أ. د. لويس صليبا
أيها الحاضرون الكرام:
تحضرني في هذا الاحتفال المهيب ذكرى وحكاية. الذكرى تعود بي إلى سنواتٍ من الجهد والعمل المستمرّ. أمّا الحكاية فتعيدني إلى الجذور: إنها حكاية الخوري فرنسيس والشيخ حمّود وبها أستهلّ كلمتي.
روى الصحافي الراحل فؤاد قاسم، مدير البرامج في الإذاعة اللبنانية، الحكاية التالية: «حين قرّرت مديرية الدعاية والنشر إذاعة برنامجٍ ديني مسيحيّ صبيحة كلّ أحد، خصّصت أبرشية بيروت المارونية أحد كهنتها لإلقاء العظة هو الخوري فرنسيس من جبيل. وقد حرص الأب فرنسيس على الوصول صبيحة كلّ أحدٍ إلى الإذاعة قبل ربع ساعة من الموعد. لكنّه تأخّر في أحد الأيام عن موعده ما أثار ارتباكي. ولم تبقَ إلا دقائقُ معدودة من الوقت فاستعنتُ بفضيلة الشيخ أحمد حمّود الذي كان في استديو الإذاعة علّه يجد حلّاً لمشكلتي، فأجابني مطمئنّاً: لا تقلق يا أستاذ إن الخوري فرنسيس أنابني عنه في إلقاء عظة الأحد، ونحن أصدقاء وجيران في جبيل. وأصرَّ عليَّ أن أعلنَ أن الأب فرنسيس سيلقي العظة… وزادت دهشتي حين أجاد فضيلةُ الشيخ حمّود في إلقاء العظة. وأيقنتُ منذ ذلك الوقت أن لا طائفية في لبنان إلا في عقول تجّار الطائفية»([1])
الخوري فرنسيس من جبيل هو عمّي ومعلّمي الأوّل وأبي الروحي الخوري فرنسيس صليبا، مَن في كنَفه نشأتُ وفي بيته ترعرعتُ متشرّباً مبادئ الحوار وقبول الآخر المختلف. أما الشيخ فهو الشيخ أحمد حمّود ([2])، إمام المسلمين في جبيل يومها، وابنه المهندس رشيد حاضرٌ بيننا اليوم وشاهد. شيخٌ إمامٌ قُرعت أجراسُ كنائسِ جبيل حزناً عليه وقد رحلَ وهو في شرْخ الشباب. وكان الشيخ أحمد حمّود والخوري فرنسيس صليبا على صداقة وودّ وتعاون دائمَين، أذكرهما اليوم عسانا من هذه العلاقة البنّاءة نتعلّمُ ونستعبر.
وتستوقفني في الشيخ حمّود، ميزةٌ معرفيّة بحثتُ طويلاً عنها ولا أزال دون أن أجد لها أثراً في لبنان. فقد استطاعَ أن يلقيَ عظةَ الأحد مكان صديقه الخوري ويجيد، ودون أن يشعر أحدُ السامعين أن الواعظ ليس بكاهن بل بالحريّ شيخ مسلمٌ يؤمّ المصلّين. وهذا يعني أن شيخنا كان متمرّساً في مفاهيم اللاهوت المسيحيّ، ويحسنُ استخدام مصطلحاته وعرض تعاليمه وشرحها. ومعرفةُ عقيدةِ الآخر وأسسِ إيمانه كما يفهمُها هو ويعيشها ويعبّر عنها، لا تعني إيماناً بها، وتبنّياً لها. لكنّها على الأقلّ تُسقط مجموعةَ الأحكام المسبقة والأوهامِ المتخيّلة والراسخة في العقول عنها. ولا نزال حتى اليوم نقعُ فريسةَ هذه الأحكام والأوهام. فالصورةُ التي نرسمُها عن الآخر المختلف وإيمانِه وديانتِه هي في الجملة محصّلة إسقاطاتٍ مسبقة ورؤى مشوَّهة عنه ومشوِّهة لإيمانه.
في مؤتمر حوارٍ عقدناه في جنوب لبنان في 6/1/2015 طرحتُ على زميلي الشيخ الدكتور محمد النقّري أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعتنا اليسوعية السؤال التالي: هلْ تعرفُ في لبنان مسلماً واحداً متخصّصاً أكاديميّاً في الدراسات المسيحيّة؟ فحار في الجواب،وانتهى إلى القول لا.
هذا في حين نجدُ في موطن الأرز العشرات من المسيحيّين الأكاديميين المتخصّصين في الدراسات الإسلامية، ومؤلّفاتُهم تشهدُ لهم بطولِ الباع وبالنفَس الحواريّ كذلك. فأين نحن من عقليّة الشيخ حمّود ورصانته وانفتاحه؟! وقد حذّرت وثيقةُ الأخوّة الإنسانية التي نحتفل بها اليوم من خطر جهل الآخر وعقائده وإيمانه، ودعت إلى: “تبنّي التعارف المتبادل نهجاً وطريقاً”.
أيها الحاضرون الكرام:
أقفُ اليوم، وخلفي نحو ربعِ قرنٍ من الزمن محصّلتُه ستّون كتاباً ألّفتها ونشرتها في علوم الأديان: في الدراسات الإسلامية واليهوديّة والهندية والمسيحية وفي التصوّف المقارَن وتاريخ المشرق ولبنان. وكذلك عشرات المؤتمرات المحلّية والدولية للحوار في لبنان والعراق وإيران وتونس وهولندا وفرنسا وغيرها، ومقالاتٍ وأبحاثٍ نُشرت في مجلّات عديدة. ولن أطيل التعداد كي لا أُتعب الحاضرين. وإذا كان لي أن أختار عملاً واحداً لأتبسّط في الحديث عنه، فإنّني أنوّه بالجهد الذي قمنا به في مجلّة الأمن الصادرة في بيروت عن المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي. فخلال سنتين ونصف حاورنا شخصيّاتٍ فكرية ودينية لبنانية وعالميّة، وناقشنا طروحاتِها في الحوار المسيحي الإسلامي والعيش المشترك، وغير ذلك. وعرضنا كذلك أفكار وأبحاث شخصيّاتٍ أخرى راحلة كانت لها إسهاماتٌ بارزة في هذا المجال. وهذه الحوارات والأبحاث ستُجمع في كتابٍ يصدر عن مجلّة الأمن قريباً بعنوان “حوار الأديان في لبنان”، ويوزّع على نطاق واسع. وما كان لهذا العمل الحواريّ القيّم أن يتمّ وينجز لولا دعم حضرة العميد فارس حنا قائد وحدة الخدمات الاجتماعية في قوى الأمن الداخلي، ومتابعة العقيد الركن شربل فرام رئيس تحرير مجلّة الأمن، وكلاهما حاضران بيننا.
وماذا الآن عن وثيقة الأخوّة الإنسانية تحديداً، وهي موضوع لقائنا اليوم؟
سبق لي أن قلتُ عنها إنها نقطُةُ تحوّلٍ ومحورٌ مفصليّ في تاريخ العلاقات المسيحيّة الإسلامية، والتفاعل بين الشرق والغرب. فبعد أن راوح الحوار المسيحي الإسلامي مكانَه سحابة نصفِ قرنٍ وأكثر، جاءت هذه الوثيقة لتدفعَ به خطوةً حاسمة إلى الأمام. وتاريخ هذا الحوار لن يكون بعدَها كما كان من قبل، فقد وسَمَته بطابَعٍ إنسانيّ شامل علينا جميعاً أن نعمل سوياً للحفاظِ عليه.
وللمرّة الأولى تصدرُ وثيقةٌ إسلامية مسيحية مشتركة عن مرجعيّتين على أعلى مستوى، وهي بمرجعيّتها هذه لجديرةٌ بأن تكون مساراً ونهجاً ملزِماً لكافّة المؤسّسات التابعة لهاتين المرجعيّتين في كلّ البلدان. وهنا أقترحُ إنشاءَ مرصدٍ مشترك مسيحيّ إسلامي يتابع، عن قرب، عملية تنفيذ هذه الوثيقة وبنودِها وتعاليمها، ويتقصّى مدى التزام الدول والمؤسّسات بتتطبيقها، وذلك تحاشياً لأن تغدو عن قريب، وكعددٍ من مثيلاتها، مجرّد حبرٍ على ورق. لا سيما وأن الفريقين الموقّعين لها، يتعهّدان فيها بصراحة ووضوح السعي: «لنشر ما جاء بها من مبادئ على كافّة المستويات الإقليمية والدولية» وكذلك الدعوة: «إلى ترجمتها إلى سياسات وقراراتٍ ونصوص تشريعيّة ومناهج تعليميّة».
ويستوقفنا، في الوثيقة، الحضورُ البارز للشرعة العالمية لحقوق الإنسان. فالشرعة هذه هي السقف المتّفق عليه ضمناً بين الموقعَين. وقد أشير إليها بالقول: «هذه الوثيقة تعتمد كلّ ما سبقها من وثائق عالميّة…»
وبدايةُ وثيقة الأخوّة تستعيدُ المادّة الأولى للشرعة العالميةّ، فتعلنُ بنفَسٍ إيمانيّ: «بسم الله الذي خلقَ البشرَ جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة»
وتتبنّى الوثيقة ما نصّت عليه الشرعة في المادّة 18 من حرّية المعتقد والتفكير والدين، فتؤكّد على: «أن الحرّية حقّ لكلّ إنسانٍ اعتقاداً وفكراً وتعبيراً وممارسة، وأن التعدّدية والاختلاف في الدين حكمةٌ لمشيئةٍ إلهيّة قد خلقَ اللهُ البشرَ عليها، وجعلها أصلاً ثابتاً تتفرّعُ عنه حقوقُ حرّية الاعتقاد وحرّية الاختلاف» كما أكّدت الوثيقة على «تجريم إكراه الناس على دين بعَينه، أو ثقافةٍ محدّدة»
وهذا النصّ الواضح يعني ضمناً رفضاً لما سمّي عن غير حقّ “حدّ الرِدّة” وإدانةً لممارساته التي سقط الألوف عبر التاريخ ضحيّةً لها. وهي مسألةٌ درستها بالتفصيل في مؤلَّف سابق لي ولا مجال هنا للتوسّع في عرضها.
وللآخرِ المختلف مكانةٌ بارزة ومقامٌ أوّلي في الوثيقة، بل هو يتصدّر اهتماماتِها. فمقدّمتُها تُفتتحُ بالقول: «يحمل الإيمانُ المؤمنَ على أن يرى في الآخرِ أخاً له، عليه أن يؤازره ويحبّه»
إنه نقضٌ مباشر لمفاهيم التبديع والتكفير التي عانَينا جميعاً منها. فالآخر المختلف مؤمن هو وأخٌ وليس بكافر أو مشركٍ أو ذمّي أو مبتدع، إلى ما هنالك من تسميات. وكانت الكنيسة الكاثوليكية سبّاقة إلى هذه التسمية واستخدامِها. ففي نصوص المجمع الفاتيكاني الرسمية الصادرة عنها اعتبرت المسلمين وغيرَهم من أبناء الديانات الأخرى “إخوة مؤمنين”، وأسقطت بذلك، بجرأة وبعملية نقدٍ ذاتيّ يُشهد لها، التسميات القديمة المؤذية والمحقّرة مثل هراطقة ووثنيين وغير ذلك.
وتدعو الوثيقة مراراً وبإلحاح إلى ثقافةِ الحوار، فهي تعلن مثلاً: «وجوب تبنّي ثقافة الحوار درباً» كما تؤكّد: «أن الحوار من شأنه أن يُسهم في احتواءِ كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية» و«أن الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيَم الروحية والانسانية المشتركة»
والسؤال الملحّ الذي يُطرح في وطننا اليوم وكلّ يوم: متى نتحوّل من طوائفَ وثقافاتٍ متجاورة إلى طوائفَ وثقافاتٍ متحاورة؟! ومتى ننتقلُ من الجوار إلى الحوار؟!
إنه التحدّي والرهان الذي تعيدُ وثيقةُ الأخوّةِ تذكيرَنا به.
وتكرّسُ الوثيقة مفهومَ المواطنة، فتقول إنه: «يقوم على المساواةِ في الواجبات والحقوق التي ينعمُ في ظلالها الجميعُ بالعدل» وتضيفُ مؤكّدة: «لذا يجبُ العملَ على ترسيخِ مفهومِ المواطنة الكاملة في مجتمعاتِنا، والتخلّي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلحِ الأقلّيات الذي يحمل في طيّاته الإحساسَ بالعُزلة والدونيّة، ويمهّدُ لبذورِ الفتنِ والشقاق»
وهنا نقول ببساطة: إن مفهومَ المواطنة الكاملة المذكور يعني حكماً دولةً مدنيّة، أو بالأحرى دولة عَلمانية تنأى بنفسها عن الانتماء الديني دون أن تقفَ منه موقفاً سلبياً أو عِدائياً. ودولةُ المواطنة المدنية ليست بغريبة عن الإسلام وروحيّتِه وتاريخِه. فهي في صُلب وثيقة المدينة التي وقّعها الرسول، ص، مع يهود يثرب وسائرِ مكوّناتِ مجتمعِها مباشرةً إثر الهجرة. وفلسفةُ الإسلام في الحكم وتاريخه فيه يُقرّ بتعدّدية مجتمعية مثل نظام الملل في الدولة العثمانية. وذلك خلافاً للتقليد الغربي. كالنظام الفرنسي الملكي الذي كان يرفع شعار: Une Foie, Une Loi, Un Roi
إيمانٌ واحد، قانون واحد، ملكٌ واحد.
فهذا الانتقال الفرنسي من دولة دينيّة إلى دولة عَلمانية، لن يكون أكثر صعوبة من آخر مماثل في مجتمعاتِنا.
وتحرصُ الوثيقةُ على صونِ الأسرة خليّةً أساسيةً تقوم عليها كلّ المجتمعات البشرية: «ونواةً لا غنى عنها للمجتمع وللبشرية لإنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم» وتؤكّد أن مهاجمتها والتشكيك في أهمّية دورها هو من أخطرِ أمراضِ عصرنا.
فالتقويضُ الغربي لبنيةِ الأسرة ومفهمومِها، وقد شهدنا نموذجاً عنه في القانون الفرنسي الأخير، إذ يتحدّث عن الطرفِ الأول والطرفِ الثاني في الأسرة، عوض الحديث عن ركنَيها الأب والأمّ، هذا التقويضُ ليس من شأنه أن ينسفَ المؤسّسة الأُسَرية وحسب. بل هو قادرٌ أن يُزعزِعَ عمارةَ المجتمعِ البشري من أساسها، ويجعلَ من الشواذِ عن القاعدة هو القاعدة، ومن الشذوذِ قانوناً وناموساً عامّاً.
وتسعى الوثيقة أن تكونَ عابرةً للأديان، بل ولمختلف الفلسفات والثقافات. فتتوّجهُ في بدايتِها، وفي خاتمتِها إلى «المؤمنين وغير المؤمنين، وكلّ الأشخاص ذَوي الإرادة الصالحة» وهو تقليد سبق للبابا القدّيس يوحنا الثالث والعشرين أن دشّنه في رسائله العامّة منذ خمسينيّات القرن الماضي.
فالشركةُ البشريّة، والأخّوةُ الإنسانية لا يمكن لها أن تستثني أحداً من بني آدم، أياً تكن عقيدتُهْ أو فلسفتُهْ أو قناعتُهْ. وبتوّجهِها نحو كلّ الناس ذوي الإرادة الطيّبة خطَتْ الوثيقةُ خطوةً رائدة في السيرِ نحو الأخوّة الإنسانية الحقيقيّة والشاملة.
أيها الحاضرون الكرام:
نحن اليوم على قابِ قوسين من المئويّة الأولى للبنانَ الكبير. فماذا عسانا نقول: هل نجحت هذه التجربة، تجربةُ التعدّدية، أم أنّنا نبتهلُ إلى الباري قائلين: أللهمّ نجّنا من هذه التجربة، ومثيلاتِها من التجارب!!
ما زلنا شعباً برسمِ الفساد والاقتلاع والهجرة والتهجير. وما زال تحالفُ الطائفية والفساد ينخرُ عظامَ الوطن. وما زلنا أمام هذا الداءِ العضال والمستشري نقفُ حائرين حيناً، وعاجزين غالباً.
وتأسرني دعوة الوثيقة الأخيرة إلى المصالحة، وتذكّرني بالمعادلة التي طرحها البابا القدّيس يوحنا الثالث والعشرون في مستهلّ حبريّته، إذ رفع شعار: «لا نبحثنّ عمّن كان مخطئاً، وعمّن كان محقّاً، ولكن فلنتصالح»([3]) وقد أثمرت هذه المعادلة مصالحاتٍ وتجاوزاً لقرون من الصراعات والأحقاد. أفلا يجدر بنا في لبنان أن نطبّقها بعد سنواتٍ طويلة من الحروب العبثية؟!
وثيقة الأخوّة الإنسانية تأتي اليوم في وقتها لتضيء لنا شمعةً في آخر النفق. وعسانا بها نستنيرُ ونستضيء.
[1] -أرشيف مركز محمود الأدهمي للتوثيق والأبحاث والمعلومات.
[2] -الشيخ أحمد مصطفى حمود (1922-1972) : مواليد رأسنحاش 1922 هو من خريجي أزهر بيروت. بدأ رسالته التعليمية في مدرسة المقاصد في بلدة إجدعبرين –الكورة. انتقل الى جبيل في 1946 حيث كان إمام مسجد جبيل وتابع مهمة التعليم في جبيل. في 1960 عيّن مدرس فتوى جبل لبنان. وقد تميّز طيلة هذه الفترة بحسب كل من عرفه من أهالي مناطق البترون الكورة وجبيل وغيرها. بأخلاقة السمحة الرفيعة، في تعاملاته مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. فهو كان المربي والمعلم والإمام الذي يقتدى به في تعاملاته اليومية وفي كل المناسبات.
ولأنه كان على يقين أن الدين هو ما يعيشه المؤمن داخل وخارج المسجد، لم يتردّد بأن يدافع عن وحدة عيش المسلمين والمسيحيين في بلاد جبيل خلال الأحداث المؤلمة التي عمّت البلاد سنة 1958: فقد امتثل بقامته في سوق جبيل ليدرأ بجسده فتنة كادت أن تندلع بين المسلمين والمسيحيين آنذاك فاتحاً “جبته” ليطلب أن توجه أي رصاصة ضد المسيحيين نحو صدره أولاً. فكان هذا الموقف منه داعماً لوحدة الجبيليين الذين أعادوا وحدة كلمتهم والتفافهم على أي محاولة تهدم عيشهم المشترك. وكان الشيخ أحمد حمّود الحاضر الأبرز في المناسبات الدينية والاجتماعية الإسلامية والمسيحية وكان يؤمّ المصلين في مسجد جبيل من الطوائف السنّية والشيعية على حد سواء.
أما في التعليم الديني فكان الطلاب في مدارس جبيل يواظبون على دروسه مسلمين ومسيحيين ويقدّرون له حمله رسالة الخير في المجتمع والوطن.
وهو حتى يومنا هذا لا يزال يشهد له كل ذلك من قبل الذاكرة الحية لكثير من الجبيليين الذين عاصروه وعرفوا عنه خلقه الراقي ودوره الفعّال في المنطقة. توفّي في 1 تشرين الاول لسنة 1972 تاركاً وراءه مثالاً للخير والعيش المشترك.
[3] -صليبا، د. لويس، عنف الأديان الإبراهيمية حتمية أم خيار أعمال المؤتمر المسيحي الإسلامي الثاني 2015، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط2، 2018، ص64.