الأستاذ الياس ديب الحاج بين الفلسفة الكمحجية والأدب اللبناني/بقلم أ. د. لويس صليبا

ونصل إلى الأستاذ الياس ديب الحاج([1]) الذي تولّى تعليمنا اللغة العربية وآدابها في الصف الثالث 3ème. وكانت لنا معه إطلالة أولى على الحداثة وأدباء لبنان المحدثين وشعرائه: جبران خليل جبران، وسعيد عقل. وكذلك على الفلسفة مع معلّمه كمال يوسف الحاج.

يساراً الأستاذ الياس ديب الحاج مع معلّمه الفيلسوف كمال يوسف الحاج

الياس الحاج أستاذ لغةٍ عربيّة جدّ مميّز وكان يتأرجح في تأثّراته الفكرية والأدبية يومها بين قطبَين: الشاعر سعيد عقل من ناحية، وأستاذه الفيلسوف كمال يوسف الحاج من ناحية أخرى، وذلك على ما بين الاثنَين من اختلاف يصلُ إلى حدّ التناقض! فسعيد عقل كان يدعو إلى اللغة اللبنانية وإلى استخدام الحرف اللاتيني المعدّل والمكيّف لكتابتها، أي على نمط ما فعل مصطفى كمال أتّاتورك في تركيا. في حين كان كمال يوسف الحاج يعتبر العربية لغته الأمّ وهو من نحت هذه العبارة وروّجها([2])، ولغة القوميّة اللبنانية كذلك. وعن هذه الأخيرة قال: “القوميّة اللبنانية موجودة. هي قومّيتي، بها أدين، وفيها أجاهد حقّ جهادي. وبغيرها لا أؤمن” (الحاج، كمال، م. س، ص14).

وفي تأرجحه بين هذين القطبَين، جعلنا الياس الحاج نحار ونتأرجح معه. كان كمال يوسف الحاج([3]) قد اغتيل منذ أشهر قليلة إذ خُطف من منزله في قريته الشبانية في 2 نيسان 1976 وصُلّب رأسه بالفأس وقُتل. استشهادٌ جدّ مؤثّر. وكم روى لنا الياس الحاج هذه الواقعة وجعلنا نأسف ونتأسّى لها. وممّا أذكره في هذا الصدد أنّه، وعندما اغتيل الزعيم الاشتراكي والمفكّر والكاتب اللبناني كمال جنبلاط في 16/3/1977، قرأ لنا الياس الحاج في الصفّ برقية التعزية التي أرسلتها أرملة كمال الحاج السيدة ماغي الأشقر الحاج إلى ابنه وليد كمال جنبلاط، وفيها ما معناه: “وكما قال لي والدك معزّياً بزوجي كمال الحاج إن المفكّر لا يموت، فإنّي أردّها اليوم لك قائلة ومكرّرة قوله: إن المفكّر لا يموت”، فحزنّا مرّة أخرى: كمالان جمعهما الاسم وحرفة القلم والابداع في دنيا الفكر قضيا اغتيالاً واستشهاداً، في فسحة زمنية تقلّ عن سنة، وليت لهذه اللائحة السوداء المعيبة نهاية!!

أمّا سعيد عقل، فكان بعُرف الياس الحاج المثال والنموذج للشاعر الحداثي المبدِع، وشاعر الوطنيّات كذلك. وكان يحفظ الكثير من قصائده، ولا سيما الخماسيّات، عن ظهر قلب. وجعلنا نحفظها بدورنا. إذ طلب منّا أن نخصّص دفتراً للخماسيّات كنّا ندوّن عليه كلّ أسبوعٍ خماسيّة أو أكثر، ونحفظها ونتبارى في إلقائها، وذلك ضمن حصّة الاستظهار. ولا زلتُ إلى اليوم أحفظُ عدداً من هذه الخماسيّات، من فرطِ ما كرّرنا إنشادها متبارين، ومن بينها الخماسية الوطنيّة التالية:

بلا عنفوانٍ سكوتة

أرادوكِ حتى لهان

جمالكِ بين الحسان

بلادي اغضبي أو أموتَ

أنا خبزي العنفوان

وفي حبّه لمعلّمه كمال الحاج وحديثه المستمرّ عنه فتح لنا الياس الحاج نافذة على الفلسفة، وجعلنا ننفتحُ عليها. رغم أنّنا ما كنا يومها في عمرٍ يتيح لنا أن نعيها بأبعادها. إذ كنّا لمّا نزل طريّي العود، والمناهج التربوية في لبنان أهملت الفلسفة منذ البدء، وجعلت دراستها تقتصر على الصفّ الثالث الثانوي، بل بالأحرى على من يختار فرع الفلسفة عندما يصل إلى هذا الصفّ. ثم عادت وفتكت بها في المناهج الجديدة التي وُضعت مع إطلالة الألفية الثالثة.

ومن جهتي، ورغم تقديري لفكر كمال الحاج ولصدقه وجرأته في التعبير عنه، جرأة أودت به إلى الاستشهاد. بيد أنّني لم استسغ فكره الطائفي رغم تمييزه بين الطائفية والتعصّب، وزعمه أن “عظمة القوميّة اللبنانية تنبثق من كونها طائفية” (الحاج، كمال، م. س، ص15). إذ كنتُ يومها، ولا أزال، عَلمانيّ الهوى، فآثرتُ عَلمانية المطران غريغوار حدّاد وعبدالله لحّود على “طائفيّة” كمال الحاج. وكان تلفزيون الصنائع الذي سيطر عليه العميد عزيز الأحدب إثر انقلابه في أذار 1976، يروّج للعَلمانية حلّاً للمسألة اللبنانية، فخصّ الموضوع ببرامج عديدة ظهر فيها حدّاد ولحّود وغيرهما داعين إلى العلمانيّة وشارحين ميّزاتها، إلخ…

كما أن الفكر القومي والذي يمثّله كمال الحاج ويجسّده لم يستهوني يومذاك، أو قل بالحري يوماً. وكان ذلك يومها بتأثير ميخائيل نعيمه الذي يغيب المنحى القومي عن فكره واهتماماته ومؤلّفاته. وقد انتقده كمال الحاج، فقال في ذلك: “النعيميّة لا شروش لها في محيطها الاجتماعي. إنها تشقلك إلى فوق الفوق بجمزةٍ واحدة، فلا تعود أنت من بني البشر. كالنسر هي قلّما تمشي على الأرض بين الناس. عشقت السحاب، ولمّا تزل في المهد، فقفزت إليه بخطوةٍ واحدة، وبقيت هناك. ومن هناك أخذت تكلّم الناس بلغةٍ لا أرضيّة”([4])

أما سعيد عقل فكان الياس الحاج مدخلاً لي لرحلةٍ معه استمرّت طويلاً، ولمّا تزل. وكانت البداية، على الأرجح، ممّا كان استاذنا الحاج يردّد وينشدُ له من أشعار. ولا أزال أحفظ للشاعر قولاً كان يردّده أستاذنا: “أريدُ أن أُسَعْقِلَ زحلة، وأُزحْلِنَ لبنان، وأُلَبْنِن العالم”

فأقوالٌ كهذه، على ما تحوي من جنون عظمة، كانت تستهوي الأحداث اليافعين من أمثالنا وتدغدغ طموحاتهم وتشطح بمخيّلتهم إلى البعيد.

وجاء سعيد عقل ليحاضر على مسرح مدرستنا يوماً، وكان ذلك بدعوة من جهةٍ خارجية استعارت هذا المسرح أو استأجرته. فحثّنا الياس الحاج على أن لا نفوّت هذه الفرصة الذهبية ونحضر المحاضرة. كان ذلك قرابة عيد الميلاد 1976 على ما أذكر. أمّا عنوان المحاضرة فهو: “لأنّنا لا نعرف الله”.

وعملتُ بنصيحةِ أستاذي، وبعد نهاية المحاضرة اقتربتُ من الشاعر الكبير، وكان لا يزال جالساً ويتحلّق حوله السائلون، فانتظرتُ دوراً لي وعندما جاء سألته:

-إستاذ سعيد كيف بكتب اسمي بلغّتك؟

والمقصود بالحروف اللاتينية المعدّلة التي ابتكرها، فنظر إليّ بحنوّ وسأل:

-شو اسمك.

وبعد أن أجبته كتب على ورقةٍ أمامه:

-Lwiis Saliba

وأعطانيها. فسررتُ بما فعل. وصرتُ تدريجيّاً أكتب اسمي باللغات الغربية على هذا النحو. واعتمدتُ هذه الكتابة وقوننتها في جوازات سفري العديدة وفي شهاداتي الفرنسية والأجنبية كذلك. أما نقطة البداية فكانت يومذاك.

وإلى هذين الرائدين كمال الحاج وسعيد عقل كان الياس الحاج محبّاً لجبران خليل جبران. وجعلنا نحبّه. طلب منّا أن نقتني المجموعة الكاملة لمؤلّفاته العربية، وخصّص ساعةً في الأسبوع نقرأ فيها نصوص جبران من تلك المجموعة ونحلّلها ونعلّق عليها ونتحاور فيها. وكان لساعات قراءة جبران هذه أثرٌ بعيدٌ في نفسي وصارت مجموعته تلك كتاب مخدّتي فحفظت الكثير من نصوصها. بيد أنّني كنتُ يومها أقدّم ميخائيل نعيمه على جبران، لا لشيء ربّما، سوى لأنّني كنتُ قد قرأتُ له سبعون وكرم على درب وغيرها من مؤلّفات كما أسلفتُ. وكنّا نتناقش في ساعات القراءات الجبرانية مقارنين ومفاضلين بين الأديبَين الكبيرَين. وإذ احتدم النقاش يوماً دعانا الأستاذ الياس الحاج إلى مناظرةٍ في الأسبوع المقبل، يدافع فيها كلّ تلميذ عن أديبه المفضّل. وكانت بيني وبين من تقدّم يومها للدفاع عن جبران أي زميلي برنلي نصّور.

وكانت الأكثرية في الصف تساند برنلي فكاريسما جبران وشهرته تفوقان ما لنعيمه من شهرة ومحبّين. فكان عليّ أن أحضّر جيّداً للمناظرة كي لا تبدو حجّتي ضعيفة!

وقد أثار هذا النشاط الأدبي يومها حماس التلامذة، وانقسم الصف إلى فئتَين وحزبَين. ووقف الأستاذ الياس حكماً وهنّأ كلينا على حُسن الأداء. وكان الياس الحاج رائداً في النشاطات الأدبية التي تثير الحماس وتحفّز التلامذة على الاهتمام بمادّته والانكباب على دراستها. ويكفي أن مناظرة كهذه جرت برمّتها باللغة الفصحى لتحمل فائدة جلّى إلى المتكلّم والمستمِع في آن. وكان الأستاذ الياس يكتفي بالإصغاء وتصحيح الأخطاء اللغوية (إعراب الكلمات) لكلّ متحدّث منّا، ويطرح بعض الأسئلة على هذا أو ذاك من المتناظرَين لتفعيل الحوار وتنشيطه. وقد أحسن لعب دور الحكم يومها.

ومّما أجاد في تدريسه وأفلح في إثارة اهتمامنا به علم العروض والأوزان الشعرية الخليلية. وكانت دراستي المنهجية الأولى يومها لأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي في الشعر العربي العمودي، رغم أنّه كانت لي محاولاتٌ سابقة في هذا المجال، كما أسلفتُ، بيد أنّها كانت سماعيّة.

وكان الياس الحاج إثر تدريسنا كلّ بحرٍ من بحور الشعر العمودي يطلبُ منّا أن ننظم أقلّه بيت شعرٍ واحدٍ على هذا الوزن، وفي الحصّة التالية كان يقسم اللوح الخشبي بخطوطٍ عموديّة إلى ما تيسّر له من أقسام، ويطرح الصوت:

-من نظمَ بيتاً أو أكثر على البحر الذي درسناه في الأسبوع الماضي، فليصعد ويكتبه على اللوح، ويذكر تحته تفعيلاته. وكم حمّستنا هذه التمارين لنظم الشعر العمودي والتباري في ذلك. وأذكر أنّني نظمتُ يومها بيتاً على البحر الكامل هو التالي:

رحلَ الجمالُ إلى ديار الحبّ في        سفنِ الشراع الكبريات الحالمة

وعندما قرأه الأستاذ الياس على اللوح مع تفعيلاته استحسنه وهنّأني عليه. ما شجّعني على المضيّ قدماً كي أجعل منه فاتحة قصيدة، بيد أنّني لم أعد أذكر سوى البيتَين التاليين وهما:

وبقيتُ وحدي ههنا أرقبُ                 عودةَ نفسي التائهةِ الحالمة

كم طالَ شوقي وانتظاري في غربتي       وهي في دنيا الأحبّةِ حائمة

وقد أثبتُّ باكورة منظوماتي العموديّة هذه في ديوان مرآة القلب([5])

وممّا لا يزال محفوراً في الذاكرة عن دروس العَروض للأستاذ الحاج النادرة التالية:

كان ذلك إثر شرحه للإشباع([6]) في علم العروض.

وخلال حصّة التمارين التطبيقيّة كان أحد التلامذة الزملاء على اللوح يكتب بيتاً من الشعر مع تفعيلاته، فسأل الأستاذ الحاج:

-إستاذ هون مش لازم نشبّعا؟ (ويقصد القافية).

فأجابه الياس الحاج للتوّ وبسرعةِ بديهته المعهودة:

-وبلكي يا كمال مَنّك قادر تشبّعا؟!

فضحك الصفّ برمّته على هذه “التورية” التي جاءت في موضعها، وهذه “اللطشة” الناجحة وسرعة البديهة عند الأستاذ الياس.

ومن أحاديث الياس الحاج المشوّقة في الصفّ والتي كانت تثير اهتمامنا ما كان يرويه لنا عن لقاءاته بكبار الأدباء والمفكّرين ممّن تتلمذ عليهم في مساره الأدبي والفلسفي. فعن معلّمه الفيلسوف كمال يوسف الحاج كان يحلو له أن يروي لنا لقاءه الأوّل وكذلك حواره الأخير معه قبل استشهاده. وهو ما عاد وذكره في مقدّمته لكتاب هذا الأخير “فلسفة كلّفتني دمي”، يقول الياس الحاج: “منذ سبع سنواتٍ ونيّف، كنت قد شرعتُ في دراسة الحقوق، وعقدتُ النيّة على ممارسة المحاماة. شاءت الأقدار أن دعاني في يوم زميل لي، إلى حضور صفّ في قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية. لبّيتُ فوراً. فإذا أنا داخل الصفّ إزاء بركانٍ كمحجي يقذف حمماً فلسفية حرّاقة خرّاقة، فأُسرتُ واستلذذتُ الأسر، وكأنّني قد ذهبتُ للوهلة الأولى شهيد شواظ البركان الساحق الماحق!

وخمدت النار، ليتفرّق الطلبة شذر مذر. قرّبني زميلي إلى الدكتور للتعارف. وبعد كلماتٍ، صوّب إليّ عينَين حادّتين ذكيّتَين، وقال: أنت للفلسفة، فهذا مكانك”

وفعلاً تركتُ كلّية الحقوق وصفّ القوانين، لألتحق بكلّية الآداب وصفّ الفلسفات. فإذا أنا تلميذ الدكتور كمال يوسف الحاج. على يده نلتُ إجازة في الفلسفة، وعلى يده بدأتُ بإعداد الماجستير”. (الحاج، كمال، فلسفة كلّفتني دمي، م. س، ص9-10).

وكانت هذه الحكاية المؤثّرة تفعل فعلها في نفوسنا نحن تلامذة الياس الحاج: درس ساعةٍ، ونظرة المعلّم الخارقة والمخترقة (الدارشان قي تعابير اليوغا والفكر الهندوي) التي غيّرت مصير التلميذ، وقلبت خياراته رأساً على عقب.

أما الحدث المؤثّر الثاني الذي رواه لنا الياس الحاج مراراً يومها فهو الحوار الأخير والوداعي بينه وبين معلّمه الفيلسوف، وبه يفتتح مقدّمته للكتاب الكمحجي (نسبة إلى كمال الحاج) الآنف الذكر. يروي الياس الحاج وكان يومها أمين عام رابطة الفلسفة اللبنانية التي أسّسها كمال الحاج: “يا حضرة الأمين إبقَ أميناً على هذي المقولات. اجمعها في كتاب. فأنا قد أكبو قبل النهاية… ولا بدّ من أن يرفعوا راية المسيح” تلك كانت آخر عبارة في آخر مكالمة هاتفية طرقت سمعي من فم الفيلسوف قبيل استشهاده!!!

أمّا وقد كبا فعلاً ذاك الجواد الجوّاد قبل نهايته، فها أنا “الأمين الأمين” أنفّذ وصيّة المعلّم رسول أمين….” (الحاج، كمال، م. س، ص9).

علاقة درامية بل ملحميّة جمعت بين معلّمٍ فيلسوف وتلميذٍ له. وقد أجاد الياس الحاج في رواية تفاصيل تلك العلاقة على مسامعنا، وأحسن الوصف واستخلاص العِبَر والفوائد. وكانت كلّ هذه الأقوال والروايات البالغة الدلالة تترسّخ في وعينا وفي اللاوعي كذلك.

وممّا رواه لنا عن علاقته بسعيد عقل حواره معه في المسألة اللغوية. إذ بادره الياس الحاج يوماً قائلاً:

-أنت أمّنتَ بقاءك وخلودك في اللغة الفصحى بما نظمتَ من أشعارٍ فيها، وألّفت من كتب، فلم تعد تحسب نفسك خاسراً إن كانت هي المنتصرة. وإن تراجعت أمام اللغة اللبنانية بحروفها اللاتينية وحازت هذه الأخيرة قصب السبق فأنت منتصر. وهكذا ففي الحالتَين تعتبر نفسك رابحاً. وليست هذه حال أخصامك ولا أنصارك في آن، فالأوّلون إنما كتبوا بالعربية الفصحى، والأخيرون باللبنانية!

وما كنتُ أخال الياس الحاج مخطئاً في هذه المعادلة التي طرحها أمام سعيد عقل. فهذا الأخير خالد وباقٍ في اللغتَين، وله في أشعاره في كلتيهما ما يجعل ذكره باقياً وحضوره مستمرّاً.

ومن ناحيتي، فرغم ولعي بشعر سعيد عقل يومها وفي كلتا اللغتَين، كنتُ أرى في طرحه للغة اللبنانية والحرف اللاتيني لكتابتها خياراً انعزاليّاً، من شأنه أن يفصل لبنان عن محيطه العربي. وكنت أكثر ميلاً إلى أن هذه اللغة المحكية غير قادرة على استيعاب المضامين الفلسفية بمختلف أبعادها. وكان هذا في طليعة المآخذ الكمحجيّة على الطروحات السعقلية. ويضرب فيلسوفنا على ذلك مثلاً هو المقدّمة الفلسفية التي وضعها سعيد عقل باللغة العامّية لديوان جلنار للشاعر ميشال طراد، يقول كمال الحاج في ذلك: “لقد أراد الكاتب أن يعالج مشكلة الجمال، على الصعيد الفلسفي، دون أن يتبنّى اللغة التي تلائم هذا النوع من التفكير. نعني الفصحى. والمقصود بالفصحى ليست اللغة المعقّدة، بل اللغة المقعّدة. تبنّى العامّية لفكَر فصيحة ظنّاً منه أن العامّية تضع الفِكَر الفصيحة في متناول الناس. لكن الفكرة الفصيحة تظلّ فصيحة، وإن في لغة عامّية. لذا بان الانحراف، وكان فشلُ محاولته صارخاً”([7])

كنتُ أقرأ عن هذا السجال الكمحجي/السعقلي والذي شجّعنا الياس الحاج يومها على الخوض فيه رغم قلّة بضاعتنا من العلم وطراوة عودنا وصغر سنّنا. فأراني أميلُ إلى طرح كمال الحاج. فرغم ولعي بالزجل والشعر اللبناني العامّي عموماً يومذاك، ما كنتُ أطيق ولا أزال، أن أقرأ نثراً باللغة العامّية ولا سيما إذا كان في مواضيع علمية وفلسفيّة!

وكنتُ ولا أزال في خياري أستلهم المعادلة الحسابية البسيطة التالية:

-أيّهما أجدى عندما تكتب نصّاً فكرياً في الإنسانيّات أم الفلسفة، أم علوم الأديان، أم غيرها، أن تتوجّه فيه إلى مائتي مليون عربي سيكونون من قرّائك المحتملين، أم إلى ثلاثة ملايين قارئ لبنانيّ محتمل؟!

إن طرح اللغة اللبنانية هو، في الحقيقة وفي أرض الواقع، طرح عزلٍ للبنان وانعزالٍ لمفكّريه وكتّابه بامتياز. ولكمال الحاج دورٌ ريادي في التنبيه والتحذير من ذلك. وكان لالياس الحاج دور إيجابي في إقحامنا المبكر في ذلك السجال، وشحذ أذهاننا للتفكير في قضايا خلافية لها أبعاد وطنية وفكرية وفلسفية كبرى.

وممّا رواه لنا الياس الحاج عن الأديب الكبير ميخائيل نعيمه ناسك الشخروب وزياراته العديدة له. مسألة توقّفه المبكر ونحو الثمانين عن الكتابة. وذلك بسبب رجفة في يده اليمنى كانت تمنعه من أن يمسك بالقلم ليدوّن نصوصه. وقد أسف ناسك الشخروب، على ما نقل لنا الحاج عنه، أنّه لم يتعلّم يوماً الضرب على الآلة الكاتبة، واستخدامها بالتالي لكتابة نصوصه. “تعوّدتُ أن أرى الحرف يخرج ناصعاً من بين يديّ ومن حبر قلمي، ولم أعتد أن أُملي نصّاً، ولا أن أطبعه على الآلة” قال النعيميّ متحسّراً وآسفاً للحاج.

وكانت العبرة التي استخلصها هذا الأخير من هذا الإقرار وجوب أن يتعلّم استخدام الآلة الكاتبة (الدكتلو) كي لا يقع يوماً ما في مشكلة كهذه. ومن ثمار دُربته الجديدة هذه ما كان يأتينا به من نصوصٍ له مطبوعة على تلك الآلة لتكون موضوع دراستنا في مادّة “تحليل النصوص”.

وأذكر في هذا المجال نادرة يحسن أن تروى. إذ كان الأستاذ الياس الحاج يأتينا في مادّة تحليل النصوص بمقطوعات نثرية بليغة من تأليفه مطبوعة على الدكتلو وموقّعة بالأحرف الأولى من اسمه الثلاثي: الياس ديب الحاج، أي هكذا: إ. د. ح.

وعند رؤية النصّ الأوّل بهذا التوقيع صاح تلميذٌ بقربي:

-إستاذ مين هيدا “إدح” (قِدح).

عبّأ الأستاذ الياس عندها وامتقع لونه، وأقلع عن التوقيع بهذه الطريقة في النصوص التالية.

وكان الأستاذ الياس “عينو رفيعة” طبقاً للتعبير العامّي، أي محبّاً للجنس اللطيف، وينظر إلى الحسناوات باهتمامٍ وعين رضا. وأيّ ضيرٍ في ذلك. بل هي “خصلةٌ” تعدّ من “كمال” صفاته. فالأديب الشاعر المبدع مثله يحتاج أن يستوحي، ولا سيما من الجمال المجسّد أمامه كي يكتب “فلسفاتٍ لعينَيها” وهو عنوان أحدِ مؤلّفاته.

وأذكر له نادرة في هذا المجال أضحكتنا طويلاً. وكان ذلك في إطار دروس العَروض. إذ مرّ معنا بيتٌ شهير للمتنبّي في قصيدته الهجائية الشهيرة لكافور “عيدٌ بأيّةٍ حالٍ عدت يا عيدُ”. وفيها يقول:

أصخرةٌ أنا ما لي لا تحرّكني       هذي الـمُدامُ ولا هذي الأغاريدُ

وهنا رفع التلميذ “الشقي” نديم فرحات يده وقال:

-إستاذ فيه غلط، فسأل المعلّم أين؟ أجاب نديم: ما لي لا تحرّكني هذي الـمَدامُ ولا هذي الأغاريدُ.

فضحك الأستاذ الياس وضحكنا جميعاً معه. وأعجبته تلاوة نديم المبتكرة هذه، ونوّه بها عندما أنشد هذا البيت في صفٍّ آخر، قائلاً قرأ نديم فرحات البيت كما يلي: هذي الـمَدامُ إلخ…

وكان الأستاذ الياس الحاج يشنّ حملة لا هوادة فيها على الأخطاء الشائعة، ويحذّرنا دوماً من الوقوع فيها. وممّا أذكره في هذا الصدد استخدام فعل أصبح بمعنى صار، فأصبح في قاموسه تعني حصراً دخل في الصباح. وذلك علماً أن القرآن نفسه يستخدم فعل أصبح بكلا المعنيين. ففي المعنى الأخير ورد: {فسبحان الله حين تُمسون وحين تُصبحون} (الروم/17).

وبمعنى صار جاء في آيات الذكر: {إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران/103).

وكان يصحّح لنا حتى التعابير العامّية ممّا يعتبره خطأً شائعاً.

-لا نقول منيح بل مليح من المَلاحَة أي الحُسن والجمال.

كيفك؟ مليح وليس منيح.

وكان يولي مادّة الإنشاء عناية خاصّة، ويحمّسنا على التباري في الإجادة فيها. “عمّق، علّق، وعملق” كان يقول لنا عند طرح مبحثٍ أو قولٍ لنحلّله ونعلّق عليه في موضوعٍ إنشائي. وطريقته المميّزة هذه غالباً ما كانت تُفلح في تحفيزنا على إتقان فروض الإنشاء ومسابقاته ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

ومن المواضيع التي كتبتُها يومها، لا أزال احتفظ باثنين نقلتهما في دفتر المطالعات. الأوّل عن الميلاد سبق أن نشرته في كتابٍ أنموذجاً لبداياتي في الكتابة([8]) فلا ضرورة لتكراره هنا. والثاني أورده هنا كعيّنةٍ لما كان الياس الحاج يطرح علينا من مواضيع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأوضاع لبنان يومها، ولطريقتنا في المعالجة وفهمنا الآني يومها لتلك الأوضاع، وتأثرنا بموقف أستاذنا منها!

الموضوع: “إن من يتنازل عن حرّيته ليحظى بالسلامة هو في الحقيقة غير جديرٍ بالحرّية ولا بالسلامة”

أظهر قيمة الحرّية على ضوء أحداثِ لبنان.

وما كتبته يومها (أوائل أذار 1977) هو التالي:

بئس السلامة يسعى إليها الإنسان إذا كانت ستخنق حرّيته. إذّاك يصير المرء كما العبد، والعبدُ غير خليقٍ لا بالحرّية، ولا بالسلامة.

ونحن في لبنان ما كنّا، ولن نكون بإذن الله، أبداً عبيداً لأحد. فيوم خُيّرنا بين سلامتنا والحرّية، صار كلّ شابٍّ حرّ بندقية، وكلّ بيتٍ خندقاً ومتراساً.

الحرّية أعزّ ما في الحياة، لأنّها تعطي هذه الحياة قيمتها، والإنسان أنسانيّته.

والحرّيةُ التي كان اللبناني يتمتّع بها سابقاً في ظلّ حكمٍ وطني عادل هي ما ننشده أبداً. وقد عرفنا قيمتها في الحرب الأخيرة، ودفعنا ثمنها من مالنا وعيالنا. وصارت رائدنا الأوّل وخبزنا اليومي، نرضى به زاداً وإن لم يتوفّر لنا الخبز الحقيقي كما نشتهي.

أيّتها الحرّية: يحاولون اليوم أن ينحروكِ في لبنان، ويستبدلوكِ بالسلامة. وهم الجهلة الذين ما ذاقوا طعمك الطيّب بتاتاً. ولا يعلمون أن السلامة هي سلامة الفكر والروح قبل أن تكون سلامة العيش والجسد!

وسلامة الفكر لا تتوفّر إلا في جوّ من الحرّية.

أيّتها الحرّية: أريهم شيئاً من جمالك الذي يضاهي جمال فينوس، كي يعرفوا سبب تمسّكنا بك، ويتأكّدوا من أنّنا لن نتخلّى عنك، ولن نرضى لك بديلاً إلا الموت.

الحرّية أمانةٌ أودَعها الله عباده. وكلّ من يفرّط بها، يدوس الأمانة ويخونها. ومن كان غير أمينٍ على القليل أي الحرّية، فلن يؤتمن على الكثير في حياته أي السلامة والسعادة وغيرها.

فإذا كان ربّ العالمين قد جعل الإنسان حرّاً، فهل يحقّ لهذا الإنسان أن يدع رجلاً جاهلاً، خُلق عبداً وسيظلّ، ينتزع عطية الله هذه منه؟!

هكذا يجب أن نفهم الحرّية. وهكذا يجب أن تظهر لنا قيمتها على ضوء حربنا في لبنان، والتي كانت دفاع شعبٍ عن حرّيةٍ أراد شعبٌ آخر أن ينتزعها منه، ليُحِلّ مكانها سلامة هي أشبه بسلامة دجاجةٍ مسجونة في خمّ، لا يدع أصحابها يدَ الثعلبِ تمسّها بسوء، حتى يأتي اليوم الذي يُشبعون فيه نهمهم من لحمها الطيّب المذاق!

الحرّية هي سلامة النفس. والإنسان الذي يتخلّى عن سلامةِ نفسه غير جديرٍ بأن ينعمَ بسلامة الجسد. (صليبا، لويس، دفتر المطالعات، م. س، ص69-70).

وبهذه النشاطات المميّزة: نصوصه المطبوعة على الدكتلو والمؤلّفة خصّيصاً للتلامذة، قراءة مؤلّفات جبران وتحليلها ومناقشتها في الصفّ، المناظرات الفكرية والأدبية بين التلامذة، تشجيع تلامذته على نظم الشعر العمودي وتصحيح ما نظموا منه، فتْحُ آفاق الحداثة أمامهم من خلال تدريس شعر سعيد عقل وغيره خرج الياس الحاج على الطريقة التقليدية في تعليم اللغة العربية وآدابها، وأوسع رؤى تلامذته، ومهّد الطريق أمام من شاء منهم أن يكون من أدباء الغد وكتّابه. وكان يردّد دوماً على مسامعنا ويكرّر:

-لينتبه من سيكونون منكم أدباء الغد (لهذا الأمر أو ذاك). ولعلّه ما كان يدري أن الشعر والأدب عموماً سيكون في ذاك الغد التعيس مجرّد بضاعة كساد!!

وكان الأستاذ الياس الحاج خطيباً مفوّهاً، ومحاضراً لبقاً ناجحاً، ويساعده في كلّ ذلك صوتٌ جهوري، ونبرةٌ صافية واضحة، وأسلوب بليغ غير معقّد. وتابعناه يومها في عدد من المحاضرات منها واحدة ألقاها في البترون بدعوةٍ من أحد تلامذته وعنوانها “لماذا الفلسفة اللبنانية؟” وصار هذا العنوان محطّ كلامٍ عندنا من فرطِ تداوله.

والمحاضرة الثانية ألقاها في مدرستنا في عيد مؤسّس رهبنة الأخوة المريميين القديس مرسلين شمبانيا (20 /5 /1789-6 /6 /1840) Marcelin Champagnat في 6 حزيران 1977. وكانت المدرسة تحتفل للمرّة الأولى بهذا العيد، وذلك ببادرة من الرئيس الجديد الأخ دزيره. وحضر الاحتفال كلّ تلامذة الصفوف التكميلية وأساتذتهم. وأذكر أن الأستاذ الحاج روى لنا في محاضرته سيرة هذا القدّيس، وركّز يومها على ما كان يمارس من إماتات، كمثل قيامه الدائم عن المائدة قبل أن يشبع حتى يشعر مع الجائعين بجوعهم. ومن التعابير التي ردّدها في محاضرته: “وكأنّي به يخاطب السماء”. حتى صارت جملة مألوفة نتداولها.

وبعد أن تركنا مدرسة فرير ماريست/جبيل كان لي مع الأستاذ الياس الحاج لقاء آخر في السنة التالية. كنتُ في الصفّ الأوّل ثانوي في ثانوية راهبات الوردية/جبيل، ومسؤولاً عن فرقة الحركة الرسولية المريمية فيها. فدعوته في فترة عيد الميلاد 1977، وبعد أخذ رأي الأمّ الرئيسة بيلاجي مسعد، إلى إلقاء محاضرة في مدرستنا الجديدة. وأذكر أنّه سألني قبل أن يوافق إذا ما كانت مسألة أن يحاضر في مدرسة أخرى من شأنها أن تثير حساسية ما في مدرسة الفرير ماريست حيث يعلّم. فأكّدتُ له أن لا مشكلة وأنّنا سندعو إدارة الفرير إلى حضور هذه المحاضرة. وقد لبّت هذه الأخيرة الدعوة بشخص الناظر العام الأستاذ ميشال القدّوم. وكانت الندوة بعنوان: “لماذا الميلاد”، وتحدّث فيها الحاج عن ليشيّاتٍ ولماذات يطرحها الميلاد، ممّا استوقف القدّوم وجعله ينوّه بهذه التعابير. وكنتُ من قدّم الياس الحاج في هذه الندوة. وأذكرُ أنّه أوصاني في الاجتماع التحضيري الذي عقدته معه في غرفة الأساتذة في الفرير ماريست قائلاً: “ما تزيدا”، أي لا تبالغ في تقديمي والتعريف بي.

بيد أنّني لم ألتزم تماماً بوصيّته، لا سيما وأنّني كنت قد أعددتُ مقدّمتي، وممّا لا أزال أذكره منها قولي معرّفاً، وبصوتٍ جهوري:

“صخرةٌ من صخور هذا الجبل، وقمّةٌ من قممه الشامخة، مسيحيّ عتيق، ولبنانيّ عنيد، تتلمذَ في الفلسفة على كمال يوسف الحاج، وفي الشعر على سعيد عقل، هذا هو أستاذي الأديب الياس ديب الحاج”.

وبعد المحاضرة دعتنا الأمّ الرئيسة بيلاجي مسعد إلى جلسةٍ وفنجان قهوة في صالون المدرسة شارك فيها الناظر العام في الفرير ميشال القدّوم إضافة إلى عددٍ من الأساتذة والمدراء والطلّاب كانت مسك ختام ذلك الفصل الأوّل من تلك السنة الدراسية 1977-1978.

والخلاصة، فمع الياس الحاج بلغنا سنّ الرشد الأدبي قبل الأوان إذا صحّ التعبير. ونبقى مدينين له بهذا التفتّح المبكر والإطلالة الأولى على كبريات القضايا الأدبية والفكرية والوطنية التي لمّا تزل مطروحة على بساط البحث والنقاش إلى اليوم.

[1] -الياس ديب الحاج: ولد في عينطورا/قضاء المتن في 19/11/1949. تلقّى دروسه الابتدائية في مدرسة دير مار يوسف المتين، ثمّ في مدرسة دير سيّدة طاميش. والتكميلية في تكميلية أنطلياس الرسمية، والثانوية في ثانوية الجديدة الرسمية. درس الفلسفة في كلّية الآداب في الجامعة اللبنانية، ونال الإجازة التعليمية فيها. ثم حاز على الماجستير في الفلسفة، وعلى إجازة في علم النفس في كلّية الآداب عينها، وعلى دبلوم دراسات عليا في التربية من كلّية التربية في الجامعة اللبنانية. ودكتوراه في الفلسفة من جامعة الروح القدس في الكسليك، 1984، وكان موضوع أطروحته: “الخلفيّات الطائفية وراء المنحى القومي في فكر كمال الحاج”. تتلمذ في الأدب على فؤاد إفرام البستاني وميخائيل نعيمه وسعيد عقل وقبلان مكرزل وسعيد البستاني وفكتور الككّ. وفي الفلسفة على كمال يوسف الحاج وشارل مالك والأب جورج رحمة. اختير أميناً عامّاً لرابطة الفلسفة اللبنانية التي أسّسها كمال يوسف الحاج 1974. عُيّن مفوّضاً للحكومة وعضواً في المجلس الوطني للإعلام واستمرّ في هذا العمل مدّة خمس سنوات. علّم اللغة العربية والفلسفة في عدد من المعاهد والمدارس: الفرير ماريست/جبيل ومعهد الرسل/جونية، وثانويّات: الجديدة الرسمية، وبكفيّا الرسمية وبتغرين الرسمية، والجودة في جلّ الديب، وراهبات العائلة المقدّسة في ساحل علما، وراهبات العائلة المقدّسة في الزلقا، وراهبات الصليب في جلّ الديب. ودرّس الفلسفة والجماليّات وعلم النفس التربوي في الجامعة اللبنانية في عددٍ من كلّياتها (الآداب، والصحّة، ومعهد الفنون الجميلة) لأكثر من ربع قرن. له المؤلّفات التالية، وصدرت كلّها في بيروت: 1-من فلسفة الحياة، 1992. 2-من حقيبة الأيّام، 1992. 3-كلمات موجعة، 1993. 4-خميرٌ وزاد، 1994. 5-الفلسفة لطلّاب الفلسفة، 1994. 6-علوم العرب لطلّاب العلوم، 1995. 7-على وقع المعاناة، 1995. 8-كلمات… على مشارف القرن الآتي، 1996. 9-لمعات عند المفترق، 1997. 10-من عمق الخابية، 1999. 11-في غُرّة الألفيّة، 2000. 12-قلمٌ يكتب الجراح، 2002. 13-تحت هاجس العبور، 2004. 14-فلسفاتٌ لعينَيها، 2004. 15-سياحات قلم، 2004. 16-كي لا يضيعَ الوطن، 2005. 17-عبْرَ الشاشة، 2008. 18-شظايا، 2008. 19-من خزين اللاوعي، 2008. 20-SMS صوناً للقيَم، 2010. 21-إنسانيّات، 2013. 22-حدّثني عُمري، 2014. 23-قلمٌ في الساح، 2019. ثِمار معرفيّة، 2022.

[2] -الحاج، كمال يوسف، فلسفة كلّفتني دمي، تقديم الياس ديب الحاج، بيروت، منشورات رابطة الفلسفة اللبنانية، ط1، 1978، ص12.

[3]-كمال يوسف الحاج (1917-1976): من بلدة الشبانية/قضاء المتن الجنوبي، إلا أنّه ولد في مرّاكش حيث نزل والده في أحد أسفاره العديدة. وهذا الوالد يوسف الحاج كان من كبار الماسونيين، وممّن كتبوا فيها إلا أنّه ارتدّ عنها لاحقاً. أما والدته أدال بنت بشارة أنتيبا فكانت إنجيلية متديّنة ومثقّفة تركت عميق الأثر في قلوب أبنائها. أتمّ دروسه الابتدائية والثانويّة عند الآباء اليسوعيين في بيروت، وتعلّم الإنكليزية على أمّه التي شجّعته على تعلّم العزف على الكمان، فأتقنه وصار في ما بعد عضواً في أوركسترا الجامعة الأميركية في بيروت. تابع دروسه في الجامعة الأميركية، فنال شهادة بكالوريوس في الأدب العربي سنة 1946. وحصل على منحة من الدولة الفرنسية بناء على اقتراح المستشرق لويس ماسينيون ليختصّ بالفلسفة، فحاز الدكتوراه سنة 1950، وكانت أطروحته المحرّرة بالفرنسية بعنوان قيمة اللغة عند هنري برغسون، وطبعت في الجامعة اللبنانية 1971. عاد إلى بيروت فدرّس الفلسفة في معهد الآداب العليا الفرنسي حتى 1952 حين استقال لرفضه متابعة تدريس الفلسفة بغير اللغة العربية. وشرع إذّاك يدرّس في جامعة الروح القدس بالكسليك 1952-1955، وفي الجامعة اللبنانية منذ تأسيسها 1952 حيث تولّى بعد مدّة رئاسة قسم الفلسفة 1957-1974. ثم عمادة كلّية الآداب بالوكالة 1969-1971. عيّن رئيساً لقسم الشؤون الثقافية في وزراة التربية الوطنية 1953-1957. تزوّج سنة 1953 من ماغي الأشقر ورُزق منها خمسة أولاد. ناضل في سبيل إدخال الفلسفة اللبنانية مادّة مستقلّة في البرامج الرسمية لقسم الفلسفة في كلّية الآداب، وتمّ ذلك رسميّاً سنة 1973. أسّس مع بعض طلّابه ما أسماه “رابطة الفلسفة اللبنانية” واختير الياس الحاج أميناً عامّاً لها.

وكان مع دفاعه العنيف عن اللغة العربية يدافع أيضاً عن القوميّة اللبنانية، ما أثار عليه ردود فعلٍ سلبية من أصحاب بعض الاتّجاهات. ولمّا اشتدّت عليه وطأة تلك الردود، انكفأ عن التدريس وانصرف إلى إلقاء المحاضرات الدينية في الكنائس. ولمّا اندلعت حرب لبنان سنة 1975 انتقل إلى بلدته الشبانية، حيث يتعايش الدروز والمسيحيّون مساهماً مع عددٍ من الفعّاليات السياسية والدينية بتجنيب المنطقة سفك الدماء. إلا أنّه خُطف في 2 نيسان 1976 واغتيل فوراً بضربة فأس صُلّب بها على رأسه. وهكذا توّجت شهادته عمارته الفلسفية، وكان قد سبق له أن قال: “إن كشف الغطاء عن الحقّ في لبنان يتطلّب الفداء. والفداء فداءان: فداء الروح بالكلمة الحقّ، وفداء الجسد باختيار الموت”. آثاره: 1-ما هي الفلسفة، محاضرة، بيروت، 1941. 2-رسالة في معطيات الوجدان البديهية، ترجمة كتاب لهنري برغسون، بيروت، 1945. 3-مصطفى صادق الرافعي وأدبه، بيروت، 1946، أطروحة ماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت. 4-مدخل وقراءة نقدية لكتاب برغسون رسالة في معطيات الوجدان البديهية، وهو ترجمة لأطروحته للدكتوراه بالفرنسية سنة 1949. 5-مدخل إلى فلسفة ديكارت، بيروت، 1954. 6-هنري برغسون، بيروت، ج1: 1954، ج2: 1955. 7-فلسفيّات، بيروت، 1956. 8-في القومية والإنسانية، بيروت، 1957. 9-من الجوهر إلى الوجود، أو من ديكارت إلى سارتر، بيروت، 1958. 10-اللغة العربية بين المبدأ والتطبيق، محاضرة. 11-دفاعاً عن اللغة العربية، بيروت، 1959. 12-القوميّة ليست مرحلة، بيروت، 1959. 13-الطائفيّة البنّاءة، محاضرة صدرت ضمن محاضرات الندوة اللبنانية، أذار 1960. 14-تاريخ مفترق، محاضرة نُشرت ضمن محاضرات الندوة اللبنانية، أيار 1961. 15-فلسفة الميثاق الوطني، بيروت، 1961. 16-التأملات الميتافيزيقيّة لديكارت، ترجمة، بيروت، 1961. 17-ازدواجية اللغة ولبنان، محاضرة، بيروت، 1962. 18-فلسفة أمين الريحاني، محاضرة، بيت شباب، 1963، 27ص. 19-الوحدة القوميّة والكيان السياسي، محاضرة، 1963، 48ص. 20-المبرّر الفلسفي للقوميّة اللبنانية، محاضرة، الكسليك، 1963، 35ص. 21-من وحي التنشئة الوطنية الإنسانية، محاضرة، بيروت، 1964، 29ص. 22-الفلسفة اللبنانية الحديثة، محاضرة، بيروت، 1964، 36ص. 23-في غرّة الحقيقة، بيروت، 1966. 24-حول فلسفة الصهيونية، بيروت، 1967، مجموعة مقالات نُشرت في جريدة الحياة. 25-المسيح في التاريخ، محاضرة، جونية، 1968، 44ص. 26-الصهيونية بين المسيح والقرآن، محاضرة، جونية، 1968، 44ص. 27-قلق الإنسان في القرن العشرين، محاضرة، حمّانا، 1968، 29ص. 28-أبعاد الطائفية في لبنان والعالم العربي، محاضرة، الكسليك، 1969، 28ص. 29-المسيح بين القوميّة والاشتراكية، محاضرة، جونية، 1969، 43ص. 30-لبنان مبنى ومعنى، محاضرة، جونية، 1969. 31-لبنان في اللهب هل يحترق، مجموعة من أربع محاضرات، حمّانا، 1969، 182ص. 32-لبنان بين إسرائيل والصهيونية، مدخل إلى قضيّة الفدائيين، محاضرة، بشرّي، 1969، 62ص. 33-الطالب والقومية اللبنانية، محاضرة، بكفيّا، 1969، 62ص. 34-المسيح ولبنان، محاضرة، بيروت، 1969، 28ص. 35-قوميّات إزاء القوميّة اللبنانية، محاضرة، الكسليك، 1970، 31ص. 36-بين الجوهر والوجود أو نحو فلسفة ملتزمة، بيروت، 1971، إعادة نشر لكتابه بين الجوهر والوجود مع ذيل بقسمٍ تطبيقي. 37-لبنان اليوم، محاضرة جبيل، 1971، 28ص. 38-لبنان ذلك المجهول، محاضرة، الدامور، 1971. 39-الصهيونيّة بين تاريخَين، بالاشتراك مع عبدالله النجّار، بيروت، 1972. 40-مغزى الميلاد، محاضرة، سن الفيل، 1972، 40ص. 41-الكاهن من هو وما هو؟ محاضرة، جونية، 1973. 41-يوسف البتول، محاضرة، بيروت، 1973. 42-كلمات المسيح السبع على الصليب، محاضرة، سنّ الفيل، 1973. 43-مغزى الفصح، محاضرة، بيروت، 1973، 29ص. 44-العذراء ولبنان، محاضرة، بيروت، 1973، 31ص. 45-بكركي صخرة الخلاص، جونية، 1973. 46-الصليب، محاضرة، الكحّالة، 1973، 25ص. 47-الميلاد بالمسيح، محاضرة، سنّ الفيل، 1973، 16ص. 48-المسيحان والعصبية في الإسلام والصهيونية، بالاشتراك مع هاني نصري، جونية، 1973. 49-موجز الفلسفة اللبنانية، جونية، 1974، 910ص. 50-من وحي مريم العذراء، محاضرة، سن الفيل، 1974، 40ص. 51-قلب يسوع الأقدس، محاضرة، جبيل، 1974. 52-شفاعة مريم العذراء، محاضرة، زحلة، 1974. 53-فلسفة كلّفتني دمي، بيروت، 1978، ويتضمّن عشر مقالات نشرها في جريدة العمل 1975-1976 مع مقدّمة بقلم الياس الحاج، 110ص. 54-وكان يسوع المسيح، مخطوط، 181ص. 55-الفكر الشرقي القديم: الأسطورة، مخطوط 231ص، وهو القسم الأوّل من الموسوعة الفلسفية التي كان مزمعاً أن يصدرها في 12 مجلّداً.

[4] -الحاج، كمال يوسف، موجز الفلسفة اللبنانية، جونية/لبنان، مطابع الكريم الحديثة، ط1، 1974، ص444-445.

[5] -صليبا، د. لويس، مرآة القلب: حكايات وأغنيات عاشق ومحاولات ومختارات في العشق الصوفي، تقديم د. جاد حاتم، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2016، ص39، وجاء في هذه الصفحة: قصيدة كُتبت عام 1976، ولم يبقَ منها سوى المطلع.

[6] -الإشباع في علم العَروض: مدّ الصوت في الحركة بحيث يتولّد بعدها حرف علّةٍ ساكن يجانسها، فينجم بذلك عن إشباع الضمّة واو ساكنة، وعن إشباع الكسرة ياء ساكنة، وعن إشباع الفتحة ألف. ولا يكون الإشباع إلا في آخر صدر البيت (آخر العَروض) وعَجُزه (آخر القافية).

[7]-الحاج، كمال يوسف، في فلسفة اللغة، بيروت، دار النهار للنشر، ط2، 1978، ص242.

[8]-صليبا، د. لويس، الديانات الإبراهيمية بين العنف والجدل والحوار مع بحوث في اليوغا والتصوّفَين الإسلامي والهندوسي، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2019، رسالة ولدٍ إلى وليد المغارة، ص268-269.

شاهد أيضاً

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트 이 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *