كهف على ضفاف الغانج/قصيدة بقلم لويس صليبا
في كهفِ ناني ما Nani Ma ومعلّمها يحلو التأمّل والتسبيح
كهفٌ صغير من صخرٍ طبيعيّ طُيّن من الداخل
لا يتسع لأكثر من امرئ واحد!
ولا يُتاح للمرء أن يقف فيه
عليك أن تنحني لتدخل من بابه الصغير
ولعلّه الباب الضيّق الذي أوصى به يسوع([1])
وأن تتربّع([2]) جالساً أو تجثو في حضرةِ الكائن
ذاك الذي عُبد وسُبّح على مدى ألوف السنين
في كهف التأمّل الطبيعي هذا.
والكهف على بضعة أمتار من ضفّة الغانج.
تنظر فإذا المياه القدسية
تمضي في جريانها الصامت الأبدي
فتغمضُ العينَين
فإذا جريان الأفكار يستكين ويلامس الصمت
في هذا الكهف جلسَت ناني ما من هي بمثابة أمّ لي([3])
وأمضت ساعاتٍ طوال في التأمّل والتسبيح
قال لها معلّمها ببساطة:
امضي إلى الكهف وتأمّلي([4])
ولم يزد عن ذلك كلمة ولا معلومة
فأمضت فيه سحابة سنوات
وحيدة مع الواحد
ولا أنيس غيره ولا جليس
مُحقّ هو ذاك المعلّم
فهذا الكهفُ برهبته وسكونه
يعلّمك التأمّل
ولا حاجة لك إلى معلّم سواه([5])
أفلم يقل أحد آباء البرّية لمن سأله أن يعلّمه:
«اذهب إلى قلّايتك… واجلس،وهي تعلّمك كلّ شيء»
حجرة للسالكين والمتعبّدين هو
وبينه وبين مياه الغانج حكاية عشقٍ قديمة
تحكيها قطرات الماء المقدّسة بصمت انسيابها
وحبّات الرمال الهاجعة بلمعان بريقها العاكس لشعاعات الضوء
أيهذا الكهف المقدّس:
سلاماً في النفس حملت إليّ
وسكوناً في الخاطر
وانبساطاً في القلب
وانشراحاً في الصدر
وراحة في الجوارح
فطوبى لمن سكنك وصلّى فيك وتأمّل
عشرات السنين
فقد علق في جدرانك الصغيرة وحجر صخرك الميمون
الكثير من سكون فكره… وغبطة قلبه
طوبى لك أيّها الكهف القدسي:
فقد حفظتَ رغم مرّ الأجيال
الكثير من مشاعر العبادة والتسابيح
وتردّداتها لمّا تزل تختزنها جدرانك
وها أنت تزفّها إلى كلّ زائر عابد
يبحث بصدق وخشوع
طالباً البركة وسلام الفكر
ريشيكش/الهند في 29/4/2011
«»«»«»«»([6])
[1] -{أدخلوا من الباب الضيّق. فما أوسع الباب وأسهل الطريق المؤدّية إلى الهلاك. وما أكثر الذين يسلكونها. لكن ما أضيق الباب وأصعب الطريق المؤدّية إلى الحياة. وما أقلّ الذين يهتدون إليها.} (متى7/13-14)
[2] -تربّع تربّعاً في جلوسه: ثنى قدميه تحت فخذيه مخالفاً لهما. إنها وضعة Posture تأمل يوغي. وتربّع على العرش: جلس عليه وخصوصاً في هذه الوضعة.
[3] -ناني ما Nani Ma حكيمة بريطانية-هندية. ولدت في إنكلترا في 2/5/1948. جاءت الهند 1971. تتلمذت على الحكيم Mastram Baba الذي التقته في ريشيكش، وعاشت في ديره Ashram. تتلمذنا على هذه الحكيمة وزرناها مراراً في أشرمها في غانغوتري بالقرب من منابع الغانج.
[4] -قال لها ببساطة ومن دون أن تكون قد تعلّمت التأمل سابقاً: Go and meditate in the cave. ذلك أن اليوغا تعلّم اليوغا Yoga teach Yoga كما تقول ناني ما وتكرّر. وهو ما نقلناه عنها في السابق. (صليبا، لويس،موسوعة الأيورفيدا (الطبّ الهندي) دراسة علمية ودليل عملي للتداوي وحفظ العافية، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2019، ص632).
[5] -في دفتر يوميّات مسافر رقم 34، 26/4/2011، ص54 وصفنا ذاك الكهف كما يلي: إنه كهف طبيعي من الصخر على ضفاف الغانج. وُرّق في الداخل بالطين المجفّف أو الكلّين. تفوح بداخله رائحة القداسة والتأمّل. وأتيحت لي فرصة ممارسة التأمّل فيه. ولا يتّسع لأكثر من فردٍ واحد. ولكن الصخر والكلّين والطين يؤمّن عازلاً جيّداً فلا يحسّ المرء بالحرّ ولا بالبرد الخارجي. وأهمّ من ذلك كلّه أنه يحفظ التردّدات والذبذبات. فمن يتأمّل فيه يشعر بأثر من سبقه إلى التأمّل فيه. وهو مفعول رهيب واستثنائي. وعلى أرضه سجّادة صغيرة يجلس عليها المتأمّل وصورة للمعلّم الحكيم Mastram Baba. حقّاً إن هذا الكهف يعلّم التأمّل تلقائياً، وبصورة طبيعية، وإن لم يسبق للمرء أن مارسه.
[6] –