“قاموس الفلسفة المسيحية: اللاهوت الكاثوليكي مصادره وفلاسفته مع فهارس فرنسي/عربي وعربي/فرنسي” تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط3، و500ص،

“قاموس الفلسفة المسيحية: اللاهوت الكاثوليكي مصادره وفلاسفته مع فهارس فرنسي/عربي وعربي/فرنسي” تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون/جبيل في ط3، و500ص، وتجليد فاخر.

أيستطيعُ كاتبٌ أن يجمعَ بين دفّتَي كتاب لا تتجاوز صفحاته الخمسماية تعريفات ونبذات ومداخل عن الفلسفة المسيحيّة تفي بالغرض، وهي التي امتدّت في الزمكان عبر ألفَي سنة وفي كلّ أصقاع الأرض؟!

لا يطمحُ هذا القاموس إلى كلّ ذلك. بيد أنّه، وإن كان يركّز على فلسفة مسيحيّة معيّنة هي لاهوت القدّيس توما الأكويني معلّم معلّمي الكنيسة، أو ما عُرف ولا يزال بالفلسفة التوماوية القديمة منها والمحدثة، فهو لا يقتصرُ عليها. يقول المؤلّف في هذا الصدد (ص7): “هذا القاموس في حلّته الحاضرة ليس مجرّد معجمٍ للفلسفة التوماويّة، ولكنّه بالمقابل ليس قاموساً شاملاً في الفلسفة المسيحيّة. لا هذا ولا ذاك إنّه بين الاثنين، أو بالأحرى وكما يشير عنوانه الفرعي هو معجم لللاهوت الكاثوليكي في مصادره وفلاسفته”

ويضيف الكاتب (ص9): “فالقدّيس توما الأكويني علامة فارقة ونقطة محوريّة في تاريخ الفلسفة المسيحية، فمصادره شملت كلّ الفلاسفة قبله إغريقاً ورومان ومسيحيّين، ولم يستثنِ أحداً من السابقين ولا المعاصرين. أمّا اللاحقون، فما من فيلسوف مسيحي أتى بعد الأكويني واستطاع أن يتجاهله”.

والفلسفة التوماويّة يقول المؤلّف (ص11) لم تغب عن المشرق وأرض الإسلام، فعرف لبنان وسوريا والعراق ومصر وغيرها تيّارات توماويّة ومفكّرين ولاهوتيين توماويين. وهكذا يكون هذا القاموس (ص12): “المرجع العربي الوحيد الذي يعرّف بفلاسفة التوماويّة المحدثة، ويعرض أبرز أفكارهم ونظريّاتهم ومؤلّفاتهم”.

والجولة في هذا المرجع القيّم تكاد لا تنتهي، فكثيرة هي المداخل التي تستوقفك أو تشدّك. نقرأ مثلاً (ص32) عن إسحاق بن جُبير (1629-1721): أسقف وعلّامة في الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة، هو أوّل من ترجم الخلاصة اللاهوتيّة إلى العربية، وله موسوعة لاهوتيّة من تأليفه في سبعة مجلّدات، وله كذلك فلسفة أرسطو”.

وعن ملافنة لبنان نقرأ (ص241): “المطران ميخائيل ضومط أسقف ماروني تميّزت أفكاره بالتجديد. دعا إلى اعتماد العربية لغة طقسية عند الموارنة، وإلى العلمانية الصحيحة المنفتحة على الإنسان. وهو صاحب أوّل دراسة عربية مستقلّة عن توما الأكويني”. وعن الأب عفيف عسيران (1919-1988) نقرأ (ص245): “كانت الفلسفة التوماوية طريقه إلى المسيحيّة، وفلسفته هي الفلسفة التي تتجسّد أعمالاً، قدّمت دعوى تقديسه إلى روما”.

وبين لبنان ووادي النيل يستوقفنا أبرز معلّمي تاريخ الفلسفة المعاصرين (ص322-326)، يوسف كرم (1885-1959): “فيلسوف مسيحي مصري من أصل لبناني ولد في طنطا من أبوَين لبنانيين مارونيّين هاجرا إلى مصر. اشتهر بمؤلّفاته في تاريخ الفلسفة، ولعلّه من أبرز الفلاسفة التوماويين العرب في القرن العشرين”.

ومن لبنان ومصر ننتقل إلى العراق. الأب بطرس نصري (1861-1917) نقرأ عنه (ص388): “مؤرّخ كَنَسي، وواحد من أبرز مترجمي الأكويني إلى العربية. له “ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة والسريان”. وعرّب الخلاصة ضدّ الشعوب للأكويني وخلاصة الخلاصة اللاهوتية”.

وآباءُ الكنيسة كلّهم حاضرين في هذا القاموس من ترتليانس (ص126-134) في قرطاجة (ت220) إلى يوحنا الدمشقي (ص411-414) المتوفى نحو 749م.

أمّا الفلاسفة التوماويون المحدثون فلائحتهم تطول وتتّسع. وأوّل من يُذكر منهم الفرنسي جاك ماريتان (1882-1975) اعتنق الكاثوليكية ممثّلة بمذهب توما الأكويني، عيّن سفيراً لفرنسا في الفاتيكان. ترهّب بعد وفاة زوجته، وله أكثر من 25 كتاباً في الفلسفة والأدب (ص352-357).

وإتيين جيلسون (1884-1978) فيلسوف توماويّ آخر، وأشهر مؤرّخ لفلسفة العصور الوسطى، وعضو الأكاديمية الفرنسية.

وأسماء عديدة أخرى تطالعك في هذه الموسوعة الفلسفيّة الموجزة، التي لا تغفل أسماء عربية إسلامية مثل ابن سينا وابن رشد والغزالي، وأخرى يهوديّة مثل ابن ميمون وابن غبيرول فكلّهم كانوا من مصادر الأكويني القائل: “كلّ ما قيل من حقّ، أياً يكن قائله، متأتٍ هو من الروح القدس” ومن هنا فهي دليل حسّي على انفتاح اللاهوت المسيحي الكاثوليكي على كلّ التيّارات والمذاهب دون أيّ استثناء.

شاهد أيضاً

مداخلة هشام أبو جودة ابن شقيق الصحافي ميشال أبو جودة في ندوة كتاب “فؤاد شهاب ما له وما عليه” لـ لويس صليبا، الجامعة الأميركية للتكنولوجيا AUT، الفيدار-جبيل، الخميس 20 شباط 2025

مداخلة هشام أبو جودة ابن شقيق الصحافي ميشال أبو جودة في ندوة كتاب “فؤاد شهاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *