مقدمة كتاب هكذا علّم بوذا التأمل والتصوّف وأدب الحياة/تأليف لويس صليبا La Méditation la mystique et l’art de vivre dans l’enseignement du Bouddha
المؤلّف/Author: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba
مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية
عنوان الكتاب: هكذا علّم بوذا التأمّل والتصوّف وأدب الحياة
Title: Meditation, mysticism and the art of living in the Buddha’s teaching
Titre: La Méditation la mystique et l’art de vivre dans l’enseignement du Bouddha
عدد الصفحات: 372ص
سنة النشر: طبعة ثانية 2024، طبعة أولى 2024
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان
ت: 09540256، 03847633، ف: 09546736
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2024©-جميع الحقوق محفوظة، يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.
المؤلّف/Author: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba
مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية
عنوان الكتاب: هكذا علّم بوذا التأمّل والتصوّف وأدب الحياة
Title: Meditation, mysticism and the art of living in the Buddha’s teaching
Titre:
المؤلّف/Author: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba
مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية
عنوان الكتاب: هكذا علّم بوذا التأمّل والتصوّف وأدب الحياة
Title: Meditation, mysticism and the art of living in the Buddha’s teaching
Titre: La Méditation la mystique et l’art de vivre dans l’enseignement du Bouddha
عدد الصفحات: 372ص
سنة النشر: طبعة ثانية 2024، طبعة أولى 2024
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان
ت: 09540256، 03847633، ف: 09546736
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2024©-جميع الحقوق محفوظة، يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.
عدد الصفحات: 372ص
سنة النشر: طبعة ثانية 2024، طبعة أولى 2024
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان
ت: 09540256، 03847633، ف: 09546736
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2024©-جميع الحقوق محفوظة، يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.
مقدمة المؤلّف
الأركيولوجيا تؤكّد عمق التفاعل بين البوذية والشرق الأوسط
ليست البوذية بغريبة ولا ببعيدة ونائية عن المشرق العربي، وإن بدت للكثيرين أحياناً بأنّها كذلك. وها هي الاكتشافات الأركيولوجية تؤكّد يوماً بعد يوم هذه الحقيقة التاريخية الثابتة.
وكان آخرها العثور على تمثال أثري لبوذا في مصر في نيسان 2023، فالبعثة الأركيولوجية البولندية الأميركية المشتركة، العاملة في معبد مدينة برنيكي على ساحل البحر الأحمر في مصر، اكتشفت تمثالاً لبوذا من العصر الروماني، وبحسب رئيس الفريق البولندي من البعثة ماريوس جويازدا، فإن هذا التمثال مصنوع من الحجر الذي ربّما نُحت محلياً في برنيكي وقدّمه للمعبد أحد التجّار الأثرياء الهنود. ويبلغ ارتفاعه 71 سنتيمتراً، ويصوّر بوذا واقفاً ويحمل جزءاً من ملابسه في يده اليسرى.
وقال أمين عام المجلس الأعلى المصري للآثار مصطفى وزيري، إن موسم الحفائر الحالي للبعثة البولندية الأميركية بمدينة برنيكي “شهد العديد من الدلائل المهمّة على وجود صلات تجارية بين مصر والهند خلال العصر الروماني. وأوضح أن مصر كانت في موقع مركزي على الطريق التجاري الذي كان يربط الإمبراطورية الرومانية بالعديد من مناطق العالم القديم، بما في ذلك الهند”. وتابع: “كان هناك العديد من الموانئ خلال العصر الروماني على ساحل البحر الأحمر في مصر تشارك في هذه التجارة، وأهمّها برنيكي، حيث كانت السفن تصل إليها من الهند محمّلة بمنتجات مثل الفلفل والأحجار شبه الكريمة والمنسوجات والعاج، فتفرّغ وتنقل على الجمال عبر الصحراء إلى النيل، ثم تنقل سفن أخرى البضائع إلى الإسكندرية ومن هناك إلى بقية الإمبراطورية الرومانية([1]).
وما يهمّ من هذا الاكتشاف الأركيولوجي الأخير دلالته الواضحة على التفاعل العميق والمثمر بين منطقة الشرق الأوسط وشعوبها وأديانها من جهة والبوذية من جهةٍ أخرى، وذلك منذ أقدم الأزمنة.
بوذا يضع التصوّف بمتناول الجميع
ولا يختلف اثنان على أهمّية دور بوذا وموقعه الرئيسي في تاريخ الأديان وتاريخ الفكر عموماً ودوره في تطوّره، وفي ذلك يقول الفيلسوف الألماني كارل ياسبرس مؤرّخاً للفلسفة: “وإليكم الجديد: لقد أنجز بوذا بالجملة، وعلى نحو جذري، ما حُقّق من قبله جزئياً، وعلى نحو شرطي”([2])
ويضيف ياسبرس مشيراً إلى ميزة رسالة بوذا وشموليّة تأثيرها، وفرادة إسهامها على الصعيدين الفكري والديني: “إن طريقة بوذا في مخاطبة الجميع طريقة طريفة كلّ الطرافة. فما كان وقفاً على بعض الناس، أصبح ممكناً للناس كافّة. وما كان يحصل في الغابات لجماعات صغيرة من المعتزلة، جرّبته بصورة علنية، في المدن، وفي غضون الحجّ، طوائف رهبان التفّت الجماهير حولها. وعلى هذا النحو تحقّقت صورة جديدة من الحياة” (ياسبرس، م. س، ص94-95).
ويتابع ياسبرس مركّزاً على جانب أساسي في إسهام بوذا. فالفكر الصوفي والروحي عموماً أصبح معه وبعده بمتناول جميع السالكين في الطريق الروحي، ولم يعد حكراً على طبقة كالبراهمة في الهندوسية، أو وقفاً على فئة معيّنة، وصارت الحقائق الروحية بمتناول الجميع، فيقول: “وعلى هذا النحو، لأوّل مرّة في التاريخ، تتّسع حدود فكر إلى مدى أبعاد الإنسانية، ويبزغ دين كلّي. لم تبقَ طبقات ولا جبهات، وتزعزع كلّ انتماء إلى أصل تاريخي في نظام المجتمع. والحقائق المصونة بأعظم احتراس من حيث إنها وقف على بعض ذوي الامتياز، وجب عليها أن تتحوّل، في الهند، إلى حقيقة مفتوحة للجميع”. (ياسبرس، م. س، ص95-96).
ويخلص ياسبرس مركّزاً على ميزة للبوذية لم تعرفها الديانات الأخرى: طابع اللاعنف الذي رافقها طيلة تاريخها وحتى اليوم، فالتكفير والتبديع بعيد كلّياً عن روحها وعن تاريخها في آن، يقول: “إن البوذية هي الديانة الوحيدة ذات الصفة الكلّية التي لم تعرف العنف، واضطهاد المبتدعة، والتفتيش، ومحاكمة الساحرات، والفتوحات العسكرية، والحملات الصليبية”. (ياسبرس، م. س، ص110).
ويختم ياسبرس بميزة ثانية، فلا فرق بين اللاهوت والفلسفة في البوذية، وهذا ما لا نجده في الأديان الإبراهيمية، يقول: “وهذا الفكر [البوذي] بأصله وبجوهره، لم يفرّق البتّة بين الفلسفة واللاهوت، بين حرّية العقل والسلطة الدينية. بل إنّه لم يطرح مسألة اختلافهما ذاتها. وقد كانت الفلسفة هي بذاتها نشاطاً دينيّاً. وكانوا يقتصرون على المبدأ التالي: المعرفة هي سلفاً خلاص ونجاة”. (ياسبرس، م. س، ص110).
أجل فكم كرّر بوذا وأتباعه القول: التحرّر يأتي من الفهم. وهذه الدعوة الملحّة إلى المعرفة ولا سيما بمستواها الاختباري([3]) كانت من أبرز الدوافع إلى وضع هذا الكتاب.
بوذا رائد علم النفس الروحي
تلك باختصار مكثّف بعض ميّزات بوذا الشخصية الدينية والفلسفية العميقة الأثر نُقلت وحلّلت عن تأريخ الفيلسوف ياسبرس للفكر والديني والفلسفي العالمي. ولا ضرورة لمزيد من الإطالة والتبسّط في هذا المجال، فما ذُكر كافٍ لتظهير أهمّية مساهمة غوتاما بوذا إن في تاريخ الأديان أم في تاريخ الفلسفة والفكر عموماً.
ويبقى أن بحوث هذا الكتاب، والنصوص والحكم التي ينقلها عن بوذا لا تتناول الجانب الديني من تعليمه ولا حتى الفلسفي، بل تتركّز عموماً حول ما بات يسمّى اليوم: علم النفس الروحي، إنّه جانب عملي تطبيقي من هذا التعليم، يهمّ كلّ إنسان، وهو ذو طابع علماني عامّ بمعنى أن لا يتطلّب أيّ إيمانٍ أو معتقد، واللافت أن البحوث العلمية في مجالات الطبّ والفيزيولوجيا والسيكولوجيا اليوم جاءت لتؤكّد صحّة تعاليم غوتاما بوذا في هذه المجالات، يقول الطبيب والباحث الفرنسي كريستوف أندريه في هذا الصدد: “في هذا التراث الهائل من التعاليم البوذية تمّ التثبّت من الحدس البوذي من خلال علم الأعصاب المعاصر”.([4])
ويضيف أندريه مميّزاً بين المقاربتين: “وهكذا فالبوذية وعلم الأعصاب يقدّمان قراءتان متوافقتان، ولكن غير متشابهتَين لعمل العقل البشري. فكلّ منهما يحتفظ بنكهته وبهدفه الخاصّ”. Ibid.
المقاربة البوذية هي بالحري علم نفس روحي يبتغي وقف معاناة الإنسان عن طريق تغيير ذهنه وفكره وتعويده عادات نفسية وصحّية حميدة تعكس بالأحرى المسار السلبي الناتج عن تحكّم الانفعالات السلبية في سلوكه وأدب حياته. وهذا ما سمّاه عالِم النفس والمعالِج الأميركي هانسون ريك Rick أن يكون للمرء دماغ بوذا، وعنون به كتابه الذي عرف رواجاً ملحوظاً وتُرجم إلى لغاتٍ عديدة.
تغييرات صغيرة في الذهن تسبّب تغييرات كبيرة في الدماغ
ويقول ريك في مقدّمته: “إذا كان من أمرٍ أنا متأكّد منه، فهو أن مجرّد تغييرات صغيرة في الذهن تكفي كي تسبّب تغييراتٍ كبيرة في الدماغ وفي الحياة. وهذا ما لاحظتُه مراراً حولي وفي عيادتي كمعالج نفساني، وفي دروس التأمّل، ولكن أيضاً بداخلي في أفكاري ومشاعري. ومن الممكن حقّاً توظيف المزيد يوميّاً في اتّجاهٍ أفضل. فمن يغيّر دماغه يغيّر حياته”. Rick, op. cit, p23.
والمعادلة البسيطة والبالغة الدلالة التي يطرحها ريك من شأنها أن تستوقف أيّ باحث، لا سيّما وأنّها ناجمة عن تجربة عملية تدعمها البحوث العلمية: تغييرات صغيرة في الذهن تسبّب تغييرات كبيرة في الدماغ وفي الحياة. فهل الأمر بهذا اليُسر؟!
المبدأ بسيط وإن كان من الناحية العملية يتطلّب ثباتاً ومواظبة وصبراً. ومَن يغيّر دماغه يغيّر حياته يؤكّد ريك، وهو يبرهن معادلته هذه مستخدماً أخرى أثبتتها البحوث وكذلك التجربة اليومية: “كلّ ما يخطر للفكر أو يعْبُره ينحت الدماغ، فبمقدورنا إذاً استخدام فكرنا لتحسين دماغناRick, op. cit, p23.
ويوضح ريك ذلك عملياً كما أنه يقدّم تفسيراً علمياً تشريحيّاً لمعادلته الأخيرة هذه قائلاً: “لأنّها تتيح شيئاً فشيئاً إنشاء بُنى عصبية جديدة، فإن الحركات والإيماءات gestes اليومية الإيجابية تؤدّي إلى تغييراتٍ كبيرة بمرور الوقت، وللمثابرة فعلى المرء أن يكون بمعسكره”. Ibid, p39
هذا التغيّر إذاً يتطلّب صبراً ومواظبة، ولأنّه كذلك فهو ثابت ونهائي. ويشرح ريك آلية هذه التغيّرات البنيويّة في الدماغ ومفاعيلها ونتائجها الحاسمة قائلاً: “التخلّص من البنى القديمة، وتشييد بنى جديدة يستغرق بعض الوقت والجهد. وهذا ما أسمّيه قانون الأشياء الصغيرة: فعلى الرغم من أنّ لحظات صغيرة من الجشع والكراهية والوهم تركت رواسب معاناة في فكر المرء وفي دماغه، بيد أن العديد من اللحظات الصغيرة من الممارسة ستحلّ محلّ هذه السموم الثلاثة وما تحمل من معاناة، وستقود إلى السعادة والحبّ والحكمة”. Ibid, p86
وهذا التأثير الإيجابي برأي ريك غير مقصور على الصعيد الفردي والشخصي بل إن فائدته يمكن أن تعُمّ، يقول: “العالم سيتحرّك باتّجاهٍ أفضل إذا وافق عددٌ كبيرٌ من الناس على تغيير عقولهم”. Ibid, p39
التأمّل يقي من الألزهايمر
ويبقى العمود الفقري في علم النفس الروحي لبوذا ممارسة التأمّل. وتعليم غوتاما غدا اليوم، ولا سيما في الغرب، مرادفاً للتأمّل. وفي هذا الكتاب الكثير عن منافعه والبحوث العلمية بشأنه، ولا سيما ما جاء في المقابلتين اللتين أجراهما المؤلّف، كاتب هذه السطور، مع العالِم والطبيب جاك فينيو، فلا ضرورة لتكرار ذلك هنا. ولكن لا بأس من أن يضاف إليها نتائج بعض الاكتشافات والبحوث الأخيرة التي تناولت الأثر الإيجابي الحاسم للتأمّل في الوقاية من مرض الألزهايمر وكذلك في تنشيط الذاكرة وتحفيزها. وقد عرضت الباحثة الأميركية جين كاربر نتائج هذه البحوث في كتابٍ لها، وممّا جاء فيه: “يميل الأشخاص الذين يمارسون التأمّل بانتظام إلى المحافظة على كمّية أكبر من المادّة السنجابية في أدمغتهم، ويعانون قدراً أقلّ من التردّي الإدراكي المعرفي فيما يتقدّمون في العمر”.([5])
وتشرح كاربر كيف ولماذا يزيد التأمّل من المادّة السنجابية: “أظهرت صور الرنين المغناطيسي RMI أن لدى الأشخاص الذين مارسوا التأمّل بين عشر دقائق وتسعين دقيقة يوميّاً لفترة خمس سنوات مادّة سنجابية أكبر حجماً في مناطق معيّنة من الدماغ ذات علاقة بالذاكرة والأحاسيس”. (كاربر، م. س، ص173).
وللتأمّل آثار صحّية عامّة نفسية وجسديّة لخّصتها كاربر كما يلي: “في وسع التأمّل أيضاً أن يخفّض ضغط الدمّ، ويقلّل الإجهاد والاكتئاب والالتهاب، ويحسّن مستويات غلوكوز الدمّ والإنسولين ويزيد تدفّق الدمّ إلى الدماغ، وكلّها أمور تتعلّق بفقدان الذاكرة والألزهايمر”. (كاربر، م. س، ص174).
وبيّنت البحوث العلمية أن التأمّل يزيد النشاط في الفصّ الجبهي للدماغ وهو الذي يستهدفه الألزهايمر بصورة محدّدة. وتنقل كاربر عن الباحث الطبيب آندرو نيوبرغ إثر قيامه بحوث عديدة في هذا المجال ما يلي: “للمرّة الأولى نشاهد الآن برهاناً علميّاً على أن التأمّل يمكّن الدماغ فعلاً من تقوية نفسه، وأنّه قد يقي حتى من الإصابة من مرض الألزهايمر”. (كاربر، م. س، ص174).
الحمية النباتية تنشّط الذاكرة وتحمي الدماغ
وحتى حِمية المتأمّلين ونظامهم العامّ في التغذية، بيّنت البحوث أنّها الأنسب للمحافظة على ذاكرة نشيطة والوقاية من الألزهايمر. فالرجيم النباتي الذي يتّبعه المتأمّلون وممارسو اليوغا غالباً أثبت فاعليّته. تنقل كاربر نتائج عددٍ من البحوث في هذا المجال: “الإكثار من أكل اللحوم يهيّئ الدماغ للإصابة بمرض الألزهايمر، وكلّما أكثرتم من أكل اللحوم ازدادت احتمالات إصابتكم بالخرف. وعلى نحو عامّ يكون أكلة اللحوم أكثر عُرضة للإصابة بالخرف من الذين لا يأكلون اللحوم إطلاقاً بنسبة 20 %. وأفاد باحثون من جامعة كاليفورنيا أن الذين يأكلون اللحوم بكثرة، أكثر عُرضة للإصابة بالخرف من النباتيين بنسبة تفوق الضعفَين”. (كاربر، م. س، ص169).
ومن التفاسير العلمية لهذه الظاهرة اللافتة والمهمّة: “اللحوم مصدر رئيسي للحمض Arachidonic المسبّب للالتهاب”. (كاربر، ص169).
وأجمعت غالبية الأبحاث على أن النظام الغذائي المتوسّطي (منطقة البحر المتوسّط) هو الأكثر فاعليّة للوقاية من تهالك القدرات العقلية: “ما يجعل النظام الغذائي المتوسّطي فعّالاً إلى هذه الدرجة هو عدم اعتماده على مأكل واحد فقط، أو على مغذّيات قليلة، فهو لائحة أطعمة غنيّة بالكثير من الموادّ المركّبة النافعة للدماغ. وغني بمضادّات الأكسدة ومنها فيتامين C وفيتامين A والجزرانيّات الموجودة في زيت الزيتون والفواكه والخضار والبصل والثوم” (كاربر، م. س، ص177).
أما ميزته الحاسمة في المجال الصحّي والوقائي: “فالنظام الغذائي المتوسّطي يتّسم بكثرة استهلاكه للأغذية النباتية، وبوفرة استعمال زيت الزيتون، وباعتدال استهلاكه للأسماك، وتراوح استعماله لمنتجات الألبان بين القلّة والاعتدال، وانخفاض استهلاك اللحوم والدواجن ونُدرة استخدام الحلوى” (كاربر، م. س، ص177).
إنّه نظام غذائي قريب ممّا يعتمده المتأمّلون واليوغيّون، وإن كان هؤلاء أكثر دقّة وصرامة في تجنّب اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان وأصناف الجبنة.
وحتى خُلُقيّة بوذا Ethique التي تشدّد على وجوب احترام الناموس الكوني Dharma أثبتت البحوث العلمية أنها من الوسائل الناجعة في الوقاية من الألزهايمر. تورد كاربر في هذا الصدد: “أصحاب الضمائر الحيّة، وأكثر الناس التزاماً بما يمليه ضميرهم هم أقلّ استعداداً لمعاناة التراجع المعرفي المعتدل الذي يسبق مرض الألزهايمر”. (كاربر، م. س، ص84).
دليل عملي لممارسة التأمّل ولحياة يوميّة تأمّلية
ونظراً لهذه الأهمّية المركزية التي يوليها تعليم بوذا للتأمّل ومن ثمّ للحياة اليومية التي يجعل منها بفضل التنبّه التامّ Mindfulness ممارسة تأمّلية هي الأخرى، فقد جاء هذا الكتاب ليكون بمثابة دليل عملي تطبيقي لممارسة التأمّل والتنبّه التامّ كذلك، وبالتالي حياة يوميّة “تأمّلية” ومن منطلقٍ علماني بعيد عن أيّة نزعةٍ تبشيريّة. وهو، وإن كان الطابع الأكاديمي لا يغيب عنه، شأنه في ذلك شأن سائر كتب المؤلّف إن من حيث منهج اختيار الحكم ونسبتها وسندها وتوثيق الاقتباسات وغير ذلك، فهو ليس في جوهره بحثاً أكاديميّاً في البوذية وتعليمها، وإن كان من شأنه أن يكون مصدراً لأي بحثٍ من هذا النوع. فهو في لُحمته وسداه مختارات من حِكم بوذا وأقواله وتعاليمه جُمعت من مصادر موثوقة كي تكون مرشداً عملانيّاً لأدب حياة تأمّلية.
صُمّم هذا السِفر كي يكون كتاب مخدّة للسالك في ممارسة التأمّل والتنبّه التامّ، وقد جُمعت حكمه بالحري من كتب مخدّة كان المؤلّف يسترشد بها ويستنير في ممارساته التأمّلية واليوغية وفي حياته اليوميّة. لذا استغرق إعداده سنواتٍ عديدة في قراءة المصادر البوذية من فرنسية وإنكليزية وتدوين الملاحظات، وإذ استشعر حاجة المكتبة العربية الملحّة لمصدر يجمع أقوال غوتاما ولا سيما ما يحمل الطابع العملي التطبيقي منها، عمد تدريجيّاً وبتأنٍّ إلى تعريب ما وجده الأبرز والأكثر أهمّية منها. فالقانون البوذي الذي يجمع أقوال المغبوط وسيرته وأفعاله واسع شاسع، ويمتدّ على عشرات ألوف الصفحات، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يُترك جلّه. وقد شاء المؤلّف إثر تدريسه الجامعي للبوذية أن يضع بين أيدي الطلّاب والقرّاء عموماً تكملة لكتابه “البوذية تاريخها وتعاليمها”([6]) توفّر نصّاً مرجعيّاً لأقوال بوذا. وعساه يكون فاتحة مشروع واسع في مصادر البوذية ونقلها إلى العربية، فهي لمّا تزل خالية من أيّ منها. وكانت للمؤلّف تجربة سابقة شبيهة بهذه جمع فيها مختارات من أقوال وتعاليم حكيمة الهند المعاصرة مآ أنندا مايي وعرّبها وقدّم لها([7]) وقد لقيت اهتماماً واستحساناً عند القرّاء والسالكين، ما شجّعه على تكرار التجربة بمختارات من أقوال مؤسّس البوذية.
المصادر البوذية لهذا الكتاب
وفي ما يلي أبرز ما اعتمد هذا السِفر من مصادر بوذية، مقروناً بتعريفٍ موجز له:
1-كتاب على خطى سيدهارتا ([8])Sur les traces de Siddharta، ويُشار إليه اختصاراً في هذا السفر بـ Siddharta. ومؤلّفه الحكيم والعالِم البوذي تيش نات هانه Thich Nhat Hanh([9]). وهو من أبرز علماء البوذية وحكمائها ورهبانها المعاصرين كما هو مبيّن في النبذة عنه في الهامش. وكتابه الموسّع والموثّق هذا من أهمّ ما صدر في العقود الأخيرة عن سيرة بوذا وتعاليمه. وقد عاد فيه إلى مصادر باللغات البالية والسنسكريتية والصينية غير منشورة أو لم تترجم بعد إلى أية لغة غربية، ومن هنا أهمّيته. وهو يقول عن مظانّ مصنّفه: “في بحوثي لتأليف هذا الكتاب عُدت بصورة شبه حصرية إلى نصوص الهينايانا (العربة الصغيرة) مستخدماً القليل من كتابات الماهايانا (العربة الكبيرة) وذلك كي أبيّن أن عقائد وأفكار الماهايانا الكبرى موجودة قبل ذلك في كتابات النيكياس Nikayas بالباليّة وفي الأغاماس Agamas الصينية وكلّها سابقة لها. ويكفي المرء أن يقرأ هذه السوترات Soutras بفكر منفتح كي يتبيّن أنّها تنتمي كلّها إلى البوذية، أكانت متأتّية من تقليد الشمال أو الجنوب. (…) ونصوص النيكياس والأغاماس هي بالفعل الأقرب إلى الطابع الأصيل لتعاليم بوذا. وعلى علماء البوذية وممارسيها المعاصرين أن يكونوا مؤهّلين لإعادة إحياء بوذية الأصول انطلاقاً من النصوص المتوفّرة للتقليدَين: تقليد الشمال وتقليد الجنوب. وعلينا أن نتآلف مع كتابات هذين التيّارين” Siddharta, op. cit, pp499-500.
والمهمّ من كلام هانه هذا إشارته الواضحة إلى دأبه على توثيق كلّ ما نقل من تعاليم بوذا وإسنادها إلى أقدم النصوص والتقاليد الكتابية البوذية، وهذا ما جعل من مصنّفه السهل الممتنع هذا مصدراً ومرجعاً يعود إليه الباحثون والعلماء والقرّاء العاديّون في آن.
2-كتاب تعاليم بوذا The Teaching of Buddha([10]) وهو ترجمة لشينياكو بوكيو سيتين، أي أنطولوجيا أقوال مأثورة وحكم لبوذا مستقاة من أبرز مصادر القانون البوذي أو الكتب القانونية البوذية Livres Canoniques، جمعها علماء يابانيون ونشرت في عام 1925. وقد ضمّت لجنة هؤلاء العلماء كلّاً من د. Shûgaku Yamabe و د. Chizen Akanuma وشارك في هذا العمل عدد من المعلّمين والحكماء البوذيين اليابانيين واستغرق أكثر من خمس سنوات. Buddhist, op. cit, p566. ويشار إلى هذا المصدر في هذا السِفر اختصاراً بعبارة Buddhist، وهي الكلمة الأولى من اسم المنظّمة التي عملت على نشر هذا الكتاب وتوزيعه Buddhist Promoting Foundation وباليابانية Bukkyo Dendo Kyokai([11]) وهي جمعية أسّسها الموقّر د. Yehan Numata([12])
3-كتاب الدليل الصغير لبوذا Le Petit Manuel du Bouddha([13]) لمؤلّفه جاك كورنفيلد Jack Kornfeild([14])، ويشار إليه في هذا السفر اختصاراً بـ Manuel. يقول كورنفيلد في مقدّمة كتابه هذا: “أقوال الحكمة التي تلي مأخوذة من تعليم بوذا (…) وهذه الحِكَم البسيطة تستكشف مواضيع الوعي الفردي والطيبة والحكمة في العلاقات وترابط كلّ الكائنات. وما تذكّرنا به في الأساس أنّنا نستطيع أن نخبر في حياتنا روح اليقظة والرحمة تماماً كما بوذا”. Manuel, p7.
وينقل هذا السِفر مجموعة من حِكم وأقوال وتعاليم عدد من حكماء البوذية (ف36) مستلّة من كتاب كورنفيلد هذا.
4-الدهمّابادا Dhammapada: أو جادّة الحق، وهو مقتطفات ومختارات من أقوال بوذا جُمعت قبل الميلاد بنحو 300 سنة، ويتضمّن 423 حكمة انتُقيت من كتب مختلفة من النصوص البوذية المقدّسة المعروفة بالسلال الثلاث، وكتب باللغة البالية Pali لغة بوذا أو اللغة الأقرب إلى التي تكلّمها، وقد حافظت هذه الحِكم على التعاليم الأصيلة للمغبوط. وقُسّمت الدهمّابادا إلى 26 فصلاً، وثمة اختلاف في ترقيم آياتها، فأكثر المراجع والترجمات تعتمد الترقيم المتواصل من آية 1 إلى آية 423، بغضّ النظر عن الفصل الذي تقع فيه هذه الآية مثل: Dhammapada/81، في حين تعتمد مراجع وترجمات أخرى على ترقيم آية كلّ فصل على حدة دون أخذ التسلسل الإجمالي للآيات بعين الاعتبار، فالآية الآنفة عينها يشار إليها في هذه الحال كالتالي: دهمّابادا 6/3، وقد أخذ هذا السفر بكلا الطريقتَين في آن دفعاً لأيّ التباس. ففي الترجمة الأجنبية الفرنسية أو الإنكليزية للآية ذكر الترقيم المتسلسل للآيات، في حين ذكر الترقيم الثاني (الآية وموقعها في كلّ فصل) في الترجمة العربية للآية، وينظَر كمثل على ذلك، ولمزيد من التوضيح، الآية الواردة في 3/4 من هذا السِفر. ولم يعتمد المؤلّف ترجمة واحدة فرنسية أو إنكليزية للدهمّابادا، ليعرّب عنها الآيات، بل شاء أن يغني مكتبة البحث بكل ما تيسّر له من ترجمات معروفة ومتداولة ورصينة لهذا النصّ المقدّس والبالغ الأهمّية. كما استأنس أحياناً بترجمة عربية وضع مقدّمة لها([15])، وذلك تنويهاً بالجهد الذي بذله فيها الكاتب والشاعر الراحل سحبان أحمد مروّة.
5-المراجع العربية عن البوذيّة: تقصّد المؤلّف عمداً أن يستلّ بعض حكم المغبوط من مراجع عربية إقراراً بعملها الرائد، وأبرزها اثنان:
أ-كتاب الشيخ محمد علي الزعبي([16]) الذي قدّم له المعلّم كمال جنبلاط. ولهذا المصنّف في نفس المؤلّف مكانة خاصّة وعزيزة لأنّه أوّل ما قرأ عن الغبوط وسيرته وتعاليمه بلغة الضاد.
ب-كتاب أستاذ المؤلّف العالِم والمرجع في الدراسات السنسكريتية روبير كفوري([17]) وهو من أهمّ الكتب في موضوعه بالعربية.
وما أُخذ عن هذين الكتابَين وعن كتب المؤلّف في البوذية كالمذكور في الهامش([18]) ترجم إلى الفرنسية والإنكليزية، وذلك كي ترِد كلّ حكم بوذا وآياته باللغات الثلاث.
ترجمة توفّق بين الأمانة والبلاغة
وتبقى كلمة في طريقة جمع حكَم بوذا وترتيبها. فبعد أن تجمّع لدى المؤلّف نحو 300 آية بالفرنسية أو الإنكليزية عمل على تعريبها موفّقاً ما أمكن بين الأمانة للأصل وضرورة تقديم نصّ عربي بليغ يوحي للقارئ بأنّه موضوع بلغة الضاد وليس مترجماً. كما أنّه عمد إلى نقل الحِكم الفرنسية إلى الإنكليزية وبالعكس. وهنا بدأ عملٌ شاقّ آخر، ألا وهو تبويب الحكم بحسب مواضيعها. فقُسّمت إلى 35 فصلاً متتالياً في الترقيم. أما الحِكم التي ليست لبوذا، بيد أنّها تعبّر عن فكره وتعليمه لأنّها بالحري أقوالٌ لحكماء بوذيين، فعُزلت على حدة ووضعت كلّها في الفصل الأخير من الكتاب (ف36).
وحِكم بوذا وتعاليمه الموجزة هذه تُقرأ مثنى وثلاث ورباع، بل تُحفظ عن ظهر قلب لأنّها تحمل الهدوء إلى الذهن، والدفء إلى القلب، والراحة والاسترخاء للبدن. وهي لا تتّسم بأي طابع غيبي أو ماورائي، وقد رفض غوتاما بوذا مراراً الخوض في الغيبيّات والإجابة عن الأسئلة التي تتناول الماورائيات. وبالتالي فهي تخلو عموماً من الطابع الديني، إنّها، وكما سبق وذكر، مدرسة في علم النفس الروحي Psychologie Spirituelle ومن شأنها أن تنير الطريق لأيّ سالك إلى أي تقليد ديني أو روحيّ انتمى. وكانت للمؤلّف تجربة جدّ مثمرة مع العديد من هذه الحِكم، كتلك القائلة: ” خيرٌ لي أن أموتَ وأنا أعارك الشهوات والانفعالات، من أن أعيشَ أسيراً لها”. (14/2). فتذكُّرها وتردادها عند الأزمات والعثرات كان له خير معين في المواقف العسيرة. ومثلها تلك القائلة: “جاوب ولا تنفعل” (16/1)، وغالبية الناس، ولا سيما في هذا المشرق العربي بالأحرى تنفعل ولا تجاوب. وأمثال هاتين الحكمتين التعليميّتين كثير، وما على القارئ سوى أن يقرأ ويتأمّل ويستبصر في ما ورد منها في هذا السِفر.
تمهيد يعلّم التأمّل ويعرض البحوث عن فوائده
ولما كان الهدف الأوّل من هذا المصنّف أن يكون دليلاً عمليّاً لممارس التأمّل وللسالك عموماً، أُرفقت هذه الحِكم، أو بالحري مُهّد لها بمقابلات وحوارات أجراها المؤلّف مع الحكيمة تنزين بالمو ومع العالِم الطبيب جاك فينيو.
في الحوار مع بالمو تعمد هذه الراهبة الحصيفة إلى تعليم تقنية تأمّل بسيطة وجدّ فعّالة: إنها مراقبة النفَس، وكثيراً ما يقال إنها الطريقة التي أوصلت المغبوط إلى التحقّق. وبذلك يكون هذا الفصل التمهيدي معلَماً ومعلّماً لكلّ من يريد أن يمارس التأمّل.
أما القسمان الثاني والثالث من هذا التمهيد فينقلان مقابلتين مع د. جاك فينيو يتحدّث فيهما عن فوائد التأمّل والأبحاث العلمية التي أكّدت ذلك إن على المستوى الجسدي والصحّي أم على المستوى السيكولوجي والنفسي.
الحوار مع تنزين بالمو دوّن ثم عُرّب عن الإنكليزية في حين دوّنت المقابلتَين مع فينيو ثم ترجمتا عن الفرنسية.
وختاماً، فإنّ إعداد هذا الكتاب وجمعه وتأليفه وترجمة حِكمه وتعريبها على ما استغرق من جهدٍ ووقت حمل إلى مؤلّفه الكثير من السلام الداخلي والطمأنينة، فعساه يكون له الأثر عينه في نفس قارئه والمتأمّل فيه.
ل. ص. QJCSTB
جبيل في 22/5/2023
[1] -المياني، هشام، اكتشاف تمثال أثري لبوذا في مصر: ماذا يعني، مقالة على موقع سكاي نيوز العربية، الخميس 27/4/2023.
[2] -ياسبرس، كارل، فلاسفة إنسانيّون: سقراط، بوذا، كونفوشيوس، يسوع، ترجمة د. عادل العوّا، بيروت، منشورات عويدات، ط3، 1988، ص94.
[3] -صليبا، لويس، جدلية الحضور والغياب: بحوث ومحاولات في التجربة الصوفيّة والحضرة، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط2، 2016، ب1/ف1: من المعرفة الاكتسابية إلى التفكّرية فالاختبارية، ص17-27.
[4]-Hanson, Rick, et Mendius, Richard, Le Cerveau de Bouddha: Bonheur, amour et sagesse au temps des neurosciences, traduit de l’anglais par Olivier Colette, préface de Christophe André, Paris, Editions des Arènes, 2011, p13.
[5] -كاربر، جين، 100 وسيلة بسيطة لمنع الألزهايمر والخرف، ترجمة غسّان غصن، بيروت، هاشيت أنطوان، ط1، 2012، ص173.
[6] -صليبا، لويس، البوذية تاريخها وتعاليمها وآثارها في المسيحية وأرض الإسلام، مدخل عام إلى البوذية، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2022، 175ص.
[7] -صليبا، لويس، إنجيل الأمّ المغبوطة: حكيمة الهند مآ أنندا مايي سيرتها تعاليمها معجزاتها وأمثالها، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2020، 364ص.
[8]-Hanh, Thich Nhat, Sur les traces de Siddharta, traduit de l’anglais par Philippe Kerforne, Paris, JC Lattès, 1996, 525p.
[9] -تيش نات هانه (1926-2022) Thich Nhat Hanh معلّم زن وزعيم روحي عالمي وشاعر وناشط سلمي. اشتهر بكتاباته في البوذية والتي سجّلت أرقاماً قياسية في المبيعات بالإنكليزية والفرنسية. وهو من روّاد نشر البوذية في الغرب. وأطلق عليه مارتن لوثر كينغ لقب “رسول السلام واللاعنف”. ولد هانه في وسط فيتنام 1926 ودخل معبد توهيو كراهبٍ مبتدئ في سنّ السادسة عشرة، وانخرط في حركة تجديد البوذية في فيتنام. وعندما اندلعت حرب فيتنام عمل على مساعدة ضحايا الحرب والقصف مع تمسّكه بالحياة الرهبانية التأمّلية. سافر 1961 إلى الولايات المتّحدة بمنحة لدراسة الأديان المقارنة في جامعة برنستون ثم انتقل إلى جامعة كولومبيا. عاد إلى فيتنام وأسّس منظّمة إغاثة شعبية تضمّ نحو عشرة آلاف متطوّع، وتعمل بحسب الأسس والمبادئ البوذية في اللاعنف والعمل الرحيم. سافر مجدّداً إلى الولايات المتّحدة 1966 وأوروبا من ثمّ للدفاع عن قضيّة السلام والدعوة إلى إنهاء الحرب في فيتنام. وخلال هذه الرحلة التقى د. مارتن لوثر كينغ الذي رشّحه لجائزة نوبل للسلام 1967. وبسبب هذه الرحلة والمهمّة حرمته كلّ من فيتنام الشمالية والجنوبية من حقّ العودة إلى فيتنام، فبدأ بذلك منفاه الطويل الذي استمرّ 39 عاماً. وسنة 1969 قاد الوفد البوذي إلى محادثات السلام في باريس. عمل محاضراً وباحثاً في البوذية في جامعة السوربون/باريس في أوائل السبعينات. وعام 1975 أسّس مجتمع البطاطا الحلوة بالقرب من باريس. وانتقل 1982 إلى موقع أكبر عُرف باسم قرية بلوم Plum. ونمت هذه القرية بإدارته من مزرعة ريفية إلى أكبر دير بوذي في الغرب ويضمّ أكثر من 200 راهب، ويستضيف أكثر من عشرة آلاف زائر في السنة من مختلف أنحاء العالم. وافتتح هانه أديرة في كاليفورنيا ونيويورك وفيتنام وباريس وهونغ كونغ وتايلاند وأستراليا، وأوّل معهد للبوذية التطبيقية في أوروبا في ألمانيا. وألقى هانه كلمة أمام البرلمان العالمي في دورته في ملبورن ثم في الأونسكو في باريس داعياً إلى اتّخاذ خطواتٍ محدّدة لإعكاس دورة العنف والحروب والاحتباس الحراري. أصيب هانه في 11/11/2014 بسكتة دماغية حادّة أدّت إلى شللٍ نصفي في الجانب الأيمن وإلى عجزٍ عن الكلام. إلا أنّه استمرّ في نشر الدهارما من خلال وجوده السلمي والهادئ والشجاع. وفي شهر تشرين الثاني 2018 عاد إلى فيتنام واستقرّ في معبد توهيو حيث رُسم راهباً في سن ال16، وأعرب عن رغبته في قضاء ما تبقّى له من أيّام هناك. وكان يخرج بانتظام على كرسيّه المتحرّك لزيارة مذابح المعبد وإدارة نشاطات الدير في التأمّل وغيره. توفّي في 22/1/2022 في معبد توهيو محاطاً بتلامذته المحبّين من جميع أنحاء العالم. أُحرق جثمانه في 29/1/2022 ووزّع رماده على المراكز التابعة له في أوروبا وأميركا وآسيا. ويبلغ عدد الرهبان التابعين له نحو 700 راهب يتوزّعون على 11 دير، بالإضافة إلى مئات معلّمي الدهارما، ومئات الآلاف من التابعين من مختلف أنحاء العالم. له أكثر من خمسين كتاباً منها: 1-الرؤية العميقة، 1995. 2-قلب الفهم، 1995. 3-امتلاء اللحظة، 1993. 4-معجزة التنبّه التامّ، 1994. 5-التنفّس الأساسي، 1996. 6-البوذا الحيّ والمسيح الحيّ، 1996. 7-الطفل الحجري وحكايات بوذية أخرى، 1997. 8-مفاتيح للزن، 1999. 9-التحوّل والشفاء، 1997. 10-صمت البرق، 1997. 11-صفاء اللحظة، 1992. 12-السلام فن وممارسة، 1996. 13-سهم واحد ووهمان، 1998. 14-أن تكون حرّاً حيثما كنت، 2000.
[10]-Buddhist Promoting Foundation, The Teaching of Buddha, Tokyo, Kosaido Printing Co, 4th edition, 1980,
[11] -عام 1965 أسّس رجل الأعمال البوذي الياباني الراحل الموقّر الدكتور Yehan Numata جمعية تعزيز البوذية Bukkyo Dendo Kyokai وتكتب باختصار BDK. وفي 1/4/2013 حصلت هذه الجمعية على اعتراف رسمي من الحكومة اليابانية كمؤسّسة تبتغي المصلحة العامة. وتعمل هذه الجمعية على نشر الحكمة البوذية والروح التضامنية الراسخة في أساسيّات الثقافة اليابانية من خلال رعاية مجموعة واسعة من الأنشطة الثقافية والبرامج الأكاديمية. و BDK منظّمة غير طائفية ولا مذهبية، وهي لا تروّج لأي مدرسة أو مذهب بوذي معيّن، بل تسعى إلى نشر الحكمة البوذية المتوفّرة في تاريخ البوذية وثقافاتها، وهدفها الأسمى المساهمة في تحقيق السلام والوئام العالميّين. وهي تتّخذ من حكمة لبوذا شعاراً لها، وتقول: “كما أن الشبكة تتكوّن من سلسلة من العقد، فكلّ شيء في هذا العالم مترابط هو بسلسلة من العقد”.
[12] -ييهان نوماتا (1897-1984) Yehan Numata وُلد نوماتا في محافظة هيروشيما في اليابان، وكان الابن الثالث لكاهن من طائفة جودو شينشو في البوذية. درس في مدرسة كيوتو هييان الثانوية، ورُسم كاهنًا وسافر إلى الولايات المتحدة. درس الرياضيات في مدرسة هوليوود الثانوية وحصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة كاليفورنيا. وخلال الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة، أسس باسيفيك وورلد وهي مطبوعة مخصّصة لنشر التعاليم البوذية وتعزيز التفاهم بين الولايات المتحدة واليابان. في عام 1965، أسّس Numata جمعية تعزيز البوذية Bukkyo Dendo Kyokaiوالمعروفة عموماً باللغة الإنجليزية بالأحرف الأولى BDK، بهدف نشر التعاليم البوذية في جميع أنحاء العالم. وتمّ توزيع كتاب تعاليم بوذا الذي نشرته BDK في غرف الفنادق اليابانية تمامًا كما يوجد غالبًا بيبليا جدعون في غرف الفنادق الأمريكية. في عام 1986، بدأ Numata مشروعًا لترجمة Taishō Tripiṭaka بالكامل إلى اللغة الإنجليزية وهو مسعى من المتوقّع أن يتطلّب ما يصل إلى قرن لإكماله. ظلّ Numata ناشطًا في نشر البوذية في جميع أنحاء العالم الغربي، حيث أنشأ المعاهد في فرجينيا وألمانيا بالإضافة إلى تقديم العديد من المنح الدراسية البوذية.
[13]-Kornfield, Jack, Le Petit Manuel du Bouddha, traduit de l’anglais par Gisèle Gaudebert, Paris, La Table Ronde, 1999,
[14] -جاك كورنفيلد Jack Kornfield كاتب أميركي ولد 1945، وهو من معلّمي تأمل Vipassana في بوذية Theravada في أميركا. تدرّب كراهب بوذي في تايلاند وبورما والهند، وتتلمذ في البداية على المعلّم والحكيم أجان شاه في بورما. علّم تأمّل التنبّه التام Mindfulness في جميع أنحاء العالم منذ 1974. وشارك في تأسيس مراكز وجمعيّات عديدة للتأمّل في الولايات المتّحدة. كما نظّم محترفات تعليم أساتذة للتأمّل وتجمّعات دولية للمعلّمين البوذيين بمن فيهم الدلاي لاما. درس الطب وبعد تخرّجه من كلّية دارتموت 1967 انضمّ كورنفيلد إلى فيلق السلام، وأُرسل إلى تايلاند حيث عمل في فرق طبّ المناطق الحارّة في وادي نهر ميكونغ. وهناك التقى المعلّم والحكيم أجان شاه وصار أحد رهبانه. عاد إلى الولايات المتّحدة 1972، وفي صيف 1974 شارك في الدورة التأسيسية لجامعة ناروبا. قام كورنفيلد بتدريب العديد من معلّمي Vipassana في أميركا. واستضاف وأدار تجمّعات للبوذيين جنباً إلى جنب مع الدلاي لاما وفي أنحاء عديدة من العالم. حصل على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي من معهد سايبروك، وكتب أبحاثاً عديدة عن التفاعل بين علم النفس الشرقي والغربي. وعمل بدأب على جعل البوذيّة بمتناول الغربيين. من مؤلّفاته: 1-الدهارما الحيّة: تعاليم التأمّل لاثني عشر معلّم Therraveda، 1977. 2-التأمّل الذي يعلّمه أجان شاه، 1985. 3-قصص الروح وقصص القلب: أمثال في المسلك الروحي من مختلف أنحاء العالم، 1991. 4-تعاليم بوذا، 1993. 5-التأمّل للمبتدئين، 2004. 6-المعلّمون البوذيّون الأحياء، 1977. 7-القلب الحكيم، دليل لتعاليم السيكولوجيا البوذية الشاملة، 2008. 8-بوذا لا يزال يعلّم: الحكمة البوذية المعاصرة، 2010. 9-إعادة الدهارما إلى المنزل: الصحوة أينما كنت، 2011. 10-مصباح في العتمة: إضاءة الطريق إبّان الأزمنة الصعبة، 2011. 11-لا وقت كالحاضر: إيجاد الحرّية والحب والفرح حيث أنت، 2017.
[15] -مروّة، سحبان، الدهمّابادا: جادّة الحق، كتاب البوذية المقدّس ترجمة مع دراسة وتعليقات، تقديم لويس صليبا، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2014،
[16]– الزعبي، محمد علي، وجنبلاط كمال، البوذية والهندوسية: في التصوّف والعرفان والفِرق الإسلامية الباطنية والمتطرّفة، بيروت، دار البراق، ط2، 2004،
[17] -كفوري، روبير، وآخرون، الحكمة البوذية: حياة بدّهَ تعاليمه، سبيل الحق، بيروت، حلقة الدراسات الهندية، ط1، 1997،
[18] -صليبا، لويس، المسيحية بين البوذية والإسلام: مشتركات ومفترقات، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط2، 2018،