يوسف الحاج من المؤمن الأوّل بالداهشية إلى المنسحب الأول منها/بقلم لويس صليبا
تبدو تجربة الأديب والشاعر والماسوني السابق يوسف الحاج (1880-1955)([1]) في الداهشية بالغة الدلالة، ومن شأن تسليط الأضواء عليها وتحليلها وتبيان تفاصيلها وخلفيّاتها أن يضع بين أيدينا خيوطاً ومعطياتٍ مهمّة يمكن استخدامها في دراسة ظاهرة داهش عموماً، وما اكتنفها من التباسات وغموض، وكيف تلقّاها المؤيّدون وواجهها المعارضون. فيوسف الحاج هو “المؤمن الأوّل” طبقاً لتعبير الأدبيّات الداهشية. أي أوّل من آمن برسالة سليم العشّي ودعوته. وبالمقابل نجده في السنوات الأخيرة من حياته قد انكفأ تماماً عن الداهشية وانسحب منها، والتزم الصمت. فلم يهاجم داهش كما فعل بعض الخارجين عليه، بيد أنّه بالمقابل لم ينافح عنه ويدافع كما فعل صقور الداهشية أمثال حليم دمّوس وماري حدّاد وغيرهما. فما سرّ هذا التبدّل والتغيّر؟ ولماذا هذا الانقلاب في الموقف والموقع؟ وأيّ دورٍ لعب يوسف الحاج داخل الداهشية وخارجها؟ أسئلة من شأن الإجابة عنها أن توضح نقاطاً كثيرة في ظاهرة داهش لمّا تزل ملتبسة، وهو ما سنحاول أن نقوم به في هذا البحث.
يوسف الحاج وزوجته أديل
يروي لنا الحاج قصّة دخوله في الداهشية، أو بالحري مساهمته الفاعلة في إعلان دعوتها والترويج لها، وسننقل عنه هذه الرواية معلّقين معقّبين. يقول تحت عنوان “كيف عرفتُ الدكتور داهش”:
في أوائل عام 1939 جاءني صديق يقول لي: إن الدكتور داهش يبحث عنك، ويريد التعرّف إليك، فقد سمع عنك الشيء الكثير في بلاد العراق.
أمّا أنا فلم أُعر هذا القول أذناً صاغية للمرّة الأولى.
ثمّ تكرّر عليّ ذلك من صديقٍ آخر، تلاه تلاقيّ بالدكتور عند صديقي الفنّان الشيخ قيصر الجميّل الذي بواسطته تمّ التعارف بيننا. وقد رأيتُ على وجه الدكتور داهش علامات عبقرية. وشعرتُ بنبرات صوته، ورعشات نظراته ما أكّد لي أن في هذا الإنسان كتلةً من الأسرار، وطاقات روحيّة لم توجد في غيره حتى الساعة. فكأن الساعة لم تكن قد دنت، والأمور مرهونة بأوقاتها”([2])
يوسف الحاج أديل الحاج
داهش إذاً هو من كان يبحث عن الحاج: الأديب والشاعر، والماسوني السابق الذي بشّر بالماسونية في العراق، وسافر إلى هذا البلد مراراً. ولا يغربن عن بالنا أن العشّي ولد في القدس (1909، أو 1912) من والدين آشوريين عراقيّين، فهو إذاً عراقيّ، أو أقلّه عراقي الأصل وقد سافر إلى هذا البلد العربي مراراً وحاول لاحقاً أن ينشر دعوته فيه.
داهش إذاً يرسل المراسيل إلى الحاج ويتودّد له، وهذا الأخير خارج من تجربة مُرّة مع الماسونية، بعد أن كان من كبار دعاتها ثمّ انقلب عليها وتعرّض في الحالتين أي إبّان انتمائه إليها وبعد خروجه إلى الكثير من النقد والتهجّم. نقرأ عنه في أطروحة ودراسة رصينة عن الماسونيّة: “كان لماسونيّة يوسف الحاج أثر عظيم مثلما صار لتخلّيه عنها، ويعتبر من المرتدّين مثل جبران تويني والدكتور جورج حنّا. ألمّ به الحرم الكنسي ثم وقع عليه الحرم الماسوني بعد أن ارتقى أعلى مراتب الماسونيّة زمناً طويلاً، وقد بلغت نقمتها عليه أخيراً ذروتها لدى وضعه كتاب الماسونية جمل اليهود”([3])
لماذا يتودّد داهش للحاج، و”يمرسل” له مع عددٍ من أصدقائه؟! نتابع ما يروي لنا الأخير، فيقول: “في أواخر عام 1941 نزلتُ بيروت، وإذا بالساعة تدقّ دقّة الحلول. وتمّ التقارب بيننا، كان ذلك بواسطة صديقنا وليم صعب أمير الزجل اللبناني. وقد تمّ الاتّفاق بيننا على إعطائي الدكتور دروساً في أصول العربية. ثم تبادلنا الزيارات.
مرّت ثلاثة أشهر ظهر في أواخرها نجاح كبير من الدكتور في قواعد اللغة والتعليم، ممّا ضاعف اندفاعي إلى السير معه حتى النهاية. والغريب في أمرنا هذا أن اللغة والتعليم قد أصبحا ثانويّين أمام ما تولّد بيننا من الإلفة والاتّحاد. وما أزال أتذكّر العبارة التي كتبتُها على النسخة التي قدّمتها له من كتابي “هيكل سليمان” فهي تدلّ دلالة واضحة على هذه الإلفة وهذا الاتّحاد، وهي هذه: “إلى أخي بالروح، إلى الدكتور داهش من أخيه المؤلّف”. ومثل هذه العبارة قد كتب هو على كتابه “ضجعة الموت” مقدّماً إيّاه هديّة منه إليّ”. (دمّوس، م. س، ص17-18).
واضح أن تعلّم العربية لم يكن سوى وسيلة من داهش للتقرّب من الحاج. لكن لا يغربنّ عن بالنا هنا أن حظّ العشّي من الدراسة كان ضئيلاً إذ لم يتجاوز ما قضاه في المدارس أشهراً قليلة، وهذا ما يفسّر ركاكة أسلوبه، فلم يكن يمتلك ناصية اللغة. والمهمّ أنه كان يرسم ويخطّط لما هو أبعد وأهمّ من دراسة العربية على يديّ أديب يتقنها تماماً كالحاج. وهذا ما يظهر جليّاً في تتمّة الرواية، إذ يتابع هذا الأخير قائلاً: “وفي صباح أحد الأيّام بينما كنتُ مكبّاً على شرح الأمثولة له، إذا به يفاجئني بأمرٍ هو غاية في الغرابة، وهو دعوتي إلى حضور جلسة روحية([4]). فلم أتردّد في الأمر. وتمّت الجلسة الروحية الأولى بنجاح، وفُتح أمامنا باب رسالة روحية في سبيل هذه الإنسانية المتألّمة. وحينئذٍ تذكّرتُ كلماته التي كان قد ودّعني بها في إحدى زياراته لنا في البيت إذا قال: يا أخي الحاجّ، إنّني وإيّاكَ سنشكّل هيئة روحانية كبرى تبعث بالحياة وأبنائها إلى سماوات النور والمعرفة، وتكون هذه الهيئة هداية ثانية للناس” (دمّوس، م. س، ص18-19).
داهش يصل إلى بيت القصيد، فيدعو الحاج إلى ما يسمّونه جلسة روحية، وهذا الأخير يرى فيها فتحاً لباب رسالة روحيّة للإنسانية جمعاء! وهنا يتذكّر قولاً للعشّي: سنشكّل هيئة روحانية تكون هداية ثانية للناس”.
واضح أن داهش كان يعدّ أستاذه/تلميذه الحاجّ ويحضّره تدريجيّاً لإعلان الدعوة الداهشية، ويترقّب الفرص السانحة لكلّ ذلك. وعبارات كلّ منهما تتّفق تماماً في هذا المجال، فالحاج يتحدّث عن رسالة روحية للإنسانية، في حين يحكي داهش عن “هيئة هداية ثانية للناس”. وأيّها الهداية الأولى؟ رسالة المسيح؟! ربّما. بيد أن الحاج لم يفهم يومها أبعاد هذا البوح الداهشي، فهو يتابع مباشرة: “أمّا أنا فلم أكن لأفهم المرمى البعيد الذي كان يرمي إليه بشعوره الروحانيّ الصادق في تلك الكلمة الروحانية الملهَمَة” (دموّس، م. س، ص19).
يوسف الحاج بالشارات والأوسمة الماسونية
وها هو الحاج قد فهم الآن إثر هذه الجلسة الروحية، وسيزداد فهماً ويقيناً مع تتابع الجلسات إذ يردف: “ومنذ ذلك الحين عُقدت جلسات روحية (…) وقد أخذتُ أشعرُ أن الدكتور داهش مغمور بفيضٍ سماويّ عجيب، وأن روحه أخذت تسمو وتسمو إلى درجة فائقة لم يذكرها التاريخ بين جميع أقطاب الروحانية. وهذا دليلٌ قاطع على أنّه ليس بوسيط، بل هو نبيّ” (دموّس، م. س، ص19).
لم يطل الأمر بالحاج إذاً كي يؤمن بنبوّة داهش، وبأنّه يسمو على جميع أقطاب الروحانيّة. لم يحدّد الحاج سوى تاريخ تقريبي لهذه الجلسة الروحية الأولى التي تمّ فيها اهتداؤه وإيمانه برسالة داهش ونبوّته وذلك بقوله: “ثلاثة أشهر من أواخر 1941” أي أنّها حصلت في شباط أو أذار 1942. وحتماً قبل إعلان الدعوة الداهشية. إذ تذكر أدبيّات ومصادر الداهشية: “بتاريخ 23 أذار 1942 تمّ إعلان الرسالة الداهشية، فكان الأديب يوسف الحاجّ أوّل المعتنقين لها بعد إعلانها. وبتاريخ 12 أيّار 1942، ألقى الأستاذ يوسف الحاج في “نادي المهاجرين” في بيروت محاضرة عن الداهشيّة تناول فيها الظاهرات الخارقة التي تتمّ على يدَي الدكتور داهش، ومبادئ الداهشية. وكان من بين حضور تلك المحاضرة الشيخ بشارة الخوري، والشاعر حليم دمّوس الذي دفعه ما سمعه إلى تلمّس الحقيقة بنفسه”.([5])
نحن في بداية الزمن الداهشي، ويوسف الحاج هو المؤمن الأوّل، والداعية الأوّل للرسالة الداهشية، فهو أوّل من حاضر وتحدّث جهراً عنها. وعن هذه المحاضرة “الدعووية” الأولى يروي الشاعر حليم دمّوس([6]) مؤرّخاً: “في الثاني عشر من شهر أيار عام 1942 دُعي الأستاذ يوسف الحاج إلى التكلّم في حفلة خطابية أدبية في نادي المهاجرين. فتحدّث عن اللغة العربية وجمالها وأسرارها، (..) ثم فاجأ الجمهور بموضوع الروحانيّة، بعد أن شهد من الدكتور داهش ظواهر روحيّة لا تصدّق. (…) فخرج الناس من تلك الحفلة الأدبية وهم بين الشكّ والحيرة. وخرجتُ أنا مثلهم، بعد أن عزمتُ عزماً صحيحاً على زيارة الأستاذ الحاج في منزله. (…) واستقرّ الرأي أن نزور غداً رجل الروح العجيب” (دمّوس، م. س، ص39-40).
ولكن وقبل المحاضرة/الدعوة الأولى هذه، لقي يوسف الحاج معارضة شرسة لمساره الداهشي من أقرب المقرّبين إليه ألا وهي زوجته أديل شديد الحاج (1892-1/1/1972). وقد أشار هو نفسه إلى معارضة زوجته لداهش ودعوته، ففي جلسة روحية عقدت قبل المحاضرة الأولى بنحو أسبوع، وتحديداً في 4 أيار 1942، يروي يوسف الحاج: “في هذه الجلسة حصل لي قصاص من إحدى الأرواح العُلويّة لمخالفتي موعد الجلسة. وقد قام جدلٌ قويّ بين الروح الحاضرة وبين زوجتي” (دمّوس، م. س، ص27).
وسيكون لأديل الزوجة المتشبّثة بعنادٍ بمسيحيّتها، دور حاسم في انكفاء “المؤمن الأوّل” يوسف الحاج عن الدعوة الداهشية ممّا سيلي الحديث عنه.
من اليمين: يوسف الحاج، فليكس فارس، أمين الريحاني، معروف الرصافي
لم يكن يوسف الحاج المؤمن الأوّل بالداهشية وحسب، بل كان المقرّر أو المدوّن، أو طبقاً للتعبير الداهشي المؤرّخ الأوّل للوقائع الداهشية: يحضر الجلسات الروحية ويرافق صاحب الدعوة ويدوّن ما يشهد ويرى من ماجريات ووقائع. ولكن لم يطل به الأمر في هذه المهمّة، إذ سرعان ما جاء من ينافسه فيه، ويحلّ محلّه: إنّه “المؤمن الثاني” الشاعر الماسوني حليم دمّوس والذي مُنح في الداهشية لقب “مؤرّخ الوقائع الداهشية”.
ومن يطالع الوقائع الداهشية يلحظ بيُسر أن دمّوس استلم هذه المهمّة وحصل على هذا اللقب بسرعة قياسيّة. فهو بنفسه يروي فيها أنّه حضر محاضرة يوسف الحاج عن الداهشية في نادي المهاجرين في 12 أيار 1942 (دمّوس، م. س، ص39-40) كما ذُكر آنفاً. وزار داهش في اليوم التالي أي 13 أيار 42 وعُقدت جلسة روحية حضرها هو ويوسف الحاج، وفيها، وطبقاً لتعبير دمّوس: “حدثت ظاهرة روحية أكّدت لي حقيقة ما قاله الأستاذ الحاج، ليلة البارحة، في نادي المهاجرين”. (م، ن، ص41). ومباشرة أعلن دمّوس: “ها أنا منذ الآن أنذر هذا القلم الضئيل من أجل النضال والكفاح حتى الاستشهاد، في هذا السبيل الروحي السامي” (م. ن، ص41).
ولم يطل الأمر بداهش حتى تجاوب تماماً مع إعلان دمّوس إيمانه به ووضعِه قلمه في خدمته وتصرّفه. ففي جلسة في اليوم التالي مباشرة أي في 14 أيار 1942، وفي جلسة روحية حضرها الحاج ودمّوس روى هذا الأخير: “ولمّا كنّا قد عزمنا على أن نشرع في تدوين جميع الظاهرات الروحية، (…) فلمجرّد مرور هذه الخاطرة السريعة في رؤوسنا ظهر أمامنا بطريقة عجائبية دفترٌ كبيرٌ جميل! ففتحنا الدفّة الأولى، فإذا مدوّن عليها بيدٍ غير منظورة الكلمات الثلاثة الآتية: المؤرّخ حليم دمّوس، وفي تلك اللحظة انخطف الدكتور داهش بالروح، وأعلن أن الوقائع التي ستحدث في الرسالة في شتّى المناسبات، وفي أيّ زمانٍ ومكان، يجب تدوينها بواسطة الأخ المؤمن الثاني الأستاذ الشاعر حليم دمّوس” (دمّوس، م. س، ص49).
أمّا الحاج فيذكر من ناحيته هذه الواقعة مع بعض الاختلافات في التفاصيل والتوقيت، فيقول: “وبينما نحن في طريق عودتنا، إذا بالروح تتجلّى، ثانية، وتطلب منّا أن نذهب مع الدكتور داهش إلى بيته، وندوّن جميع الجلسات التي حدثت معنا، منذ بدء هذه الرسالة، معلناً منذ اليوم تسمية الأخ حليم دمّوس “المؤمن الثاني والمؤرّخ لوقائع الجلسات الروحية”. فأطعنا الروح وذهبنا إلى منزل الدكتور”. (دمّوس، م. س، ص30).
والخلاصة فبين ليلة وضحاها فعلاً لا مجازاً صار دمّوس مؤرّخ الوقائع الداهشية، وحلّ في هذه “المهمّة المفتاحية” محلّ المؤمن الأوّل يوسف الحاج!
بيد أن الأكثر إثارة في المسألة هو ما حصل في اليوم التالي، ويرويه الحاج كما يلي: “وهاأنذا أحضر في اليوم الثاني، أي في 15 أيّار، لأدوّن ما رأيته. ولمّا دخلتُ بيت الدكتور داهش طلبتُ منه الدفتر والدواة، فأحضرهما إليّ. إلا أن الدواة تكاد تكون فارغة من الحبر” (دمّوس، م. س، ص31).
إنّها باختصار طريقة داهشية لبقة لإشعار الحاج بأنّه قد تمّ الاستغناء عن خدماته في مجال التدوين وتأريخ الوقائع الداهشية. بيد أنّه سينال رغم ذلك جائزة ومكافأة ترضية و”تعويض نهاية خدمة” أي خارقة داهشية، فهو يتابع قائلاً: “فلم أكد أفكّر في هذا، حتى ظهرت فجأة أمامي محبرة جديدة لم تُفتح بعد (…) فما دُهشتُ وما تعجّبتُ… لأنّني تعوّدتُ منه مثل ذلك” (دمّوس، م. س، ص31).
وهنا يُعلن الحاج نهاية مهمّته، ويسلّم المشعل لخلفه: “والآن بعد أن أصبح زميلي الأستاذ حليم دمّوس من المؤمنين بالمعجزات التي شاهدها، أُفسح له المجال كي يحدّث القرّاء عن الظاهرات التي رآها بأمّ عينه، ولمسها لمس اليد”. (م. ن، ص31).
فما الذي جعل داهش يعدل عن استكتاب يوسف الحاج، ويكلّف حليم دمّوس بهذه المهمّة، رغم أنّه لم يكن قد مضى على إيمان هذا الأخير بالرسالة الداهشية سوى يومٍ واحد؟!
واضحٌ أنّه محض وبسرعة دمّوس ثقة لم يمحضها للحاجّ! هل يعود ذلك إلى خشيته من إمرأة هذا الأخير أديل التي كانت معارضة شرسة للداهشية ولداهش؟ وهي لم تخفي منذ البدء معارضتها هذه حتى وأثناء الجلسات الروحية كما ذكرنا نقلاً عن الحاج؟ أم ماذا؟!
لا نجد في الكتابات الداهشية التي بين أيدينا جواباً عن هذا السؤال. وليس أمامنا سوى قراءة ما بين السطور وتحليل المعطيات ومقارنة بعضها بالبعض الآخر بحثاً عن جواب.
ولا نستبعد أن يكون هذا الحدث قد أثار حفيظة يوسف الحاج، وكان بداية انكفائه عن الداهشية، أو أقلّه ابتعاده ونأيه بنفسه عنها.
ونجد للحاج ذكراً فاعلاً في الوقائع الداهشية، وهي جلسة من أواخر ما حضر وكانت في 6 آب 1942، وجاءت تحت عنوان: شتاء من الصحف العراقية. وخلاصة الخبر أن الحاج كان يكتب مقالة نقلاً عن جريدة الناقد العراقية، ففوجئ ببعض الأعداد الناقصة، وشاء أن يستفزّ داهش كي يُحضر له ما يحتاجه من أعداد بطريقة خارقة ، فأعلن استحالة ذلك. وعندها وطبقاً لرواية دمّوس: “إذا بشتاء من مختلف الصحف العراقية يهطل بغزارة، وينتشر في فضاء الغرفة” (دمّوس، م. س، ص101).
ويتابع دمّوس الرواية: “فانتخب الأستاذ [يوسف الحاج] ما كان بحاجةٍ إليه، وأكمل موضوعه خاشعاً متعجّباً! وعندما فحصنا الأعداد الباقية وجدناها طافحة بالمقالات اللاذعة ضدّ الأستاذ يوسف الحاج عندما كان ضيف العراق في عام 1938، وقد استُحضرت كمداعبة لطيفة للحاج”. (م. ن، ص101).
ويختم دمّوس روايته بقول الحاج لداهش: “والله يا دكتور، ليس لي أن أشكو، لأنّني استفززتُك بقولي: إنّك لا تستطيع استحضار الأعداد الناقصة وكان قصدي أن أدعك تستحضرها. فعاقبتني باستحضار الصحف العراقية التي كالت لي الشتائم والسباب دون حساب. حقّاً إنّك يا دكتور تسير على قاعدة “العين بالعين، والسنّ بالسن”. (دمّوس، م. س، ص101).
في قول الحاجّ الأخير هذا غمزٌ واضحٌ من قناة داهش بمعنى أن دعوته تعيدنا إلى شريعة موسى “العين بالعين” (خروج21/24). وهي تحديداً القاعدة والشريعة التي جاء يسوع فنقضها بقوله: {قيل لكم عينٌ بعين، وسنّ بسنّ، أمّا أنا فأقول لكم: لا تقاوموا من يسيء إليكم. من لطمك على خدّك الأيمن، فدر له الأيسر. ومن أراد أن يخاصمك ليأخذ ثوبك، فاترك له رداءك أيضاً} (متى 5/38-40).
وهذا التضادّ بين تعاليم يسوع وسيرته من ناحية، وأقوال داهش وتصرّفاته من الناحية الأخرى، سيستمرّ في توسيع الشقّة بين الحاج والداهشية، وسيكون له الأثر الفاعل في خيارات هذا الأخير، لا سيما وأن أقرب المقرّبين إليه أي زوجته أديل شديد الحاج وابنهما البكر الفيلسوف كمال يوسف الحاج([7]) كانا من كبار معارضي داهش، وما كانت خوارقه لتقنع أو تثير اهتمام أيّ منهما. روى الفيلسوف كمال الحاجّ في هذا السياق الحادثة المعبّرة التالية: “عندما كنتُ طالباً في الجامعة الأميركية،([8])وفي عزّ اندفاعي نحو النزعة العلمية، ذهبتُ بمعيّة أبي وأمّي لأزور سليم العشّي المعروف بداهش، أو بالدكتور داهش للمرّة الأولى.
لدى وصولنا إلى دارة الأخير، طلب والدي من داهش أن يريني شيئاً من مدهشاته، علّني أقتنع وأصبح من مريديه. رحّب داهش بالأمر، فسأل كلّاً منّا، نحن الثلاثة، أن يكتب رقماً ما على ورقة ويطويها في يده. ثم استدعى أخته أنطوانيت، واستحضر قوّة الروح فيها. بعدئذٍ سألها عن الرقم المطوي في ورقة والدي، فذكرت الرقم الصحيح. وهكذا كان الحال مع والدتي. ولمّا وصل الدور إليّ، لم تجب الشقيقة. فانتهرني داهش متّهماً إيّاي بالغشّ والتلاعب، وبأنّني لم أكتب رقماً، فردَدْتُ مطالباً بأن تقول الشقيقة ما إذا كان ثمة رقم مكتوب في يدي أم لا، إذ ينبغي للبرهنة العلمية أن تكون في السلب كما في الإيجاب.
احتدمت المواجهة، وأراد داهش إنقاذ الموقف، فأوغل في دفع شقيقته إلى أعماقٍ خطيرة من الاستحضار الروحاني، مهوّلاً عليّ ومحمّلاً إيّاي المسؤولية إن حصل لها مكروه، فرفضتُ الابتزاز، وثابرتُ على موقفي، متّهماً داهش، من جهتي، بأنّه سيكون هو المتلاعب والغشّاش إذا انسحب من اللعبة تحت أيّ عذرٍ من الأعذار.
عندئذٍ وجد داهش نفسه أمام خيار وحيد هو تشديد الاستحضار الروحاني على شقيقته. ولمّا فعل، تشنّج جسمها بقوّة، وغشتها زُرقة شديدة. وعندما سألها مرّة جديدة عن الرقم، أجابت بصعوبةٍ بالغة:
-على الورقة اسم مقدّس، من أربعة أحرف، تمنعني الأرواح من الإفصاح عنه، وكأنّها تُلقي ببلاطةٍ ثقيلة على صدري.
عندئذٍ فتحتُ يدي، وكشفتُ عمّا دوّنته على الورقة: يسوع.
فما كان من داهش إلا أن انصرف بوجوم إلى غرفة أخرى من المنزل”([9])
كان لهذه الحادثة، بلا ريب، أثرٌ بيّن في فكر يوسف الحاجّ وخياراته. فقد عملت مع الوقت على زعزعة قناعاته بالرسالة الداهشية، ولا سيما من باب التضادّ الفاقع والجليّ بين شخصيّتَين: يسوع وداهش، وما دعا إليه كلّ منهما.
والمسافة الزمنيّة بين الحادثتين: جلسة كمال وجلسة شتاء الصحف العراقية لا تتعدّى على الأرجح بضعة أسابيع في أقصى الحالات.
وقد جاءت نتائج الأولى (كمال مع داهش) خلاف ما كان يرجو كلّاً من يوسف الحاج وسليم العشّي. فعوض أن يؤمن الابن كمال بداهش، بدأ إيمان الأب يوسف بهذا الأخير يتزعزع. وفي جلسة الصحف العراقية التي نرجّح أنها وقعت بعد جلسة كمال تعبيرٌ مضمَرٌ لكنّه واضح عمّا يساور يوسف الحاج من شكوك وظنون في الرسالة الداهشيّة.
متى ترك يوسف الحاج الداهشية؟ وكيف ولماذا؟ ليست لدينا نصوص واضحة حاسمة تروي ذلك وتوضحه. هو لاذ بالصمت بشأن هذه المسألة، وكذلك فعل الداهشيّون، فهم يذكرونه في أدبيّاتهم على أنّه المؤمن الأوّل، وهذا كلّ ما في الأمر، في حين يعتّمون تماماً على مسألة انكفائه عن الداهشية. وحتى الكتاب الذي وضعه عن الداهشية([10]) فهم لا يتداولونه رغم أنّه أوّل المصنّفات في هذا المجال، بل بالحري يخفونه كما يذكر حفيده يوسف كمال الحاج([11])، الذي لم يجد حتى نسخة منه في المكتبة الداهشية العامّة في نيويورك ولا في الدار الداهشية. (الحاج، يوسف كمال، م. س، ص188).
والمصدر الوحيد الموثوق في هذا المجال هو محفوظات عائلة يوسف الحاج وما تناقل أفرادها من أخبار وذكريات في هذا الصدد. وقد وثّق كلّ ذلك وأرّخه يوسف الحاج الحفيد في السيرة التي وضعها عن أبيه. وجاء فيها: “من الثابت أن يوسف الحاج هو الذي أرّخ “الوقائع الداهشية” في بداياتها (من 23 أذار إلى 13 أيار 1942) قبل أن يتابعها حليم دمّوس من بعده فوراً. وقد لازم يوسف الحاج الداهشية سحابة سنتين تقريباً، كما تقول كريمته سامية، التي تعتقد أنّه أشاح الطرف عن هذا الانتماء عندما تعرّض داهش لملاحقة السلطات الرسمية في صيف العام 1944، واعتُقل لفترة قصيرة مع بعض أتباعه في سجن الرمل، ثم حُكم عليه بالنفي الفوري. ويروي الداهشيّون من جهتهم أن داهش عاد سرّاً إلى لبنان، بعد نحو شهر من نفيه، ليشنّ حملة ضارية على نظام الرئيس بشارة الخوري، فاختبأ في منازل بعض أتباعه، لكنه ارتأى عدم إخطار يوسف الحاج بعودته، ولا الاتّصال به، مخافة افتضاح أمره لدى السلطات عن طريق زوجة الحاج أديل، المعروفة بمعارضتها القاطعة للتعاليم الداهشية في ضوء إيمانها المسيحي الواضح” (الحاج، يوسف كمال، م. س، ص187).
ويخلص يوسف الحفيد في هذا الصدد: “وقد بقي داهش متوارياً عن الأنظار على مدى سنين طويلة، فانقطعت علاقته بيوسف منذ ذلك الحين. لذا يمكن القول إن ارتباط جدّي بالجماعة الداهشية لم يدم عمليّاً، أكثر من سنتين”. (م. ن، ص187).
وتأكيداً لهذه المحصّلة يستند الحفيد إلى موقف الداهشيين أنفسهم من جدّه، فيردف: “صحيح أن يوسف الحاج كان واضع أوّل مؤلّف على الإطلاق حول الطريقة الداهشية، لكن ما كتبه في هذا الصدد لم يحظَ برواج بين الداهشيين، كما أن اسم يوسف الحاج لا يرد في “التقويم الداهشي” (أي الروزنامة الداهشية) حيث تستذكر بعض الأحداث المهمّة في حياة داهش، أو وفاة هذا أو ذاك من الأتباع الأوائل. كلّ هذا يزكّي مرّة أخرى انقطاع العلاقة باكراً بين جدّي والجماعة الداهشية، من دون أن يعني هذا الأمر نشوء أيّ عداء متبادل بين الطرفَين، كمثل ما حصل سابقاً بين جدّي والماسونية” (الحاج، يوسف كمال، م. س، ص187-188). ويرى الحفيد أن قصيدة الجدّ الرثائية “دموع من نار على ضريح الدكتور داهش”([12]) ليست سوى دمعة وفاء ولا تعني رسوخاً ليوسف الحاج في الإيمان والعقيدة ولا سيما الانتماء الداهشي. يقول: “القصيدة المؤرّخة في حزيران 1948، يرثي فيها يوسف الحاج الدكتور داهش بعد شيوع خبر إعدامه في إيران عبر بعض الصحف عام 1947، فيما كان مؤسّس الداهشية، في الواقع، لا يزال حيّاً ومختبئاً في لبنان. هذا الرثاء، بالطبع، هو برهان على أن يوسف الحاج بقي وفيّاً لمشاعر الصداقة التي قامت بينه وبين داهش حتى بعد الانقطاع عن الجماعة الداهشية” (الحاج، يوسف كمال، م. س، ص188).
ومات يوسف الحاج ودُفن مسيحيّاً مارونيّاً، ولم تنجح محاولات الداهشيين في دفنه على طريقتهم وبحسب طقوسهم، يروي الحفيد في ذلك نقلاً عن أمّه الأديبة ماغي الأشقر الحاج: “عندما توفّي جدّي يوسف الحاج في حزيران 1955، وقُبيل نقل جثمانه من رأس بيروت إلى الشبانية للبدء بمراسم الجنازة، طرق أحدهم باب الدار البيروتيّة، ففتحت أمّي الباب، وكان الطارق حليم دمّوس، المؤمن الداهشي الثاني، الذي جاء يطالب بعد طول غياب ووسط الذهول العامّ، بالحقّ في دفن جدّي وفقاً للطقوس الداهشية. صُعقت والدتي من هذا الطلب، ورفضته بحزم، مجيبة الزائر أن هذا الأمر ليس من شأنه”. (الحاج، يوسف كمال، م. س، ص188).
والأمر الثابت أن انتماء يوسف الحاج إلى الداهشية أحدث شرخاً كبيراً في أسرته أي بينه من جهة وبين زوجته أديل وابنه البكر كمال من جهةٍ ثانية. ويشير يوسف الحفيد، مؤرّخاً لوالده، إلى ذلك بوضوح في قوله: “واجه كمال [الحاج] في تلك السنوات الجامعيّة مأزقاً عائليّاً كبيراً محوره الدعوة الداهشية، الأمر الذي تسبّب بتباين حادّ بين أمّه وأبيه، وربّما بانقطاعه عن الدراسة الجامعية في العام الأكاديمي 1942-1943” (الحاج، يوسف كمال، م. س، ص185).
وإزاء هذا الشرخ الحادّ الذي هدّد بتقويض بنية الأسرة وجد يوسف الحاج على ما يبدو نفسه مقسّماً “بين شاقوفين” طبقاً للتعبير اللبناني العامّي: زوجته وابنه البكر كمال ورفضهما الكلّي لداهش وعقيدته ودعوته من جهة وصداقته لداهش من جهة أخرى. فاختار بصمتٍ وسكون أن يبقى في أسرته وإلى جانبها، ولا سيما وسط العاصفة الهوجاء التي هبّت على الداهشية سنتة 1944 وما بعدها. وفي ذلك يقول يوسف الحاج الحفيد في حوار لنا معه وفي تسجيل صوتي في 27/5/2023: “أنا مقتنع تماماً أن السبب الأساسي في انكفاء يوسف الحاج عن الداهشية هو زوجته وابنه، وهذا أمرٌ مؤكّد، ولكن لا تستطيع أن تضعه كبرهان. وما نستطيع قوله إن زوجته وابنه البكر كانا على طرفَي نقيض مع الداهشية ما جعله على الأقلّ ينكفئ عن الحركة الداهشية. وأنا أميّز بين الحركة الداهشية وشخص داهش. يمكن أنه بقي عند جدّي نوع من العاطفة تجاه داهش، مع أن هذا الأخير لم يكن طريّاً ولا طيّباً معه، وأعتقد أنه استغلّه، ولم تكن العلاقة متوازنة بين الطرفَين على مستوى الصداقة والإخلاص. أمّا لماذا انكفأ جدّي وافترق بسرعة عن الحركة الداهشية فأنا مقتنع تماماً أن ذلك كان بسبب زوجته وابنه كمال”
وهذا التباين الحادّ بين يوسف الحاج وزوجته أديل يبدو أن أعداء داهش والداهشية استغلّوه يومها ولا يزالون إلى أبعد الحدود. فرووا عنه وخلطوا الوقائع بالمختلقات والأوهام. ومن ذلك ما أورده يوسف ملك([13]) (1899-1959) في كتابه عن داهش.([14]) فهو ينقل فيه (ص49-51) مقابلة أجراها مع السيّدة أديل زوجة يوسف الحاج خلال زيارة له إلى منزلها في 27 أذار 1945 في شارع السادات ملك حمزة شاتيلا. ويقدّم لها كما يلي: “كنتُ قد عرفتُ أن السيدة أديل قطعت علاقاتها بزوجها بسبب تصرّفاته الشاذّة وانقياده الأعمى إلى داهش، على الأقلّ في الظاهر، ومحاولاته المستميتة لضمّ أولاده إلى الشركة الداهشية وجعلهم من المؤمنين بنبوّة سليم العشّي (…)” (ملك، م. س، ص49). ويزعم يوسف ملك أن أديل قالت له إن زوجها باع قطعة أرض لها في الشبانية ليصرف ثمنها على داهش، وأنّه اختلس مرّة من خزانتها مبلغاً من المال، إلخ. وقد أرسلنا نسخة كاملة وطبق الأصل عن هذا المقابلة إلى صديقنا د. يوسف كمال الحاج وطلبنا منه التعليق على ما جاء فيها، فجاءنا تسجيل صوتي منه في 7/5/2023 يقول: “هذا الكلام المنقول عن جدّتي أديل الحاج فيه أشياء كثيرة لا تشبه جدّي يوسف، ولا تشبه أصلاً جدّتي أديل. فأنا قد عرفتُها جيّداً وهي لم تكن تتحدّث مع أيّ كان عن خصوصيّاتها، لا سيما وأنها كانت امرأة متكتّمة. صحيح أنه كانت عندها مواقفها وآراؤها الواضحة ضدّ داهش 100%. لكن أن تخبر أن يوسف الحاج يسرق مالاً أو أنّه يبيع الأراضي من دون علمها، ويصرفها على الغرفة المقدّسة عند داهش، فحتى لو كان ذلك صحيحاً، وأنا أشكّ بصحّته، فإنّني لا أعتقد أنها ستخبر بذلك. (…) والأراضي المذكورة (في الشبانية) كان يملكها جدّي لأنّه اغتنى فترة بسبب سخاء الأمير خزعل أمير المحمّرة. (…) فكثيرة هي الأشياء التي تجعلني أتحفّظ، لا سيما وأن الطريقة التي يصوّر فيها جدّي كاريكاتورية، وكأنّه يسعى إلى تحطيمه وتحطيم شخصيّته. وجدّي لم يكن بتاتاً كذلك”.
أما د. سليمان المدني، فيشطح بالخيال والتخيّل بعيداً في كتابه([15]) ويخترع قصصاً عن يوسف الحاج لا أساس لها من الصحّة. ويسمّيه المشعوذ رقم 3 في الداهشية. ويروي أنّه سافر إلى العراق للتبشير بالمذهب الداهشي، وهناك تعرّف إلى سيّدة اسمها فاكتوريا سليم، وجعلها تترك زوجها واصطحبها إلى لبنان. ويختم المدني روايته المختلقة: “ترك يوسف الحاج زوجته وأولاده، كما تركت فاكتوريا سليم زوجها، وأصبح صهر بيت عند الدكتور داهش” (المدني، م. س، ص30-32).
ونحن لا نذكر هذه القصّة المتهافتة إلا لنضرب مثلاً واقعيّاً ومعبّراً عمّا تخلّل الكتابات عن الداهشية وداهش، ومن الجانبَين، من مزاعم ودسّ واختلاقات وهتك للأعراض ممّا يندى له الجبين. وبالتالي يصعب أن يُركَن إلى الروايات المتضاربة في هذا المجال.
وفي المحصّلة فما الذي يمكن أن نخلص إليه بشأن تجربة يوسف الحاج في الداهشية؟
لا شكّ أن هذا الشاعر والأديب والمفكّر انبهر بداية بخوارق داهش، لا سيّما وأنّه كان، على ما يبدو، عندما تعرّف إلى داهش يمرّ بفترة من الشكّ والتساؤلات، عبّر عنها في قصيدة عصماء نُشرت (ولعلّها على الأرجح نُظمت) تحديداً في تلك الفترة (مجلّة الجمهور في 28/12/1941) والتقارب بين الحاج وداهش تمّ كما سبق ونقلنا عنه أواخر عام 1941. وجاء في هذه القصيدة:
1-أنا أين مِن نفسي ونفسي من أنا بين الوجود وبين طيّات الفنا
2-أنا في الطفولة لستُ مثلي في الصبا إن الصبا مهدُ الصبابة والهنا
3-أنا في الشبابِ الغضّ ريشةُ طائرٍ لا تستقرُّ على هنالك أو هنا
4-أنا في الكهولةِ لستُ أهدأُ آمناً للعيشِ من بعد التجاربِ والعنا
5-أنا في أقاصي العمر رسمُ بقيّةٍ منّي تحاول أن تَظـلَّ وتُعـلنـا
6-أنا في تراب اللحدِ ذَرّةُ ملحدٍ زعمَ البدايةَ والنهاية في الدُنـى
7-أنا ما وراء القبرِ يقظةُ مؤمنٍ جـاء الحـياةَ وراح منـها مؤمنا
8-أنا في ضميرِ الكونِ سرٌّ غامضٌ فـأنـا إذاً في أيّـهم حقّـاً أنـا؟!([16])
قصيدة تذكّر برائعة إيليا أبو ماضي “لست أدري” وتساؤلاته الماورائية فيها، وهي في أيّة حالٍ لا تقلّ عنها إبداعاً. ويتأرجح الشاعر الحاج بين ملحدٍ في تراب اللحد، ومؤمنٍ وراء القبر. وهو يبحث عن هويّة له وسط هذا التغيّر الدائم والمتواصل بين الطفولة والصبا والشباب والكهولة. ونعرف أن خياراته وانتماءاته كانت عديدة ومتضاربة متناقضة: من المسيحية المارونية في الصبا إلى داعية إلى الماسونية في الشباب، فمنقلبٍ ضدّها ومجادلٍ شرس لها. فإذا كان هو قد حدّد نفسه بأنّه سرٌّ غامض، فهل يسهلُ علينا نحن أن نجلوَ غموض هذا السر؟!
أيّاً يكن، يبدو أن الحاج وسط هذه الشكوك والتساؤلات الكبرى قد بهرته خوارق داهش ووجد فيها ما يجيب عن بعض أسئلته الماورائية الكبرى. بيد أن انبهاره هذا خفّ وهجه مع احتكاكه بالواقع واصطدامه برفض زوجته القاطع لداهش والداهشية، وكذلك بمقاومة ابنه البكر والفيلسوف لاحقاً لهذا التيّار، فباشر انسحاباً تدريجيّاً من الداهشية سرّعت من وتيرته ما تعرّض له داهش وحركته من ملاحقة السلطات اللبنانية سنة 1944 وما بعدها. وعندنا عن تلك الحقبة وثيقة مهمّة بخطّ يوسف الحاج وتوقيعه مقدَّمة إلى مجلس شورى الدولة في موضوع داهش، وموجّهة إلى محامي هذا الأخير ومؤرّخة في 1/11/1944، وجاء فيها:
إلى حضرة المحامي الكبير الأستاذ فؤاد رزق المحترم
احتراماً وسلاماً وبعد.
لقد تعرّفتُ إلى الدكتور داهش منذ ثلاثة أعوام، ولازمتُه كلّ هذه المدّة ملازمة الصديق للصديق، كنتُ فيها يقظاً ومتنبّهاً إلى كلّ حياته قولاً وعملاً، فدهشتُ لروحانيّته وعبقريّته الأدبية النادرة المثال، وهدوئه في عمله ورصانته وحكمته في حياته وصفاء سريرته ونقاء ضميره، وميله الكلّي إلى البِرّ والإحسان والطهر والعرفان، الأمر الذي دفع بي إلى السير على نصائحه الروحيّة وعظاته الأدبية.
وهذه هي شهادتي بالدكتور داهش دون ما زيادة ولا نقصان. والله أكبر الشاهدين.
بيروت أوّل تشرين الثاني 1944 يوسف الحاج
ونجد أن شهادة يوسف الحاج هذه رصينة رزينة وكما يقال بالفرنسية Correcte، وبعيدة عن المبالغة والتبجيل والمغالاة التي عُرف بها الداهشيّون عموماً، والتي تصل إلى حدود التأليه في توصيفهم لداهش. وكي يُفهم ما نقول على حقيقته يمكن أن نقارنها بشهادتَين لزميلَين له أدليتا في السياق عينه وكي تقدَّما إلى مجلس شورى الدولة في الدعوى نفسها. فالدكتور جورج خبصا في إفادته المؤرّخة في 2/11/1944 يعتبر داهش “وسيطاً روحانيّاً وحيداً من بابه” ويقارنه “بسقراط وغاليله وغيرهم من رجال عظام ومفكّرين كبار” (زعتر، خليل، م. س، ص573). أما الشاعر حليم دمّوس فيعتبره في إفادته المؤرّخة في 3/11/1944: “أعجوبة القرن العشرين، لا بل أعجوبة الأجيال والقرون” (زعتر، م. س، ص574). ويُسهب في الحديث عن خوارقه ويروي العديد منها.
وبالمقابل تخلو إفادة الحاج التي لمّا نزل بصدد تحليلها من أيّة إشارة إلى خوارق داهش، وهو يعتبر رفقته له: “ملازمة الصديق للصديق” أي الندّ للند، وليست صحبة مريدٍ لمعلّم. وهو يكتفي بالحديث عن “نصائحه الروحية” وليس عن تعاليم و”ظاهرات روحية وأعمال غريبة لا يصدّقها العقل لأنّها فوق الإدراك البشري وفوق العلوم الطبيعية” كما جاء في إفادة دمّوس الآنفة الذكر.
وإفادة الحاج شاءها صاحبها أن تخلو من أيّة “زيادة أو نقصان” كما قال، وليست هذه حال إفادات زملائه الداهشيين ممّن ذكرنا ولم نذكر، والذين قد لا ترضيهم تماماً شهادة الحاج وقد تعوّدوا على كيل المدائح والتقاريظ والتبجيل لداهش بلا حساب.
وتتّضح في إفادة الحاج هذه ملامح الانسحاب التدريجي والهادئ من الداهشية. ويبدو أنه أحجم في ذلك عن تكرار تجربته مع الماسونية، فآثر الصمت والانزواء في بيته، وبغضّ النظر عن اهتزاز قناعته بداهش فإنه لم يشأ أن يهاجمه، وأن يقطع حبل المودّة التي كانت قائمة بينهما. بيد أنّه ابتعد عن الداهشية كحركة ومؤسّسة ونأى بنفسه عنها، ولزم الصمت المعبّر. ومات كما يبدو على دين أجداده.
ولا نزعم أنّنا في هذه الدراسة الموجزة قد جلونا كل ما اكتنف علاقة “المؤمن الأوّل” بالداهشية والمنسحب الأوّل منها من لُبسٍ وغموض. حسبنا أنّنا وفي حدود ما قدّمنا من وثائق واستقرأنا منها، وحلّلنا من مواقف وسلّطنا عليها من أضواء قد خطونا خطوة في هذه الطريق، ونهجنا نهج علوم الأديان في الحياد والتزام الموضوعية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
«»«»«»«»«»([17])
[1] -يوسف بطرس الحاج (1880-1955): صحافي وأديب وشاعر وخطيب ووالد الفيلسوف كمال الحاج. أبصر النور في بلدة الشبانية/قضاء بعبدا بلبنان. تلقّى دروسه في بعبدات، ثم أسّس مدرسة داخلية في مسقط رأسه، تحوّلت لاحقاً إلى “مصحّ الشبانية”. دخل الماسونية على يدي جوزيف ليفي سنة 1912، ومراتبه فيها : أستاذ أعظم إقليمي فخري. مندوب سامٍ على شروق سوريا وفلسطين والعراقَين، حائز درجة 33، ورئيس أوّل لدرجة العقد الملوكي. مؤسّس عشرة محافل رمزية، وثلاثة مقامات لدرجة 18، ومجلس شيوخ حكماء لدرجة 30. وموظّف في المحفل الأكبر الوطني المصري، ورئيس محفل الحاج في بيروت وقد دعي باسمه تكريماً له. وهو أوّل من أدخل الماسونية إلى العراقَين العربي والعجمي، وأوّل من استحصل على مأذونية للماسونية النسائية السورية اللبنانية أسوة بالنساء الغربيّات. (سليمان، أثر البنّائين، م. س، ص104). أسّس الدوريّات التالية: 1-أنشأ جريدة الشاغور، حمّانا، 1910، مع الدكتور إلياس عاد. 2-أنشأ جريدة الاعتدال في بحمدون، 1910. 3-أنشأ جريدة الوقائع الماسونية في بيروت، 1921. 4-أسّس في دمشق 1922 جريدة الأنوار، وكانت يوميّة سياسيّة مصوّرة ولسان حال البنّائين الأحرار، وشعارها “عناية، محبّة، حكمة، حرّية، إخاء، مساواة”. 5-أسّس في مراكش جريدة المغرب، وفي تونس جريدة النداء. من مؤلّفاته: 1-التمدّن، القاهرة، 1911. 2-دحض الظنون عن عشيرة الفرمسون، بيروت، 1923. 3-الأسرة العَلويّة في مصر، مجموعة قصائد رفعها إلى الملك فؤاد الأوّل، القاهرة، 1928. 4-الشيوعيّة أو روسية الحمراء، بيروت، 1933. 5-في سبيل الحق: هيكل سليمان أو الوطن القومي اليهودي، بيروت، د. ت، طُبع لاحقاً في البرازيل، 1969. 6- الدكتور داهش والروحانية، بيروت، د. ن، 1946. 7-له ديوان زجل ومقالات وقصائد صدرت في الفجر ولسان الحال، وله خُطب غير منشورة
[2] -دمّوس، حليم، معجزات مؤسّس العقيدة الداهشية ومدهشاته الخارقة، مدخل بقلم يوسف الحاج، بيروت، دار النار والنور، بيروت، د. ط، 1983، ص17.
[3] -سليمان، د. سهيل، أثر البنّائين الأحرار في الأدب اللبناني (1860-1950)، بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1993، ص105.
[4] -يُعرّفها يوسف الحاج بهامش نصّه هذا والداهشيون عموماً كما يلي: الجلسة الروحية تُعقد لأيّ فردٍ من الناس، سواء أكان رجلاً أم امرأة، وسواء أكان الحضور بالعشرات، أم بالمئات لا فرق في ذلك. وهي تتمّ في وضح النهار، أو تحت الأضواء الكهربائية الساطعة، ودون أن يُتلى بأثنائها أيّة آية قرآنية أو إنجيلية، ودون الاستعانة بالبخور. وبأثناء انعقادها تتجلّى روح سماويّة يمكن أن يخاطبها المرء وتخاطبه من غير لبْسٍ أو غموض، وبقدرتها أن تُحدث خوارق ومعجزات، دلالة على وجودها، وبناءً على طلب الحضور. فالغاية من الجلسة الروحية هي مساعدة الناس على العودة إلى الإيمان الديني الأصيل الصحيح بالتمرّس بالخير والفضيلة، والتصديق بوجود عالم الروح وبالثواب والعقاب. (دمّوس، م. س، ص18).
[5] -زعتر، المحامي خليل، جريمة القرن العشرين: دراسة تاريخيّة وثائقية تتناول الجريمة الرهيبة التي أوقعها الشيخ بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية بحقّ الدكتور داهش، نيويورك، الدار الداهشية للنشر، ط1، 2018، ص31.
[6] -حليم دمّوس (1888-1957): شاعر لبناني، وصحافي وماسوني. ولد في مدينة زحلة في شهر أيّار 1888، أبوه إبراهيم جرجس دمّوس شاعر زجلي. درس حليم في المدرسة الأميركية، ثم مدرسة الروم، فالكلية الشرقية في زحلة. من أساتذته الأرشمندريت الماسوني بولس الكفوري، وجرجس همّام، والخطّاط نجيب هواويني، والعلّامة المؤرّخ عيسى إسكندر المعلوف. ومن أترابه لبيب واسكندر رياشي، وأسد رستم. هاجر إلى البرازيل في أواخر 1905 فاشتغل بالتجارة وتعلّم اللغة البرتغالية. وعاد إلى بيروت بعد مضيّ ثلاث سنوات، وعمل معلّماً للغة العربية في الكلّية العلمانية. وعاد بعد ذلك إلى زحلة يحرّر في مجلّة المهذّب للأرشمندريت بولس الكفوري 1910-1911. ثم عمل في دمشق موظّفاً بقلم المحاسبة في هيئة سكّة الحديد، إلا أنّه استقال من الوظيفة سنة 1932، وعاد إلى الصحافة فأصدر جريدته “الأيّام” وبعدها “الأقلام”. دخل الماسونية وتكرّس في محفل زحلة 1909، وساعد في تأسيس محفلين: “نجمة لبنان” في زحلة، وقيسون في دمشق. ترجم درجات الماسونية الثلاث لمحفل نجمة لبنان، وبناء على ذلك وقّع باسم ابن قيسون وحسّان تيمّناً بشاعر رسول الإسلام حسّان بن ثابت. وهو صاحب “نشيد الهياكل الماسونية”. اتّصل بالدكتور داهش في مطلع الأربعينات واعتنق مذهبه “الداهشية”، بيد أنّه ظلّ على ماسونيّته حتى النهاية. (سليمان، أثر البنّائين، م. س، ص110). حُبس مدّة في سجن الرمل في بيروت 1947 بسبب انتمائه الداهشي. توفّي في 27/9/1957. من مؤلّفاته: 1-زبدة الآراء في الشعر والشعراء، دمشق، 1910. 2-ديوان حليم، ج1: دمشق، 1919، ج2: القدس، 1920. 3-قاموس العوام، دمشق، 1923. 4-في سبيل التاج، ترجمة عن الفرنسية لتمثيلية تأليف فرنسوا كوبيه، بيروت، 1926. 5-المثالث والمثاني، مجموعة شعرية مصوّرة، ج1: صيدا، 1926، ج2: 1930. 6-ذكرى المتنبّي، بيروت، 1936. 7-يقظة الروح أو ترانيم حليم، القاهرة، 1948. 8-رباعيّات وتأمّلات، جزءان، بيروت، 1953. 9-من أناشيد الملحمة العربية الكبرى، بيروت، د. ت. 10-فاجعة بيروت، رواية، بيروت. 11-الروايات العشر، بيروت. 12-معجزات مؤسّس العقيدة الداهشية ومدهشاته الخارقة، بيروت، 1983.
[7] -كمال يوسف الحاج (1917-1976) تبسّطنا في التعريف عنه، وعرضنا بعض مناحي فلسفته، ولا سيما فلسفة اللغة في كتابنا: صليبا، لويس، ذكريات ومشاهد وشخصيّات من لبنان في الستّينات والسبعينات 1960-1980، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2023، فق: كمال الحاج شهيد الفلسفة اللبنانية، ص245-251.
[8] -رجّح ابن الفيلسوف د. يوسف كمال الحاج في رسالة إلينا في 28/5/2023 أن هذه الحادثة حصلت في العام الأكاديمي 1942-1942، ما يعني أنّها وقعت في بدايات إعلان الرسالة الداهشية أذار 1942.
[9] -الحاج، يوسف كمال، مؤلّفات كمال يوسف الحاج، المجلّد التقديمي، جونية/لبنان، بيت الفكر، ط1، 2014، ص189.
[10] -الحاج، يوسف، الدكتور داهش والروحانية، بيروت، د. ن، 1946.
[11] -يوسف كمال الحاج من بلدة الشبانية، ولد في بيروت في 19/1/1955، وأتمّ علومه المدرسية في معهد الرسل في جونية. اختصّ بالفيزياء النوويّة في ألمانيا، مركّزاً أطروحته للدكتوراه على تحليل شقف خزفية بالتشعيع النيوتروني، 1993. ويحمل أيضاً شهادة دكتوراه في الفلسفة. درّس الفيزياء وحقوق الإنسان في الجامعة اللبنانية الأميركية، وتولّى عمادة كلّية العلوم الطبيعية والعلوم التطبيقية في جامعة سيّدة اللويزة. ناشط في ميدان الكشفية، وعضو مؤسّس في “مؤسّسة حقوق الإنسان والحقّ الإنساني-لبنان”. من مؤلّفاته: 1-تعلو ولا يُعلى عليها: حقوق الإنسان، بيروت، 1999. 2-رسالة إلى أهل الفنّ للبابا يوحنا بولس الثاني، ترجمة وتقديم، بيروت، 1999. 3-السلام على الأرض، رسالة للبابا يوحنا الثالث والعشرين، ترجمة وتقديم، بيروت، حركة عدالة ومحبة، 2004، 367ص. 4-كمال يوسف الحاج: الكتاب التذكاري بعد ثلاثين سنة، حريصا، 2006، (إعداد وتنسيق). 5-أشرف على جمع وطباعة ونشر المؤلّفات الكاملة لوالده الفيلسوف كمال يوسف الحاج، وأصدرها في 14 مجلّداً، وكتب سيرة هذا الفيلسوف في المجلّد التقديمي منها.
[12] -مراثي الأدباء والشعراء والصحفيين والأطبّاء والمحامين ورجال الدين والحكّام والقضاة بمؤسّس العقيدة الداهشية، بيروت، دار النسر المحلّق، د. ط، 1979، قصيدة دموع من نار على ضريح الدكتور داهش، ص174-175.
[13] -يوسف ملك (1899-1959) كاتب وصحافي عراقي أشوري، سكن لبنان. أصدر جريدة أثرا: الوطن، سياسية وطنية قومية أشورية في بيروت بثلاث لغات: السريانية والعربية والإنكليزية. من مؤلّفاته: 1-الخيانة البريطانية للآشوريين، بالإنكليزية. 2-كردستان أو بلاد الأتراك. 3-فواجع الانتداب في العراق. 4-قبرص وبربرية الأتراك. 5-خليفة إبليس أو الدجّال الأكبر داهش، ج1، بيروت، 1945، ويبدو أن الأجزاء الأخرى من هذا الكتاب لم تصدر.
[14] -ملك، يوسف، خليفة إبليس أو الدجّال الأكبر داهش: كتاب فيه بحث وتحليل وعرض رائع لصور مبتكرة من الدجل مثلها الأفّاك سليم موسى العشّي الآزخي الملقّب نفسه بالدكتور داهش، ج1، بيروت، 1945.
[15] -المدني، د. سليمان، الاحتيال علمٌ وفنّ، دمشق، دار المنارة، ط1، [1421هـ].
[16] -الحاج، يوسف كمال، م. س، ص180-181، نقلاً عن مجلّة الجمهور في 28 كانون الأوّل 1941، ص5.
[17] –