“الهندوسية وأثرها في الفكر اللبناني: دراسة في فكر ميخائيل نعيمه” كتاب للبروفسور لويس صليبا صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في 440 ص وتجليد فاخر.
هذا السفر حلقة في سلسلة للمؤلف: “أديان الهند وأثرها في المشرق وأرض الإسلام”، وقد صدر منها “أديان الهند وأثرها في جبران” و”اليوغا في الإسلام”، وسيصدر قريباً “حوار الهندوسية والمسيحية والإسلام في لقاء جنبلاط بـِ نعيمه والحايك”
لوحة الغلاف بريشة نعيمه، وهي تختصر فلسفته المستوحاة من الفلسفة الهندية:
أغمض جفونك تبصر
في اللحد مهد الحياة
يقول ناسك الشخروب. واللوحة تصوّر وجه امرئ داخل رحم. إغماضة العينين تعني التأمل وهو عماد تقنيّات اليوغا، أما الرحم فيرمز إلى سلسلة الولادات والتقمّص.
ومن سيرة نعيمه: اختار المؤلف الأكثر دلالة على تأثراته الهندية، مثل الصداقة العميقة التي ربطته بكمال جنبلاط: “جمعتهما الهند وفرّقتهما الحرب” يقول. وفي الحرب اللبنانية، بقي هادئاً وسط سقوط القذائف حوله. ورحل كشمعة تنطفئ، عاش يوغيّاً، ومات يوغيّاً يقول الباحث.
ويخصّص الكاتب فصلاً للأثر التيوزوفي في نعيمه: كيف تعرّف إلى الجمعية التيوزوفيّة وعنها أخذ العقائد الهندية، ويفنّد النصوص التي يتحدّث ناسك الشخروب فيها عن هذه الجمعية. ويتناول المفكّرين التيوزوفيين الذين أخذ عنهم. ولا سيما إدموند هولمز الذي أشار إليه نعيمه مرّة وحيدة ويتيمة في كتبه. ومع ذلك لم ينتبه الباحثون إلى الأثر المباشر لهذا الكاتب الإنكليزي التيوزوفي في الفكر النعيميّ. ومن مؤلفات هولمز تناول الباحث كتابين: “عقيدة بوذا”، و”عقيدة المسيح”. عن الأول أخذ نعيمه عقيدة في غوتاما يرفضها البوذيّون، وهي توفّق بين الهندوسية والبوذية. وعن الثاني أخذ العقيدة القائلة إن المسيح إنسان تألّه، وليس إلهاً تأنّس، وتوسّع في عرضها وشرحها في كتابه “من وحي المسيح”. وهي عقيدة هندوية تيوزوفية بامتياز.
ويدرس المؤلّف البحوث السابقة في النعيميّة، ولماذا قصّرت في جلاء الأثر الهندوي فيها. ثمّ يتوقّف في فصل مطوّل عند أبرز العقائد الهندية، وكيف عبّر عنها ناسك الشخروب في نصوصه وكانت حجر الزاوية، والعمود الفقري في منظومته الفلسفية: الكارما، النظام الكوني، الذات الفردية والذات العليا، اللاعنف، الوهم: مايا، وغيرها. الدين، ونعيمه، كما الهنود يرى أنه اختبار وليس عقيدة، وهو مثلهم يرفض التمييز بين أديان سماوية وأخرى وضعية. (ص235-243).
والباب الثالث يدرس شخصيات هندية كان لها أثر حاسم في النعيميّة. بوذا، غاندي، ونهرو. صمت الأرقش وخواطره وشخصيّته تظهر أبعاداً بوذية واضحة. ويقارن الكاتب بين نصوص غاندي ونهرو وكتابات نعيمه، فيجد تناصّاً واضحاً بينها في الصور والأفكار والعقائد وغيرها.
أما الخاتمة فنصّ غير متداول لنعيمه ختم به حياته الفكرية والأدبية: خطابه في مهرجان تكريمه 1978، يحلّله الباحث ويظهر كيف يرتكز كلّياً إلى العقائد الهندية في الحياة والموت. ليخلص إلى أن كلّ ذلك لا ينتقص من مكانة نعيمه ومقامه الأدبي المميّز، فهو قامة فكرية باسقة راسخة، وما من كاتب انطلق من الصفر، ولا من شيء وجد من لاشيء يقول الهنود.