حوار الأديان لماذا؟/مقابلة مع د. لويس صليبا في 29 /6 / 2018 على قناة المنار برنامج أحسن الحديث، حاوره د. خضر نبها

حوار الأديان لماذا؟/مقابلة مع د. لويس صليبا في 29 /6 / 2018 على قناة المنار برنامج أحسن الحديث، حاوره د. خضر نبها

حوار الأديان.. لماذا؟[1]

المقدمة:

أحدهم يرى أن هناك ثلاثة أشكال للحوار بين الإسلام والمسيحية: أولاً حوار السلاح والحرب، ثانياً حوار اللاهوت وعلم الكلام، وثالثاً حوار التعايش بين أتباع الدينين في مجتمع واحد. عاد واقترح شكلاً جديداً من هذا الحوار، هو البحث عن المساحات المشتركة بين الأديان في قضايا الإنسان والمجتمع والحضارة.

أسماء الضيوف:

  • المُستهند البروفيسور لويس صليبا / أستاذ علوم الأديان
  • الشيخ د. أحمد مبلّغي / أستاذ في الحوزة العلمية وعضو مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

المقابلة:

ما هي نظرية القرآن الكريم حول موضوع حوار الأديان؟

الشيخ د. مبلّغي: أشكركم على البرنامج الطيّب الذي أستفيد منه كثيراً. إنّ العلاقة الاجتماعية من أهمّ ما يمكن متابعته في القرآن الكريم ومن جملة العلاقات العلاقة بين أتباع الأديان وطبعاً العلاقة الحوارية هي جزء من هذه العلاقة الشاملة الكبرى المطروحة في القرآن يعني نحن علينا أن ننطلق من العلاقة بين أتباع الأديان ثمّ ننطلق منه إلى الحوار ودور الحوار وكيفية ونوعية الحوار، وإقامة الحوار والقواعد الحاكمة والمسيطرة على الحوار؛ برأيي أن القرآن الكريم قد طرح العلاقة بين أتباع الأديان بصوَر متعدّدة وفي مجالات عديدة، كلّ من هذه المجالات مهمّ جداً لأنه يرتبط بالواقع المعاش الذي يسود بين الديانات المختلفة وأتباع الأديان المختلفة؛ هناك علاقات مختلفة طُرحت في القرآن، العلاقة الأولى هي العلاقة التعاملية الهادفة إلى الحفاظ على عبادة الله، نحن نعلم أن العبادة في كل الأديان لها مكانة مركزية بل كما جاء في القرآن خِلقتنا وخَلقنا فلسفتُه أنّ ما هي العبادة، وجاء في القرآن، والآية معروفة ﴿تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾ (آل عمران/64) يعني أهل الكتاب، سواء المسلمون أو غير المسلمين المسيحيون وغيرهم لا بدّ أن يركّزوا تركيزاً جادّاً وهاماً وجذريّاً واجتماعياً وعملياً على عبادة الله، عبادة الله مهمّة جداً، وهذا ما نسمّيه بالعلاقة الهادفة إلى تقوية العبادة والحفاظ عليها، وكلٌّ لهم عبادتهم، المسيحيون لهم عبادتهم والمسلمون لهم عبادتهم لكن هناك نقطة مشتركة ومحور هذه النقطة هي عبادة الله سبحانه وتعالى؛ ثانياً، العلاقة التعاملية الهادفة إلى الحفاظ على المؤسّسات الدينية [مسجد، كنيسة، وما إلى ذلك من المعابد الأخرى للأديان المختلفة] وهذا يُستفاد من الآية الشريفة ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ (الحجّ/40) يعني نحن نجد هنا أنّ هذه المعابد التي كلٌّ لدينٍ ما قد ذكرت جنباً إلى جنب، وذُكر نقطة مشتركة ﴿يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ﴾ (الحجّ/40) يعني هذه هي النقطة التي تجمع بين هذه المعابد ومهمّ لله سبحانه أن يكون هناك دفع من جانب بعضٍ اتجاه بعضٍ لكي يحافظ على هذه المعابد، وهذا يعني أنه يجب علينا إقامة علاقات تعاملية تبادلية للحفاظ على هذه المؤسّسات فلو كان هجوم على معبدٍ فهذا هجوم على معبد آخر حسب هذه الآية يعني ليس الهجوم على المسجد فقط؛ ثالثاً، العلاقة التعاملية البيئية وهنا أيضاً يُستفاد من الآية الشريفة آية أخرى ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة/251) ليس هنا البحث عن المسجد أو الكنيسة أو ما إلى ذلك بل البحث حول الأرض وذلك نجد بعده يقول ﴿وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة/251) يعني البحث ليس مركَّزاً على المسلمين بل إن البحث مركّز على العالمين، والعلامة الطباطبائي يقول هذه الآية تنظر إلى المجتمع البشري والمجتمع الإنساني وليس إلى المجتمع الديني الذي يشتمل على الأديان، طبعاً الفساد المتوجّه إلى الأرض يعني تخريب البيئة؛ وهناك علاقة أخرى وهي علاقة استباقية ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ (البقرة/148) يعني للمسيحية وجهة وللمسلمين وجهة وللآخرين وجهة فاستبقوا الخيرات وهذا الاستباق جاء في آية أخرى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ (المائدة/48) كلّ منكم أيها الناس، ليس مخاطب هنا المسلمون ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ  فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ (المائدة/48) علاقة استباقية وطبعاً هذه العلاقة مركَّزة على تلك الخيرات المشتركة بين البشرية وبين الأديان المختلفة.

يُستنبط من القرآن الكريم أربعة مبادئ للعلاقات والحوار بين أتباع الأديان: الحفاظ على عبادة الله، الحفاظ على مؤسسات الدين [المسجد والكنيسة]، المحافظة على البيئة، أن تستبقوا الخيرات. لماذا حوار الأديان اليوم؟

د. صليبا: سؤال في غاية الأهمية، لا شكّ، يمكنني أن أعرض فقط تيارَين أساسيَين، الأوّل هو ما قاله صموئيل هنتنغتون([2]) الذي اشتهرت نظريته وراجت بعد أحداث أيلول لكنه أطلقها قبل هذا التاريخ وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحدّث عن صدام الحضارات؛ لماذا ومع من هذا الصدام؟ كان الاتحاد السوفييتي قد سقط وأذكر، في هذا المجال، رسالة مهمّة لمستشار غورباتشوف إلى مستشار الرئيس الأميركي يقول: لو سقطنا سنحرمُكم من عدوّ، هذه الترسانة الكبيرة في أميركا تحتاج دائماً إلى صنع عدو لكي تواصل الصناعة، إذاً، وإثر سقوط الشيوعية لا بدّ من استنباط عدوّ آخر. ومن هنا قال بوجود صدام ومن هو العدو الأساسي؟ الإسلام. هذه نظرية هنتنغتون باختصارٍ شديد بالطبع. ومن ناحية أخرى هناك فيلسوف ومفكّر مسيحي ولاهوتي سويسري هو هانس كونغ Hans Küng،([3]) أتى، في الفترة التي تحدّث فيها هنتنغتون، بنظرية أخرى مختلفة تماماً يقول: لا سلام في العالم من دون سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان من دون حوار بين هذه الأديان؛ إذاً هو يقول إنّ التربية على الحوار هي الاستعداد للسلام في العالم، وإذا توقّف الحوار لأيّ سبب من الأسباب، استعرت نيران الحرب، المعادلة واضحة جداً، والسؤال غالباً ما يُطرح عليّ أنه لماذا تتحدّث عن الحوار وقد يبدو أن الفريق الآخر غير معنيّ به فأقول مجيباً: بكل بساطة ما هو البديل؟

ما هي نظرة الإسلام إلى العلاقات بين المسيحية والإسلام؟

الشيخ د. مبلغي: لو نركّز على نقطة أساسية قرآنية وهي أنّ القرآن يهمّه الاستكبار وعدم الاستكبار، يعني هناك كلمة مفتاحية أساسية مركزية قد ركّز القرآن عليها وهي عدم الاستكبار وذكر في القرآن ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ﴾ (القصص/83) [مداخلة من د. صليبا: والملاحظ أنه لم يُشر إلى مذهب أو ديانة ما] هناك خطان أحمران: العلوّ في الأرض، والفساد في الأرض، كلاهما منفيان، والإسلام له حساسية بالنسبة إلى هذَين العنصرَين الأساسيَين؛ المسيحية تمتاز بخاصّية، يعني العلماء وبعض الشخصيات كما جاء في القرآن ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (المائدة/82) وهذه النقطة تهمّ الإسلام، ولذلك تأتي المودّة إذا لم يكن هناك فساداً ولا استكباراً من جانب العلماء للمسيحية، فهذه النقطة هي النقطة الأساسية التي تميّز بين العلاقة بين الإسلام والمسيحية لأن الإسلام له التركيز على عدم العلو وعدم الاستكبار، وفي المسيحية أيضاً يوجد، كما في القرآن، جملة من علمائهم قسّيسين ورهبان لهم هذه الخاصّية وتأتي بعده المودّة والاقتراب والتعامل، ولذلك بالإمكان أن نقيم تياراً معنوياً دينياً يناهض هذه الخصلة وهي الخصلة الاستكباريّة عبر هذا، وطبعاً كل حركة تعاملية يجب أن يُركّز فيها على عناصر مشتركة، ليس بالإمكان لدين الإسلام أن يحاول أن يُبرز كل ما لديه في هذه العلاقة التي يريد إقامتها مع المسيحية، بالعكس، ولذلك نحن نركّز على تلك النقاط المشتركة؛ فلو كان جملة منا – أي من المسلمين، أو جملة من المسيحيين يريدون عبر هذه العلاقة تجاوز هذه النقاط المشتركة فهذه العلاقة تفشل.

مداخلة من د. صليبا: أودّ أن أثمّن ما قاله سماحة الشيخ عن الاستكبار وخاصة عندما ربطه بالآية وأنهم لا يستكبرون، هو تحدّث من منطلق قرآني، سأتحدّث من منطلق السيرة النبوية نفسها، كيف كانت العلاقات؟ مشهدان، بالطبع لا أستطيع أن آخذ السيرة كلّها، المشهد الأول: النجاشي، الهجرة الأولى قبل الهجرة إلى المدينة إلى أين كانت؟ كانت إلى الحبشة وأيضاً هذا المشهد المهمّ في السيرة النبوية وهو رواية صحيحة لا يُشكّك بها، عندما كان المهاجرون وقريش قد اختلفوا أمام النجاشي وهو حديث يطول. وماذا قال النجاشي في النهاية؟ إنّ هذا (أي الذي أتى به محمد) والذي أتى به عيسى لمن مشكاة واحدة، وهذا القول مشهور، وأيضاً عندما توفّي النجاشي ويقال أن الرسول عرف بشيء من الوحي، صلّى عليه وطلب من المسلمين أن يصلّوا عليه ولم يكن مسلماً؛ المشهد الثاني زيارة وفد نجران للرسول(ص) في المدينة ماذا فعل الرسول؟ عندما حان وقت صلاتهم، دعاهم ليُقيموا الصلاة في مسجده في المسجد النبوي، في الحرم النبوي، ابن قيّم الجوزية وهو من المتشدّدين وتلميذ ابن تيمية يقول في أحكام أهل الذمّة: لقد صحّ عن رسول الله(ص) أنه استقبل وفد نجران في المسجد ودعاهم ليقيموا صلاتهم. أين نحن من ذاك اليوم عندما يُمنع المسيحي اليوم إن من الحرم النبوي أو من الحرم المكّي؟ إذا كانت بداية الحوار المسيحي الإسلامي في سيرة الرسول، بداية مزدهرة، بداية حوارية حقيقية، بعدها انتقلت، بعد زمن الرسول، إلى الصراع أيام الفتوحات، والصراع العسكري ثمّ الجدل، ولكن البداية كانت بداية رائعة وعلينا أن نعود إلى هذه النقطة.

إذا كانت المشتركات بين الإسلام والمسيحية عديدة ويمكن من خلالها تشكيل جبهة، هل يمكن تشكيل جبهة من كل الأديان للتأسيس لعدم العلوّ وعدم الفساد ولإدخال المودّة والرحمة؟

الشيخ د. مبلّغي: جبهة الآن، بدليل أنّ العولمة هي مسيطرة، يعني كل شيء عندما يبرز في مجتمعنا أو في منطقتنا أو في عالمنا، ففوراً يأخذ طابعاً عَولمياً وإذا أخذ طابعاً عَولمياً فهو يسقط دوره وينفذ في المجتمع وله انعكاساً كبيراً في المنطقة والعالم؛ بما أنّ الديانات وأتباع الديانات السماوية ولا سيما المسيحية والإسلام، بما أنّ علاقاتهم ترتبط، على حسب التقسيم الرباعي الذي ذكرته سابقاً، يرتبط بقضايا إنسانية، بالبيئة، بالحفاظ على الأخلاق، بالخيرات، بالبِرّ، وهذه كلّها أمور يمكن أن تبرز على المستوى الدولي والاجتماعي بشكل كبير، فهذه العلاقة لو أقيمت ففوراً تأخذ طابعاً عَولمياً وهذا يعني جبهة، الجبهة لا تستقيم ولا تستقرّ ولا تُقام إلا إذا كانت لها صدًى اجتماعي وانعكاسات اجتماعية، ونحن غفلنا عن هذه الفرصة العظيمة المتوفّرة لأتباع الأديان وحواراتنا أحياناً رُكّزت على بعض كلاميات لا فائدة تحتها، الذي نستفيده من الله سبحانه في الآية الشريفة أنه يجب علينا أن نقيم هذه العلاقة حول ثلاثة محاور أساسية وتلك الأربعة عناصر تندرج تحت هذه المحاور؛ أولاً الاجتماعيات، لماذا نحن نهمل الاجتماعيات؟ الاجتماعيات هي قضايا إنسانية ترتبط بالبشر، والخيرات والبرّ، كل هذه لو نُفّذت في المجتمع الإنساني البشري فلها نتائج ضخمة تنعكس إيجاباً على المجتمع البشري هذا هو معنى فاستبقوا الخيرات؛ ثانياً الأرض، لأن المجتمع البشري يعيش على الأرض فيجب الحفاظ على بيئتهم، لفسدت الأرض، فهذا إذا يمكن، والتعامل بين الأديان حول البيئة له مجاله وأرضيته خصبة؛ الأمر الثالث هو تلك المعنويات التي تنبثق منه المعنوية والمؤسسات والله سبحانه وخالق الأرض؛ فإذا، الأرض، والبشر الذي يعيش على الأرض، وخالق هذه الأرض. هذه الثلاثة، هل هناك شيء غير هذا حتى نتحدّث عنه. كل شيء مرتبط بهذه الثلاثة

مداخلة د. صليبا: ما سأقوله هو مقاربة تاريخية، قلتُ إن بداية الحوار المسيحي الإسلامي كانت رائعة وليست فقط جيدة جداً ولكنها اختلفت مع الزمن، في زمن الفتوحات تحوّلت العلاقة إلى علاقة عسكرية بعدها صار زمن الجدل الإسلامي المسيحي، وأنا أقول في كتابي أن الجدل كان له فائدة هي أنه أقلّه، دفع الآخر في حشرية معينة بفضول كي يعرف ماذا يوجد عند الآخر المختلف عنه من عقيدة ومن كتابات؛ يعني في بداية الجدل الإسلامي ضدّ المسيحية، كانوا يبحثون في الإنجيل وفي التوراة عن آيات تؤكّد وتشير إلى نبوّة محمد(ص)، أقلّه، هذا الفضول دفع إلى اكتشاف الآخر. 1950 يعني من منتصف القرن العشرين، بدأت مرحلة جديدة لأن الفريقَين، المسيحية والإسلام، واجها خصماً واحداً هو أولاً الإلحاد المُتمَثِّل بالشيوعية وبغير الشيوعية [التيارات الـexistentialism الوجودية وغيرها]، هنا ظهر عند كلا الفريقَين تحسّسٌ أن الخصم المقابل لا يميّز بين مسيحي ومسلم، بل اعتبر أن هؤلاء يعبدون الله أما هو فتوجّهه مادي وماركسي؛ من هنا انطلقت مبادرات الحوار المسيحي الإسلامي.

قبل ألف سنة، كيف كانت هذه العلاقة؟

د. صليبا: كان يتخلّلها قمم رائعة؛ مثلاً في مقال لي في مجلة الأمن أخذتُ رسالة البابا غريغوريوس السابع إلى ملك موريتانيا المسلم في العام 1076، يعني من حوالي الألف سنة وغريغوريوس يعتبر أهمّ مرجع في تاريخه [مداخلة من د. نبها: موريتانيا وأنتَ تعلم دكتور أنهم فلول العرب الذين خرجوا من الأندلس فجاؤوا إلى موريتانيا وأسسوا موريتانيا] يقول البابا: يجب علينا أنتم ونحن أن نعطي للأمم الأخرى في وجهٍ مميز مثالاً على هذه المحبة لأننا نؤمن ونعترف بإله واحد ولو بطرق مختلفة ونسبّحه و.. وبعد ذلك ماذا يقول، ختاماً: والله يعلم، يتوجّه إليه، أننا نحبّكم إكراماً لمجده فقط وأننا نودّ خلاصكم وعزّكم في هذه الحياة وفي الحياة المقبلة.

في كتاب «زرادشت وأثره في الأديان الخمسة الكبرى»، تحدّث د. لويس صليبا عن الأثر الإيراني في الأديان الكبرى. لماذا؟

د. صليبا: هذا يعود، بدايةً، كما نقول أنّ التاريخ هو ابن الجغرافيا. موقع إيران الجغرافي، ما هو؟ هي تتوسّط الشرقَين، الأقصى – الهند وغيرها، والأوسط – لبنان، فلسطين وغيرها، ومن هذَين الشرقَين انطلقت كل الأديان العالمية الخمسة وهي: اليهودية، المسيحية والإسلام، والهندوسية والبوذية، هي ابنة هذَين الشرقَين؛ ولكن إيران بتوسّطها بين هذَين الشرقَين كانت همزة وصل وجسر عبور، وهذا ما قلتُه وأردّده أننا في نشأة كل هذه الأديان الخمسة نجد إيرانيّاً فارسيّاً، لا محال وحكماً. مثلاً: في اليهودية لدينا التلمود البابلي وحتى السبي البابلي كان القسم الأكبر منه في إيران، يُسمّى التلمود البابلي بالتلمود الفارسي، من فرط الأثر الفارسي الواضح فيه؛ في المسيحية نجد المجوس عند أقدام المسيح في البداية منذ ولادته في المزود، هذه نقطة أولى والنقطة الثانية المهمة جدّاً أنّ فكرة المسيح المخلّص تستوحي من فكرة زرادشت نفسه عن الساوشيانت أي المخلص المولود من عذراء، هذه الفكرة غريب كيف انتقلت، وأنا أدرس في صفحات عديدة كيف انتقلت من بلاد فارس إلى المسيحية عبر التوراة في ترجمتها السبعينية في الإسكندرية في القرن الثاني قبل المسيح والآية المشهورة [ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابناً] وهي كانت في النصّ العبري [إنّ الصبية تحبل وتلد ابناً]، هذا بالنسبة للمسيحية؛ بالنسبة للهندوسية وكذلك بالنسبة للبوذية، الهندوسية، درستُ في «أقدم كتاب في العالم» وهو أطروحتي، واكتشفتُ أنّ اللغة الفيدية التي هي من أقدم اللغات، أقدم كتاب في العالم هو ريك فيدا، عمره سبعة آلاف سنة ولغته هي لغة الأفستا نفسها لا اختلاف بينهما. وزرادشت في ترانيمه التي يُسمّونها الكاتا يذكر الفيدا يقول كما يقول حكيم الفيدا، اللغة هي نفسها كما أكّد عدد من علماء اللغة، يعني السوما هي هوما. وبالنسبة للبوذية، كان لها حضور كبير جداً في إيران، بلخ كانت بوذية وقلة هم من يعرف هذه الحقيقة، يعني معبد النوبيهار في بلخ كان معبداً بوذياً لم يكن معبداً مجوسياً، والبرامكة الذين كانوا وزراء هارون الرشيد، جدّهم كان سادن معبد النوبيهار، باراماكا يعني الرجل العظيم بالسنسكريتية، وانتشار البوذية في الصين كان عبر بوذية إيران وليس بوذية الهند، هذا ما تؤكّده أساساً الاكتشافات الأركيولوجية وهذا ما تحدّثتُ عنه مطوّلاً في كتابي. إذاً في بداية كل دين نجد حضوراً فارسياً؛ يبقى الإسلام، وهنا أتحدّث عن سلمان الفارسي وحديث «سلمان منّا أهل البيت» والحديث الثاني الذي ذكره البخاري والذي يقول «لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس». إذا ماذا يمكن القول أكثر من هذا بشأن الأثر الفارسي الحاسم في الإسلام.

كيف هو وضع الأديان غير المسلمة في إيران؟ كيف يمكن التأسيس لعلاقة حوار بين الأديان؟

الشيخ د. مبلّغي: في إيران، الأديان السماوية لها مكانتها وهذه المكانة تتمثّل في عدّة أمور مهمة: أولاً، لهم معابدهم وطقوسهم، يعني المسيحية واليهودية [مداخلة من د. صليبا: ميزة المجتمع الإيراني تعدّديته وقبوله بهذه التعدّدية، يعني أنا لم أعرف إلا مؤخراً من الأخوة السيخ عندما كتبتُ كتاباً عن السيخ أنّ لهم معبد معترف به طهران نفسها] ولكلّ ممثّل في مجلس الشورى الإسلامي أي لكل أتباع دين ما ممثل كما يوجد لأهل السنة والشيعة ولكن كل حسب عدد سكانهم، ولذلك هناك تعايش اجتماعي وسياسي واقتصادي على أعلى مستوياته في إيران، وهذا أمر مهم انعكس على الجوانب السياسية وعلى المستويات الاجتماعية والاقتصادية.

-تحدث د. لويس عن دور إيران التاريخي في التأثير على الأديان؛ ما هو دور إيران اليوم في موضوع الحوار بين الأديان؟

الشيخ د. مبلّغي: هناك جهد، سواء من قبل الحوزة العلمية أو من قبل بعض المؤسسات المنتمية إلى الدولة والنظام، هذا الجهد يهدف إلى تعميق وتوسعة الحوار بين الأديان، يعني ليس فقط أنه لا توجد مشكلة في العلاقة بين الأديان بل الذي يمثّل السياسة الرسمية والسياسة العلمية والسياسة الدينية من قبل جميع الأطراف في إيران هو التركيز على تعميق الحوار بين الأديان ولذلك ما من سنة بل ما من شهر إلا وهناك ندوة أو أكثر حول الحوار بين الأديان، وأنا حضرت الكثير من هذه المؤتمرات وهذه الندوات، ومؤخّراً جئت إلى لبنان للمشاركة في ندوة من هذه الندوات.

[مداخلة من د. صليبا: من تجربتي في هذا الأمر، دُعيتُ للمشاركة في مؤتمرات عديدة في إيران، مؤتمرات حوار، ولكن ما أريد أن أقوله هو أن إيران لا تستطيع أن تتنكّر لتاريخها هي دوماً كانت صلة وصل بين الأديان، وانطلاقاً من هذا الموقع بين الشرقَين لا يمكن إلا أن تكون كذلك لأن التاريخ والجغرافيا يفرض عليها أن تكون دائماً منفتحة ومتنوّعة].

موقع إيران الجغرافي ودورها التاريخي يجعل منها بلداً منفتحاً ويفتح الآفاق لحوار الأديان. ما هو دور الفاتيكان فيما يخصّ إيران؟

د. صليبا: موقعها يملي عليها بطريقة من الطرق أن تكون دائماً منفتحة ومتنوّعة وهي، عندما زرت إيران اكتشفتُ هذا الأمر، أساساً أنا مستهند وأعرف الهند، أحسستُ في إيران كأني في بيتي في الهند التي عشتُ فيها زمناً طويلاً، لأن المزاج، هذا السكون والهدوء عند الإيراني يشبه ما رأيته في الهند، لا يمكن للإيراني بسكونه وهدوئه إلا أن يكون منفتحاً.

قلتُ إن الفاتيكان كان رائد الحوار المسيحي الإسلامي وهذا ما درسته في عدد من كتبي ولا سيما «المسيحية بين البوذية والإسلام» عندما تكلمت عن 1950 وفي الخمسينات، كان البابا يوحنا الثالث والعشرون هو من أهم الباباوات في تاريخ الكنيسة، في عهده حصل تحوّل ضخم جدّاً نحو الأديان الأخرى والإسلام بالذات، لأن البابا يوحنا كان سفيراً بابوياً في تركيا إذا عرف الإسلام منذ البداية، وتحسّساً منه بالخطر الشيوعي والإلحادي قال: لنفتح المجال نحو الأخوّة بين كل هذه الأديان فالخصم واحد.

عقد مؤتمر «حوار الأديان» في بيروت وشارك فيه فعاليات من دول مجاورة، منها إيران، تحدّثوا من خلاله عن دور الدين والبيئة. كيف يساهم دور الدين والبيئة في حوار الأديان؟

الشيخ د. مبلّغي: البيئة كانت أمراً مهمّاً منذ البداية، ولكن أخيراً ما يميّز الحفاظ على البيئة والتمحور حول البيئة هو أنّ البيئة أصبحت نقطة أساسية وبؤرية لكلّ شيء يعني كلّما كان الإسلام يتحدّث حول الذنوب، عندما ننظر إلى هذه الذنوب تنعكس سلباً على البيئة، وكلّما كانت تتحدّث حوله الأديان، ليس فقط الإسلام، كالأمور الخيريّة والمبرّات تنعكس إيجاباً. فالبيئة أصبحت، ليست فقط بيئة الحياة بل بيئة فكرة الله البيئة المعنوية بيئة الحياة الإلهية، وكل أمر الآن يأتي وينبثق من البيئة، وإن حافظنا على البيئة فبإمكاننا أن نحافظ على كل الأهداف التي كانت الأديان السماوية ترمي إليها، ومن دون الحفاظ على البيئة لا يمكن إقامة أي خير وأية بركة ورحمة إلهية؛ فالبيئة حسب القرآن الكريم بل حسب الأديان المختلفة، أنا هكذا أرى أنّ الأديان المختلفة تريد إعطاء طابع قداسي وتعارفي وسياحي وتوازني ومعنوي وتفكيري إلى البيئة، فكل الآمال مركّزة على البيئة.

كيف يمكن للحوار بين الأديان أن يركّز على قضايا الإنسان الاجتماعية وليس فقط على القضايا الكلامية القديمة؟

الشيخ د. مبلّغي: ما من قضية إنسانية إلا ولها ربط وثيق بالبيئة، اليوم ثبت أن الفقر عندما يحدث في منطقة، فهذا الفقر لا يضرّ بالأناس المتواجدين والموجودين في تلك المنطقة فقط، بل هذا الضرر ينعكس على جميع البشر لأن انعكاسات سلبية تأتي من جانب الفقر متوجّهة إلى الأرض تجعل البيئة متدهورة وهذا التدهور ينعكس على الأرض بل قالوا أن هذا ينعكس على الأجيال القادمة؛ يعني الأرض وضعها للأنام جميعهم، فنحن من جرّاء هذه الفكرة التي ثبت مؤخّراً أن القضايا الإنسانية التي لها علاقة وثيقة بالبيئة العادلة، لها علاقة وثيقة بالبيئة؛ الفقر، الظلم، الأسلحة. كل شيء له علاقة بالبيئة فالنقطة الأساسية هي البيئة والنقطة الأساسية في البيئة هي الأرض ونحن نجد أن الأديان السماوية منذ البداية كانت قد ركّزت على الكرة الأرضية، وقديماً كانوا يركّزون على نقطة معينة من الأرض، يعني لم يكن لديهم عين ترى الأرض بكاملها؛ ولكن الديانات المختلفة سواء الإسلام أو المسيحية ركّزوا على الكرة الأرضية وهناك آيات قرآنية، بما أن تخصّصي هو في القرآن الكريم، نجد أن رؤية القرآن بالنسبة إلى الأرض هي رؤية شاملة ليست رؤية «تبعيضية» [أي مجزّأة] وهذا الزمن تقدّم إلى الأمام وسوف يتقدّم أكثر فأكثر، نحن نجد كلّما يتقدّم الزمن إلى الأمام تتبلور محورية الأرض وبؤرية الأرض لجميع القضايا الإنسانية، تتبلور أكثر فأكثر، وهذا يثبت ما كان للإسلام وللديانات المختلفة من تركيزها على الأرض. إذا كانت الأرض – النقطة الأساسية، تتمحور القضايا الإنسانية الاجتماعية حولها وتتمحور الديانات والمعنويات حولها، إذا كان الأمر هكذا، فعلى الأديان المختلفة تركيزهم في الحوارات على الأرض، ومن البيئة والأرض، يكون الانطلاق إلى قضايا أخرى؛ ولو نضيف شيئاً أنّ البيئة تهمّ البشر ليس فقط تهمّنا كمسلمين ومسيحيين أو كأتباع، والتركيز على شيء يهمّ البشر هذا يعني التوسّع في أطراف الحوار مع جميع البشر، فما من قضية إنسانية إلا وأنها بالإمكان أن نضعها على طاولة الحوار في إطار البيئة.

بالحديث عن حوار الأديان، كيف هو حال الحوار في لبنان؟

د. صليبا: قدّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال كلمته في الأمم المتحدة في أيلول الماضي اقتراحاً مهمّاً هو أن يكون لبنان هو أرض حوار الأديان؛ أما في جبيل، وأنا قمتُ ببادرة ضمن هذا التوجّه أن تكون جبيل هي مدينة الحوار المسيحي الإسلامي، وقد عقدنا مؤتمراً للمعهد السويدي بعنوان الدين في الدبلوماسية فطلبتُ من المسؤولين عن هذا المؤتمر أن يكون في جبيل مقدمة لكي تكون هذه المدينة مدينة الحوار المسيحي الإسلامي؛ أودّ أن أذكر هنا حادثة، تكلّمت في افتتاح هذا المؤتمر أن جبيل هي مدينة التعددية والسلم الأهلي والتنوع الثقافي الديني منذ بدايتها أي منذ العصر الفينيقي وضربت مثلاً عن أحداث 1860 [الحرب الأهلية التي حصلت بين الإسلام والمسيحيين]، كان هناك فريق، وكانت الأكثرية في جبيل ولا تزال مسيحية، كردة فعل على الأحداث والمذبحة التي حصلت، يحاول من كسروان أن يهجم على مسلمي جبيل، وهي حادثة موثّقة، فقام المسيحيون بحماية كل المسلمين ومنعوا المسلمين أن يغادروا المدينة وتوجّهوا إلى المهاجمين [مداخلة من د. نبها: هي أحداث دائماً تحصل في التاريخ، وهذا ما حصل في جبل عامل عندما حمى المسلمون المسيحيين] أودّ أن أستخلص هنا أنّ رئيس المؤتمر وقتذاك وهو مدير معهد الفكر في لندن أتى بعد الكلمة وكان متأثراً جداً وقال لي: بالفعل يجب أن تكون جبيل دائماً مقرّ مؤتمراتنا طالما أن هناك مثل هذه المبادرات في تاريخها.

[مداخلة من د. نبها: لذلك دعوى أن يكون لبنان هو مركز الحوار بين الأديان، لعل أن يكون هناك وزير للحوار بين الأديان] هذا ما نأمله في أن يكون موجوداً في هذه الحكومة المقترحة، وأنا آخذ التجربة الهندية إذ لديهم وزير لليوغا وكانت النتيجة رائعة، بات هناك يوم عالمي لليوغا وبات هناك اهتمام من الأمم المتحدة، لو كان في لبنان وأيضاً في إيران وزير لحوار الأديان كان من شأنه أن يفعّل هذا الأمر.

كلمة أخيرة:

الشيخ د. مبلّغي: أنا أطابق [أؤيد] ما قاله البروفيسور صليبا وهو أن لبنان هو vitrine العالم [واجهة للعرض] هو نافذة على مشهد العالم كلّه وما نجده في لبنان أن التاريخ قد طعّم التسامح الأدياني والحوار الأدياني في هذا الشعب وقد انعكس هذا في لبنان بشكل رائع وخدمة هذا الأمر للمجتمع البشري الذي عليهم أن يعيشوا متبادلين ومتعارفين أن يشكروا لبنان من هذه الزاوية، وطبعاً من زوايا أخرى لكن بحثنا اليوم في هذه الزاوية، أن لبنان له سهمه ودوره وحقّه على المجتمع البشري في إبراز صورة رائعة من التعايش بين أتباع الأديان. وإيران، طبعاً الكثير من الناس لا يعرفون ماذا يجري فيها، دقيقاً وبالضبط يوجد هذا الأمر بين أتباع الأديان وطبعاً إبراز هذا الذي يوجد هنا وهناك هو من أهمّ ما يجب علينا طرحه.

د. صليبا: عسى أن يساعدنا الإخوة الإيرانيّون في هذا، أن يكون لبنان هو بلد الحوار.

الخاتمة: تاريخ الإيمان هو تاريخ واحد وقد تجلّى على ألسن الأنبياء والرسل لحقيقة واحدة.

[1]-الحلقة رقم 255 من برنامج أحسن الحديث؛ تمّ تسجيلها في 29/6/2018، إخراج: علاء علاءالدين / المنتج: محمد علاءالدين / فريق الإعداد: د.خضر نبها وزينب عقيل.

[2]-صـمويل فـِلـِبس هـنـتـنـغـتون Samuel Phillips Huntington. (1 أبريل 1927-24 ديسمبر 2008) أستاذ علوم سياسية اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين هي الحضارات وليس الدول القومية. كما أثار الاهتمام لتحليله للمخاطر على الولايات المتحدة التي تسبّبها الهجرة المعاصرة. درس في جامعة يل، وهو أستاذ بجامعة هارفارد. برز اسم هنتنغتون أول مرة في الستينات بنشره بحث بعنوان “النظام السياسي في مجتمعات متغيّرة”، وهو العمل الذي تحدّى النظرة التقليدية لمنظّري التحديث والتي كانت تقول بأن التقدم الاقتصادي والاجتماعي سيؤدّيان إلى قيام ديمقراطيات مستقرّة في المستعمرات الحديثة الاستقلال. في 1993، أثار هنتنغتون نقاشاً مستعراً حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز (العلاقات الخارجية) مقالاً بالغ الأهمية والتأثير بعنوان “صدام الحضارات؟”، وكانت مقالته بمثابة الردّ على نظرية أخرى متعلقة بديناميكية السياسة الجغرافية بعد الحرب الباردة لصاحبها فرانسيس فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ”. لاحقاً قام هنتنغتون بتوسيع مقالته إلى كتاب، صدر في 1996 للناشر سايمون وشوستر، بعنوان صدام الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي. المقالة والكتاب عرضا وجهة نظره القائلة أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستحدث أكثر ما يكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية، مثل الحضارات الغربية، الإسلامية، الصينية، الهندوسية، إلخ.) بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين. هذا التصنيف الثقافي سيصف العالم بطريقة أفضل من النظرة التقليدية للدول المختلفة ذات السيادة. وخلص إلى القول بأنه لكي نفهم النزاع في عصرنا وفي المستقبل، الخلافات الثقافية يجب أن تُفهم، والثقافة (بدلاً من الدولة) يجب أن يتم القبول بها كطرف وموقع للحروب. لذلك حذّر أن الأمم الغربية قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم الطبيعة غير القابلة للتوفيق للاحتقانات المتنامية حالياً. المنتقدون وصفوا صراع الحضارات بأنه “الأساس النظري لشرعنة عدوان الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الصين والعالم الإسلامي”. إلا أن هنتنغتون أكّد كذلك أن هذا التغيير في البنية السياسة الجغرافية يتطلّب من الغرب أن “يقوّي نفسه داخلياً ويتخلّى عن عالمية الديمقراطية والتدخل المُلِح”. آخر كتب هنتنغتون، “من نحن؟ التحديات للهوية القومية لأمريكا” كان قد نُشر في مايو 2004. موضوع الكتاب كان معنى الهوية القومية لأمريكا والتهديد المحتمل الذي ينجم عن الهجرة اللاتيتنية الضخمة، والتي يحذر هنتنجتون من أنها قد “تقسم الولايات المتحدة إلى شعبين، بثقافتين، بلغتين.” مثل صراع الحضارات، الكتاب أثار جدلاً واسعاً، واتهم البعض هنتنغتون بالخوف المَرضي من الأجانب xenophobia  لتأييد الهوية الأنجلو بروتستانتية لأمريكا وللانتقاص من نظم القيم الأخرى.يقول هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات: “نظريتي هي أن المصدر الرئيسي للنزاع في العالم الحديث لن يكون في الأساس عقائدياً أو اقتصادياً. التقسيمات الكبرى للجنس البشري ومصدر الصراع الحاكم ستكون على أساس الثقافة. الدول القومية ستبقى كأقوى اللاعبين في العلاقات الدولية، ولكن النزاعات الرئيسية في السياسة العالمية ستحدث بين الأمم والمجموعات المختلفة من الحضارات. صراع الحضارات سيحكم السياسة العالمية. الفوارق بين الحضارات ستكون خطوط القتال في المستقبل”.

[3]-هانس كونغ (19/3/1928-6/4/2021) Hans Küng: لاهوتي سويسري وكاهن كاثوليكي ومفكّر. ولد في سورزيه في مقاطعة لوتسرن في سويسرا. درس الفلسفة 1948-1951، واللاهوت 1951-1955 في الجامعة الغريغورية الحبرية في روما. وخلال دراسته في هذه الجامعة عمد إلى ممارسة التأمّل لمدّة نصف ساعة كلّ يومٍ قبل الفطور. رُسم كاهناً كاثوليكيّاً في 10/10/1954. تابع دراسته في السوربون وفي المعهد الكاثوليكي في باريس 1955-1957، وناقش أطروحة دكتوراه بعنوان: “التبرير، دراسة كارل بارت والتأمل الكاثوليكي”، وحاول فيها أن يقرّب بين الكنيستَين الكاثوليكية والبروتستانتية في مسألة تبرير الذنب Justification Theology. وبعد نيل الدكتوراه انصرف كونغ لفترة إلى دراسة هيغل. درّس اللاهوت في عددٍ من الجامعات 1960-1996 وآخرها جامعة توبنغن/ألمانيا. أنشأ وترأس “مؤسّسة الأخلاق العالمية”. انتقد كونغ عقيدة عصمة البابوات في الكنيسة الكاثوليكية، ما أثار خلافاً بينه وبين البابا يوحنا بولس الثاني. ورغم هذا الخلاف بقي كاهناً كاثوليكيّاً حتى وفاته. دعاه الرئيس الأميركي جون كنيدي إلى زيارة البيت الأبيض في نيسان 1963 وعرّف عنه قائلاً: “إنه ما يمكن أن أسمّيه رجلاً جديداً في الكنيسة الكاثوليكية”. من مؤلّفاته: 1-المسيحية وأديان العالم: مسارات الحوار مع الإسلام والهندوسية والبوذية، 1986. 2-الموت بكرامة، 1998. 3-أن أكون مسيحياً، 1974. 4-ما بين الأشياء. 5-لاهوت الألفية الثالثة. توفي بمرض الباركنسون في 6/4/2021. وقال عنه زميله اللاهوتي تشارلز كوران: “هانس كونغ هو أقوى صوت للإصلاح في الكنيسة الكاثوليكية خلال الستّين عاماً الماضية. وكان غزير الانتاج لدرجة أنّني لا أعرف شخصاً قادراً على قراءة كلّ ما كتبه”.

شاهد أيضاً

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트 이 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *