“اليوغا في الإسلام” كتاب جديد للبروفسور لويس صليبا، صدر في طبعتين متواليتين، ط2: 2017، في 350ص، وتجليد فاخر. وهو يحوي دراسة وتحقيقاً وشرحاً لكتاب باتنجلِ الهندي للبيروني (ت440هـ).
ندوة للمؤلف حول اليوغا في الإسلام
هل من يوغا في الإسلام؟! العنوان بحدّ ذاته إشكالية كبرى، وقد يظنّه القارئ مفارقة تحمل في طيّاتها الكثير من التناقض!
ولكن المؤلف يسارع إلى الإجابة عن هذه التساؤلات: ليست اليوغا سوى التصوّف الهندي، وكان بينها وبين التصوّف الإسلامي تفاعل وثيق. فالاتّصال بين الهند والعرب عريق في القدم، ويعود إلى ما قبل الإسلام. وقد حتّمته العوامل الجغرافية وقرب شبه الجزيرة العربية من شبه القارّة الهندية.
والتفاعل بين التصوّفين الهندي والإسلامي لاحظه وسجّله العديد من علماء الإسلام، وعلى رأس هؤلاء أبو الريحان البيروني. وقد درسه في موسوعته الخالدة “تحقيق ما للهند” والتي اعتبرها عدد من علماء الغرب ومؤرّخي الأديان فتحاً في مجال الأديان المقارنة والدراسة الموضوعية المحايدة لمعتقدات الآخر وإيمانه.
ولكن هذه الموسوعة ليست الأثر الوحيد للبيروني في الهند. فقد سجّل سابقة خطيرة في تاريخ الأديان ودراستها، إذ عمد إلى ترجمة كتب الهندوسية المقدسة من لغتها الأصلية، أي السنسكريتية إلى العربية. فعرّب نشيد المولى أو الكيتا، والسانخيا، واليوغا سوترا لباتنجلي. ولم يبقَ من ترجماته الثلاث هذه سوى الأخيرة: كتاب باتنجلي، وهو إنجيل اليوغا وكتابها التأسيسيّ. وقد عثر المستشرق لويس ماسينيون 1920 على نسخة من هذه الترجمة في مكتبة كوبرولو/اسطنبول. ورغم ذلك بقيت هذه المخطوطة سنوات عديدة سجينة الأدراج، ولم تعرف طريقاً إلى المطبعة. وذلك لأسباب عديدة أبرزها حالتها السيئة، وتآكل العديد من كلماتها وصفحاتها. وكان المستشرق ريتّر أول من فكّ أسرها، فنشر دراستين عنها 1955 ونصّها 1956. ولكنها بقيت أُحجية، ففهْمُها يتطلّبُ متخصّصاً في مجالين يصعب توفّرهما في عالِم واحد: الدراسات الإسلامية والفلسفة الهندية. فتطوّع المستهند وباحث الإسلاميات د. صليبا للتصدّي لنشرها وشرحها وفكّ رموزها الصعبة.
نصّ بالغ الصعوبة، وهذا ما قاله عنه غضنفر التبريزي أبرز قدامى دارسي البيروني ومحبّيه (ص195). ولكنّ المؤلف/المحقّق أستاذٌ في الدراسات الإسلامية وفي اليوغا والفلسفة الهندية، ومن هنا أهمّية تحقيقه لنصّ البيروني وشروحاته له وحواشيه على متنه. فقد عمد إلى نقل كتاب باتنجلي في ترجمة حديثة دقيقة أثبتها في الهوامش، وقارن بينها وبين ترجمة البيروني القديمة. وهكذا بدا فهمُ نصّ أبي الريحان ممكناً بعد أن استحال على الكثيرين عبر العصور، ومنهم غضنفر الآنف الذكر. ودراسة المحقّق وشروحاته ومقدّماته تتجاوز 310ص، في حين لا يزيد كتاب باتنجلِ للبيروني عن 40ص. وكان لا بدّ من كلّ ذلك كي لا يبقى عمل أبي الريحان مجرّد أحجية.
وتبقى الإشكالية المطروحة في الأساس: ما علاقة اليوغا بالإسلام والتصوّف الإسلامي تحديداً؟!
يحمل كتاب باتنجلِ للبيروني جواباً واضحاً: فأبو الريحان يقول في المقدّمة (ص201): “هؤلاء (يوغيّو الهند) قوم إذا سمعتَ أقاويلهم تُراح منها روائح مركّبة من عقائد قدماء اليونانيين وفِرَق النصارى وأئمّة الصوفية”.
وهو يعود في خاتمة كتابه (ص325) فيؤكّد على هذه الصلة والتفاعل بين متصوّفي الهند واليونان والنصارى والإسلام. والكلّ يستقي من مشرب واحد أو مشابه. والبيروني كان بلا ريب رائداً في تسجيل هذه القربى بين متصوّفي مختلف التقاليد والديانات وتحليلها وتأكيدها.
ولوحة الغلاف لافتة، فهي تصوّر كبيرة حكماء الهندوسية في القرن 20 ما أنندا مايي راكعة باسطة يديها تقرأ الفاتحة على قبر متصوّف مسلم. وهي بذلك تُسقط الحواجز والفوارق العقائدية والثقافية بين التقليدين. وليتنا نتعلّم من متصوّفي الإسلام والمسيحية والهندوسية درساً في الحوار والتلاقي، كما سبق للبيروني أن تعلّم وعلّم.