ضرورة إخفاء القدرات العجائبية في اليوغا وعند تريزا الأفيلية/محاضرة د. لويس صليبا عبر Zoom الأربعاء 27 ت1/ 2021
القدرات الخارقة تعيق التطوّر
يقول باتنجلي بشأن القدرات العجائبية Siddhis (يوغا سوترا 3/38): «هذه القدرات الخارقة (Siddhis) هي عوائق أمام الاستغراق (السمادهي)، ولكنها قدرات عند الدنيويين»([1]).
فهذه القدرات، يقول معلّمو اليوغا، تنمّي الغرور، وهو أكبر عائق على طريق الإشراق الروحي. كما أن السعي لنيلها يُحيد بالمريد عن الدرب الروحاني، فالهدف هو السمادهي، الوعي الصافي، وليس السيدهيز»([2]).
ويشرح سوامي شيڤانندا هذه السوترا كما يلي: «هذه القدرات عوائق، ومَن أراد الاستنارة عليه أن يرمي جانباً كلّ هذه القدرات وكأنّ لا نفعَ لها. فبها قد يصبح يوغياً قديراً، ولكنه لن يصير مستنيراً. فهي تحصلُ كعوارض جانبية في طريق التأمّل. ويجب تجاهلها»([3]).
ويؤكّد سوامي فيفيكانندا من ناحيته: «أيّاً يكُن، فهذه القدرات تسدّ الطريق نحو الهدف الأسمى والتحرّر. ويصطدم بها السالك أو تعترض طريقه. فإذا ألقى بها جانباً بلغ الأسمى، أمّا إذا أتاح لتجربة اكتساب هذه القدرات الغلبة، فيكون بذلك قد أغلق باب التطوّر»([4]).
وجاء في أوپانيشاد اليوغا الحق عن هذه القدرات: «على أن الطالب الذي انصرف بعقله إلى بلوغ اليوغا بلوغاً حقيقياً،
يرى في هذه القِوى الخارقة عقبات على الطريق المؤدّية إلى البلوغ
فلا يسعى إلى هذه القِوى،
وإن يحصل عليها فلا يفتخر بها،
إذا ما أراد أن يكون أميراً يوغياً حقيقياً،
بل يكتم قِواه هذه،
ويعمل في العالَم كأيّ إنسان عادي،
بل كإنسان ساذج، أو أخرس أو أصمّ»([5]).
إظهار القدرات ينحصر في حالات معيّنة
ويشرح سوامي شيڤانندا، من ناحيته، آلية إظهار بعض القدرات العجائبية، ويحصر دوافع استخدام هذه القدرات عند اليوغيين المتحقّقين في سببين أساسيين: إقناع المريدين، وعمل الخير حيث تدعو الحاجة الماسّة. يقول: «المتصوّف الحقيقي لا يُظهر أية قدرة خارقة Siddhi، ولكنه قد يبرز قدرة ما، وفي وقت معيّن وملائم ليقنع مريديه، أو ليحسن إلى العامّة»([6]).
هنا تبدو المعجزة دليلاً على صدق الرسالة أو النبوّة، وهي وظيفتها بالتحديد في الأديان النبويّة كما أسلفنا.
ونتابع مع شيڤانندا، فهو يعطي بعض الأمثلة على استخدام المعجزات لإقناع المريدين، وذلك ممّا اشتهر في تاريخ اليوغا، فيقول: «الملكة اليوغية شودلاي Chudalai ظهرت أمام زوجها الملك Sikhidvaja وهي مرتفعة بضعة أمتار عن الأرض، ما أدهش هذا الأخير، فاتخذها معلّماً (Guru) له. واجترح ماتسيندرانات Matsyendranath العديد من المعجزات ليقنع غوراخنات Gorakhnath بصدق الممارسات اليوغية. وكذلك الربّ يسوع أظهر العديد من المعجزات ليقنع تلامذته»([7]).
وتلفتنا ملحوظة شيڤانندا الأخيرة، فهو يضع المسيح في سلسلة المعلّمين اليوغيين المتحقّقين الذين استخدموا قدراتهم لإقناع أتباعهم ومريديهم. وغالباً ما يُتّخذ يسوع في الهند مثالاً لمعلّم اليوغا الذي خبر أسمى درجات التحقّق.
وأختم هذه الوقفة عند القدرات الخارقة وتحذير اليوغا من استخدامها بتجربة شخصية لي في هذا المجال.
تجربة شخصية في استخدام القدرات
يذكر باتنجلي في الفصل الثالث من كتابه سوترا تتيح تطوير الحدس وجعله مرهفاً (3/35 – 36). “بالسميَم المركّز على الذات يتمّ الحصول على معرفة الروح المطلق. ومن هنا ينشأ الحدس المرهف”([8]). كنت يومها في السنة الثانية من دراستي الجامعية في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، وأمامي امتحان في مادة القانون الدولي العام، ولم يبقَ لديّ سوى يومين لدراسة مجلّد كامل يختصّ بهذه المادّة. فكنتُ مجبراً، والحالة هذه، أن أختار مواضيع معيّنة ومحدودة لدراستها. ففتق لي أن أستعين بالسوترا التي يعلّمها باتنجلي لتقوية الحدس. وهذا ما فعلته، فقصرتُ ممارستي للتأمّل على استخدام هذه السوترا. ثم اخترتُ، على ضوء ما تأتَّى لي من حدس، ثلاثة مواضيع لأدرسها في اليوم الوحيد المتبقّي قبل الامتحان، كانت المسابقة عبارة عن أسئلة ثلاثة يختار منها الطالب اثنين. وكم كانت دهشتي عظيمة عندما قرأتُ المسابقة لأجد أن المواضيع الثلاثة المطروحة فيها هي حصراً وتحديداً المواضيع الثلاثة التي اخترتُ بحدسي التأمّلي أن أدرسها. فلم أتوقّع أن تكون نتيجة الحدس هذا صائبة إلى هذه الدرجة.
وبعد هذا الامتحان الناجح، رويت لمعلّمي روبير كفوري ما حدث، فقال لي: «مارست هذا التأمّل/الحدسي ببراءة ونجح، ولكنك إذا كرّرته فستفقد هذه البراءة، وتخسر هذه المقدرة، ويتشوّش الحدس». وأخبَرَني ما حصل له يوماً في ألمانيا. إذ كان طريقُه يمرّ بمحلّ للملبوسات الجاهزة. فرأى يوماً في واجهته جاكيت جلد أعجبته، وكان ثمنها الغالي يفوق قدرته الشرائية. وفي تأمّل المساء تذكّر البذلة الجلدية هذه. وفي اليوم التالي توقّف برهة قصيرة أمام واجهة المحلّ عينه، فخرج صاحبه ليدعوه إلى الدخول، وقدّم له البذلة الجلدية المذكورة هدية. ولكن أستاذ اليوغا بخُلُقيته اليوغية الصارمة اعتذر عن قبول الهدية، لأنه شعر أن صاحب المحلّ وقع تحت تأثير رغبته اللاشعورية والتي عبّر عنها في تأمّله.
وكانت هذه الحادثة ورواية أستاذي روبير كفوري كافية لي لأقلع عن السعي إلى طلب القدرات الخارقة، فلم أكرّر محاولاتي بعد ذلك.
تريزا تشدّد على إخفاء القدرات
ومن ناحيتها، فتريزا لا يختلف موقفها من القدرات الخارقة عن روحية موقف اليوغا.
فقد أكّدت، وخلافاً لرأي العديد من مرشديها ومعرّفيها، على أن الظواهر الخارقة ليست من الشرير كما كانوا يكرّرون: «بل هي من الله، لأن كلّ شيء فيها يدلّ على ذلك»([9]).
ولكنها بالمقابل لم تعتبرْها تجلّياً للقداسة أو مؤشراً لها، فطالما أعلنت وكرّرت أن «الظاهرات الصوفية، لا تعني القداسة مباشرة، فالقداسة تقوم على كمال المحبّة» إنه موقف اليوغا عينه: القدرات لا تعني التحقّق.
وسبق وذكرنا، نقلاً عن السيرة، كيف حاولت مُصلِحة الكرمل دوماً أن تخفي ما حصلت عليه عفواً، ومن دون رغبة منها، من قدرات. وقد رفضت رفضاً قاطعاً أن تقع في تجربة الغرور، فهي تؤكّد «توسّلتُ إلى الربّ بإلحاح أن لا يتفضّلَ فيغدقَ عليّ نعماً ذات علامات خارجية، فقد كنتُ تعبة من اجتهادي في اتخاذ جانب الحذر (…) ويبدو أنه تعطّف بجوده فاستجاب توسّلي، إذ لم يحدث لي ذلك مذ ذاك»([10]).
وهذا يدلّ على أن تريزا تخطّت مسألة القدرات العجائبية ولم تجعلها عائقاً في طريق القداسة، وهو ما يفعله اليوغيّون. فَـ«نفوس عديدة تبلغ إلى هذه الحالة، ولكن التي تتجاوزها قلّة»([11]) طبقاً للتعبير التيريزاوي. وهو مطابق لتعابير اليوغا وشرّاح باتنجلي كما سبق وذكرنا.
«»«»«»«»«»([12])
[1]– Sivananda, op. cit, p 151.
[2] – كفوري، م. س، ص 143.
[3]– Sivananda, op. cit, p 151.
[4]– Vivekananda, Raja Yoga, op. cit, p 233.
[5]– Varenne, Upanishads, op. cit, p 80, versets 76 – 78.
[6]– Sivananda, op. cit, p XX.
[7]– Sivananda, op. cit, p XX – XXI.
[8]– Sivananda, op. cit, p 141.
[9] – ريشا، م. س، ص 13.
[10] – تريزا، م. س، 20/5، ص 193.
[11] – تريزا، م. س، 15/2، ص 152.
[12] –