مقابلة عن الهندسة الفيديّة مع المهندس الدكتور فادي بستاني حاوره د. لويس صليبا، ضمن مجموعة محاضرات ومقابلات تبَثّ على Zoom، الأربعاء 17/2/2021، السادسة والنصف مساءً.
يمكن متابعة هذه المقابلة على الرابط Link التالي على اليوتيوب:
المهندس د. فادي بستاني: لا حلّ للبنان إلا بالانتقال إلى المنحدر الشرقي، حاوره د. لويس صليبا
المهندس د. فادي بستاني
د.فادي بستاني ممثّلاً لبنان في مؤتمر دولي
قسم آخر من العرض الوافي للهندسة الفيدية يمكن مشاهدته على الرابط Link التالي على اليوتيوب:
صديقٌ حبيبٌ أحار في الحديث عنه من أين أبدأ. في بداية الطريق نحو الحكمة الهندية ومعرفة الذات كان حاضراً. فادي بستاني يترك جامعته وسائر الاهتمامات إذا تعلّق الأمر بنشر المعرفة. يرافق الدكتور أنطوان أبو ناضر سائقاً سيّارته ليقوده إلى جبيل ليلقي محاضرة، أو يعلّم التأمّل، أمّا رائد تعليم التأمل الآخر الأستاذ روبير كفوري، فكان عندما يأتي إلى جبيل يستقّل سيّارة فادي بستاني ويقودها بنفسه، ويجلس صاحبها إلى جانبه. وكم كان تضادّ هذا المشهد يثير فينا البسمة والدهشة! فادي السائق، وفادي الزعيم الجالس معرّماً في مقعد سيّارته الأمامي، وأستاذٌ/حكيمٌ يقود له هذه السيّارة. وفي الحالتَين، بل في سائر الأحوال على اختلافها، أو بالحري تناقضها، كنّا نجد فادي الباحث إيّاه لا يتغيّر ولا يتبدّل. وكم ذكّرني ثباته العجيب هذا بقول المتنبّي:
وحالات الزمان عليك شتّى وحالك واحدٌ في كلّ حالِ
يحدّثك في المعرفة والحكمة الفيديّة ساعاتٍ، أما في الأحاديث الأخرى والكلام اليومي والعاديّ فتجده مقلّاً بل ساكتاً في الغالب. ويستحيل أن تُخرج من فمه كلمةً يستغيب فيها أحداً، أو ينتقده وإن عن حقّ. لذا كنّا نسمّيه أحياناً “الدبّور” لأنه ينأى بنفسه عن كلّ ما من شأنه أن يحمل جانباً سلبيّاً، بالقول كان ذلك أم بالفعل لا فرق.
عواصف كثيرة هبّت عليه، أو مرّت به فاقتلعت الكثيرين من رفاقه من جذورهم، ونقلتهم من الشيء إلى نقيضه، أمّا هو فبقي على وقفته الأولى ولم يتغيّر.
وما يجذبك في فادي بستاني هذا الشغف الدائم بالمعرفة، فهو لا يكلّ ولا يملّ من متابعة كلّ جديد أو مستحدث في مجاله.
تخرّجَ فادي بستاني مهندساً مدنياً عام 1985 من الجامعة اللّبنانيّة – كلّيّة الهندسة اختصاص بناء وتنظيم مدن. تابع دوراتٍ للحفاظ على البيوت القديمة التقليدية والتراثية وكلّ ما له علاقة بترميمها وإصلاحها.
وهو أستاذ متخصّص في تعليم التّأمّل التّجاوزيّ Transcendental Meditation (TM) منذ سنة 1987 وهي تقنية فكرية طبيعية لتطوير الطاقة الفكرية والصحة النفسية والجسدية. وعلم الذّكاء الخلّاق هو الجانب النظري لها. وقد حاز سنة 1998 على شهادة دكتوراه في هذا العلم من جامعة مهاريشي الأوروبّيّة للبحوث (MERU). ولم يترك جانباً من جوانب المعرفة الهندوية والفيديّة التي نشرها الحكيم المعاصر مهاريشي ماهش يوغي إلا وتعمّق فيه. ففي الموسيقى الفيدية Gandharva Veda كانت له دراسات واهتمامات جعلت منه من القلائل العارفين بهذا العلم في لبنان. وقد استقدم في أواخر التسعينات فريقاً من المتخصّصين في الغاندهارفا فيدا أقام حفلات عديدة في لبنان. أما الزراعة الفيدية بما لها من ميّزات وطرق خاصّة في معالجة التربة، فهو أوّل المتخصّصين اللبنانيين بها. تابع دورات دراسية عديدة في جامعات أوروبية عنها، وهو يسعى اليوم إلى أن يضع علمه هذا موضع التطبيق.
ويبقى أن تخصّصه الأساسي يتمحور حول الهندسة الفيدية، ستهاݒاتيا ڨيدا Maharishi Sthapatya Veda وهي علم تصميم المباني والمدن. نال شهادة فيها من جامعة مهاريشي في هولندا وسويسرا سنة 2014، وعمل مهندسًا استشاريًّا في هذا المجال. وصمّم ونفّذ انطلاقاً من مكتبه الهندسي عدداً من المشاريع العمرانية القائمة على مبادئ هذه الهندسة وأُسُسها. ولا يزال إلى اليوم يتابع كلّ جديد في هذا المجال. لذا نستضيفه اليوم في إطار سلسلة محاضراتنا عن اليوغا والتأمّل على Zoom لنحاوره في اختصاصه هذا وفي دَور الهندسة الفيدية في العلاجات النفسية وكذلك في ممارسة اليوغا والتأمّل.
يمكن مشاهدة هذه المقابلة على الرابط التالي Link على اليوتيوب:
-د. فادي بستاني السؤال البديهي الأوّل: ما الذي قادك إلى التخصّص في الهندسة الفيديّة؟
ذكرتَ أن اختصاصي الجامعي هو الهندسة، وكنتُ عندما أدرس الهندسة أشعر دوماً أن ثمّة أمر تفتقر إليه العلوم التي أتعلّمها. كنتُ عندما أنظر إلى ثقافة الباطون الراهنة، وعندما أقارنها بالبيوت اللبنانية القديمة الجميلة أتيقّن من الفرق الشاسع بينهما. ومع دراسة الهندسة تبيّن لي أن هناك ما يسمّى مرض الهندسة Building Syndrome، فأن يصل المرء إلى أن يعيش يوماً في بيوتٍ تسبّب له المشاكل، فهذا ما لم نكن نسمع به قبلاً. كأن يعيش الإنسان في بيت، وهذا البيت يسبّب له أمراضاً، فكلّ ذلك يعني أننا نسير في الاتّجاه الخطأ. دمّرنا البيئة، والمساحات الخضراء تُفقد تدريجيّاً. لذا فعندما أعاد الحكيم مهاريشي ماهش يوغي إحياء الهندسة الفيدية وأطلقها لتدرّس في الجامعات وتطبّق كنتُ كمن تعلّق بحبال الهواء، فسارعتُ إلى متابعة دراستي وتخصّصي في هذا المجال الجديد والعريق القدم في آن.
- الهندسة الفيدية كيف نشأت، ومن هم روّادها؟
القوانين الطّبيعيّة موجودة منذ بداية الحياة، إلّا أنّها احتاجت إلى من يظهر تأثيرها الحاسم في الحياة، فجاء عدّة حكماء وصلوا إلى مستويات عُليا من الوعي وجسّدوا هذه المعرفة من خلال النظريات والكتب ومنهم Mayamata وManasara ليكونا أهمّ من دوّن علوم الهندسة الفيدية وعلّمَها. وكانت الهندُ ولا تزال المرجعَ الأساسيّ لهذه العلوم التّي أصبحت الآن تُطبّقُ في كلّ أرجاء العالم.
- ما أهمّية علم الهندسة الفيدية، والتصميم المعماري Vastu بالنسبة إلى الإنسان المعاصر؟
بدايةً، تعتبر الهندسة الفيدية أنّ الجسمَ هو المنزل الأوّلُ والأقرب للإنسان، وتركّز على أهمّيّة تمتّعه بصحّة سليمة إن على الصّعيد الجسديّ أو العقليّ.
وينطلق من ثَمَّ إلى المنزل الثاني، وهو البيت، أو المكان الذي يقضي فيه معظمَ وقته. لهذا السبب من المهمّ أن يشعر الإنسان بالارتياح وبالإنكليزية Feel at home، ما يعني أن شعور المرء أنه في منزله شعور مريح مفرح. لذا فمن الضّروريّ أن يُكون هذا البيتُ بيتَ سعادة ويُشعرُه بالتّالي بالفرح، وبالعافية، ويوفّر له الرزق والخير… لذا يُركّز هذا العلم على ترسيخ علاقة تواصل بين الفرد والكون، وبين الفرد والمطلق، ويهتمّ بتأمين أجواء ملائمة لبناء حياة متوازنة.
-الراحة والاستقرار اللّذان تتحدّث عنهما، كيف يمكن للمنزل أو مكان العمل أن يوفّرهما للمرء؟
عملاً بمبادئ الهندسة الڨيديّة، يَسعى المهندسُ إلى أن يبنيَ بيتًا منسجمًا مع القوانين الطّبيعيّة، وذلك من خلال معرفة عمل الطبيعة وتفاعلاتها، من هنا يستطيعُ التّعامل معها بشكل تلقائيّ. فيختار العناصر التّي تُلائم كلّ بيئة على حدة، وما يتوافق مع طبيعتها وإيقاعها ومناخها. وعندما يبنى البيت ويكون منسجماً مع الطّبيعة فإنّ الطّبيعة بحدّ ذاتها ستحمل خيراتها له وتجعل حياته أكثر راحة واستقرارًا وفرحًا.
-هل يعني ذلك أنّه على المهندس أن يكون على دراية بالقوانين الطبيعية قبل أن يباشر عمليات البناء؟
بالطبع على المهندس أن يكون عارفاً بعلوم الطبيعة. فمثلًا، من المعلوم أنّ الكرة الأرضيّة محكومة من النّظام الشّمسيّ، والشّمسُ هي مصدر الحياة والنّمو على الأرض، ونحنُ نتبعُها. كما ونعلمُ أنّ للشّمس اتّجاهًا معيّنًا، فهي تُشرقُ من المشرق، فتتوزّعُ الطّاقةُ في الأرض من خلال الشّبكيّة (Grid) شمال-جنوب، شرق-غرب، لذا من المهمّ أن يُصمِّمَ المهندسُ البيتَ بانسجام مع قوانين الطّبيعة، فكما يقول المثل الإنكليزي: “إذا أردتَ التحكّم بقوانين الطبيعة عليك بتطبيقها”. ويُضيفُ مهاريشي في هذا الصدد: “.ساند القانون الطبيعي، يساندك القانون الطبيعي (Favor natural law, natural law will favor you).
-تقول العطاء يأتي من الشمس، لكنّه لا يأتي من الشمس وحدها، فالأرض تعطي أيضاً، والهواء كذلك. الشمس تعطي الحرارة، بيد أنّها لا تعطي البرودة والرطوبة، فهذه يعطيها البحر والأنهار، الشمس لا تعطي الأوكسيجين الضروري للحياة، بل يعطيه الهواء إلخ…؟
صحيح، الشمس ليست المعطي الوحيد، لكنها المعطي الأساسي، إنّها كالملك في مملكته، وكلّ الأمور تتعلّق بطريقة أو بأخرى به. نحن في هذا الكوكب ننتمي إلى النظام الشمسي، والشمس هي المعطي الأوّل 1er Donateur، وكلّ معطٍ آخر متعلّق بطريقة أو بأخرى بها. والخير والسعادة والرزق كلّها تأتي من خلال الشمس، ومن هنا أهمّية أن نكون مواجهين للشمس، والشمس توزّع الرزق عند الشروق.
وماذا عن العناصر الأخرى كالماء والأرض والهواء وغيرها؟
عندما نخطّط لبناء بيت ما بموجب الهندسة الفيدية فأمور كثيرة تؤخذ بعين الاعتبار: أماكن المياه، وأين هي الماء بالنسبة إلى العقار الذي سنبني عليه، طبيعة الأرض. لكن الشمس وشروقها تبقى الشرط الأساسي، فأكثر الأمور الأخرى يمكن أن تعدّل: كمثل خطّ توتّر عالٍ قريب، إذ يمكننا أن نبتعد عنه، لكن مشرق الشمس أمرٌ لا يمكن تغييره.
-هل من برهان علمي يؤكّد ضرورة التوجّه نحو الشرق؟
ليس هناك من برهان Preuve علمي 100% على أهمّية التوجّه نحو الشرق وشروق الشمس. بيد أنّه يمكننا القول عموماً إن الكرة الأرضية محكومة بالنظام الشمسي، وأنّ تجارب القدماء والمعاصرين أظهرت ولا تزال أهمّية هذه القِبلة أو التوجّه. كما تبيّن من عددٍ من الأبحاث العلمية أن المرء عندما يكون جالساً ويتطلّع باتّجاه شروق الشمس فدماغه يشتغل بطريقة أفضل. وقد وعى كبار اليوغيين هذه المسألة ودوّنوا هذه المعرفة، ونقلت إلينا.
- ما هي أبرز مبادئ التصميم المعماري في الهندسة الفيدية؟
الڨيدا معرفةً، وهي معرفةٌ تنبثق من مستوى المطلق إلى أعلى مستوى في النسبيّ. وهذا الأخير ينطلقُ من الأحاديّة ليتمظهرَ وصولًا إلى الثّلاثيّة. وهذا الثّالوث موجود في كلّ العلوم، ويُترجمُ بالعارِف والمعروف ووسيلة المعرفة. ويتمثّلُ في ثلاثة مبادئ في علم التّصميم المعماريّ:
- مبدأ الاتّجاه الصّحيح (The right direction)
- مبدأ التّموضع الصّحيح (The right placement)
- مبدأ القياسات الصّحيحة (Right proportion)
- ماذا يعني عمليّاً مبدأ الاتّجاه الصّحيح في عمليّة البناء؟
كما سبق وذكرنا، إنّ الشّمسَ هي المصدر الأهمّ في الحياة. من هنا ضرورة تصويب اتّجاه البيت نحو الشّمس وتحديدًا عند الشّروق، على ألّا يكون هناك أيّ حاجبٌ أو حاجزٌ يؤخّر وصول الشّمس إلى البيت عند شروقها، كأن يؤخّر شروقَها على البيت جبلٌ معيّنٌ. فيجب أن يتمَّ توزيع الطّاقة من خلال شبكيّة خطوط الطّول والعرض عند الفجر. وهكذا يتحدّد اتّجاه البيت والعقار، ويجب أن ينطبق عليه مبدأ الاتّجاه الصّحيح وأن يكون بموازاة شروق الشّمس: خطوط شرق-غرب وشمال-جنوب. وهنا يكمن دورُ المهندس ووظيفته. ولا يغربنّ عن بالنا أنّ المعابد القديمة والكنائس قد بُنيت باتّجاه الشّرق، وكلّما عُدنا إلى البناء القديم نجده كان يُبنى باتّجاه الشّرق، مثل الأهرامات، فأهرامات مصر، ولا سيما الثلاثة الكبرى منها: خوفو وخفرع ومنقرع بنيت كلّها 100% باتّجاه الشرق.•
هل من شكل مفضّل للبيت يُستحسن اعتماده للبناء؟
من حيثُ تصميم الشّكل الهندسيّ للبيت والأرض، هناك دعوة في مبدأ التّموضع الصّحيح إلى اعتماد الشّكل المربّع، أو بما معناه تفضيل الزّوايا القائمة. وتصل الهندسة الڨيديّة إلى الانطلاق في التّصميم من غرفة واحدة إلى بناء مدن ضخمة بما تشملُه من بيوت وبنايات وحدائق ومدارس ومتاحف وغيرها من العمارات. كما وإضافة إلى الهندسة الخارجيّة، فإنّها تُعنى أيضًا بتقسيم الغرف الدّاخليّة وتحديد أماكنها وشكلها، كاختيار مكان المطبخ أو غرف النّوم وغرف الجلوس والصّالون وغيرها. فلكلّ مكان في البيت طاقة خاصّة، ولكلّ غرفة مكان معيّن. من هنا تكمنُ وظيفة الهندسة الڨيديّة في تحديد موقع الغرف، منها غرف نوم الأهل أو غرف الفتيات أو غرف الصّبيان أو المطابخ والحمّامات…
ماذا يعني ذلك عمليّاً؟ في أيّ اتّجاه مثلاً يوضع الفراش؟ أو المطبخ، أو غير ذلك؟
تنصح الهندسة الفيدية أن لا ينام المرء ووجهه وقدماه نحو الجنوب. كما تنصح أن تكون قِبلة أو اتّجاه من يقوم بعمليّة طهي الطعام وإعداده نحو الشرق، وكذلك من يأكل ومن يجلي الصحون وغيرها. وهذا الأمر ينسحب أيضاً على من يدرس ويكتب، أو يقوم بنشاطٍ فكري.
-ماذا عن المهندس؟ وكيف تنظر الهندسة الفيديّة إلى دوره؟
إنّ كفاءة المهندس عاملٌ أساسيّ في نجاح عمليّة البناء، إذ إنّ علم الهندسة الڨيديّة يُفتّشُ عن مهندس ذي ميّزات معيّنة، منها ألّا يعمل وهاجسه الأساسي الربح المادّيّ، بل أن يتمتّع بمشاعر يُراعي من خلالها راحة النّاس، ويعتبر أنّ هذا البيت الذّي يبنيه هو بيته. ومن حميد خصال المهندس أن يملك حسًّا ورسالة إنسانيّة لأنّه يصبّ عملَه في بناء بيتِ أحلامِ زبائنِه، لذا عليه أن يُعمِلَ فطنتَه وحدسَه وذوقَه الجماليّ، إضافة إلى أن يُدركَ توقيتَ وضع حجر الأساس وتدشينه.
- كيف تحدّد الهندسة الفيدية مواقيت وضع حجر الأساس وتدشين المنزل وغير ذلك من التواريخ؟
في علم الهندسة الڨيديّة لا تُقرَّرُ مواعيد البناء من بدء الأعمال على الأرض أي الحفر ووضع حجر الأساس وتدشين المنزل إلّا تبعًا لمعايير دقيقة، ترتبط بتاريخ ميلاد صاحب المنزل، مع معرفة ساعة ومكان الميلاد. وعلى ضوء هذه العناصر والحسابات الفلكيّة يقوم المهندسُ باختيار توقيت تحريك الأرض أي حفرها أوّلًا، ثمّ تحديد ساعة وضع حجر الأساس ثانيًا، وفي الأخير يُعلن موعد افتتاح المنزل، على أن يتبع المهندس خلال هذه العملّيّات تعليماتٍ محدّدةً ومراسمَ معيّنة، وشرط أن يحترمَها، فيتجنّب مثلًا أن يسكن أحدٌ في المنزل قبل الافتتاح، أو أن يتمّ استخدام أدواته أو استهلاكها قبل افتتاحه ومن ثمَّ تدشينه.
- ما الذي يجنيه المرء من احترام كل هذه الأسس والنظُم التي توصي بها الهندسة الفيدية؟
إنّ احترام مبادئ الهندسة الفيدية من شأنه أن يجلب للإنسان السّعادة في البيت، ويستحضر الخير المادّيّ والصّحّة والنّجاح في جميع مستوياته كالعلم والعمل والصّحّة، وتفيض بالنِّعم كالوفاق والتّمتّع بالمواهب والنّباهة والتّقدّم لغاية التّنوير والإشراق. كلّ هذه المبادئ كافية لخلق التّأثيرات الإيجابيّة. وهذا يدلّ أنّ هذا العلم يؤثّر على الإنسان في جسده وشخصيّته ونفسه، ويُطوّر فيه، ويُنمّي في ذاته كفاءات وإبداعات.
- إذا لم يكن البيت مطابقاً لشروط الهندسة الفيدية ومبادئها، فهل من طريقة للتعديل والتصحيح؟
أبرز ما يمكن تصحيحه هو تغيير المدخل الرّئيسيّ ليأتي من ناحية الشّرق. لكنّ الطّرح البديل لتصحيح الأخطاء أو التّغيير قد يكون من الصّعب تحقيقه. لذا ننصحُ النّاسَ بالانطلاق من الصّفر في بناء البيوت، فمن الصّعب جدًّا تغييرُ مقاييس المنازل القديمة أو اتّجاهاتها. ويقول مهاريشي في هذا الصّدد، ما معناه أنّ بناءَك لمنزل ما هو استثمار كبير لكنّ الخسارة الكبرى تكمن في بقائك في المنزل القديم على أن تبنيَ بيتًا جديدًا.
-ماذا عن جغرافية لبنان عموماً والاتّجاهات فيه من منظور الهندسة الفيدية؟
علينا أن نتذكّر هنا أن الشمس تعطي الرزق عموماً في أوّل ربع ساعة من الشروق، فيجب أن تضرب الشمس المنزل ما أن تشرق، ولا يجب أن تتأخر عن الوصول إلى هذا المنزل أكثر من 15 دقيقة على الأكثر. وهذا غير متوفّر في لبنان، لأن الجبال تحجب شروق الشمس. نحن في لبنان نعيش في الاتّجاه غير الصحيح Wrong Vastu. ففي لبنان انحدار غربي وبناء منزل على الانحدار الغربي يسبّب العديد من المشاكل، وأكثرية الشعب اللبناني تعيش على الانحدار الغربي. وتؤكّد الهندسة الفيديّة أن بناء منزل على الانحدار الغربي يخلق هدراً بمختلف أبعاده ومعانيه: في الصحّة، والمال، غير ذلك.
-أي نوع من المشاكل تتحدّث عنه؟
الانحدار الغربي يسبّب خسارة بمعنى هدر وأحد جوانب هذه الخسارة الفساد المستشري. ولا يغربنّ عن بالنا هنا أن أكثرية 75% من الشعب اللبناني تعيش على الانحدار الغربي.
-ولكنها ظاهرة تاريخيّة قديمة في لبنان؟!
ونحن بالمقابل ومنذ أيّام الفينيقيين نلاحظ أن لبنان اتّجاهه نحو الغرب. فالهجرة مسألة قديمة ومزمنة: الهجرة بمختلف أنماطها: هجرة الأدمغة، هجرة رؤوس الأموال: طاقات مالية هائلة كلّها في الخارج.
-كلّ ذلك بسبب الانحدار الغربي؟!
تؤكّد الهندسة الفيدية أن بناء أي منزل على المنحدر الغربي يسبّب خسارة وهدراً، وهذا ما نعيشه كلّ يومٍ في لبنان: هدر بالمصروف، بالطاقة، التعهّدات في لبنان كلّها هدر بهدر، خسارة في الصحّة وفي الطاقة البشرية فأكثر من 15 مليون لبناني يعيشون خارج لبنان. انحدار الأرض التي يبنى عليها المنزل، تقول الهندسة الفيديّة، يجب أن يكون انحداراً شماليّاً أو شرقيّاً، أما الانحدار الغربي فيخلق خسارة وهدراً، وبالتالي فالأرض ذات المنحدر الغربي، وهي حال كلّ الساحل اللبناني، ليست أرضاً محبّذة للسكن والعيش Bad Vastu، ويمكن أن تستغلّ لأمور أخرى كالزراعة والصناعة لا للسكن.
-ما الحلّ برأيك؟
الحلّ لهذه المعضلة المزمنة يكمن في أن ننتقل إلى الانحدار الآخر، أي الانحدار نحو الشرق أي سهل البقاع وسائر المناطق الما بين السلسلتَين.
-وهل ترى أن طرحك هذا واقعي ومنطقي؟
إنه واقعي لمن يعي أهمّية هذا الأمر. أي أهمّية أن يعيش في بيتٍ يؤمّن مساندة كاملة من القوانين الطبيعية: غنى، معرفة، ذرّية أبناء، وحصانة. وقد أظهرت التجارب والأحداث أن البيوت المعمّرة بحسب الهندسة الفيديّة في أماكن حدثت فيها هزّات أرضية أو تسونامي لم تتعرّض لأيّ أذى.
وبالتالي ما من حلّ في لبنان إلا بالانتقال إلى المنحدر الشرقي، وإلا سنبقى نواجه المشكلة عينها على مدار الأزمنة!
خاتمة
قد يرى البعض في الهندسة الفيدية معرفة جديدة لم يألفها! ولكنها بالأحرى حكمة عريقة القدم تخاطب إنسان اليوم بلغة العلم الحديث. وفي تراثنا وإرثنا الثقافي الكثير من عناصر هذا العلم ورواسبه، إذ كانت البيوت اللبنانية ولا سيما المعابد توجّه نحو الشرق، وتستقبل الشمس عند شروقها، وكانت الأمّ أوّل المستقبلين، فتوقظ أبناءها بعبارة مألوفة “طلع الضوّ”، وتردّد على مسامعهم المثل اللبناني: “اللي بيضلّ نايم بعد شروق الشمس بتكبسو الشمس”.
أما الغرب اتّجاهاً فكفاك به قول المثل اللبناني الآخر: “ما بيجي من الغرب شي بسرّ القلب”. والغرب في العربية كلمة تعني في الوقت عينه المغرب (غياب الشمس)، وأيضاً الذهاب والتنحّي (لسان العرب، مادّة غرُبَ).
ولكنّنا تناسينا علم الاتّجاهات هذا الذي أدركه أجدادنا بالفطرة والحكمة المتوارثة! وتأتي الهندسة الفيدية اليوم لتعيد تعليمنا إيّاه وشرح أسسه ومبادئه وخلفيّاته بلغة العصر… وعسانا لا ننسى مرّة أخرى.
أمّا ما تقوله الهندسة الفيدية بالنسبة إلى لبنان ومعضلته التاريخيّة المزمنة فجدير بإطراقة وتفكّر، وعساه يحمل في طيّاته بذور أملٍ جديد.
–