المؤلف/المترجم : د. لويس صليبا
أستاذ وباحث في الأديان المقارنة/ باريس.
تقديـم : الدكتور جوزف قزّي
أستاذ الدراسات الإسلامية/جامعة الكسليك
عنـوان الكتاب : المعراج من منظور الأديان المقارنة
دراسة لمصادره السابقة للإسلام ولأبحاث المستشرقين فيه
عدد الصفحات : 408 ص
سنة النشر : 2009/ط2. ط1/2008
تنضيد وإخراج داخلي : صونيا سبسبي
التجليـد الفنـي : تراث للتجليد
بيروت 453456/01
الناشر : دار ومكتبة بيبليون
طريق المريميين – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان
Byblion1@gmail.com
2009 – جميع الحقوق محفوظة
مقدمة جوزف قزي
للدكتور أ. جوزف قزي رأي خاص في الإسٍراء والمعراج، يلتقي فيه مع الكثيرين غيره من الباحثين. ونحن إذ نشكر له تفضّله بتصدير هذا
الكتاب نذكّر أن الرأي لا يلزم إلاّ صاحبه، (المؤلّف). الإسراء والمعراج عقيدة إسلاميّة، لها جذورها في القرآن وفي حياة نبيّ الإسلام. كما أصبحت، عند بعض المسلمين، عيداً له طقوسه ومناسكه، وعند بعضهم الآخر، معجزةً باهرةً من معجزات محمّد. بعضهم يرفضونها عيداً، لاعتبارهم أن في الإسلام عيدَين لا غير، هما الفطر والأضحى، وبعضهم يعتبرونها معجزةً من معجزات محمّد، فيما يقول بعضهم الآخر لا معجزة في الإسلام إلا معجزة القرآن.
وكل ما في الإسلام من أعياد، كرأس السنة الهجريّة، والإسراء والمعراج، ومولد النبيّ، هي أعياد دخيلة على الإسلام من اليهوديّة والمسيحيّة، لهذا رفضت الوهّابيّة، مثلاً، إقرارها والاحتفال بها رفضاً قاطعاً، وكذلك رفضت أن يكون للنبي محمد معجزات غير القرآن، واعتبرتها أيضاً دخيلة على الإسلام من بلاد الكفر والشرك.
والمسلمون الذين قالوا بالإسراء والمعراج نسجوا حولهما القصص والروايات، آخذين جذورهما من مصادر غير إسلاميّة عديدة. هذه المصادر تناولها الدكتور لويس صليبا في سلسلة من الكتب، سمّاها ”سلسلة المعراج/النص، الواقع والخيال“. وقد صدر منها حتى الآن أربعة كتب، كما سمّى كتابه الذي نقدّم له: ”المعراج من منظور الأديان المقارنة. دراسة لمصادره السابقة للإسلام ولأبحاث المستشرقين فيه“.
أقدّم هذا الكتاب، وكلّي إيمان بجدّية عمل الدكتور صليبا، فيما أنّي قليل الإيمان بمثل هذه الموضوعات الماورائيّة والخياليّة غير الواقعيّة وغير المنطقيّة. هذه القصص لا تمتّ إلى الواقع ولا إلى المنطق بصلة، لذا رفضها الرافضون. ولكنّها كتبت لتقوية الإيمان وتنشيطه في الأمور الماورائيّة ليس إلاّ.
أقولها بالفم الملآن إنه لا يضير يقيننا بالله إن لم نؤمن بمثل هذه الأساطير، ”أساطير الأوّلين“، كما يقول القرآن نفسه. بل قد يكون إيماننا بالله أقوى، وقد يكون عقلنا أكثر قبولاً لله إن نحن جرّدناه ممّا نحن فيه، وممّا هو عندنا، من خضوع لمعطيات المكان والزمان والصفات والمحدوديّة وما إليه من متشابهات.
يعتمد المسلمون على تلك الآية القرآنية، وهي الأولى من سورة الإسراء، ليقولوا بهذه العقيدة. تقول الآية: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وهي آية فريدة في القرآن تشير إلى هذا الإسراء والمعراج، وهي تشمل سَفَر محمد ليلاً، على ظهر البُراق، من مكّة إلى بيت المقدس، برفقة جبريل، ثم عروجه إلى السماوات السبع، واجتماعه بالأنبياء، ورؤية عجائب الملكوت، ومناجاة الله، والطلب إليه تخفيف أوقات الصلاة عمّا هي عليه عند اليهود.
وكانت سرعة الرحلة، فائقة التصوّر، يصفها المحدّثون بأن البراق «كان يضع حافرَه عند منتهى طرْفه». وعند عودته، كما روى الشَيخان، البخاري ومسلم، والحاكم عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله:«رأيتُ ربّي عزّ وجلّ». هذه الرؤية خصّ بها محمّد بالرغم من قول القرآن بأن الله «لا تُدرِكهُ الأَبْصَار»، (سورة الأنعام 6/103).
إلا أن معظم الباحثين والمستشرقين يشكّكون في صحّة هذه الآية، وما تعنيه. ويقول بعضهم: إنها في غير محلّها، إذ هي مقحمة على النصّ، وهي من زمن متأخّر عن زمن محمّد، كما أنها تحمل خطأها في ذاتها، إذ أن ”المسجد الحرام“ لم يكن بعد موجوداً حتى يُذكر، ولا بالحري ”المسجد الأقصى“. ثم إن الاختلاف بين المفسّرين يجعل منها موضع ريبة، فمحمّد، عند بعضهم، عندما أسري به، كان في لحاف عائشة، لا في مكان آخر. وإن حدث ”شق الصدر“ وظهور ملاكَين على محمّد، وهو لم يزل طفلاً، يختلط مع هذا الإسراء.
بالإضافة إلى هذا كلّه، فإن مسألة المعراج مسألة عامّة تشمل كثيراً من الأديان السابقة للإسلام. وعلى هذا يقوم فضل الدكتور صليبا في هذا الكتاب الذي يحتوي معظم النصوص والمصادر التي سبقت القرآن إلى القول بالإسراء والمعراج.
ولئن كنت من جملة المشكّكين في هذا الحدث، وبحصوله لمحمّد أو لأيّ إنسان أو نبيّ آخر، فإني أقدّر جهد الدكتور صليبا في ما جمع من نصوص من مختلف الأديان وكتبها المقدّسة، حول هذا الموضوع الشيّق والشائك في آن. هذه مأثرة عظيمة من مآثره، وموضوع جليل من موضوعات دينيّة وفلسفيّة يغوص في البحث فيها. فله منّا كلّ احترام وتقدير. أ. د. جوزف قزّي
جامعة الكسليك في 25/09/2008
مقدّمة المؤلّف للطبعة الثانية
غالباً ما تكون الطبعات الأولى من كتبي بمثابة ”طبعة تجريبيّة“ للكتاب. وذلك لأسباب عديدة أبرزها اثنين.
1 – رغم التصحيحات المتكرّرة والمتلاحقة، يبقى عدد من الأخطاء لا ينتبه الكاتب إليها إلا مع تصفّح كتابه في حلّته الأخيرة قادماً من المطبعة. فيشوب فرحته به صادراً حسرة على ما فاته من أخطاء.
2 – إعادة قراءة المؤلّف بعد الصدور غالباً ما توحي بأفكار جديدة واستطرادات وتعقيبات لم تخطر في البال حين الكتابة. فيبدأ تدوين الملاحظات منذ اللحظات الأولى لاستلام الكتاب مطبوعاً.
هذه الأسباب، وغيرها، رسّخت في خاطري قناعة مفادها أن الطبعة الأولى من كل كتاب، لا تعدو كونها إصداراً تجريبياً له في أحسن الأحوال. وذلك مهما كثرت التدقيقات والمراجعات وتعدّدت. وكتابي هذا ”المعراج من منظور الأديان المقارنة“ مثال بيّن على ذلك. ومن حسن حظّه أنه لقي اهتماماً ورواجاً جعل طبعته الأولى تنفد في غضون الأشهر الأولى من صدورها. ما سرّع بالتالي ظهوره في حلّته الجديدة.
قد يكون لرواج هذا الكتاب عدّة أسباب. ولكنني لن أتوقّف، أو أفرح، إلا لواحد منها، لما يحمله من مؤشّر إيجابي. إنه الاهتمام المتنامي الذي يلقاه علم الأديان المقارنة عند القارئ العربي. فهذا الأخير غدا بحكم تداخل الثقافات وتفاعلها في زمن الانترنت وسائر وسائط الاتصال السريع مرغماً على أن ينظر في مسألة الأديان على أساس مختلف، أي على أساس طبيعة الدين نفسه وما يقوله أبناؤه عنه، وليس على أساس إسقاطات الغير ومقاربتهم الجدليّة له. سبق وأشرنا في مقدّمة الطبعة الأولى إلى افتقار المكتبة العربية إلى الأبحاث الرصينة في مقارنة الأديان. فكل ما يخرج من المطابع العربية تحت هذا الاسم هو في الغالب جزء من آداب الدفاع والمحاججة ليس إلا. وهذا الاهتمام المتزايد بالأبحاث الجدّية في الأديان المقارنة لا يمكن إلا أن نعتبره مؤشّر تغيّر في الذوق، وانفتاح ونضج في النظرة إلى الآخر… وإلى الذات.
لم تتح لي الفترة الزمنية القصيرة التي تفصل بين صدور الطبعتَين الأولى والثانية من هذا المصنّف إجراء تعديل جذري في بنيته. ومع ذلك فقد أدخلت فيه العديد من الزيادات. وأبرزها ما خطر لي أثناء إعداد كتابي: الصمت في المسيحيّة. فقد أكّدت لي قراءات جديدة أن مسألة الجدل حول معراج بولس وكيفيّة حصوله: بالجسد أم بالروح كانت حامية في الأوساط المسيحيّة قبيل ظهور الإسلام. وكانت لي في اختبارات القدّيس باخوميوس (ت346)، وكتابات القدّيس يوحنّا السلّمي (ت605 م)، أمثلة على ذلك. فأدخلتها في هذه الطبعة الجديدة، آملاً أن أعود لاحقاً إلى التفكّر في هذه المسألة. وذلك من باب مقارنتها بالجدل المماثل في الإسلام حول معراج الرسول، صلعم.
والطبعة هذه مزدانة بمزيد من اللوحات والصوَر. وأبرزها تلك المأخوذة من الحضارة الفينيقيّة. فقد كثرت في هذه الأخيرة الأساطير والأخبار عن الحيوانات المجنّحة التي يمكن اعتبارها من أسلاف البُراق. وأظهرت الأبحاث الأركيولوجية في هذه الحضارة الكثير من المنحوتات واللوحات التي تصوّر هذه الحيوانات. فنقلنا في هذا الكتاب عدداً منها، لِما في ذلك من صلة مباشرة بمَوضوعنا.
وثمّة زيادات أخرى متعدّدة أترك للقارئ اكتشافها.
أما التصحيحات فهي الأخرى عديدة. منها ما هو في الشكل والإخراج، ومنها ما طال الأخطاء الطباعية واللغوية. وهنا لا بدّ لي من أن أسجّل شكراً للصديقة جندارك أبي عقل التي دقّقت لغوياً بنص الطبعة الأولى واقترحت عدداً من التصويبات أخذت بغالبيتها.
قد يجد القارئ في ما يلي من صفحات الكثير من الأساطير. ولكن السؤال المطروح يبقى دائماً: إذا جرّدنا الأديان من أساطيرها فما الذي يبقى من الأديان؟ وأين تنتهي الأسطورة في الدين ليبدأ التاريخ؟! من حسن حظّ الإسلام، أو من سوء حظّه يقول البعض، أنه بين الديانات العالميّة الكبرى، هو الأقرب تاريخياً إلينا. وهو بالتالي الأكثر قابليّة للخضوع لمجهر المؤرّخ وتدقيق الباحث.
وختاماً آمل أن يكون إصدار كل كتاب لي، فرصة تتيح قيام حوار جادّ وبنّاء بين القارئ والكاتب. ما يتيح لهذا الأخير مزيداً من التفكّر والتأمّل، في سبيل مزيد من القرب من الحقيقة التي نصبو إليها جميعاً.
Q.J.C.S.T.B.
باريس في 15/09/2008