د. لويس صليبا/كلمة عن بعد في ندوة كتاب جرح وزيتون ج2/عبّاس خامه يار، المكتبة الوطنية في طهران الثلاثاء 23 /1 /2024
“جرحٌ وزيتون”، جذبني في هذا الكتاب بدايةً عنوانُه الشاعريّ المستوحى من عاطفةٍ صادقة ومعاناةٍ شجيّة. فكتبتُ عنه مقالةً تعريفية نُشرت في مجلّة الأمن الصادرة عن المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي في بيروت. ولقيَتْ هذه المقالة استحسانَ العديدِ من القرّاء، ممّا شجّعني على التعمّق في هذا الكتاب، والإبحارِ في سائر فصوله، والتوقّفِ خصوصاً عند ما يروي عن لقاءات المؤلّف د. عبّاس خامه يار بمفكّرين مسيحيّين لبنانيين حكوا عن آل البيت وحبِّهم لهم مثل جورج جرداق وفكتور الككّ وسليمان كتّاني وجورج شكّور وجوزيف الهاشم وغيرِهم. فكتبتُ عن “جرح وزيتون” دراسةً علميّة صدرت في مجلّة محَكَّمة في بيروت هي مجلّة الدراسات الأمنية. (ع95، تموز 2023).
وأهمّية ما كتبه خامه يار في هذا المجال تكمن في أنّه جاء وثيقةً أوّلية Document de 1ère main أي وثيقة من يدٍ أولى. فقد التقى بكلّ هؤلاء الرجالات، وسجّلَ حواراتٍ معهم: ناقشَهم في أفكارِهم، وسَبَرَ أغوارَ سرائرِهم، وعرِفَ خلفيّاتِ وخفايا حبّهِم لآل البيت، ونقلَ إلينا في كتابِه هذا وقائعَ هذه اللقاءات وتفاصيلَ هذه الحوارات.
ففي “جرحٌ وزيتون” يكتشفُ القارئُ الوجهَ الآخر لكلٍّ من هؤلاء المفكّرين والأدباء المبدعين: وجهٌ إنسانيٌّ محِبٌّ ومحبّب. ومن هنا فهو وثيقةٌ لا غنى عنها لكلّ باحثٍ ومهتمّ بتراثِ آل البيت وإشعاعهم الذي تخطّى المذاهب والطوائف، وعَبرَ الحدود بين الأديان.
وكانت مطالعتي لهذا السِفر النفيس فرصةً جمعت بين المفيد والممتع: حوارات مفيدة تدخلُ في صُلبِ التراث الإمامي وخصائصِه ومميّزاتِه، ولقاءات ممتعة لا سيما عندما يتوقّف خامه يار عند تفاصيلَ صغيرةٍ وحميمة ومحبّبة تَسِمُ شخصيّةَ كلٍّ من هؤلاء المفكّرين مثل نباتية جورج جرداق المستوحاة من الإمام عليّ عليه السلام، وحبِّ فكتور الككّ لتراثِ إيران العريق الذي جعله يؤثر متابعة دراسته الجامعية في طهران على استكمالها في باريس، وعشقِ سليمان كتّاني لأئمّة أهل البيت الذي جعله يعلّم، من خلال مؤلّفاته، هذا العشقَ لأتباع آل البيت أنفسهم… وغير ذلك من تفاصيلَ مفيدة وأخبارٍ ممتعة.
وفي الحقيقة فإنّني لبشوقٍ إلى أن أقرأَ الجزءَ الثاني من هذا الكتاب، لأنّه يضمُّ باقةً أخرى وجديدة من المفكّرين والشخصيّات المسيحية. ولن أستطيعَ قراءته إلا بالعربية. لذا أدعو إلى أن يصار إلى تعريبِ هذا الكتاب في جزئه الثاني، وبأسرع ما يمكن، كي تعُمَّ الفائدة وتُعمّم، ولما لذلك من أثرٍ إيجابي على تطوّر الحوار المسيحي الإسلامي، ولا سيما في شطرِه الثاني المحبّب إلينا جميعاً أي الحوار المسيحي الإمامي، وبالتالي لقاءِ أتباعِ أهل البيت العيسوي بأتباع آل البيت العلوي. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاتِه.