جريدة اللواء، 25أيلول 2012
الملك عبدالله بن عبد العزيز: من الحوار الوطني السعودي إلى حوار الأديان والمذاهب
عبد الرؤوف سنّو
أستاذ في الجامعة اللبنانية
تهدف هذه الدراسة إلى الإضاءة على العوامل والظروف التي صاغت فكر الملك عبدالله بن عبد العزيز واستراتيجيته لتحقيق الحوار والتفاهم والتعاون بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، وبين المذاهب الإسلامية نفسها، وسياسته الدؤوبة في هذا المجال للوصول إلى هذه الغايات السامية. وستبيّن الدراسة أنّ ما ابتغاه خادم الحرمين الشريفين من حوار الأديان، وما أراده من حوار المذاهب، إنّما يؤديان إلى الهدف نفسه، وهو تعزيز التعايش والسلام بين شعوب العالم، بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق والثقافة والحضارة.
خلفيات دعوة الملك عبدالله إلى حوار الأديان وحوار المذاهب
في الذكرى الحادية عشرة لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية، وتزامناً مع عرض الفيلم الأميركي «براءة المسلمين» الذي يسيء إلى الرسول الكريم، ومن إنتاج شخص مزعوم قيل إنّه قبطي مصري أو إسرائيلي يعيش في أميركا، اقتحم متظاهرون سلفيون متشددون سور السفارة الأميركية في القاهرة، ومزقوا علمها ورفعوا علم «القاعدة» محله. وسارت تظاهرات في شوارع القاهرة تندد بالأقباط وتهتف: «يا أولاد الصليب إلا محمد الحبيب»، أي عدم المس بالرسول محمد (ص). كما سيّر إسلاميون تظاهرات في الخرطوم وتونس والدار البيضاء وبغداد وطهران وصنعاء وطرابلس (لبنان) وعواصم إسلامية وأوروبية أخرى تنديداً بالفيلم الغامض.
وفي اليوم التالي على تظاهرة القاهرة الأولى، تعرّضت القنصلية الأميركية في بنغازي بليبيا إلى اعتداء وجرى إحراقها، فقتل السفير الأميركي وعدد من حراسها الأميركيين. وجرى في طرابلس (لبنان) الاعتداء على مؤسسات لبنانية تحمل علامات تجارية أميركية (KFC). وفي الخرطوم، أُضرمت النار بالسفارة الألمانية، فيما اعتُدي بالحجارة على السفارة البريطانية هناك. وقُتل تسعة موظفون أجانب في أفغانستان في اعتداء بسيارة مفخخة، احتجاجاً على الفيلم. ولا يفهم من الحوادث التي جرت وتجري على أنها ضد الفيلم المسيء للرسول الكريم، بقدر ما أنها مخططة سلفاً لنشر الكراهية بين المسلمين ويين كل ما هو غربي مسيحي، وتقف وراءها جماعات «جهادية»، وربما «القاعدة»، في ما يشبه «احتفال» بمناسبة 11 أيلول/سبتمبر، قالت القاعدة إنّه «هدية» للمسلمين.
وقد يكون الفيلم عمل مخطط ومدروس من قبل جماعات صهيونية ترمي، أولاً وأخيراً، إلى استفزاز جماهير المسلمين ودفعها إلى القيام بردات فعل مشينة غير حضارية تشوه صورة الإسلام أمام دول العالم وشعوبه، ما يعني أن التطرف يأتي من جهات محسوبة على الإسلام والمسيحية واليهودية. من هنا، استنكرت الحكومات العربي والإسلامية والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن دول أجنبية، الإساءة إلى الإسلام، وفي الوقت نفسه، شجبت ردود الفعل العنيفة ضد المصالح الأميركية والأجنبية.
وتزامناً مع حادثة أيلول/سبتمبر 2001، كان الصهيوني آرييل شارون يسلط إرهابه على الشعب الفلسطيني، بذريعة استئصال مقاومته للاستيطان الإسرائيلي تحت مسمى «محاربة الإرهاب»، بعدما استفز الفلسطينيين بزيارته إلى المسجد الأقصى في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2000، متسبباً بـانتفاضة استمرت أربع سنوات، وطالت المدنيين الإسرائيليين، ما شوه مغزاها الوطني والإنساني، فأدعى رئيس وزراء إسرائيل، بأن بلاده، كالولايات المتحدة، عرضة لإرهاب المسلمين.
إن كل هذه الأمور مجتمعة، وغيرها من الأحداث الطائفية والدموية، في العراق منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، وفي مصر بين المسلمين المتشددين والأقباط، وفي الهند (حادثة بومباي في تشرين الثاني/نوفمبر 2008)، فضلاً عن الصراع المذهبي السياسي في لبنان بين السنّة والشيعة (منذ أيار/مايو 2008)، وفي اليمن والبحرين وسورية، قبل «الربيع العربي» وخلاله، وأخيراً وليس آخراً ما حصل في بنغازي، وضعت كلها الإسلام، كدين، في موقع الاتهام، بأنه يقوم على الإرهاب ويدعو إلى استئصال «الآخر» بأبشع الطرق، وأن المسلمين الذين يتوسلون الإرهاب، ينفذون تعاليم قرآنية، والهجمات التي تقوم بها «القاعدة» في أماكن مختلفة من العالم، تتم باسم «الجهاد» الإسلامي.
ومن المقولات التي راجت وتعزّزت بالعمليات الإرهابية وقتل الأبرياء من قبل متشددين إسلاميين، أن الإسلام أصبح منذ سقوط الاتحاد السوفياتي الخطر الذي يتهدد الغرب والمدنية الغربية (نظريات هانتنغتون وفوكوياما ولويس). ومنذ ذلك الحين، أصبح الإسلام موضع اهتمام واسع في العالم حول طبيعته وتعاليمه، وجرى طرح أسئلة إلى أي مدى يمكن التعايش معه؟
وبناء على ما تقدّم، جاءت مبادرتا خادم الحرمين الشريفين في الوقت المناسب، حوار بين الأديان (مدريد ونيويورك)، وحوار بين المذاهب الإسلامية (المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة): صياغة علاقات للإسلام مع الأديان الأخرى، وإعادة ترتيب البيت الإسلامي من الداخل، عبر وضع أسس التعامل مع الاجتهادات العقائدية والفقهية بين المذاهب الإسلامية المستندة إلى الخيارات الثقافية والاجتماعية والسياسية. فالملك عبدالله أراد أن يقدم إلى العالم من خلال جهد نوعي صورة مغايرة عن الإسلام لما يطرحها المغرضون والمفسدون، ولمن يدعي أنه يقتل «الآخر» ويحلل دمه باسم الإسلام، ويزعم أن ما يقترفه ينسجم مع تعاليمه، كما إنّ العاهل السعودي يريد ترتيب البيت الإسلامي، بعدما كثرت المشكلات في داخله ومن حوله، من هنا، أدرك أن عليه أن يخوض معركة حضارية شرسة للدفاع عن الإسلام الصحيح، وبالتالي تغيير الصورة الشاذة التي رسمها الإرهابيون للإسلام بأفعالهم الدموية المشينة في العالم، وفي الوقت نفسه، إعطاء صورة مشرفة عن الإسلام بمكوناته المذهبية تسهم، كالغاية من حوار الأديان، في صياغة أسس التعايش والسلام داخل البيت الإسلامي.
استراتيجية الملك عبدالله لوأد العنف والإرهاب: البداية من السعودية
إنّ ما نجم عن اعتداءات سبتمبر/أيلول من تداعيات، بامتداد الإرهاب إلى المملكة نفسها، وإلى العراق بعد الاحتلال الأميركي له في العام 2003، وإلى بلدان عربية أخرى، جعلت كلها عبدالله بن عبد العزيز، ولياً للعهد وملكاً، يضع استراتيجية لوأد العنف والإرهاب في بلاده، وفي الوقت نفسه، دعم البلدان العربية في تصديها للإرهاب، والتعاون الدولي في هذا الصدد. ولهذا السبب، دعا في شباط/فبراير 2005 خمسين دولة عربية وأجنبية ومنظمة دولية إلى مؤتمر في الرياض للبحث والتنسيق حول السبل لمكافحة الإرهاب وتجنبه قبل وقوعه.
ولما كان الملك عبدالله يدرك، عن حق، أن مكافحة الإرهاب لا تكون بالوسائل العسكرية والأمنية فحسب، بل عبر استخدام إلإجراءات غير التقليدية (اللينة) التي أُطلق عليها بين العامين 2003 و2005 تسمية «استراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل والنقاهة»، لإعادة التأهيل والنصح والإرشاد للمضللين، وتفنيد المسوغات الفكرية والإيديولوجية الفاسدة للتطرف، ما يعزز شرعية النظام السعودي القائم، والقضاء على المعارضة العنيفة ضد الدولة. وللهدف نفسه، تأسس في الرياض في العام 2005 «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني» بمبادرة من الملك عبدالله منذ أن كان ولياً للعهد، بهدف تفعيل ثقافة الحوار ونشرها بين أفراد المجتمع السعودي، وتوفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار بين مكونات المجتمع السعودي بهدف تعزيز الوحدة الوطنية، في إطار العقيدة الإسلامية للانطلاق إلى مواقف حكيمة ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي.
وفي الشق الخارجي لهذه الاستراتيجية، تمحورت سياسة الملك عبدالله حول ثلاثة مبادئ، وهي:
– إرادة العيش المشترك بين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى، والتحاور معهم للتدليل
على أن ما يُحكى عن «الإرهاب الإسلامي»، لا يمت إلى الإسلام بصلة، وأن الإسلام
دين تسامح ومحبة.
– معالجة إشكالية فكرية – ثقافية ودينية، نتيجة وجود من يعتبر أن الحضارات والأديان
في حالة تصادم (النظريات التي راجت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي).
– التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية، عبر منتديات حوار تذلل فيها الخلافات
والاختلافات، وتقرب بين وجهات النظر والمواقف.
الملك عبدالله: حوار الأديان للتعايش لا الصراع
عندما كان ولياً للعهد، أدرك عبدالله بن عبد العزيز، بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001 وتداعياتها الوخيمة على الإسلام، دولة ودين، ضرورة إعطاء العالم صورة مغايرة عن الإسلام التي قدمها تنظيم «القاعدة»، بأنه دين سلام ومحبة، عبر فتح قنوات وأبواب الحوار بين الأديان والثقافات على مصراعيها، وتأسيس علاقة على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري. من هنا، اهتم بنشر ثقافة التسامح وترسيخها، وإزالة الخوف لدى المسلمين من منهجية الحوار مع مختلف الثقافات والأديان والشعوب. كان خادم الحرمين الشريفين يرمي إلى إرساء تعايش وانسجام ووئام بين الشعوب والثقافات والأديان، بعيداً عن العنف والإرهاب، في ظل أجواء من الاحترام المتبادل والتعايش، والتعاون لما فيه خدمة البشرية وتعزيز القيم الإنسانية.
هناك مؤشرات عديدة تلقي الضوء على كيفية تطور فكرة حوار الأديان وتخمرها لدى الملك عبدالله:
– دعوته خلال «ندوة صورة الإسلام في الإعلام المعاصر» التي نظّمتها «رابطة العالم
الإسلامي» في مكة المكرمة بعد حوالى شهرين على اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر
2001، إلى برنامج عالمي حول الحوار بين الحضارات والتعايش بين الثقافات والتواصل
بين الشعوب.
– مطالبته في «مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية» في مكة المكرمة في مطلع كانون
الأول/ديسمبر 2005 القادة المسلمين بالوحدة الإسلامية، ورفض سياسة العنف
وسفك الدماء التي يدعو إليها متطرفون مسلمون متعصبون، وتبنّي الوسطية
والاعتدال اللتين تجسدا سماحة الإسلام.
– إطلاق «جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمية
للترجمة» في العام 2006، لتكون رسالة عالمية للتلاقي وتعزيز الحوار الثقافي
والتواصل المعرفي بين الشعوب.
– حديثه إلى وكالة أنباء روسية في شباط/فبراير 2007 حول المنبع الواحد لجميع
الحضارات الإنسانية.
– إقامة «مهرجان الجاندرية» في شهر شباط/فبراير 2007 تحت شعار «حوار الحضارات
والثقافات».
– زيارته التاريخية إلى الفاتيكان ولقاء البابا بينيديكتوس السادس عشر في تشرين
الثاني/نوفمبر 2007 ، خدمة للإسلام وللسلام العالمي.
– تشديده في «المنتدى السادس لحوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي» الذي
عُقد في الرياض قبل نهاية شهر آذار/مارس 2008 على الأخلاق والصدق والوفاء
والإخلاص للأديان السماوية وللإنسانية، ومطالبته بتعزيز لتماسك الأسرة لمحاربة
تفشي الإلحاد، كمسؤولية جماعية يتحملها الجميع.
وبحلول العام 2008، أصبح كل شيء معداً لتجسيد هذه الأفكار على أرض الواقع، بعد تحولت إلى استراتيجية، فأطلق الملك عبدالله اثناء انعقاد «المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار» في مكة المكرمة في شهر 4 حزيران/يونيو 2008 نداءً حول ضرورة إقامة حوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود، مرسياً بذلك قواعد الحوار ومجالاته وشروط اختيار شركاء الحوار.
واستكمالاً لأعمال مؤتمر مكة، عُقد في مدريد مؤتمر حوار ثانٍ للأديان في تموز/يوليو 2008، لتقييم التجارب السابقة لمسارات الحوار، سواء بين الأديان أو بين الحضارات. وشارك فيه نحو 200 شخصية من رجال الدين المسلمين والمسيحيين واليهود.
وتواصل هذا الحوار من خلال اجتماع عالي المستوى عُقد في الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه (منتدى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات)، شارك فيه مندوبون يمثلون أكثر من 80 دولة. إن نقل المبادرة إلى نيويورك، كانت رغبة من الملك لجعلها مسؤولية إنسانية جامعة تضطلع بها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لقد جسّد مؤتمرا مدريد ونيويورك آمال خادم الحرمين الشريفين وتطلعاته ومسعاه لتحقيق التفاهم والتعاون بين الأمم، فدعا خلال افتتاح المؤتمر الأول الزعماء الدينيين في العالم إلى الابتعاد عن الأصولية، وتبني روح المصالحة.
ومن على منبر المنظّمة الدولية، قال: «إنّ الإرهاب والإجرام أعداء الله، وأعداء كل دين وحضارة، وما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح، والضياع الذي يلف حياة كثير من الشباب».
ولفت إلى انتهاك المخدرات عقول الشباب، واستغلال الأقوياء للفقراء، وإلى النزاعات العنصرية. وعزا الملك أسباب ذلك إلى الفراغ الروحي الذي يعاني منه الناس. ورأى الملك، أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع بين أتباع الأديان والثقافات، فالأديان، وفق مقولته، يجب ألا تكون مصدر شقاء للبشرية، مؤكداً أن التعصب المنتشر يعود إلى سبب بسيط هو «الانشغال عبر التاريخ بنقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات»، من دون التفكير في نقاط التلاقي والسعي للتقريب في ما بينها. كذلك، انتقد العاهل السعودي القيم والمفاهيم الملتبسة السائدة، واعتبر أنها وراء تفشي ظاهرة الإرهاب وتنامي الإجرام، وقد صدرت توصيات عن مؤتمر مدريد تعبّر عن فكر الملك عبدالله حول وحدة البشرية، وأن التنوع الثقافي والحضاري هو من نِعَمِ الله، وسبباً لتقدم الإنسانية وازدهارها والحوار بين مكوناتها البشرية. وجرى الاتفاق على الآليات التي تحقق أهداف العاهل السعودي، وأهمها إنشاء فريق عمل لدراسة المشكلات التي تُعيق الحوار وتحول دون بلوغه النتائج المرجوة، وأن تتعاون المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية معاً على ترسيخ القيم الأخلاقية النبيلة، فضلاً عن تنظيم اللقاءات والندوات وإجراء الأبحاث حول قضايا الحوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات.
وفي نهاية أيلول/سبتمبر وغرّة تشرين الأول/أكتوبر 2009، عُقد «الملتقى الثالث لحوار الأديان» في مدينة جنيف، واهتم بالتركيز على مفهوم القيم الإنسانية في الديانات والحضارات المختلفة. وصدر بيان ختامي شدد على وجوب تعزيز الإلتزام بالقيم الإنسانية ومقاربتها بين الأديان. واعتبر البيان أنّ الأديان ليست مصدراً للأزمات، وطلب من الإعلام توخي الصدقية والموضوعية في الموضوعات ذات الأثر الكبير في المجتمعات البشرية.
وبعد حوالى العامين على مؤتمر جنيف، في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2011، تبلورت مبادرة العاهل السعودي بتوقيع وزير الخارجية سعود الفيصل على اتفاقية في شأن إنشاء «مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي لحوار أتباع الأديان والثقافات» في فيينا. وحددت الاتفاقية أهداف المركز بـدعم الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم والاحترام والتعاون بين الشعوب، وحفز العدالة والسلام والمصالحة، ومواجهة تسويغ العنف والصراعات بغطاء الديانات.
وهدف المركز كذلك، إلى الدعوة إلى منهج مسؤول لتكريس البعد الديني والروحي للأفراد والمجتمعات. وجرى افتتاح المركز في فيينا خلال العام 2012.
الملك عبدالله: استكمال حوار الأديان بحوار المذاهب
إنّ الحديث عن حوار بين أتباع المذاهب الإسلامية، والوصول إلى وحدة إسلامية، بغض النظر عن العرق أو الجنسية أو اللون، هما مسألتان ليستا بجديدتين. إلا أن ثقافة العداوة والخصومة والكراهية، وقفت سداً في القرون الماضية في طريق الوصول إلى تفاهمات أو تهذيب للخلافات، وبخاصة بين السنّة والشيعة. ففي «مؤتمر الدوحة لحوار المذاهب الإسلامية» بين 20 و22 كانون الثاني/يناير 2007، حصل شجار ساخن بين علماء سنّة وشيعة حول المد الشيعي الإيراني في سورية وفلسطين، وفي العديد من الأقطار الإسلامية الأخرى. من هنا، يتضح مدى الهوة التي تفصل ما بين السنّة والشيعة على الصعيدين العلمائي والفكري وانعكاسها على الجماهير من أتباع المذهبين.
إنّ اشتداد الصراع بين السنّة والشيعة في الآونة الأخيرة، وأحداث لبنان والعراق واليمن والبحرين وسورية، والحديث عن حرب مذهبية تشعل المنطقة وتهدّد الاستقرار وتؤدي إلى سقوط المعبد على الجميع، ربما كانت وراء دعوة خادم الحرمين الشريفين، أثناء افتتاح مؤتمر «منظمة التعاون الإسلامي» في مكة المكرمة في 8 آب/أغسطس 2012، وأجواء المكان المقدس وخصوصية ليلة القدر في 26 و27 من رمضان، إلى حوار حقيقي وجاد بين أتباع المذاهب الإسلامية، والتقريب في ما بينها، يفضي إلى انبثاق إرادة تحافظ على وحدة المسلمين، دينياً وثقافياً، وتعود بهم إلى منابع الإيمان الصافي والفكر النقي واحترام العقل، فدعا خادم الحرمين الشريفين إلى الاعتدال والتسامح للتغلّب على الفتنة والتفرقة. وقال: «بسبب التفرق تسيل دماء أبناء الأمة الإسلامية»، واستشهد بالآية القرآنية الكريمة «الفتنة أشد من القتل» (سورة البقرة: الآية رقم 192: 191)، وأكد الملك أنّه بالتضامن نحفظ للأمة الاسلامية تاريخها وعزتها. وبعبارات وجدانية وربما برجاء لا يصدر إلا عن الكبار، خاطب خادم الحرمين الشريفين القادة المشاركين بالقول: «أستلحفكم الله ان تكونوا على قدر المسؤولية وأن تكونوا جديرين بحملها»، في إشارة إلى مجموع المشاكل التي تواجه الأمة الاسلامية في الوقت الراهن.
ومن المؤكد، أن الملك عبدالله، كان يدرك أن تخفيف حالات الخلاف والاختلاف بين أتباع المذاهب الإسلامية وتفعيل التلاقي في ما بينهم، سيجعل من المسلمين قوة عالمية لها كلمتها المسموعة في القضايا الدولية والأزمات التي تنعكس عليهم، كما يحصل بمسلمي ميانمار مؤخراً، على سبيل المثال.
لقيت فكرة العاهل السعودي حول حوار المذاهب استحساناً من الدول الـ 57 المشاركة في قمة مكة، حيث أجمعت على أهميتها، لأنها تأتي في ظروف حساسة تمر بها دول العالم الإسلامي، بعد حالات من الاصطفاف المذهبي التي تسيطر على السياسة وعلى الشارع العربي، من الخليج والجزيرة العربية حتى البحر المتوسط، فضلاً عما يحصل في بلدان إسلامية أخرى. وهذا يستدعي وجود مراكز للحوار بين المذاهب، أسوة بمراكز الحوار التي سبق اطلاقها حول الحضارات والثقافات والأديان، مع التأكيد أن ما يجري في داخل الأمة الإسلامية في الوقت الراهن، ليست مشكلة دينية، وإنما مسألة ثقافية – اجتماعية – سياسية.
من هنا، رأى العاهل السعودي وجوب الانطلاق بتأسيس مركز للحوار يكون مقره الرياض، واعتبرت هذه الدعوة لحوار المذاهب بمثابة استكمال لحوار الأديان والحضارات والثقافات ببعده العالمي الذي أطلقه العاهل السعودي.
ولكي تنطلق الفكرة من أساس صلب ومتين، دعا العاهل السعودي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى المشاركة في المؤتمر.
ومن المؤكد، أن الملك عبدالله كان يدرك عمق الخلافات بين بلاده وإيران، بسبب سياسة الأخيرة في التدخل في الشؤون العربية الداخلية، فضلاً عن ملفها النووي الذي يثير الريبة والشكوك. لكنه أدرك من جهة أخرى، أنه لا يمكن استبعاد طهران عن المؤتمر، نظراً إلى دورها الإقليمي وتأثيرها في المنطقة، وأنه يمكن التحاور معها، على أمل أن تراجع سياستها الخليجية وتنهج سياسة التعاون بدلاً من التدخل والمجابهة. صحيح أن الخلافات التي تبرز على الساحة بين إيران الشيعية ودول الخليج السنّية ذات طابع سياسي وإستراتيجي وأمني، إلا أن الحوار يفتح الأبواب أيضاً أمام التباحث حول كل مسببات الخلاف والنزاع بين السنّة والشيعة وما يتعلق بأمور عقائدية وفقهية لا تعالج إلا بالحوار الصريح والعميق. وهذا كله يؤدي إلى تعزيز الأمن والسلم الإقليميين، وإلى تماسك البيت الإسلامي من الداخل. وفي ضوء انحياز إيران السافر إلى جانب بشار الأسد الذي يقتل شعبه، ودعمه، ومعه حزب الله، بعناصر من الحرس الثوري، والتلاعب بالقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب إقليمية، من دون أن تطلق طهران رصاصة واحدة على إسرائيل، فمن غير المتوقع أن يسفر هذا «الحوار» عن شيء في الوقت الراهن، لأن المسائل السياسية والخلافات العقائدية بين أتباع المذهبين تتغذيان من بعضهما البعض، وما يزيد المسألة تعقيداً وتشنجاً، هو رفض أهل السنّة مرجعية «ولي الفقيه» وتسريبها إلى بلدان عربية.
المواقف من مبادرتَي الملك عبدالله
من خلال منهجه وفلسفته في الحكم، فإن لقب «خادم الحرمين الشريفين» بالنسبة إلى الملك عبدالله، لا يتوقف على خدمة الإسلام في الأماكن المقدسة وتطوير شعائرها والسهر على ضيوف الرحمن، ولا بدعم دول وشعوب العالم الإسلامي في مجالات التنمية البشرية والمساعدات فحسب، بل تبيان وجه الإسلام الإنساني العالمي السمح الصحيح، والدفاع عنه في كل المحافل والمنتديات الدولية، في عملية تصدي وقائية لمحاولات تشويه صورته، كالرسوم المسيئة للرسول الكريم في الدنمارك، ومحاضرة بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر، وإحراق القرآن الكريم من قبل القس الأميركي تيري جونز(Terry Jones) ، وأخيراً وليس آخر فيلم «براءة المسلمين».
من هنا، واعتبر الصحافي كريستوفر ديكي (Christopher Dickey) في صحيفة نيوزويك (Newsweek) الأميركية، أن ما قام به الملك عبدالله على صعيد حوار الأديان والثقافات هو «إعلان ثورة» في قلب العالم الإسلامي. إنّ استحسان الشعوب العربية والإسلامية مواقف المملكة العربية السعودية وسياسات عاهلها الملك عبدالله على الصعيدين العربي والإسلامي، تُرجمت من خلال استطلاع أجرته مؤسسة إحصاء أميركية، وفيه حصلت المملكة على المرتبة الأولى بين الدول العربية والإسلامية من حيث إعجاب شعوب 47 دولة عربية وإسلامية بها. ووفق الاستطلاع، فإن غالبية الشعوب الإسلامية عبرت عن «نظرة إيجابية» تجاه السعودية.
وفي استطلاع آخر للرأي أجراه «مركز الدراسات العربي الأوروبي» في باريس، فإن 65.5٪ ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى حوار الأديان، وإلى تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره الرياض. وفي العام 2009، أظهر استطلاع جديد للمؤسسة الأميركية السالفة الذكر، أن العاهل السعودي هو أكثر الزعماء شعبية في العالمين العربي والإسلامي.
وفي موقع «الاقتصادية» (السعودية)، جاء أن الحوار الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، يسعى إلى تأسيس فهم مشترك للاختلافات الثقافية بين الشعوب وترسيخ احترامها واستيعابها ضمن منظومة الحضارة الإنسانية. وأكد صحافي كويتي، أن مؤتمر حوار الأديان يعد «بداية جيدة تحسب للسعودية ودورها المهم في ريادة العالم الإسلامي»، وأشار إلى أن الحوار هو «عودة لأصل العلاقات بين الأديان»، مؤكداً الحاجة الملحة «لإيقاف الفهم الخاطئ عن الإسلام، وأن يتم التصدي لكل ما يسئ إلى الإسلام أو إلى النبي الكريم، وتقديم النموذج الإيجابي عن الإسلام». وقال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، إن الحوار قد يوصلنا إلي نتائج مشتركة، أو إلى مرحلة مهمة من مراحل التقارب، أو لا يؤدي بنا إلى التوافق التام. فالمهم أن يصل بنا في النهاية إلى أرضية الاحترام المتبادل حتى مع أوجه الاختلاف. وأضاف: إن الحوار يجب أن تكون غايته ووسيلته تغطية المساحات التي يمكن أن نشترك ونتفق عليها أكثر من المساحات التي نختلف فيها، ويجب ألا يأخذ الحوار شكلا مظهرياً في صورة يقدمها المتحاورون للعالم بأنهم يسعون إلى الحوار لتقليل الفجوة بين المختلفين.
ومن جهته، قال أستاذ جامعي: إن للحوار قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها كثقافة مجتمعية قومية على جميع المستويات، لخلق نوع من التعاون والتعارف بين الشعوب.ومن بين ردود الفعل الدولية على مبادرة حوار الأديان، تنويه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بجهود خادم الحرمين الشريفين لإحياء الحوار بين الأديان. صحيح أن بوش هنأ العاهل السعودي على جهوده في هذا المضمار، إلا أنه سبق واعتبر يوم باشر حربه على «الإرهاب الإسلامي» بعد 11 أيلول/سبتمبر، أنه يخوض «حرباً صليبية»، منعشاً بذلك كل الذكريات الأليمة بين العالمين الإسلامي والمسيحي. من هنا، لا يجب أن تؤخذ تصريحات بوش حول ترحيبه بحوار الأديان على محمل الجد، لأن حربه «الصليبية الجديدة» على الإسلام مزقت العراق، وكرست سياسة الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومكنت آرييل شارون من مباشرة حربه على الفلسطينيين تحت مسمى «محاربة الإرهاب». يُضاف إلى ذلك، أن ما زعمه بوش حول نشر الديمقراطية في العالم، سبب المآسي لشعوب والدمار لبلدانهم.
ومن جهته، ثمّن وزير الدولة للشؤون الفدرالية الألماني هيرمان غروهي (Hermann Gröhe) مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لحوار الأديان، لأنها تخلق ثقافة السلام والتعايش، وقال: «إذا قام إرهابيون ومتطرفون بتحريف دينهم، لا يعني هذا أن نبرر العداء لهذا الدين». أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فحيّا مبادرة الملك عبدالله، معتبراً أنها مناسبة مهمة لتعميق الفهم والإدراك للأديان والطوائف والثقافات الأخرى، وكذلك لكل المشاكل، بما في ذلك ايجاد حلول للمسائل السياسية.
وقال صحافي أجنبي معلقاً على المبادرة بالقول: إنها ليست المرة الأولى التي تبادر فيها السعودية من أجل إحلال الاستقرار والسلام في العالم. فمبادرة السلام العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين من بيروت في العام 2002، كولي للعهد وملكاً، عبّرت عن رغبة العرب في السلام العادل لأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وهي وإن لم تؤد إلى غاياتها في تحقيق سلام عادل يقوم، وفق رؤية الملك عبدالله، على مبدأ «السلام الشامل لقاء التطبيع الكامل»، لأن إسرائيل دولة قامت على العدوان والاغتصاب والتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا تريد السلام، العادل، بل «السلام» الذي يُبقي على احتلالها للأرض وقهر الشعب الفلسطيني وسلبه حقوقه المشروعة.
وفيما رفض حزب الله في لبنان حوار الأديان، واعتبره «واجهة للتطبيع مع إسرائيل ويشرعن وجودها»، تولت أبواق محسوبة على سورية وإيران في لبنان مَهَمة مهاجمة السعودية وطالبت رئيس الجمهورية اللبنانية، من دون جدوى، بعدم المشاركة في أعمال مؤتمر الحوار في نيويورك. صحيح أن الرئيس ميشال سليمان غادر قاعة المؤتمر عندما باشر الرئيس الإسرائيلي بإلقاء كلمته، إلا أنه رحب بالمبادرة السعودية، حتى أنه دعا إلى جعل لبنان مركزاً دولياً لإدارة حوار الحضارات والثقافات.
من جهة أخرى، وصف الرجل الثاني في «القاعدة»، أيمن الظواهري، حوار الأديان بأنه «مهزلة غبية». وهذا رد فعل طبيعي، في ضوء التناقض الصريح بين استراتيجية «القاعدة» لنشر «جهاد الإرهاب» في العالم ولصقه بالإسلام، وبين استراتيجية الملك عبدالله القاضية بنبذ العنف والإرهاب، وبالدفاع عن الإسلام وتبيان زيف إدعاءات المسلمين المتطرفين، والانفتاح على «الآخر»، حضارياً وثقافياً.
أما بالنسبة إلى الحوار بين المذاهب الإسلامية، وعلى الرغم من التخوفات، من هناك وهناك، حول استحالة الوصول إلى تلاقي سنّي شيعي، إلا أن هناك من رأى ضرورة عدم الإحباط والاستمرار في المحاولات، نظراً إلى ما يتهدد العالم الإسلامي من مخاطر الفتن الداخلية وتربص الخارج به، وما يُحكى عن حرب مذهبية من العراق حتى شواطئ المتوسط الشرقية، ومن هنا، نفهم مغزى مبادرة العاهل السعودي في مؤتمر مكة 2012.
لقد رحب مثقفون عرب بالمبادرة السعودية حول حوار المذاهب، وطالبوا كل الأطراف المعنية بتضافر جهودهم لتعزيز الاستقرار في كل بلدان العالم الإسلامي. وقد ركز عدد كبير من علماء الأزهر في مصر على أهمية الدعوة، معتبرين أن الفرصة قد أتت لتصحيح بعض المفاهيم بين أتباع المذاهب الإسلامية، بهدف تكريس التفاهم والتعاون في ما بينهم. ورحب أستاذ جامعي مصري بإنشاء مركز لحوار المذاهب ليكون «حاضنة علمية وفكرية وأكاديمية تجمع جهود العلماء والمفكرين من مختلف المذاهب الإسلامية». لكنه رفض حالة الإحباط التي سببتها الحوارات الفاشلة السابقة، وطالب بالبناء عليها والاستمرار بها، وإخراجها من مجالها البحثي الصرف إلى واقع الناس وحياتهم المعاشة.
وعلّق رئيس تحرير مجلة عربية على المبادرة بالقول: «تستجيب دعوة الملك عبدالله بن عبد العزيز لحاجات الواقع العربي ببعده الإسلامي؛ فالصراع والخلاف بين المذاهب، وبخاصة بين السنّة بجماعاتها، والشيعة بتنظيماتها ومواقعها الإقليمية، يهدد النسيج الوطني لأكثر من بلد. إنه يستحضر من التاريخ أسوأ مراحله». وطالب أحد المعنيين بالحوار الانساني بإغلاق الابواق الاعلامية التي تثير وتعمق الخلافات، ومن جميع الاطراف.
من ناحية أخرى، رحب الداعية الإسلامي الشيخ عائض القرني بدعوة الملك عبدالله لحوار المذاهب، إلا أنه استدرك بأنه لا يتوقع منه إنهاء الخلاف الواقع بين المذاهب الإسلامية السنية والشيعية، ولكن سيهذب النفسيات، ويجعل هنالك وسائل للتعايش ومناقشة القضايا بلا ضوضاء وفتن.
وعلى الرغم من القلاقل التي كانت تقع في المناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية (القطيف)، فإن سبعة من أبرز علماء الشيعة هناك، رحبوا بدعوة خادم الحرمين الشريفين وطالبوا بالالتفاف حول مساعي الملك «لرفض التقسيمات المذهبية والمناطقية والايدلوجية التي تفتت وحدة المجتمع وتماسكه». لكنهم، طالبوا من جهة أخرى، «إرساء دعائم المجتمع المدني الذي يجب أن يُحترم فيه المواطن وتُحفظ فيه كرامته وتصان حقوقه». ومن خلال مواقفه وتصريحاته العديدة، فإن هذه المطالبة التي تربط بين كرامة المواطن وبين تفعيل الحوار السنّي – الشيعي في المملكة، ما كانت تنناقض بتاتاً مع مواقف العاهل السعودي وتصريحاته باحتضان كل مكونات المجتمع السعودي في إطار دولة قوية وفاعلة وعادلة. وترجم ذلك في السابق، ويستمر حتى اليوم، في خطط تنموية تلحظ منطقة القطيف.
استنتاج
من الواضح، أن مثلث الحوار التي أطلقه الملك عبدالله منذ العام 2005: الحوار الوطني السعودي، وحوار الأديان، وحوار المذاهب، يؤكد استراتيجيته لتحقيق السلام الفكري والإنساني بين مكونات المجتمع السعودي، وبين الأديان وبين المذاهب، بعدما وجد أن العالم بحاجة إلى عمل مشترك. فكل الأديان والمذاهب، وفق استراتيجيته، لا تقبل بالظلم والعدوان، وإن من يرتكبون الأعمال الإرهابية يناسبهم أن يردوها إلى الإسلام، وكذلك شركاؤهم متطرفو اليمين في أوروبا الذين يردّون أفعالهم إلى المسيحية، والصهاينة الذين يتلطون وراء اليهودية، وهذا يستوجب أن يكون الرد عليهم بالفكر والعقل.
من هنا، تكمن أهمية مثلث الحوار للملك عبدالله أنه أتى من قلب الإسلام ومن شخصية إسلامية لا جدال حول اتزانها وصلاحها. فالعاهل السعودي وضع العالم على السكة الصحيحة لحوارات أديانهم وحضاراتهم وثقافاتهم، وأوجد الإطار المؤسساتي والبحثي لهذا الحوار، وعلى المعنيين في العالم، ألا يبقوا على نتائج حواراتهم في داخل قاعات المؤتمرات، أو محصورة بشرائح فكرية معينة، بل استكمال المشوار بنقل ثقافة الحوار إلى الرأي العام وإلى الشارع، وفق آليات فكرية وثقافية وتربوية واجتماعية وإعلامية، أي تشريب الملايين من البشر ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر. عندها تتحقق سياسة الملك عبدالله في رؤية عالم تنفتح أديانه وثقافاته على بعضها البعض، ويتراجع فيه العنف والإرهاب.