ملحمة كلكامش
تأليف: عبد الحق فاضل
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
النوع: ورقي غلاف فني،
حجم: 21×14،
عدد الصفحات: 415 صفحة
الطبعة: 1
مجلدات: 1
اللغة: عربي
نبذة :
معلوم أن أوان كتابة الملاحم قد فات، لكن أوان قراءتها لم يفت. وصاحب هذه الدراسة لا يبتغي كتابة ملحمة، بل هو يطمح إلى قراءتها، قراءة تلك المأثرة القديمة، ملحمة قَلْقَميش، التي حفرها على ألواح الطين قلم عبقري مجهول، باللغة العربية البابلية، وهي عربية، ذلك المكان في ذلك الزمان، حوالي القرن العشرين ق.م. وسيدهش قارئ اليوم أن يعلم بأن هذه الملحمة هي إحدى قمم الأدب البشري وأم الملاحم العالمية المشهورة. ولقد بلغ من افتتان أهلها الرافدانيين بها أنهم طفقوا يتناقلونها ما لا يقل عن خمسة عشر قرناً. ذلك بأن أحدث نص موجود من الملحمة اليوم هو النص الآشوري المكتشف في مكتبة الملك آشور بانيبال (668-626 ق.م)، ولولا دمار نينوى (612 ق.م) ومن بعده سقوط بابل (538 ق.م) لظلوا يتناقلونها قروناً عديدة أخرى. ولعلهم قد تناقلوها فعلاً حتى بعد سقوط بابل، حقبة ما. بل لقد بلغ من هيام القدامى حتى من الأجانب، من أبناء الشرق الأوسط، بالملحمة، أن ترجموها إلى لغاتهم، ثلاث لغات على الأقل، هي الآشورية والحثية والحورية، هذا عدا كسرة من الملحمة ترجع إلى القرن 14 ق.م، عثروا عليها في مَجِدُّ (Magiddo) وبفلسطين وهي تدل على وجود نص بالكنعانية أو الفلسطينية التالية لها، ومن ثم على احتمال كون مؤلفي التوراة الأوائل على علم بالحكاية. ولعل الملحمة قد ترجمت إلى لغات قديمة أخرى لم يكتشف أثر منها. يضاف إلى ذلك أن الباحثين عثروا على أجزاء من الملحمة بلغتها الأصلية، البابلية، في بعض مناطق الشرق الأوسط مما يدل على أن المثقفين الذين كانوا يعرفون البابلية كانوا يقرأون الملحمة بنص لغتها أيضاً.
واليوم تقف الملحمة، صوت بابل، بثقة وكبرياء أمام عصرنا وثقافته، فيوليها الباحثون من العناية ما يضنون به على الكثير من المأثورات القديمة الأخرى، وإذا هم يدرسونها من مختلف أبعادها ويستنتجون ما يستنتجون عن الكلية الرافدانية من خلال القصائد والأفكار والأحداث الواردة فيها، ويتعقبون أثر تلك القصائد والأفكار والأحداث فيما جاء بعدها من كتب مقدسة وملاحم بشرية كبرى، ابتداء من ألياذة هوميروس فنازلاً حتى الملاحم الأوروبية المتأخرة.
وإذا بملحمتنا المدهشة لم يعرفها بعد وارثها العربي، ينبوع ثرٌّ يستقي منه الفكر الإنساني، مباشرة ومُواسَطة، منذ عشرات القرون. وما اكتفوا بدراستها متفردين، بل درسوها كذلك مجتمعين يوم عقد علماء الآشوريات من أجلها وحدها مؤتمرهم السابع بباريس عام 1958، وتوافدوا إليه من مختلف أقطار العالم ليدلي من يدلي منهم بما توصل إليه في تفهمها وتحقيق النصوص المكتشفة من أجزائها والنصوص التي تتصل بها، إلا أن الشيء الذي لم يسبروا غوره هو إبداعها الفني الغريب الذي يصاحب قيمتها الفكرية العالمية ويؤطر قيمتها الأخرى. ومن ذا يلوم العلماء على حصر اهتمامهم في الناحية العلمية من الملحمة وهم علماء لا أدباء!
لقد ترجم ساندرز الملحمة إلى الإنكليزية، أو بالأحرى أنه سردها نثراً بأسلوبه اقتباساً من الترجمات المتيسرة، وقدم لها بدراسة غنية عرض فيها ما توصل إليه هو وسواه من الباحثين من المعلومات والآراء عن الملحمة من شتى نواحيها، لكن من الواضح أنه لم يتصورها صنيعاً فنياً متكاملاً، مُهَنْدساً، مدروساً، بل أن عبثه المتكرر بمفاتيح أسرارها، وإفسادها، دل على أنه لم يلاحظ أنها عمل فني أصلاً. وقد أورد طه باقر في مقدمة ترجمته “ملحمة كلكاميش” بعض المعلومات التي لا توجد في مقدمة ساندرز، فكأن المقدمتين متتامتان متعاونتان.
وقد اقتضت هذه الدراسة من صاحبها الاستشهاد بمعلومات مما ورد بعضه في هاتين المقدمتين وبعضه في كتب أخرى وبعضه من مخزونات ذاكرته، أي من مطالعاته السابقة لهذه الملحمة وحولها، ويمكن القول أخيراً أنه ومن أجل قراءة الملحمة قراءة فنية تألف هذا الكتاب من بابين: الأول منها يفسر غوامضها، والثاني يلحنها.