغب عن منصبه. أحداث عصفت بمصر ورجّعت صداها صحف مختلف الأقطار العربية.
والباب الثالث من الكتاب يدرس وثيقة مزيّفة لا تزال تثير إلى اليوم الكثير من الجدل: إنها بروتوكولات حكماء صهيون. وهي تزعم أن أكثر ما يحصل في العالم من ويلات وحروب هو نتيجة مؤامرة يهودية خفيّة يتولّى الماسون تنفيذها. فمن هو واضع هذا النصّ؟
تبيّن الدراسة من خلال تحليل دقيق وعميق للبروتوكولات وتاريخ ظهورها وانتشارها أنها فُبركت في مراكز المخابرات القيصرية في روسيا وجمعت بين عدويّ النظام القيصري الأساسييَن: اليهود والماسون في محاولة لضربهما معاً. وهي بعيدة كلّ البعد عن الذهنية التوراتية/التلمودية ولا تتضمّن حتى آية واحدة من هذين الكتابين، ويستحيل بالتالي أن يكون كاتبها يهوديّاً.
والباب الرابع يلقي نظرة على الكتب العربية المعادية للماسونية ويبيّن تهافت طروحاتها وتكرارها الببّغائي لمزاعم البروتوكولات. ويتناول الفصل الثاني منه وثيقتين ماسونيّتين بالعرض والتحليل، وهما كتابا استقالة د. خليل سعادة وابنه أنطون من الماسونية وخلفية وتداعيات هذا الحدث.
أما الباب الخامس والأخير فيتناول الماسونية في علاقتها بالمسيحية والإسلام. ما سرّ هذا العداء المستفحل بين الكنيسة الكاثوليكية والماسونية؟ وكان آخر تجلّياته رفض الفاتيكان للسفير اللبناني المعيّن لديه 2017 بسبب ارتباطاته الماسونية! ويورد الفصل الأول نصوص الأحبار الرومان في تحريم الماسونية منذ إكليمندس 12 في 28/4/1738، وحتى مجمع العقيدة والبابوين يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس 16” في 26/11/1983.
وينتقل الفصل الثاني إلى ظاهرة حظر الجمعية الماسونية في العراق ومصر وسوريا والأردن في الستّينات، وخلفيّة هذه القرارات وتداعياتها، ولماذا بقي لبنان الدولة العربية الوحيدة التي لم تحظّر وتقفل المحافل الماسونية؟!
ويختم الكاتب: “قد يرى قارئ هذا السفر فيه الكثير ممّا طالما اعتبره باطلاً ونقيض الحقيقة. ولا يملك المؤلّف هنا سوى أن يذكّره بمقولة الفيلسوف باشلار: إن تاريخ العلم هو تاريخ تصحيح الأخطاء”.