الورقة الخلفية لمؤتمر: علوم الأديان من أجل تنشئة على المواطنية/إعداد لويس صليبا/ تنظيم: مركز تموز للدراسات والتنشئة على المواطنية/جبيل-لبنان
التاريخ: الجمعة والسبت 19 و 20 أيار 2023
في بلدٍ متعدّد الأديان والطوائف والمذاهب، وغارق في الطائفية والمشاكل الدينية حتى أذنيه تبدو العودة إلى علوم الأديان واعتماد مقارباتها على الصُعد التربوية والاجتماعية والثقافية حلّاً ناجعاً للكثير من المشاكل الدينية. فهي وحدها تعلّم دارسها، باحثاً كان أم طالباً جامعيّاً أم تلميذاً أم حتى مواطناً عاديّاً، أن يقف على مسافة واحدة من الظواهر والتقاليد الروحية والديانات عموماً، ويقاربها كظاهرة إنسانية مقاربة علمية موضوعية بعيدة عن الشحن العاطفي أو الحماس الانتمائي. ومن هنا أهمّية نشر علوم الأديان وتدريسها في الجامعات وحتى في المدارس.
في تحقيق سوسيولوجي حقلي غطّى مختلف المناطق والفئات الاجتماعية والدينية في لبنان أجراه مؤخّراً فريق من معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية وأداره البروفسور فردريك معتوق، تبيّن من خلال الردود على الأسئلة، أن “الكلّ يجاهر بأنّه غير متعصّب، نافياً عن نفسه تهمة العصبية، الأمر الذي يعني أنّه مدركٌ لمضارّ وسلبية هذه الظاهرة. إلا أنّه يضيف لنفيه تأكيد، ويأتي هذا التأكيد على متن كلمة “لكن”: أنا إنسان غير متعصّب، ولكن مذهبنا هو المذهب الصحيح الأوحد، أو: ولكن وحده من يمشي على مذهبنا يدخل الجنّة”([1])
وفي هذه ال “ولكن” تكمن المشكلة كلّ المشكلة، وهي علّة العلل. الجميع يرى في التعصّب آفة الآفات وسبب الشقاق والصراعات، ومع ذلك فالغالبية أو أقلّه الأكثرية غارقة في هذا التعصّب حتى أخمص الأذنَين ودون أن تعي أحياناً. فهذه ال”لكن” حكمٌ مبرمٌ على الآخر، بل هي تكفير ضمني له. وما أوّله تكفير آخره تفجير. وهذا الموقف التشاوفي المتغطرس الكامن باحتكار الحقيقة والخلاص مولّد دائمٌ للنزاعات.
يسهل القول إن في التنشئة على المواطنية عوضاً عن التنشئة على العصبية حلّاً لآفات التعصّب والطائفية هذه. ولكن كيف يمكن أن يتمّ ذلك عملياً؟
هنا يبرز دور علوم الأديان التي تعرف تطوّراً وانتشاراً في كل الدول الغربية والحديثة، فهي تنطلق من نظرة محايدة ومقارَبة موضوعية تقف على مسافة واحدة من مختلف الأديان والمذاهب. ومن هنا أهمّية تعميمها وتدريسها في لبنان على مختلف الصعد والمستويات: المدرسية والجامعية وكذلك التنشئة الدائمة Formation Continue.
هذا علماً أن علوم الأديان ليست غريبة عن الحضارة العربية والإسلامية، ولا عن الثقافة العربية واللبنانية. فعلماء العرب من أمثال البيروني (ت1048م) والشهرستاني (ت1153م) وابن كمّونة (ت1283م) كانوا روّاداً عالميين في هذا المجال. ولا يزال الباحثون إلى اليوم، ومن مختلف أرجاء العالم، يستلهمون منهجيّتهم المحايدة ويستفيدون من دراساتهم. فالمطلوب إذاً ليس استيراد علوم الأديان وإدخالها في البرامج المدرسية والجامعية، بل بالحري إعادة إحيائها وتطويرها وتكييفها بما يتناسب مع حاجات المجتمع اللبناني التعدّدي لاستخدامها بالتالي حلّاً ناجعاً.
ويؤمل من هذا المؤتمر المقترَح أن يكون خطوة مهمّة في هذا المجال، فيعيد طرح علوم الأديان إلى الواجهة، ويعرض تجارب وخبرات أساتذة متخصّصين في هذه العلوم وما حصلوا عليه من نتائج. ويلفت الانتباه مجدّداً إلى أهمّية هذه العلوم في الشأن اللبناني ويساهم بالتالي في نشرها وإدخالها في مختلف البرامج المدرسية والجامعية.
منسّق المؤتمر: أ. د. لويس صليبا
[1] -معتوق فردريك، و دقناش، فادي، التنشئة على العصبية بحث نوعي استكشافي سوسيو معرفي، بيروت، منتدى المعارف، ط1، 2022، ص92.