المعراج في الوجدان الشعبي

مقدمة الطبعة الثانية

وأخيراً، ها هي الطبعة الثانية من هذا الكتاب. ولقد استغرق إعدادها من الجهد والوقت أكثر بكثير مِمّا كان مقدّراً له.
في هذه الطبعة العديد من الإضافات، وعدد من التعديلات.
ففي الفصل الأوّل من الدراسة، توسّعنا في دراسة بعض الشخصيّات في الفرق الإسلاميّة لا سيما الجعد بن درهم وأبو شمر الحنفي.
وفي الفصل الثاني توقّفنا مطوّلاً عند معراج ابن عبّاس. فهو ظاهرة بارزة في الأدب الإسلامي عموماً ولا سيما في الأدب المعراجي. وهو في هذا الأخير، الأشهر بلا منازع، ولو كره الفُقهاء والمتزمّتون. فكان لا بدّ من دراسة متأنيّة لنسبة هذا الأثر إلى الإمام عبدالله بن عبّاس ودلالاتها ورمزيّتها، والتوقّف مجدّداً عند الأسفار المنحولة في الإسلام (ومعراج ابن عبّاس أبرزها) وأثر روايات المعراج في نشأتها.”معراج ابن عبّاس“ كم أثار هذا الأثر التراثي، ولا يزال، من الجدل والنقاشات الحامية: بعض يغالي في إظهار إعجابه وتقديره له، وآخر يفرط في الاستنكار والتحذير منه ويعتبره مدسوساً وموآمرة بحدّ ذاته. من هنا الحاجة إلى وقفة محايدة تعرض لمختلف الآراء، تغربل وتفنّد، وتجهد أن لا تغمط الأثر المذكور حقّه. ولا ندّعي فصل الخطاب في هذا الجدل، ولكنّنا سعَينا إلى رؤية واضحة وسط عاصفة السجال الحامي وغبارها.
أمّا دراسة التصوير الإسلامي، وأثر المعراج في نشأته وإشكاليّة رسم الأنبياء في الإسلام، فالمادّة الجديدة التي جمعنا من نصوص ورسوم جعلتنا نؤجّل البحث فيها إلى جزء لاحق من هذه السلسلة، وننقل بالتالي الفصل المختصّ بذلك أي المعراج وآثاره في التصوير الإسلامي والإضافات عليه إلى الجزء الخامس من ”سلسلة المعراج/النصّ الواقع والخيال“.
وإذا كنّا قد نزعنا من هذا الكتاب أحد فصوله، فقد عوّضناه عنه بفصل جديد هو الثالث والأخير من الدراسة/القسم الأوّل: مكتبة المعراج أو قاموس ما كتب في الإسراء والمعراج، أنه عمل استغرق إعداده وقتاً طويلاً وآن أوان نشره.
والثبت البيبليوغرافي هذا نقطة محوريّة لا بدّ أن يمرّ بها البحث في مسألة المعراج، إذا شئنا له التوسّع وبُعد الرؤيا. وقد اجتهدنا أن يجمع معجمنا بين الدقّة الشمول ما أمكن، على أن نواصل تنقيحه ورفده بالجديد في طبعات لاحقة.
نصل إلى القسم الثاني من الكتاب أي رواية معراج ابن عبّاس عن مخطوطة الشيخ داود الرفاعي. فقد أولينا الهوامش والتعليقات على المتن، مزيداً من العناية. فأضفنا العديد من الحواشي، بعضها يقارن بين المتن ونصوص أخرى من المعاريج المنسوبة لابن عبّاس، أو أحاديث المعراج في كتب الصحاح وغيرها، لأنّنا وجدنا من الضروري الإشارة إلى حيث يتوافق نصّنا مع الروايات الأخرى للمعراج وحيث يتمايز عنها.
والبعض الآخر من الحواشي يتوقّف عند عدد من رموز النص وأبعادها الميثولوجيّة: الأحجار الكريمة، معاني أسماء الأنبياء، ورمزيّة مقامهم في سماء دون أخرى.. إلخ.
والهدف الأوّل والأخير من هذه التعليقات المساعدة في فهم متأنٍّ للنصّ وخصائصه وميزاته.
هذه الإضافات والتعديلات تجعل من الطبعة الثانية هذه نسخة مختلفة تماماً عن الطبعة الأولى. ولعلّ أبرز ميزاتها، بالنسبة لنا، أنّها كانت مناسبة لتجديد الاهتمام والبحث في موضوع شيّق وشاق في آن:”المعراج الإسلامي“. وبالتالي مواصلة إصدار أجزاء جديدة من ”سلسلة المعراج/النص، الواقع والخيال“. فإلى لقاء قريب في الجزء الخامس منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *