صدى الدستور العثماني في صحافة بيروت عام 1908

الأمة والدولة والتاريخ والبصائر. دراسات مهداة إلى الأستاذ رضوان السيد بمناسبة بلوغه الستين، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2011، ص 343 – 364.

 

 

صدى الدستور العثماني في صحافة بيروت عام  1908

 

 

                                                                         عبد الرؤوف سنّو

                                                                          الجامعة اللبنانية

 

 

          صدر الدستور العثماني، ولقي ترحيباً في ولايات السلطنة بالانتقال من مرحلة حكم مطلق إلى حكم دستوري يتيح للشعب أن يختار نوابه إلى مجلس الأمة، الذين يدركون حاجاته ويتحدثون باسمه ويدافعون عن قضاياه. ولم تكن الولايات العثمانية في المشرق العربي أقل فرحة من ولايات السلطنة الأخرى جراء صدور الدستور. كان عرب بلاد الشام في تلك المرحلة لا يزالون على ولائهم للدولة العثمانية، وإن أبدوا عبر جمعياتهم ومنتدياتهم ومفكريهم رغبتهم في الحفاظ على الرابطة التي تجمعهم بالعثمانيين، وفي الوقت نفسه حصولهم عن نوع من الحكم  يبرز شخصيتهم القومية. فالدولة العثمانية وإن كانت ضعيفة، فقد بقيت في نظرهم المظلة التي تحميهم من هجوم الاستعمار.[1] لذا، ابتهجوا بصدور الدستور، لأنه وضع علاقاتهم مع السلطنة على أسس جديدة تقوم على صهر مكونات المجتمع القومية والدينية واللغوية في بوتقة جديدة، وهي الأمة العثمانية.

 

          كانت بيروت من ضمن المدن العربية التي ابتهجت بصدور الدستور، وعلقت الآمال عليه في إقامة الحرية والعدل والمساواة. فخرج سكانها يتظاهرون احتفالاً به، وتجرؤا للمرة الأولى على تسمية الموظفين الفاسدين من مدنيين وعسكريين مطالبين بعزلهم، حتى الولاة منهم. وظهر بوضوح ترحيب صحافة بيروت بالعهد الدستوري، فتنفست الصعداء معتبرة أن مرحلة كبت الحريات والرقابة الشديدة قد ولت، وأن لا قيود بعد الآن على القلم والنشر.[2] كذلك، أظهرت النخب البيروتية تأييداً للدستور، فرأت فيه عهداً من الحرية والعدالة والمساواة، ما يؤدي إلى تماسك الجبهة الداخلية، فيقوّي الوحدة الوطنية والدولة، ما يمكّن بالتالي من مواجهة مخططات الخارج.[3] في المقابل، انقسم سكان جبل لبنان بين مؤيد لتمثيل لبنان في “مجلس المبعوثان”، ومعارض لهذه الخطوة حفاظاً على الامتيازات الممنوحة للجبل منذ عام 1861.

 

          تطرح هذه الدراسة إشكالية رئيسية، وهي: مدى تقبل الشعب العثماني للدستور وفهمه واستعداده له، في ضوء أمّيته وثقافته السياسية المتخلفة وغياب الحياة الديمقراطية والمؤسسات، وإلى أي مدى كان الدستور الجديد عامل توحيد أو شقاق في المجتمع الطائفي اللبناني؟

 

أما الفرضية، فهي أولاً: أن المناطق اللبنانية الخاضعة للحكم العثماني، بيروت وخلافها، أيدت الدستور، بغض النظر عن الانتماء الديني، كانطلاقة جديدة نحو العدل والمساواة، فيما رفضته المناطق المارونية في متصرفية جبل لبنان، على اعتبار أنه يقضي على الاستقلال الذاتي الذي تحقق منذ عام 1861. أما الفرضية الثانية، فهي أن الصحافة البيروتية أدركت مسؤولياتها تجاه توعية الناس بالنسبة إلى أهمية الدستور، وما يترتب عليه من حقوقهم لهم وواجبات عليهم.

 

بناء عليه، سوف يتناول البحث ثلاث مسائل أساسية تحت عناوين عدة، وهي: ردود فعل سكان بيروت تجاه الدستور ودرجة وعيهم به؛ مواقف الصحافة المحلية منه ومحاولتها شرح الحقبة الجديدة للشعب وانعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى قيام وحدة وطنية. وأخيراً، مواقف نخب بيروت المسيحية والإسلامية من الدستور من جهة، ومواقف سكان جبل لبنان الرافضين لتمثيلهم في “مجلس المبعوثان” من جهة أخرى، ونتناول كذلك، الانقسام الذي حصل في جبل لبنان حول الدستور، بين دروزه وموارنته وموقف صحافة بيروت منه.

 

1-     ترحيب بيروت بالدستور

 

          كان هناك إجماع لدى بيروت، سكاناً وصحافة، على أن الدستور كان منحة من السلطان عبد الحميد الثاني، وصدر بإرادته، فصُوّر على أنه “رئيس الأحرار”،[4] وما كان تعطيل الدستور من قبله قصداً في شباط عام 1878، إلا بسبب عدم استعداد الشعب العثماني في تلك المرحلة لدخول العهد الدستوري. فواكبت الصحافة هذا الحدث، معتبرة أن “الجهاد الأصغر” قد انتهى وبدأ “الجهاد الأكبر”، وهو جهاد العمل بالدستور على ما تقتضي به مصالح الأمة.[5] ووفق تلك الصحافة، فإن بيروت “لبست ثوبها القشيب وهزت معاطفها طرباً وإعجاباً وهزجت بألحان الحرية هزيجاً ترامت نبراته إلى ما وراء المحيط، إلى حيث تلج مسامع الغربيين، فيعلمون أن الشرق أصبح كاسمه مشرقاً بعد أن كان مغرباً“.[6] واعتبرت الصحافة البيروتية الدستور يقظة للشرق من سبات عميق ومرحلة تحوّل سلمية حاسمة في تاريخ السلطنة والبلاد العربية. فبعد صدوره، لن تنظر الدول الكبرى إلى السلطنة إلا بعين الاحترام. [7] وتحدثت الصحف عن عناق بين الشيخ المسلم والكاهن المسيحي أمام الجماهير، وامتلاء الساحات العامة بالناس، وأبواب المحال والشرفات والفنادق بالأعلام والزينة واللافتات التي تمجد السلطان على خطوته الجسورة، وتحيي في الوقت نفسه الجيش العثماني والدستور. ومن مظاهر الاحتفالات وببادرة غير مألوفة، هو حضور وفود إسلامية من حي السراي إلى محلة الجميزة المسيحية، حيث تبادل أتباع الديانتين التهاني وجددوا عهود الإخاء.[8] وجرى تشبيه بيروت بسوق عكاظ لكثرة المسيرات والاحتفالات وإلقاء الخطب الحماسية والأناشيد والقصائد وعزف الموسيقى العسكرية، وأشهرها الاحتفال في ميدان سباق الخيل في بيروت، وفي الحديقة الحميدية في ساحة البرج، التي أمّها نحو عشرة آلاف شخص، ألقى فيها الشيخ علي اليوسف صاحب جريدة “المؤيد” المصرية، وأحمد طبارة، صاحب جريدة “الاتحاد العثماني”، والمفكر شكيب أرسلان، وإسكندر العازار وشعراء آخرون كلمات مديح بالدستور ومانحه.[9]

 

ونتيجة لمناخ الحرية، تكاثر عدد الجمعيات الماسونية في بيروت، وتزايد عدد المنضمين إليها، وتأسس ناد لجمعية الاتحاد والترقي في المدينة.[10] وقالت جريدة البرق: “إن ضجات البروتيين أيقظت لبنان من رقاده، فقام أبناؤه قيامة واحدة يتظاهرون بالحرية وينادون بالعدل والمساواة“.[11] وكتب مصباح طبارة في “ثمرات الفنون” تحت عنوان “الأمل” يقول: “ما هذه البشرى التي نزلت على قلب سوريا برداً وسلاماً، وألبستها ثوباً من الحياة قشيباً، وصيرت قنوطها أملاً ويأسها رجاءً؟ إن الأمنية التي أحيت بلاد الدولة العثمانية عموماً وسوريا خصوصاً، وأيقظت كل عثماني من مرقده البالي ونبهته من نومه العميق هو ما نطق به لسان البرق بإعادة مجلس المبعوثان والعمل بالقانون الأساسي“.[12]

 

          موقف البيروتين هذا، استدعى تحية من رفيق العظم، أحد المناهضين لحكم عبد الحميد الثاني في بلاد الشام، الذي هنأهم “على تلك الشهامة العالية والوجدان الحساس، والنفوس الكريمة التي تضافرتم بها ( أهالي بيروت) على عضد حكومتكم ونصرة دستوركم وصرتم سداً واحداً في وجه الدسائس والأوهام والأباطيل، بعد أن فرقت بينكم أيدي الاستبداد الماضي. فشرفتم بذلك اسم وطنكم واسم السوري. كما أن اسمكم”، أضاف العظم، “أصبح محترماً في كل نادٍ وعلى كل لسان، فهذه يدي أضعها في أيديكم، وهذه نفسي أقدمها رهناً لإشارتكم، ولكم أنفس كثيرة مثلها من السوريين والعثمانيين، فكونوا كما أنتم أنصار الحرية والحق والعدالة“.[13] لكن الصحيفة نفسها، انتقدت في ما بعد تمادي الناس في التظاهرات وتركهم أعمالهم، فدعتهم إلى الالتفات إلى ما هو أهم ونافع، من إصلاح الأوضاع الداخلية والتعاون مع النظام الجديد على إرسائه والانتقال إلى مرحلة اختيار نواب لهم يمثلونهم في “مجلس المبعوثان”.[14]

 

2-     الدستور العثماني:  إيجابياته وتداعياته

 

          تركزت الدعوات في صحف بيروت على استغلال صدور الدستور لتأسيس الجمعيات العلمية والخيرية والمدارس والنهوض باللغة العربية، ورأت من واجبها أن تُعضد وتُنشّط التجارة والصناعة والزراعة، ويُصبح السوريون أمة تتمتع بحقوقها، فيها حمية ونشاط.[15] وكتب رفيق العظم ساخراً من الذين يحترمون الدستور في الشكل بالقول: عاش الدستور وعاش الجيش وعاش الأحرار، مطالباً بتقدير الدستور والحرص عليه وحمايته. “نحترم الدستور“، قال العظم، ” في أن نكون يداً واحدة في صيانته وحفظه، ونحترمه لا بتحية الجيش وتمجيده، بل بتعزيزه بكل نفس لنا وتعضيده، نحترم الدستور لا بذكره وشكره، بل بالعمل لنبرهن للعالم أننا أمة تحترم الحرية والدستور، فتطلب من غيرها أن تحترمها بحق وعدل“. والدستور كما جاء في مقال له، ليس لإيقاظ الأمة كل أربع سنوات مرة لانتخاب المندوبين، ولا أن يكون للدولة مجلس نيابي ومجلس أعيان، وأن تنتقل السلطة من يد حاكم مطلق إلى مجلس منتدب، وإنما أن تنطلق يد كل فرد من أفراد الأمة، فيعرف كل عثماني أنه مسؤول عن شؤون بلاده، و”أنّ له من تلك الشؤون ما للوزير الكبير والأمير الخطير وصاحب التاج والسرير. ذلك سر الدستور بالأمم، وبذلك تنتفع الأمم من دستورها والقوانين الأساسية في بلادها”.[16]

 

          وبعدما أوردت مجلة “المشرق” نص القانون الأساسي، تحدثت عن إيجابياته الاقتصادية، معتبرة أنه أنعش روح النشاط في النفوس والإقدام على المشروعات المفيدة، وأوقف حركة الهجرة، وأعاد الثقة إلى أصحاب رؤوس الأموال في أوروبا كي يقوموا بالاستثمار في الدولة العثمانية ويمدوها بالأموال.[17] وعلى خطٍ موازٍ، كتبت صحيفة “الهدى” من نيويورك تقول عن الدستور: “هو تهذيبكم. هو تجارتكم. هو صناعتكم. هو سعادتكم. هو ثروتكم. هو راحتكم وشرفكم. هو عرضكم المصون. هو مجدكم الواسع. هو ملككم المعتبر الجانب. هو حياكم كأناس مخلوقين على صورة الله ومثاله، فهل تعلمون؟[18] وتوقعت “لسان الحال” ألا تبرز فوائد الدستور ومنافعه إلا بعد أن تترسّخ أقدام المجالس النيابية، ويتعوّد أعضاؤها الخوض في المسائل، وتمضي عليها فترة طويلة يمكن معها الوصول إلى الإصلاحات الإدارية والنظرة في حاجات المواطنين.[19] وأضافت، أن العثمانيين كانوا يحسدون أوروبا على دستورها، ومصر على إطلاق حريتها، ويتمنون لو تتاح لهم الدخول في ذلك النعيم، أو الوقوف على عتبة أبوابه. واعتبرت الصحيفة أن العثمانيين، بفضل الدستور الجديد، أصبحوا اليوم محسودين لا حاسدين.[20] وتوقعت “ثمرات الفنون” أن يحصّن الدستور الجبهة العثمانية الداخلية ويقوي السلطنة ويجعلها تتصدى للدول الأوروبية التي طبقت الدساتير وتوسعت استعماراً على حساب البلاد الإسلامية.[21] والمعروف أن معظم حروب السلطنة ضد أوروبا، كانت تُخاض بمجتمع تعددي منقسم على نفسه، نصفه يتطلع نحو أوروبا المسيحية، ونصفه الآخر المسلم يئن تحت نير القهر والظلم.[22] ومن وجهة نظر إسلامية، لم تر “ثمرات الفنون” في الدستور شيئاً غريباً عن الإسلام، لأن الإسلام، في رأيها، يعتمد على أساسين قويين: القانون السماوي، ومبدأ الشورى الذي هو احترام رأي الجماعة وسموه على رأي الفرد.[23] وأضافت، أن تقوية الدولة العثمانية من خلال الدستور هو مطلب إلهي، لأن “الله يأبى إلا أن يكون للإسلام وجود قوي في هذا الدور الجديد من أدوار العالم، وجعله ساطعاً في حوالك الجاهلية الأولى، سيؤدي وظيفته كذلك في هذا الدور الجديد، دور الارتقاء الإنساني والمدنية المبنية على قواعد العدل والعرفان”.[24]

 

3-     الوعي بالدستور: الشعب وممثلوه

 

      عقب صدور الدستور، شككت بعض الصحف بقدرة الشعب العثماني على الاضطلاع بالمهام الملقاة عليه، ولم تستثن من ذلك حتى نوابه المنتخَبين. ففي السبعينات من القرن التاسع عشر، لم يُتح للعثمانيين اختبار دستورهم وممارسة مفاعيله، ذلك أن العمل به أُوقف بعد قليل على صدوره بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني، وجرى حلّ “مجلس المبعوثان”. لذا، كانت هناك مخاوف حقيقية من أن ينعكس الدستور سلباً على شعب لم يختبر الديمقراطية أو الحياة النيابية. إن عدم وعي الشعب العثماني بالدستور وبالتجربة الديمقراطية، ليس معناه أن تعالج المسألة بحرمانه منهما، بل في تنوير أفراده، وتمكينه من استيعابهما من أجل تمكين إعطائه القدرة على  ممارسة سلطته بأفضل قدر ممكن من الوعي. لذا، اعتبرت الصحافة البيروتية نفسها لسان الشعب ومدافعاً عن مصالحه وترجمان أفكاره وعنوان تقدمه، وأن للوطن عليها واجبات؛[25] فعملت على أن تكون في العهد الدستوري موجهاً للشعب، خشية أن يرتد سوء استعمال الدستور كارثة عليه.

 

     انطلاقاً من ذلك، أبدت الصحافة ورجال الفكر والسياسة العثمانيين خشية من عملية الانتقال السريع من نظام استبدادي إلى آخر دستوري يضع السلطات في أيدي الشعب. وقد تكون المسيرات التي عمت المدن العثمانية والولايات العربية قد عبّرت بالفعل عن رغبة عفوية للشعب في أن يحكم نفسه بنفسه، ولكن هناك فرق بين فهم الدستور والتعبير عن الرغبة في ممارسة مفاعيله، وبين القدرة على ذلك، في مجتمع عثماني متخلف سادته الأمية وفرقته القومية والانتماء الديني. إن سعي العثمانيين إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية يكون فيها الشعب مصدر التشريع وتقوم على تعددية سياسية وثقافية ودينية، كان يتطلب نشر التعليم وتعميق ثقافة الديمقراطية ومفهوم الوحدة الوطنية، وأن يحكم الشعب عبر مؤسسات منتَخَبة من سياسية وبلدية واختيارية والاعتراف بحقوق المواطن، فضلاً عن حرية الرأي والصحافة والأحزاب وتطبيق العدالة والأمن.

 

       بعد مرور أسابيع قليلة على صدور الدستور، كتبت الصحافة البيروتية “أن كثيراً من أبناء الأمة العثمانية، وخصوصاً في داخلياتها، لم يفقه حتى الآن معنى الدستور، ولم يدر ما هو، بل ظنه البعض الامتناع عن أداء التكاليف والعشور، وظنه آخرون أنه قطعة من الحلوى يأكلها ويتلذذ بمضغها“.[26] فأبدت الصحافة خشيتها من أن يتلاعب السياسيون بالشعب وتجره أفكارهم، وينقاد وراءهم انقياداً أعمى، خصوصاً عندما يحين موعد انتخاب نواب الأمة إلى المجالس العثمانية.[27]  لذا، اعتبرت أن من ضمن واجباتها الوطنية الجديدة الدفاع عن مصالح المجتمع،[28] والتركيز على أن أهم ما في العملية الدستورية هو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه؛ فهو شريك الحكومة سواء أكانت دستورية أو مطلقة مستبدة، ومسؤوليته في الحكومة الدستورية هي أعظم منها في الحكومة المستبدة.[29] ورأت أن على كل عثماني أن يشرح لأخيه الجاهل منافع الدستور ونتائجه عبر اللقاءات والخطب، وكذلك عبر الصحافة، لأنها من الضروريات اللازمة للدستور، وغايتها الإصلاح، فهي لسان الشعب تنشر حقوقه وواجباته ومطالبه ومقاصد سروره وما تقترحه من الإصلاحات.[30] 

 

        ولفتت الصحافة إلى أهمية اختيار الشعب النائب الذي سيمثله في “مجلس المبعوثان”. فوضعت مواصفات للنائب، بأن يكون معروفاً بأفكاره الحرة وعقله المتنور، وعالماً بكثير من الفنون، كعلم الاقتصاد والحقوق، وعارفاً بأمراض مجتمعه وأمّته، يعمل لصالحها في المجلس الذي أرسلته إليه، ويعرف قوانين البلدان الغربية وكيفية ارتقائها وسير مجالسها.[31] وبعد ترشيح 14 شخصاً أنفسهم لمجلس المبعوثان عن ولاية بيروت، وعلى غرار ما يحصل اليوم خلال الحملات الانتخابية لجذب الناخبين، طالبتهم صحيفتا “لسان الحال” و”الاتحاد العثماني” بالإعلان عن برامجهم على صفحات الجرائد، وأن يلقوا الخطب في المنتديات العامة لتبيان معلوماتهم وإيضاح أفكارهم ومقاصدهم، وهل هم أهلٌ للوظيفة التي انتدبوا أنفسهم لها، وتحديد ما يريدون أن يفعلوه خلال نيابتهم. وطالبت الصحافة في الوقت نفسه الشعب بتحكيم العقل في عملية الانتخاب على أساس الكفاءة والنزاهة لا المظهر.[32] عكس ذلك، كان يُخرج الدستور عن أهدافه ويشوه وجه الحرية، كما قال رفيق العظم.[33] فلفت في أكثر من مقال له انتباه المنتخِبين والمرشحين للمجلس إلى أن أهم ما في الدستور هو إسقاط سلطة الفرد الذي كان يقود الشعب بالقوة ويقوم مقامه. فطالب الأولين بالنظر إلى حاجة الوطن والدولة، لأنهما فوق مصلحة الأشخاص، وأن يكون التركيز على من يستطيع أن يمثل هذه المبادئ. [34] وأضاف، أن نواب الأمة سيكونون في المجلس الجديد في حالة امتحان دائم ليبرهنوا أنهم مسؤولون حقيقيون مع الحكومة يشاركونها في تحمّل المسؤوليات، لا نواب منتدبين ومنتَجين للحكومة، كما في “مجلس المبعوثان” لعام 1877، ما مكّن السلطان عبد الحميد الثاني من الإجهاز على المجلس والدستور معاً. إضافة إلى ذلك، رأى العظم أن المسؤولية الملقاة على عاتق نواب الولايات ضخمة جداً، بسبب قدرة القوى المؤيدة للنظام القديم على تعطيل المسيرة الدستورية.[35] لكنه استدرك، أن صفة النيابة الحقيقة لدى نواب المجلس الجديد، ووقوف الجيش العثماني بالمرصاد لأعداء الدستور، تشكلان حماية للحياة الدستورية الجديدة في السلطنة.[36] إن التأكيد على دور الجيش في حماية الدستور وأن يكون حارساً له، أخذ يشقّ طريقه منذ ذلك الحين، مروراً بقيام تركيا الحديثة وظل معلماً من معالم الحياة السياسية التركية المعاصرة.[37]

 

        وفي موضوع مواصفات المندوب إلى مجلس الأمة، حذر عبد الباسط فاخوري، وهو أحد وجهاء بيروت، من سوء الاختيار، لأن المسألة ليست في إرسال شخص إلى المجلس، وإنما أن يمثل نحو 50 ألف نسمة ممن اقترعوا له، وأن يدافع عن حقوق الأمة ويقوم بحاجاتها، فقال: “إن الأمة إذا لم تعن في انتخاب أعضاء المجلس المذكور، ولم ترسل من هو كفؤ وذو اقتدار على اقتحام هذا المعترك الخطير، تكون كالباحثة عن حتفها بظلفها“.[38] فبيروت، تستطيع أن تحكم نفسها بنفسها، عندما ترسل نواباً يتكلمون بلسانها، ويذكرون حاجاتها في مجلس الأمة،[39] فالمنتخِبون هم أمناء الأمة، كما جاء في “الاتحاد العثماني”، التي خاطبت الناس بالقول: “أيها المنتخِبون انتخبوا لنا رجالاً أمناء على ترقي الوطن، حكماء محافظين على الشريعة الغراء”…”انتخبوا لنا رجالاً أحراراً محافظين على الدستور من ذوي المعارف بالحقائق”…”انتخبوا لنا رجالاً عرفوا بالحق، أكفاء للقيام بهذا الواجب المقدس”…”انتخبوا لنا رجالاً جرت في جسمهم دماء الحمية الوطنية ليهمهم أمركم وأمرنا”…”انتخبوا لنا رجالاً ترتقي بأفعالهم البلاد وتزدان بذكرهم صفحات التاريخ، ويبتسم باقتدارهم محيا الزمان“. واعتبرت أن عدم انتخاب الأصلح للمركز هذا، هو خيانة لله ورسوله والمسلمين.[40]

 

      ودحضاً للاعتقاد الذي ساد بأن مندوب الولاية هو مندوب لمن انتخبه، أو للطائفة أو الولاية التي أوصلته إلى الكرسي النيابي، لفت سليمان البستاني، الذي فاز في ما بعد عن مدينة بيروت، وكان من المدافعين عن الحكم العثماني في بلاد الشام، أن المندوب هو للنظر في كل شؤون البلاد، وأن مصالح الأمة العثمانية العامة تتقدم على مصالح الولاية التي يأتي منها.[41] ومن جهته، طالب الشيخ مصطفى الغلايني[42] ونجيب عازوري، كل على حدة، الناس أن يضعوا نصب أعينهم إصلاح القوانين الموضوعة وتحسينها، وخصوصاً القانون الأساسي “العتيق”، الذي وُضع في عام 1877. وتوقع عازوري، وهو أحد دعاة القومية العربية وفصل الدين عن الدولة وصاحب كتاب “يقظة الأمة العربية”، صعوبة المسيرة الدستورية لوجود نواب مرتشين في المجلس وأعضاء من الحزب الرجعي، سيعملون على ضرب الدستور. فطالب بإعطاء صلاحيات لأعضاء مجالس الإدارة في الولايات لموآزرة الولاة والمتصرفين، ومحاربة الرشوة عبر زيادة مخصصات أعضاء مجالس الإدارة والبلدية ورواتب الموظفين، وتخفيض مدة الخدمة العسكرية إلى سنتين، وألا يكون أفراد الجندية بعيدين عن أماكن إقامتهم، وأخيراً إصلاح التعليم.[43]

 

4- الصحافة البيروتية: الحرية والمساواة المسؤولتان

 

          اعتبرت صحيفة “لبنان” أن التقدم والازدهار لا يتحققان إلا في ظل الحرية التي نادى بها الدستور. فكتبت تقول: “نلنا الحرية والمساواة والإخاء، فماذا ننتظر؟ إذ كنا ننتظر الضغط وحبس الأقلام والأفكار، فلا كانت الحرية. وإذا كنا ننتظر التفريق الديني، فلا كان الإخاء. وإذا كنا ننتظر من المحاكم الميل مع الهوى والجور والرشوة وتبرئة الجاني، فلا كانت المساواة. فماذا إذاً ننتظر؟ ليس الجواب بصعب والكل يعرفه. ننتظر العلم والصناعة والزراعة“.[44] كان هناك إجماع على أن الحرية بشكل عام هي التي تحقق طموحات الشعوب في الرقي والازدهار، وأنها ليست منحة من البشر، بل هي حق طبيعي منحه الله للإنسان ليتسنى له التصرف بالحقوق العائدة له وبالصورة التي يراها مناسبة ضمن دائرة تعقله والأصول الشرعية والآداب الموضوعة، ومن دون تهور وتطرف ولا اندفاع في الخير والشر على حد سواء، وأخيراً ألا تكون الحرية وسيلة للانتقام[45]. فطالبت “ثمرات الفنون” الشعب بالابتعاد عن التعصب والحماسة والانفعال، وأن يعرف كيف يضبط نفسه،[46] ويستعمل الحرية باعتدال، ويعرف متى ينتهي حقّه ويبدأ حقّ غيره ولا يضر بالآخرين، وأن يقوم بالواجب عليه للمجموع حتى يتم التضامن بين الجميع.  وفي إشارة إلى أن الشعب هو الذي يتحمل مسؤولية ما آلت إليها حريته من غض الطرف عن اغتصابها من قبل أفراد وسلطات، قالت الصحيفة نفسها إن المشكلة الأزلية في أن الفرد لم يعرف في الأساس كيف يحافظ عليها، أو لم يقدر على ذلك، فاغتصبها الأقوياء من الضعفاء وتوارثوها إلى أن تكونت من الشعوب أمماً، وشكلت لها حكومات، فكانت المغتصبة تراثاً للحكام في صورة السلطة والجبروت.

           

      بالإضافة إلى ذلك، حذرت الصحافة البيروتية قراءها بأن الحرية هي سلاح إن أُعطي لعاقل عرف كيف يستعمله ومتى يستعمله وبمن يستعمله، وإن أُعطي لأحمق، أضر بنفسه وبمحيطه، وإن أُعطيت لقوم يجهلونها، اتخذوها وسيلة للمنكرات وآلة للإضرار بأنفسهم وقومهم. وإن أُعطيت لقوم عقلاء، اتخذوها خير سبب لترقية الأوطان.[47] ورأت أن أهم معاني الحرية أن “ينام الإنسان على بساط الراحة، أميناً على نفسه، على عرضه، أميناً على ماله غير خائف أن يسلبه أحد هذه الثلاث“.[48] واعتبرت الصحيفة نفسها، أن الدولة العثمانية يمكن أن ترتقي وتنجح إذا أُحسن استعمال الحرية، فيكون الفرد حراً في جميع أفعاله شرط عدم الاعتداء على حرية الآخرين. وأضافت: “من كان يسرق كمية معينة، لا يحق له الآن باسم الحرية أن يتمادى في السرقة، ومن كان يجرد خنجره ليلاً، لا يحق له أن يستله نهاراً.”[49]

 

       ولا تكتفي الصحافة بتوجيه الشعب إلى أهمية استعمال الحرية بشكل سليم، بل كذلك العاملين في الصحافة إلى أنهم بمنزلة الدماغ من الإنسان، فهم الذين يساعدون السياسة على راحة الجمهور وردعه عن المنكرات بطريقة اختيارية عبر النصح والتوجيه والتحذير.[50] لذا، طالبت الصحافيين الاستفادة من مناخ الحرية لطرق كل موضوع إصلاحي، وتسديد سهام أقلامهم ومحكم كلامهم إلى الفساد لاستئصاله، ليبرهنوا للعالم أن العثمانيين أمة حية.[51]

 

        لقد حاول بعض الفنانين والأدباء ترجمة الحرية قولاً وعملاً، في مسرحيتين غير مسبوقتين في عهد عبد الحميد الثاني،[52] الأولى بعنوان “الحرية” وتعرض للدكتاتورية والحكم المطلق في أثينا، وكيف تداعيا عندما ثقلت وطأة الظلم على المتنورين والشعب.[53] أما المسرحية الثانية، فعرضتها “جمعية الجامعة الإسلامية” في بيروت بعنوان “أرواح الأحرار”، وتمثل حالة الدولة العثمانية قبل الدستور من الشقاء والبؤس، وكيف نالت الدستور. وفي فصل المسرحية الأول، عُرضت حالة الاضطهاد السياسي وكيف كان يُقبض على الناس ويُحكم عليهم بالإعدام أو النفي.[54]

        

5– الدستور والوحدة الوطنية

 

          بسبب تكون المجتمع العثماني من فسيفساء دينية وقومية ولغوية، انصبت المخاوف في ألا يتمكن الدستور من صهر قوميات السلطنة وأديانها في بوتقة عثمانية. فعبرت “البرق” عن خشيتها من أن ينتج عن هذا الخليط البشري “زلزال بابل جديد“، يؤدي إلى تفريق الكلمة وتمزيق الشمل.[55] لكن المسيرات التي شارك فيها سكان الأحياء المسيحية والإسلامية معاً في بيروت: الأشرفية والجميزة والمزرعة ورأس النبع والمصيطبة والبسطة، كانت مؤشراً على إمكان التحول نحو الوطنية،[56] لولا أن عكرتها دعوات جدارية تدعو إلى “قتل الكفار المسيحيين“. فوجدت الصحافة أن واجبها يقضي بالدعوة إلى نبذ التعصب الطائفي، والعزف، بدلاً من ذلك، على الوتر الوطني. فطالبت جريدة “لبنان” باستئصال التعصب من الكبار والصغار معاً، وأن يكون الكبار قدوة الآخرين في سلوكهم الوطني، ويتم استئصال التعصب منهم عبر تأليف الجمعيات الوطنية، حيث يتباحث المتنورون في شؤون وطنهم ويتفاهمون، فتنبثق الوطنية عن تفاهمهم كدين وطني مقدس. وخاطبت الصحيفة الناس بالقول: “نريد أمة واحدة لوطن واحد، ولا يتم ذلك إلا بالغنى بالعلم والصناعة والزراعة، ولا تُنتج هذه إلا بتأييد الحرية والمساواة والإخاء. ومتى توفر الغنى، توفرت قوة الدولة وقوة الجيش الذي هو سياج الوطن“.[57]

 

          وبدورها، وصفت جريدة “ثمرات الفنون” المشهد غير الطائفي بعد صدور الدستور بأنه تعبير عن وحدة وطنية لا سابق لها: “فلا فرق بين المسلم وغير المسلم، ألسنة الجميع تهتف بأعلى صوتها “الإخاء العثماني”، و”الاتحاد والوفاق”، “فليحيا الإخاء، فليحيا الاتحاد“.[58] وهذا التلاقي، شجع فتاة تركية وشاب مسيحي على ترجمة الوحدة الوطنية بالزواج، ما استدعى قتل العريس من قبل أهل العروس وإصابة الأخيرة بجروح. فعلق صاحب “الاتحاد العثماني” في مقال بعنوان: “الدين والحرية” مستهجناً دفاع إحدى الصحف عن العروسين، فقال: إن القانون الأساسي جعل الإسلام دين الدولة، وما يخالف أحكام الدين فهو لاغٍ، وكأنه لم يكن، وهو مخالف للشريعة. ورأى: “أن حرية الأديان هو أن يكون كل إنسان حراً في دينه الذي يدين به بلا مراقب ولا ممانع، لا أن يخرق حرمة الأديان وخصوصاً دين الدولة الرسمي“. واستدرك قائلاً: “نعم إن قتل الرجل المسيحي وجرح المرأة المسلمة من قبل الأهل، هو أمر لا يرضاه الدين، وهو توحش ظاهر، وكان يكفي أن يُمنع الرجل أو يؤدب بواسطة الحكومة إن أصر، وأن تمنع المرأة كذلك“.[59]

 

       ومن جهتها، أشارت “لسان الحال” إلى أن التعصب هو الذي يفرق الكلمة والقلوب، فدعت إلى التلاقي الوطني: لـ “يصبح الجميع إخواناً في الوطنية يتضافرون على إنجاح البلاد وإسعاد العباد، فلا يقول هذا أني مسلم ولا ذلك أني مسيحي بقصد تفريق الكلمة وتباعد المبادئ والقلوب، بل يكون الكل وطنيين عثمانيين ينضمون إلى الهلال ويتفيؤن بظله الظليل“.[60]  فوضعت قواعد تؤدي للوصول إلى ذلك، عبر الاهتمام بالتثقيف الوطني واعتبرته مسؤولية الدولة والمجتمع معاً. فطالبت بابتعاد المدارس الأجنبية عن التبشير والتعصب،[61] وأن يحصل المواطنون، المسلمون والمسيحيون على حد سواء، على تعليم واحد يؤدي إلى توثيق روابط العاطفة الوطنية بينهم، ما يشكل حماية للدستور.[62] ورأت الصحيفة أيضاً أن التعليم بروح وطنية بعيد عن التعصب وتأسيس أحزاب سياسية بعيدة عن الطائفية، كفيلان بصهر أبناء الطوائف معاً في وحدة وطنية، فلا يُفرق النصراني عن المحمدي ولا اليهود عن الدروز، ولا طائفة كل دين عن شقيقاتها. واللافت، هو تحذير الصحافة من رجال الدين ودورهم في إثارة التعصب، بسبب تأثيرهم في المجتمع الطائفي.  هذه الدعوة إلى نبذ التعصب، جعلت أحد الخطباء في مهرجان حديقة الحميدية في بيروت يدعو إلى أمة واحدة “يكون المسلم مسلماً في جامعه، والمسيحي مسيحي في كنيسته“،[63] فيما دعت “ثمرات الفنون” إلى التآلف والتحابب والسعي جميعاً في سبيل مصلحة الوطن الواحد التي لا تختلف باختلاف المذاهب والأديان، ولا تلتفت إلى الماضي وتستعيده في الحاضر والمستقبل.[64]

           

6- جبل لبنان ومجلس المبعوثان: الرفض الماروني

 

          بينما انخرطت بلاد الشام في إطار العهد الدستوري الجديد، وانتخب سنجق بيروت  في أيلول 1908 ممثليه إلى مجلس المبعوثان، وهما رضا الصلح وسليمان البستاني، [65] أبدى سكان جبل لبنان تحفظات على إرسال مندوبين عنهم إلى “مجلس المبعوثان”، بعدما طلب الباب العالي من متصرف جبل لبنان القيام بالتحضير للانتخابات. وانصبت مخاوف موارنة الجبل على نزع امتيازاتهم التي حصلوا عليها منذ عام 1861، وأن يعودوا جزءاً من السلطنة يُحكمون من قبل ولاة عثمانيين، ويخضعون للنظام الضريبي العثماني. وازداد قلقهم بدعوة نظارة المكاتب العسكرية المسيحيين للاشتراك في امتحانات الدخول إلى المدارس العسكرية.[66] فعندما أزالت التنظيمات عائقاً مهماً أمام أبناء الملل غير الإسلامية في السلطنة للدخول إلى المؤسسة العسكرية، رفض المسيحيون ذلك، ولم يشعروا بالحاجة إلى خدمة دولة لا يعتبرون أنفسهم ينتمون إليها، هذا فضلاً عن أن معظم حروب أوروبا ضد السلطنة كانت تُخاض في شكلها الظاهري لأجلهم. ولذا، فضل المسيحيون أن يدفعوا “البدل” على أن يخدموا في الجيش العثماني.[67]  كما رفض موارنة جبل لبنان اعتبار وزارة الداخلية العثمانية أن جبلهم هو من جملة الممالك والاقطاعات والإيالات العثمانية الممتازة، وأن أهاليه يحقّ لهم إرسال مندوبين عنهم إلى المجلس العمومي.[68]  فرأوا في الدعوة إلى انخراطهم في الحياة الدستورية خرقاً لامتيازات جبل لبنان.[69] ما جعلهم يتشبثون بالقومية اللبنانية. لكن الموقف من الدستور و”مجلس المبعوثان”، تسبب من ناحية أخرى بانشقاق بين الجبل وبيروت، حتى داخل الجبل نفسه، بين قوى درزية وأقلية مسيحية مؤيدة للعهد الدستوري، وأكثرية مارونية رافضة له مع أقلية درزية،[70] ما أدى إلى حصول اشتباكات في بيت الدين بين أنصار الدستور والرافضين له، وبين أهالي دير القمر والجنود العثمانيين.[71]

 

          لقد حصل الانقسام في الجبل بين فريقين: يعتبر الأول نفسه جزءاً من الدولة العثمانية ويريد أن يشترك في مجلس المبعوثان مع الحفاظ على امتيازاته، لاعتقاده بإمكان استفادة لبنان من التشريعات العثمانية للارتقاء سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ويريد في الوقت نفسه الحصول على مراكز نيابية في السلطنة أو وظائف إدارية، وفريق آخر يرفض إرسال مندوبين، خشية أن تُلغى امتيازات الجبل التي سالت الدماء من أجلها.[72] وأشار بولس مسعد، أحد معاصري الدستور، إلى فريق ثالث كان يسعى للاستقلال نهائياً عن السلطنة.[73]

 

          وتحت تأثير التجربة التاريخية مع الحكم العثماني، تشكلت في جبل لبنان جمعيات، وجرى توزيع المناشير وإصدار الكتب للتحريض ضد الدستور، والحط من شأنه، حتى أن المتصرف يوسف باشا نفسه كان ميالاً إلى عدم اشتراك مندوبين عن جبل لبنان في “مجلس المبعوثان”. فرفع عريضة إلى الباب العالي يقول فيها: “إن لبنان غير أهل للدستور“، متذرعاً بالانفلات الأمني في بيت الدين ودير القمر، وسقوط قتلى وجرحى، [74] فيما الحقيقة أنه كان يخشى أن يتقلص نفوذه جراء إعادة صياغة علاقة جبل لبنان مع الدولة العثمانية على أساس الدستور.[75] 

 

          تسبب الخلاف حول دخول جبل لبنان في المجلس النيابي العثماني بحدوث خلاف حاد بين أبناء الجبل، وبضغوط مارستها القوى الدرزية والمارونية المؤيدة للدستور على المتصرف في بيت الدين، وعلى رأسها شكيب ومصطفى أرسلان، وناصيف جنبلاط، وحبيب باشا السعد. فطالبت هذه القيادات المتصرف بنشر الدستور وانتخاب نواب بموجبه، وحلّ مجلس إدارة الجبل، وإلغاء الضرائب الجديدة التي فرضها، ما أدى إلى إذعانه لها وإقالة الجماعات المؤيدة لمقاطعة الانتخابات في إدارة الجبل، ومنهم الأمير قبلان أبي اللمع، والشيخ رشيد الخازن، ومصطفى باشا العماد، والأمير توفيق أرسلان.[76] فعين المتصرف سليم عمون رئيساً لمجلس الإدارة، ورفض تعيين حبيب باشا السعد المؤيد للدستور لهذا المنصب. وتفاقم الوضع بتظاهرة دير القمر والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات من قبل “الجمعية الوطنية المتنية” لوجهاء من المتن، ومن “الجامعة اللبنانية” وإبلاغ المتصرف بذلك وكذلك قناصل الدول الأجنبية.[77] وكتبت صحيفة “الأرز” في جبل لبنان لصاحبيها فريد وفيليب الخازن مقالاً عبرت فيه عن أسباب الرفض، وتساءلت عن الضمانات الدولية التي تجعل أهالي الجبل يطمئنون إلى الدستور، و”تقيه أثقال الضرائب والمكوس والتكاليف واتخان الجراح وسيل الدماء… إذا ما حمي وطيس الحرب في سبيل الجهاد”. فأعلنت: “أن لا أحد في لبنان يريد سفك دمه على مذبح الدولة العثمانية، فضلاً عن أن الجيش العثماني في غنى عن أبطال الأرز“، في إشارة إلى الموارنة. ووصفت “الأرز” تظاهرة بيت الدين المؤيدة للدستور بحزب الوظائف، لأن قادتها يسعون إلى الإطاحة بمجلس الإدارة وتمثيل لبنان في “مجلس المبعوثان”.[78] ووفق جريدة “لبنان”، فجبل لبنان فقير مقارنة بولايات السلطنة ولا يستطيع تحمل ثقل الضرائب، فعليه الحفاظ على نظامه تحت راية الهلال [79] كان نظام المتصرفية يشكل في نظر سكان الجبل حماية لهم من ظلم العثمانيين وتطلعهم للإمساك به مجدداً. ومن الرافضين، من قال إن جبل لبنان على عكس ولايات السلطنة الأخرى له دستوره ويتمتع بحياة دستورية. باختصار، لم يكن موارنة الجبل على استعداد للتخلي عن استقلالهم في سبيل دولة ما اعتبروها يوماً دولتهم.

 

          ومن جهته، اعتبر بولس مسعد، صاحب كتاب “لبنان والدستور العثماني”، أن اشتراك لبنان في “مجلس المبعوثان” مخالف لبروتوكول جبل لبنان وضد مصالح أبناء الجبل. فأبدى خشيته من أن يلغي الدستور الجديد نظام لبنان الخاص وتعود الضرائب العثمانية المفروضة على الجبل من جديد. وبرر رفضه، بأن جبل لبنان لم يشارك في “مجلس المبعوثان” لعام 1877، وأن هذا يجب أن ينطبق على عام 1908. إضافة إلى ذلك، فالجبل لا يحتاج إلى شعار “الإخاء والحرية والمساواة” الذي رفعته السلطنة، لأنه يتمتع به، فيما تفتقر إليه ولايات السلطنة الأخرى.[80] كما لا يحتاج إلى “مجلس المبعوثان”، لأن لديه مجلس على نسقه، هو مجلس إدارة المتصرفية. أخيراً، إن الجبل له دستوره الخاص منذ عام 1861، ما ينفي حاجته إلى دستور جديد.[81]

 

          موقف صحافة بيروت من قرار المقاطعة في الجبل، جاء من أكثر من جهة مسيحية وإسلامية، فمنها من وجد تبريراً لرفض الجبل الاشتراك في مجلس المبعوثان، ومنها من عارض هذا الرفض. فعلى الرغم من تأييدها للدستور، وأنه يزيد قوة اللبنانيين ويعوّض ما فقدوه من خلال نظام لبنان، بررت جريدة “لسان الحال” مخاوف أهالي الجبل منه بالقول: “لما كان اللبنانيون متمسكين كل التمسك بامتيازاتهم واستقلالهم الإداري، فإننا لا نستغرب إذا ترددوا عن القيام بما لعله يمس حقوقهم ويجحف بامتيازاتهم ولا سيما أنه لا يعرفون تمام المعرفة أصول النظامات الأساسية والمجلس القضائية ومسئولية الوزارة، في حين أن استقلالهم الإداري هو أوسع استقلال، وزد عليه أنهم متولون بأنفسهم شؤونهم ومجالسهم الإدارية والحقوقية”. وأضافت الصحيفة: “إننا لنعذرهم إذا فضلوا الموجود المؤكد على غير الموجود وغير المؤكد، مع قطع النظر عما نعلمُه في الشرقيين من عدم اركانهم للبدع وكرههم للتغيرات. والذي يظهر أنهم خائفون من حيث الأموال الأميرية، فإنهم، كما هو معلوم، يوزعونها على أنفسهم بحسب مقدرتهم”. وختمت الصحيفة، بأن القناصل الأجانب حثوا أهل الجبل على القبول بالدستور، مستندين إلى أن ممثليهم في “مجلس المبعوثان” سوف يدافعون عن مصالحهم، ويمكنهم الانسحاب منه إذا وجدوا أن امتيازاتهم في خطر، ذلك لأن حقوقهم ثابتة مكفولة ومضمونة من قبل الدول الكبرى.[82]  

 

          أما جريدة “الهدى”، فشنت من المهجر حملة على ما سُمي “بروتوكول جبل لبنان”، واصفة إياه بأنه سبب بلاء اللبنانيين وانعزالهم، فقالت: “هل يستفيق اللبنانيون ويهبون للمطالبة بإرجاع المبتور من جسم الجبل إليه والمحافظة بعد النجاح على كل حرف من حروف النظام الذي هو معتبر عند كل شعب راقٍ… إلا عندنا نحن أبناء الجبل الذي ندعوه منيعاً، وقد كان بأبائنا ولم يعد بنا“.[83] وتساءلت في افتتاحيتها بعنوان: “تركيا الجديدة وولاياتها المفقودة” بالقول: “إذ أثبت لنا الاختيار أن الحكومة الدستورية ممكنة في تركيا، كما هي في اليابان، وأن المسيحيين والمسلمين واليهود سوف يتمتعون بالمساواة التامة أمام الشريعة، فما يكون العذر يا ترى عن بقاء البوسنة والهرسك ولبنان ومصر وقبرس (كذا) وشرق الروميلي على حالها الحاضرة من العلائق والروابط الغير منتظمة مع الدولة العثمانية”. ورأت وجوب توحّد هذه الجماعات في الدولة مجدداً.[84] وعلى خطٍ مواز، وصفت جريدة “الصفاء” الخائفين على امتيازات جبل لبنان من المشاركة في “مجلس المبعوثان” بالسذج، لأن نظامه مكفول من الدول الكبرى، واتهمت هؤلاء بأن لهم مقاصد شخصية من وراء الرفض.[85]

 

          وفي الخط عينه، حثّ شكيب أرسلان، وهو من المدافعين عن خضوع العرب للحكم العثماني بصفته حكماً إسلامياً، في مقالات صحفية ثلاثة بعنوان “لبنان والمبعوثان”، الموارنة على القبول بالدستور لأسباب سياسية واقتصادية، مؤكداً أن اشتراك لبنان في “مجلس المبعوثان”، لن يفقده امتيازاته في شأن عدم الاشتراك في الخدمة العسكرية. فضلاً عن أن هذه الامتيازات منحت له في ظل الحكم السابق غير الدستوري. من هنا، طالب بدخول لبنان في “مجلس المبعوثان” من جهة، واحتفاظه بامتيازاته المضمونة دولياً من جهة أخرى. ورأى أن وجود نواب لبنانيين في المجلس كفيل بعدم تعرض نظامه إلى أي انتهاك. وسخر أرسلان من القول إن مجلس إدارة الجبل يستطيع أن يقيد سلطة المتصرف وبالتالي لا حاجة إلى الدستور، معتبراً أن مجلس الإدارة لا يملك السلطات ولا القوانين لذلك.[86] وعلى الصعيد الاقتصادي، وجد أرسلان أن لبنان يكسب عندما يحصل على رضى الدولة العثمانية، لأنه يعتمد اقتصادياً على ولاياتها، وبخاصة ولايتي بيروت وسورية للحصول على الحنطة، ولا يمكنه أن يعيش منفرداً وهو المحاط بولايات عثمانية.[87] وختم محذراً معارضي الدستور بالقول: “ننذرهم بسوء المصير وأن يستمروا في غرورهم، وننصحهم أن لا يأتوا بحركة ضد إرادة الشعب. فإن العروس في هذا العصر قد سلمت للحرية السامية، فلا تقدر أن تثبت في وجهها كراسي بيت الدين“،[88] قاصداً في ذلك المتصرف يوسف باشا المعارض للدستور، كما ذكرنا. وما لبث أرسلان أن وافق على عقد اجتماع ماروني – درزي لبحث مسألة انضمام لبنان إلى مجلس المبعوثان، رداً على دعوة إبراهيم خاطر في جريدة “الأحوال” بتاريخ 30 آب 1908.

 

          وقبل يومين على دعوة خاطر إلى اجتماع عام لفعاليات الجبل، نشر بطرس كرامة في سياق الانقسام في الجبل، وهو ترجمان سابق في متصرفية جبل لبنان، مقالاً بعنوان “مجلس المبعوثان واللبنانيون”، قال فيه إن الاشتراك في الخدمة العسكرية ودفع المستحقات الضريبية هما أهم ميزات انتماء الجزء إلى الكل، أي جبل لبنان إلى السلطنة. وتساءل: كيف يصبح المواطن مواطناً في دولة ولا يدفع لها الضريبة ولا يشارك في الخدمة العسكرية. وأضاف: كيف يحقّ لهذا المواطن اللبناني أن يطلب المساواة أمام القانون وهو يمتنع عن الاشتراك في “مجلس المبعوثان” أو في آلام الدولة ورقيها.[89] وفي مقال بعنوان “امتيازاتنا”، عبّر مواطن كسرواني عن رغبته في أن يكون عثمانياً ثم لبنانياً، حاثاً على القبول بالدستور العثماني، لأن امتيازات جبل لبنان هي من روح الدستور.[90] وسخرت جريدة “الاتحاد العثماني” من قول المقاطعين لمجلس المبعوثان بأنهم اشتروا نظام لبنان بدمائهم ودماء أجدادهم، وعزت ذلك إلى التعصب المذهبي والحقد، اللذان كانا وراء سفك الدماء في الجبل عام 1860.[91]

 

          لقد طال الجدال حول مشاركة جبل لبنان في “مجلس المبعوثان” أو مقاطعته له أكثر من سنتين، وانتهى لصالح الفريق المتمسك بامتيازاته، بامتناع أهالي الجبل عن الانتخاب وإرسال مندوبين عنهم إلى الآستانة. ووفق المؤرخ جوزيف لبكي، فإن لبنان برفضه الدستور العثماني، سَلِمَ من أول موجة قومية عثمانية طرحها الحكم العثماني الجديد عام 1908.[92]

 

خلاصة

         

      لقد واكبت صحافةُ بيروت المرحلة الدستورية في شهورها الأولى، وتناولتها بكل دقائقها وتفاصيلها، فكانت موجهاً لشعبٍ ما عرف يوماً الحياة الدستورية أو مارسها ولا مذاق الحرية. كما كانت هذه الصحافة ناقداً لهذه المرحلة وفريقاً في الجدال الذي دار بين اللبنانيين. وأدى صدور الدستور إلى تباين في المواقف بين بيروت وجبل لبنان، وانقسام في الجبل. فلأسباب سياسية وإدارية ودينية وثقافية وتاريخية، اعتبرت بيروت نفسها عثمانية، فقبلت الدستور ورحبت به. وللأسباب نفسها، وفوق كل شيء رغبته في الحفاظ على خصوصيتهم، رفض موارنة جبل لبنان الدخول في “مجلس المبعوثان” خشية إعادة الجزء إلى الكل، في حين مال دروز الجبل إلى الدستور لأسباب ديموغرافية وسياسية، في ضوء تجاربهم التاريخية مع الموارنة. إن التجربة التاريخية مع الحكم الإسلامي العثماني من جهة، ومرور ما يقرب من نصف قرن على وضعه الخاص ضمن السلطنة من جهة أخرى، كانا كافيين لتبلور قومية لبنانية أخذت شكلها النهائي عام 1920 بإنشاء دولة لبنان الكبير.

         

 

 

         

 

 

 

 

 



[1] حول إشكالية العلاقة بين الهوية الدينية والهوية الوطنية لمسلمي بلاد الشام، راجع الفصلين الأول والثاني من   

     كتابي: النزعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية 1877 – 1881. بلاد الشام – الحجاز – كردستان –

     ألبانيا، بيروت، دار بيسان 1998، ص 31 – 80.

[2] لم يدم ابتهاج الصحافة بالعهد الدستوري الجديد، إذ جرى تقييدها من جديد بصدور قانون الصحافة في آب

    1909. جوزيف لبكي، متصرفية جبل لبنان. مسائل وقضايا 1861-1915ـ دار الكرمة 1995، ص 128.

[3] اعتبرت جريدة “ثمرات الفنون” أن زحف الغرب على بلاد الإسلام، هو الذي جعل السلطان عبد الحميد الثاني

    يعيد العمل بالدستور. عدد 1684، 3 آب 1908.

[4] “السلطان رئيس الأحرار”، لسان الحال، 5816، 15 أيلول 1908.

[5] ثمرات الفنون، 3 آب 1908.

[6] لسان الحال، عدد 5778، 1 آب 1908.

[7] لبنان، عدد 770، 11 آب 1908.

[8]  لسان الحال، عدد 5778، 1 آب 1908.

[9]  جريدة لسان الحال، عدد 5778، 1 آب 1908؛ ثمرات الفنون، 3 آب 1908.

[10] بشارة خليل الخوري، حقائق لبنانية، ج1، الدار اللبنانية للنشر، بيروت 1983، ص 54.

[11] البرق، عدد، 1 أيلول 1980.

[12] ثمرات الفنون، عدد 1684، 3 آب 1908.

[13] الاتحاد العثماني، عدد 40، 29 تشرين الأول 1908.

[14]  لسان الحال، عدد 5796، 22 آب 1908.

[15] ثمرات الفنون، عدد 1686، 17 آب 1908.

[16] ثمرات الفنون، عدد 1684، 3 آب 1908.

[17]  المشرق، عدد 9، أيلول 1908.

[18] الهدى، عدد 139، 5 آب 1908.

[19] لسان الحال، عدد 5777، 14  آب 1908.

[20]  لسان الحال، عدد 5782، 8 آب 1908.

[21] ثمرات الفنون، عدد 1684، 3 آب 1908.

[22] عبد الرؤوف سنّو، “تطور الاتجاهات الإسلامية في الدولة العثمانية. من التنظيمات حتى نهاية عصر السلطان

   عبد الحميد الثاني”. حلقة أولى، مجلة المنهاج 4 (1996، ص 108 – 149؛ حلقة ثانية، المنهاج 5 (1997)،

    ص 85 – 131.

[23] ثمرات الفنون، عدد 1684، 3 آب 1908.

[24] ثمرات الفنون، عدد 1684، 3 آب 1908.

[25] البرق، عدد 7، 17 تشرين الأول 1908.

[26]  الاتحاد العثماني، ” ماذا  يجب علينا بعد الدستور”، عدد 1، 9 أيلول 1908.

[27] البرق، “هذا الشعب”، عدد 2، 12 أيلول 1908. لقد أشار الباحث جوزيف لبكي إلى أن أهالي الجبل كانوا

     منقادين بشكل أعمى وراء زعمائهم. وأعطى مثالاً على ذلك تظاهرة بيت الدين في مطلع أيلول 1908، حيث

     تمكنوا من تحويلها ضد المتصرف يوسف باشا، جوزيف لبكي، متصرفية جبل لبنان. مسائل وقضايا 1861-

     1915، دار الكرمة 1995، ص 19.

[28]  متري قسطنطين، “الصحافة بعد الدستور”، البرق، عدد 7، 17 تشرين الأول 1908.

[29] مقال رفيق العظم: “مسئولية مجلس المبعوثان”، في: الاتحاد العثماني، عدد 68، 19 تشرين الثاني 1908.

[30] الاتحاد العثماني، “ماذا يجب علينا بعد الدستور” (2)، عدد 37، 25 تشرين الأول 1908.

[31]  الاتحاد العثماني، “واجباتنا بعد الدستور، عدد 5، 13 أيلول 1908.

[32]  لسان الحال، عدد 5812، 10 أيلول 1908؛ الاتحاد العثماني، عدد 3، 11 أيلول 1908.

[33] ثمرات الفنون، 3 آب 1908.

[34] لسان الحال، عدد 5812، 10 أيلول 1908؛ عدد 5818، 19 أيلول 1908.

[35] رفيق العظم، “مسئولية مجلس المبعوثان”، الاتحاد العثماني، عدد 68، 19 تشرين الثاني 1908.

[36]  رفيق العظم: “مسئولية مجلس المبعوثان”، في: الاتحاد العثماني، عدد 68، 19 تشرين الثاني 1908.

[37] إن التشديد على دور الجيش العثماني في حماية الدستور، لم يكن دعوة تركية فحسب، بل أن نخباً عربية دعت

     إلى ذلك. انظر على سبيل المثال كلمة الشيخ علي اليوسف في بيروت أثناء الاحتفالات بالإعلان عنه. جريدة

     لسان الحال، عدد 6779، 3 آب 1908.  وهذا ما رددته بدورها جريدة  ثمرات الفنون. عدد 1684، 3 آب 

     1908.

[38] ثمرات الفنون، “أعضاء مجلس المبعوثان”،  7 أيلول 1908.

[39]  الاتحاد العثماني، عدد 40، 28 تشرين الأول 1908.

[40]  الاتحاد العثماني، عدد 44، 1 تشرين الثاني 1908.

[41]  سليمان البستاني، “مجلس المبعوثان في السنة الأولى”، الاتحاد العثماني، عدد 30، 16 تشرين الأول 1908.

[42] مصطفى الغلايني، “كيف يحكم الشعب نفسه”، الاتحاد العثماني، عدد 40، 28 تشرين الأول 1908.

[43] وردت مقترحات نجيب عازوري في جريدة مصباح، عدد 6822، نقلاً عن: الاتحاد العثماني، عدد 15، 8

     تشرين الأول 1908.

[44] لبنان، عدد 769، 4 آب 1908.

[45] “ما هي الحرية”، لسان الحال، عدد 5778، 1 آب 1908؛ 5791، 17 آب 1908.

[46]  ثمرات الفنون، 3 آب 1908؛ عدد 1691، 14 أيلول 1908.

[47] الاتحاد العثماني، 24 أيلول 1908.

[48] مصباح طبارة، “الأمل”، ثمرات الفنون، 3 آب 1908.

[49] لسان الحال، 5778، 1 آب 1908.

[50] لسان الحال، عدد 5816، 15 أيلول 1908.

[51] يوسف نخلة ثابت، “الجرائد”، البرق، عدد1 ، 1 أيلول 1908.

[52] ذكرت لسان الحال أنه في العهد الحيمدي، كان هناك رقابة على الصحف والتأليف، فكان يمنع استعمال لفظة

    “فتاة” خشية أن يكون المقصود جمعية “تركيا الفتاة”، ولا كلمة “جمهور” أو “ثورة” أو “حرية”. عدد 5784، 8

     آب 1908.

[53] البرق، عدد 5، 2 تشرين الأول 1908.

[54] الاتحاد العثماني، عدد 26، 21 تشرين الأول 1908.

[55] البرق، “تحية المبعوثان”، عدد 16، 19 كانون الأول 1908.

[56] ثمرات الفنون، 3 آب 1908.

[57]  لبنان، عدد 769، 4 آب 1908.

[58]  ثمرات الفنون، 3 آب 1908.

[59] “الدين والحرية”، الاتحاد العثماني، عدد 26، 21 أيلول 1908.

[60]  لسان الحال، عدد 5776، 30 تموز 1907؛ 5777، 31 تموز 1908.

[61] الهدى، عدد 131، 27 تموز 1908.

[62] ثمرات الفنون، 10 آب 1908؛ الاتحاد العثماني، عدد 41، 29 تشرين الأول 1908.

[63] لسان الحال، عدد 5778، 1 آب 1908.

[64] ثمرات الفنون، 3، آب 1908.

[65]إلياس جريج، ولاية بيروت 1887 –  1914، لا ت، لام، ص 268.

[66] الاتحاد عدد 17، 10 تشرين الأول 1908.

[67] سنّو، تطور الاتجاهات الإسلامية في الدولة العثمانية، حلقة1، المنهاج، 1996، ص 129 – 130.

[68]  البرق، عدد 16، 19 كانون الأول 1908.

[69] نقلاً عن: الاتحاد العثماني، عدد 79، 25 كانون الأول 1908.

[70] يرى الباحث وجيه كوثراني أن الدروز وجدوا في الانضمام إلى الدستور وسيلة لتحجيم الهيمنة المارونية في

    الجبل، بأن عودة لبنان إلى حظيرة الدولة العثمانية سيجعلهم يتحدون مع أبتاع طائفتهم في حوران، ما يقوي من

    مركزهم في الجبل. كما كان للأقليات المسيحية التي ناصرت الدستور الرؤية نفسها. وجيه كوثراني، الاتجاهات

    الاجتماعية- السياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860-1920ـ ط3، بيروت 1982، ص 175.

[71] ثمرات الفنون، عدد 1689، 25 آب 1908؛  البرق، عدد 2، 12 أيلول 1908.

[72] البرق، عدد 1، 1 أيلول 1908؛ البرق، عدد 3، 19 أيلول 1908.

[73] بولس مسعد، لبنان والدستور العثمانية، القاهرة 1909، ص 5-7.

[74] البرق، عدد 2، 12 أيلول 1908.

[75] البرق، عدد 2، 12 أيلول 1908.

[76] البرق، عدد2، 19 أيلول 1908.

[77] البرق، عدد 5، 2 تشرين الأول 1908.

[78] لبكي، ص 42.

[79] لبنان، عدد 782،  3 تشرين الثاني 1908.

[80] مسعد، 43، 51-52.

[81] جوزيف لبكي، متصرفية جبل لبنان، مسائل وقضايا 1861-1915، دار الكرمة 1995، ص 29.

[82]  لسان الحال، عدد 5776، 30 تموز 1908.

[83] الهدى، عدد 134، 30 تموز 1908.

[84] الهدى، عدد 142، 8 آب 1908.

[85] لبكي، متصرفية جبل لبنان، ص 21،

[86] لسان الحال، عدد 5803، 18 آب 1908.

[87] لسان الحال، عدد 5791، 4 آب 1908.

[88] لسان الحال، عدد 5793، 5 آب 1908.

[89] لسان الحال، عدد 5812، 28 آب 1908.

[90] لسان الحال، عدد 5831، 2 تشرين الأول 1908.

[91] الاتحاد العثماني، عدد 36، 14 تشرين الأول 1908.

[92] لبكي، متصرفية جبل لبنان، ص 52.

شاهد أيضاً

جدليّةٌ… إشراقاتُ خلود!

  دفعتَ إليّ بمخطوطٍ عنونتَه: “جدليّةُ الحضور والغياب”، فأشعرْتَني أنّكَ تضع بين يديّ سِفْرًا غاليًا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *