وقفة تأمّل عند حادثة مقتل 3 رهائن إسرائيليين في غزة بنيران إسرائيلية/ ملحوظات من محاضرة لويس صليبا على زووم Zoom في 20 / 12/ 2023
قدّم الجيش الإسرائيلي، السبت الماضي، تفاصيل جديدة عن واقعة قتل 3 رهائن “بالخطأ” في قطاع غزة.
والجمعة 15 /12 / 2023 أعلن الجيش أنه قتل 3 رهائن كانت تحتجزهم حركة حماس في حي الشجاعية، بعد أن حدّد بطريق الخطأ أنهم يشكّلون تهديداً، مؤكّداً فتح تحقيق يتّسم بالشفافية في الحادث.
وفي تفاصيل ما خلص إليه تحقيق أولي، نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن ضابط كبير في القيادة الجنوبية، قولَه إن الرهائن الثلاثة القتلى “تمكّنوا من الفرار من أسر حماس.
وحسب المصدر، فقد “بدأ الحادث بعد أن حدّد جندي متمركز في مبنى 3 أشخاص مشبوهين يخرجون من مبنى آخر على بعد عشرات الأمتار، وكان الثلاثة من دون قمصان، وأحدهم يحمل عصا عليها راية بيضاء”.
وتابع: “اعتقد الجندي أن تحرّك الرجال نحوه كان محاولة من قبل حماس لنصب فخ لجنود الجيش الإسرائيلي، ففتح النار على الفور وصرخ: إرهابيون”.
وبحسب التحقيق الأولي، قتل الجندي اثنين من الرهائن، بينما فرّ الثالث مصاباً إلى المبنى الذي جاء منه.
وأضاف الضابط صاحب الرواية: “في تلك المرحلة خرج قائد الكتيبة الإسرائيلية، الذي كان في الموقع الذي أطلق منه الجندي النار، وطلب من قوّاته وقف الهجوم”.
لكن “في هذه الأثناء، سمعت القوات في المنطقة صوت شخص يصرخ باللغة العبرية: النجدة”.
وأضاف الضابط: “بعد لحظات خرج الرهينة الثالث من المبنى الذي هرب إليه، فأطلق جندي آخر النار عليه ممّا أدى إلى مقتله”.
وحسب التحقيق الأوّلي، فقد “أدرك قائدُ الكتيبة بعد ذلك أن مظهر الرجل الثالث كان غير معتاد، فتبيّن أنه رهينة إسرائيلية”.
و”جمع الجنود الجثث الثلاث ونقلوها إلى إسرائيل للتعرف على هويّاتها.
واعترف الضابط أن “الجندي الذي أطلق النار فور التعرّف على الرجال الثلاثة فعل ذلك بشكل مخالف للبروتوكولات، وكذلك فعل الجندي الثاني الذي قتل الرجل الثالث”.
ومع ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إنه “يفهم السبب الذي دفع الجنود إلى القيام بذلك”. وأضاف الضابط: “على بعد عدة مئات من الأمتار، عثرت القوات على مبنى به طلاء على الحائط كتب عليه إشارة طلب النجدة SOS، ويافطة مكتوب عليها بالعبرية: النجدة. 3 رهائن”.
وقال إن “الجنود اعتقدوا في ذلك الوقت أن المبنى كان مفخّخاً، والآن يحقّق الجيش في احتمال علاقة هذه اللافتة بالحادث”.
وأوضحت “تايمز أوف إسرائيل” أن التحقيق الأوليّ تمّ الانتهاء منه السبت، وقُدّمت نتائجه لعائلات القتلى الثلاثة.
ماذا يمكننا أن نفهم ونستخلص من هذا الحادث اللافت والمعبّر؟ إسرائيل أطلقت هذه الحملة العسكرية الطاحنة منذ السابع من أكتوبر 2023 تحت شعار وبهدف إطلاق سراح الرهائن والأسرى المعتقلين في ذلك اليوم، ولم توفّر أيّ عملٍ من أعمال العنف: قصفت المستشفيات ومخيّمات النازحين، قتلت النساء والأطفال إلى ما هنالك من فظائع، حتى بلغ عدد قتلاها اليوم نحو عشرين ألفاً، وعندما عثرت على ما تبحث عنه، أي على عدد من رهائنها وأفراد جيشها المعتقلين قتلتهم بأيديها. إسرائيل تطلق النار على إسرائيل، أي أنّها تنتحر من فرط ما أهرقت من دماء!!
ما يذكّر بتلك الأسطورة القديمة التي تروي قصّة ذاك الوحش الذي من فرط ما شرب من دماءٍ ولم يرتوِ، لم يبقَ أمامه سوى أن يشرب من دمه!!
أو أيضاً قصّة الهرّ الذي يلحس المبرد مستلذّاً طعم الدم، وهو بالأحرى دمه.
إنه الدخول في دورة العنف الذي يُعمي البصر والبصيرة! فرغم أن كلّ الدلائل كانت تشير إلى أن هؤلاء الثلاثة مسالمون، بل وإسرائيليّون: صرخوا بالعبرية، رفعوا الراية البيضاء، خلعوا ألبستهم كي لا يظنَّ الجنود الإسرائيليّون أنّهم يخفون فيها متفجّرات. ولكن كلّ هذه التدابير لم تنفع هؤلاء الأسرى الفارّين من سجون حماس، فإخوتهم الجنود الإسرائيليّون اعتبروهم أعداء، وأردوهم قتلى الواحد تلو الآخر.
فهل هي سخرية القدر؟ إنه بالحري القانون الأبدي Dharma القائل إن العنف لا بدّ أن يرتدّ على فاعله!
أفلا يستدعي هذا الحادث المعبّر وقفة تفكّرٍ وتبصّر: عشرون ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء سقطوا حتى الآن ضحيّة للأعمال العسكرية الإسرائيلية منذ 7 /10 /2023. ورغم ضخامة هذه الأعمال وفظاعتها ووحشيّتها، فإسرائيل لم تستطع أن تحرّر بها رهينة واحدة من أسراها. بل الأدهى من ذلك أنّها عندما وقعت على ثلاثة من هؤلاء الرهائن قتلتهم بأيديها!! هذا إضافة إلى عشرين جندي إسرائيلي قتلوا بنيران زملائهم عن طريق الخطأ!!
والعنف ذو طبيعة ارتدادية، يقول المغبوط غوتاما بوذا، ولا بدّ له من أن يرتدَّ يوماً على فاعله كما أشرنا، وهذا قانونٌ أبديّ.
وهذا اليوم لم يتأخّر وصوله من فرط ما ارتُكب من فظائع واقتُرف من أعمال عنف. وإسرائيل تجني اليوم ثمار ما فعلته بالأمس. فقد عملت كلّ ما بوسعها كي تُضعف السلطة الفلسطينية، وهي التي سمّمت للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقتلته وتباهت بفعلتها هذه، وهي التي شجّعت وموّلت التيّارات الإسلامية الفلسطينية المتطرّفة كي تقفَ بوجه السلطة الفلسطينية ومنظّمة التحرير وتُضعف هذه الأخيرة!!
إنّها السياسة الأميركية عينها التي موّلت بن لادن والقاعدة في أفغانستان ليقف بوجه السوفيات. وماذا كانت النتيجة؟ انقّضت القاعدة على مموّلها في 11 أيلول 2001 وكان ما كان!
والخطأ نفسه كرّرته أميركا بتمويلها داعش. وقد اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في مذكّراتها بأن أميركا هي من موّل داعش في البداية. والنتيجة يعرفها الجميع. والمعادلة باتت معروفة: تستطيع أن تصنع الوحش، لكنّك لا تستطيع أن تسيطرَ عليه.
وإسرائيل تلميذة لأميركا في هذا المجال، وفي مجالات أخرى.
أمّا نحن فنقف متأمّلين بقول المغبوط غوتاما بوذا:
{لا تظنّوا أنكم تستطيعون القضاء على الشرّ عندما تبادلون الشرّ بالشرّ. فهذا لا يؤدّي إلا إلى نموّ الشرّ واستفحاله. دعوا الأشرار إلى مصيرهم وقدرهم فعاجلاً أم آجلاً سينقلبُ خُبثهم عليهم ويسبّب لهم عقاباً شخصيّاً}. (16/8).
وكذلك وصيّته لتلامذته: {ثابروا على دعوتكم، فالحقيقة تقنع الناس لا القوّة. ولا تبالوا بعنفهم تجاهكم}. (18/3). (صليبا، لويس، هكذا علّم بوذا التأمّل والتصوّف وأدب الحياة، 2023، ص200).