جوزف حنا غانم أو زوزو كما كان يحلو لأصدقائه وأقربائه أن ينادوه تحبباً, زيارته لهذا الكوكب كانت قصيرة ويحدها تاريخان
وصولاً في 2 آب 1961
ورحيلاً في 28أيار2015
وبين هذين الحدّين عاش حياة هادئة وادعة
ولد جوزف غانم في جبيل وفي أسرة ضمّت إضافة إليه أخ وأخت يكبرانه:
جورج مهندس مدني ورئيس سابق لبلدية نهر إبراهيم
وجانيت مهندسة ديكور وأستاذة مدرّسة في الجامعة اللبنانية/معهد الفنون الجميلة
تلقى زوزو علومه الابتدائية والتكميلية في مدرسة الإخوة المريميين/ الفرير في عمشيت ثم في جبيل. وأكمل دروسه الثانوية في ثانوية جبيل الرسمية. ثم درس إدارة الأعمال في الجامعة اليسوعية في بيروت , والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية / كلية الحقوق – الفرع الثاني- جل الديب.
ومنذ تخرّجه تسلّم المحاسبة في مكتب أخيه جورج الهندسي. واندرج نشاطه مذّاك ضمن محاور وعناوين عديدة أبرزها أربعة :
أ_ الشطرنج
ب- التأمل واليوغا
ج- المطالعة والبحث
د- الصداقة والعلاقات العامة
أ-الشطرنج
أحب جوزف الشطرنج منذ صغره . وتعوّد أن ينزوي في غرفته لحلّ أحجيات هذه اللعبة التي كانت تنشرها الجرائد. وشارك في بطولات محلّية وعلى صعيد لبنان في هذه اللعبة. وكانت مهارته فيها مميزة , فعدّ من كبار اللاعبين في وطنه, وشارك في تأسيس عدد من نوادي الشطرنج أبرزها النادي التابع للمجلس الثقافي في بلاد جبيل.
ب- التأمل واليوغا
كان جوزف على اطلاع واسع على الفلسفة الهندية وثقافة الشرق الأقصى. تعلّم اليوغا الفكرية والجسدية ومارس التأمل بانتظام. فكان له خير معين على التركيز في الشطرنج لعبته المحببة. وهذا ما جعله يولع باليوغا ويتعمق في جوانبها الفكرية والتطبيقية وينصح معارفه بممارستها .
ج- المطالعة والبحث
كان زوزو قارئاً نهماً لا يفوته أي جديد في المجالات السياسية والثقافية عموماً. يجيد القراءة والكتابة باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنكليزية . ويترجم بعض الكتب لأصدقائه من حين إلى آخر. أحب من العلماء ستيفن هاوكينغ, ومن المفكرين كمال جنبلاط , ومن السياسيين ريمون إده. بحث في السياسة والفلسفة والتاريخ وكانت له في هذه الحقول آراء قيمة.
د- الصداقة والعلاقات العامة
زوزو صديق ودود وخلّ وفيّ . بل هو مثال الوفاء والاستمرارية في علاقاته. حبه الاطلاع على المستجدات السياسية والثقافية ومتابعتها أولاً بأول واستقرائها وتحليلها جعل من بيته ملتقى للأصدقاء : يتواعدون ويجتمعون عنده ويتداولون بما استجدّ من أخبار وأحداث.
كان صادقاً في علاقاته , واضحاً لا يخشى في الحق لومة لائم. فألف أصدقاؤه مع الزمن صراحته المغالية هذه. قد تختلف معه في الرأي والتحليل , ولكن لا بدّ أنك تحترم صدقيته ولانفعيته في التعبير عنه.
مرضه ووفاته
وختاماً لكل جواد كبوة يقول المثل العربي. وكبوة جوزف , نقطة ضعفه, أو غلطة الشاطر التي تعادل ألف غلطة كانت إهماله صحّته. أصيب بوعكة صحّية قبل نحو ثمانية أعوام من وفاته , يومها أحجم أبو الزوز عن إجراء التحاليل المخبرية التي طُلبت منه. خوفه من معرفة المجهول وما سوف يستجدّ والذي رافقه سحابة العمر تفاقم آنذاك وجعله يتهرّب من تنفيذ ما طلبه أطبّاؤه . وحدسه كان في محلّه, فقد كان يعاني من مرض عضال امهله سنوات لكنه لم يهملْه. فعاد ليدقّ بابه مرة أخرى وأخيرة في أيار 2015. وعندها لم يمهله أكثر من إثني عشر يوماً ذاب فيها كالشمعة وانطفأ.
في الفرنسية يقال عن امرئ أخلف عن موعد ضربه وفاجأ الجميع بغيابه
IL nous a pose un lapin
وضع في حضننا أرنباً, وجوزف حنا غانم باغتنا جميعاً برحيله المبكر والسريع.
مات بالطريقة عينها التي عاش فيها: بخفة ومزحة وهدوء. وطار ليلقى الرفيق الأعلى تاركاً في الحضن ذاك الأرنب المربَك المضطرب.