التعليم العالي السعودي في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز: نقلة مجتمعية وتنمية مستدامة

إذا قارنّا التعليم في المملكة العربية السعودية عند تأسيسها على يد الملك عبد العزيز في العام 1932 بالتعليم اليوم، نلمس الجهود التي وُظفت من أجل الانتقال بالمجتمع السعودي من مجتمع شبه أُمّي يقوم على الكتاتيب إلى مجتمع يتميّز اليوم بانتشار المدارس والجامعات على مساحة المملكة، التي تزيد عن 32 ألف مدرسة، تضم نحو 5 ملايين من التلاميذ، فضلاً عن 32 جامعة أهلية وخاصة.  صحيح أن المسيرة طويلة وشاقة لتحقيق نقلة نوعية في برامج التعليم وتحديثها وإعداد المعلمين، إلا أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أدرك منذ الوهلة الأولى أهمية تحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع على مستقبل المملكة في عالم يقوم على العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وذلك عبر توفير التعليم النوعي لجميع أفراد المجتمع، فاعتمدت المملكة منذ العام 2005 برنامجاً للابتعاث إلى الخارج، وقامت بتمديده لخمس سنوات أخرى في العام 2011.

وأقرّ الملك المصلح في شباط/فبراير2007 مشروعاً استراتيجياً نوعياً ارتبط بإسمه يقضي بتطوير التعليم العام، برامج وخططاً وكوادر بشرية وتجهيزات فنية، من أجل بناء اقتصاد معرفي يواكب سوق العمل السعودي ويجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة. من هنا، خاطب المعنيين بشؤون التعليم بالقول: أتمنى أن تحملوا هذه المسؤولية بجد واجتهاد وتحسوا بمسؤوليتكم… بيد أنّني أتمنى أنْ تزداد هذه المسؤولية، وأن تربوا أجيالنا الحاضرة والمستقبلة على الخير وعلى العدل والإنصاف، وخدمة الدين والوطن بصبر وعمل.


مرّ التعليم العالي في المملكة بأطوار عدة إلى أن وصل إلى الجامعة، فكانت “جامعة الملك سعود بن عبد العزيز”
في العام 1957 أول جامعة في المملكة، والتي فتحت أبوابها أمام الفتاة السعودية بعد سنتين من إنشائها، ومنذ تسلّمه الحكم عملياً في العام 1995 ورسمياً في العام 2005، يولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله التعليم الجامعي عناية خاصة، فأحدث فيه التغييرات والتحوّلات الكثيرة والكبيرة التي تقتضيها التطورات التقنية والمعلوماتية والحضارية، عبر الخطط المتوسطة والطويلة المدى، شملت القبول والاستيعاب والمواءمة والجودة والتمويل والبحث العلمي، والبعثات الطلابية والهيئات التعليمة إلى الخارج، والتخطيط الإستراتيجي.


وفي العام 2003، تأسّست «الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي» لتكون المسؤولة عن ضمان الجودة في الجامعات، ولتحقيق ذلك، وُضعت ثلاثة مشاريع: تنمية الإبداع والتميّز لأعضاء هيئة التدريس، وإنشاء مراكز أبحاث في الجامعات، وإسهام الجامعات في دعم البحث العلمي، وفي الوقت نفسه، أشركت الحكومة السعودية القطاعين الخاص والأهلي في إنشاء الجامعات.


عبد الرؤوف سنّو

 مداميك التعليم العالي والبحوث: التوسّع الأفقي والنوعي

 
لقد تضاعف عدد الجامعات السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أربع مرات، بهدف إيصال التعليم العالي إلى كل ناحية في المملكة، فقفز من 8 جامعات إلى 32 جامعة منتشرة في أنحاء المملكة، بعضها لا يزال قيد الإنشاء، وذلك في غضون أربع سنوات، من ضمنها أربع جامعات أهلية، لقد جرى تأسيس جامعات جديدة رسمية في المدينة المنورة، وتبوك، وحائل، وجيزان، ونجران، والطائف، والقصيم، وشقرا، والجوف، والباحة، وأبها، والخرج، ورابغ، وفي الحدود الشمالية، وجدة، فضلاً عن «جامعة المجْمَعة» وفرع مدينة الملك عبد العزيز للطالبات في «جامعة الإمام محمد بن سعود»، و«المدينة الجامعية للبنات» في الجامعة السابقة المذكورة، و«مجمع الكليات للطالبات بجامعة أم القرى»؛ وكل ذلك في غضون سنوات قليلة من حكمه. ويتطلب نظام التعليم العالي هذا جهوداً مستمرة لتفعيل قدرته على المنافسة والتأثير في نهضة البلاد وتخريج أجيال مبدعة.


مع ذلك، قد يكون هذا الإنجاز فريداً مقارنة بما حصل ويحصل في العالم، وقد بلغت الكلفة الإجمالية لهذه المشاريع 81.5 مليار ريال سعودي، وانتهت بالفعل المرحلة الأولى منها ببناء 16 جامعة تضم 166 كلية و10841 وحدة سكنية، و12 مستشفى بطاقة استعابية من 3800 سرير، وقد بلغ تعداد طالبات وطلاب السعودية في التعليم الجامعي في العام 2010 أكثر من 700 ألف.


ولتعزيز العلوم الصحية والطبية، أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء «جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية» في الرياض، مع فرعين في جدة والإحساء.
وفي العام 2008، تأسست «جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات» بسعة 40 ألف طالبة، وتُعتبر أهم صرح تعليمي وعمراني أُقيم في عهد الملك عبدالله، وتمتد على مساحة 8 ملايين متر مربع، من ضمنها 3 ملايين مساحة الأبنية، وتحتوي الجامعة على 13 كلية، ومستشفى تعليمي، فضلاً عن مساكن لقرابة 20 ألف طالبة، أما كلفة المشروع، فزادت عن 20 مليار ريال سعودي.

 

 

 

وإدراكاً منه بضرورة أن يواكب التعليم الجامعي البحث العلمي وحاجات السوق من الاختصاصات، أمر الملك بتأسيس مراكز للبحوث في الجامعات، وأوعز بتأسيس ثلاثة مراكز لأبحاث النانو، وتقنية العلوم الحيوية، وتقنية المعلومات في جامعات الملك سعود، والملك عبد العزيز، والملك فهد للبترول والمعادن، وخصص لكل منها 12 مليون ريال سعودي. وفي آب/أغسطس 2013، صدرت إرادة ملكية بإنشاء مركزين للأبحاث في جامعة المجْمَعة، وهما «مركز الابتكار والأفكار الطلابية المتميزة»، و«مركز البحوث للكليات الصحية والعلمية». وفي 17 نيسان/إبريل 2010، صدر أمر ملكي بإنشاء «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» على بعد 25 كلم جنوب غربي الرياض، وهي نواة التطوير العلمي والبحثي والاقتصادي لصناعة طاقة المستقبل المستدامة، وفي رأي العاهل السعودي، فلا فصل بين نشر المعرفة وبين البحث العلمي المتخصص، فهما متلازمان يسيران جنباً إلى جنب.


وأحدث جامعتان في المملكة، بهمّة الملك المفعم بالحيوية والنشاط، هما على التوالي في العامين 2009 و2013: «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية – كاوست» (
Kaust) للأبحاث والدراسات الجامعية والعليا في مدينة ثول على البحر الأحمر شمالي جدة، على مساحة 36 مليون متر مربع. فقدم الملك صاحب الرؤية المستقبلية لأهمية التعليم في تطور الشعوب مبلغ 10 مليارات دولار أميركية لصالح وقف الجامعة.
وليست جامعة كاوست بواحدة عادية تعتمد التعليم التلقيني النظري، بل البحث والتجريب والتنقيب وصولاً إلى الاكتشاف والاختراع. وتحتوي على أهم المختبرات في العالم ونخبة من الأساتذة العالميين المختصين، وتمتلك أضخم حاسوب في الشرق الأوسط والأدوات لدعم البحوث في مجال المواد المتقدمة، والتقنية الحيوية، والإلكترونيات والضوئيات، والأنظمة الإلكتروميكانيكية الميكرومترية/والأنظمة الإلكتروميكانيكية النانومترية (
Nano technology). ويُطلق على الجامعة تسمية «معهد ماساتشوستس العربي» للإشارة إلى المعهد الأصيل في الولايات المتحدة المعروف باسم (MIT)، وإلى المستوى العريق للجامعة السعودية تلك.
بدأت جامعة كاوست بـ 400 طالب في العام 2011، وارتفع عدد طلابها إلى 12 ألفاً في العام 2012، وقد وفّرت كل مستلزمات المعيشة الكريمة للطلاب، من وحدات سكنية (3100 وحدة، ما بين بيوت وشقق) واهتمت بالمساحات الخضراء، بالإضافة إلى إنشاء مركز تجاري وآخر ترفيهي، ومسجد رئيسي.

 

 


أما الجامعة الثانية، فهي «الجامعة السعودية الإلكترونية» للتعليم عن بُعد، وتقع في الرياض ولها فروع في مدن سعودية أخرى، ويضم هذا الصرح العلمي كليات العلوم الإدارية والمالية والحاسوب والمعلوماتية، وكلية العلوم الصحية.
وتثميناً لهذه الجهود الجبارة، ودعم العاهل السعودي اللامحدود التعليم وعالميّ المعرفة والمعلومات، حصلت المملكة في العام 2012 على «جائزة القمة العالمية لمجتمع المعلومات» (
WSIS Forum 2012) أثناء انعقاد القمة في جنيف.
وتبيّن للجنة المشرفة أن المملكة حقّقت تقدّماً ملفتاً في مجال خدمات التعليم الإلكترونية (مشروع نور) التي بلغت 2700 مهمة وظيفية تخدم أطرافاً مختلفة من الطلاب وأوليائهم والمدرسين والامتحانات والسجلات ومديريات التعليم والإداريين في وزارة التعليم بمختلف مستوياتهم.


وفي خطوة لافتة، تُفتتح في المملكة تباعاً 10 من «كليات التميّز»
Colleges of Excellence))  للتدريب التطبيقي في المملكة، 4 منها للبنات الخريجات من المرحلة الثانوية، في جده والخرج، ومكة والمدينة. وسيلحق بهذه المدارس المميزة 26 مدرسة أخرى على مستوى المملكة. وتُدشن أولى مدارس البنات في أيلول/سبتمبر 2013 تحت اسم «كلية نيسكوت للبنات بجدة» (Nescot Jeddah Female College of Excellence)، وتدار من قبل اتحاد مؤلف من ثلاث جامعات بريطانية متخصّصة، أما الكليات الست الأخرى، فهي للذكور وتقع في جده ومكة والرياض وجازان وحائل وبريدة.

استراتيجية الملك عبدالله: ربع الموازنات على التعليم والابتعاث


اللافت في سياسة التعليم في المملكة خلال عهد الملك عبدالله مسألتان: التمويل الهائل للقطاع، من بنى تحتية وتوسّعه على مساحة المملكة، مدارس وجامعات ومراكز أبحاث وتجهيزات ومختبرات، وحجم الابتعاث الطلابي المتصاعد إلى الخارج.
وقد بُلِغَ ما أُنفق على التعليم بين الأعوام 2004 و2013 نسبة 25.5% من الموازنات السعودية. وبلغة الأرقام، أنفقت الدولة السعودية على التعليم ومنشآته وتجهيزاته في الفترة الزمنية نفسها مبلغ 1.204 ترليون ريال سعودي، أي أكثر من 321 مليار دولار أميركي. وهذا دليل على رعاية الملك عبدالله الخاصة للتعليم، وإيمانه بأنه الطريق الصحيح والأوحد للنهوض بالمجتمع السعودي، وصولاً إلى مجتمع المعرفة والتكنولوجيا.

 

تطور الانفاق على التعليم والصحة والخدمات والتنمية الاجتماعية وفق الموازنات المالية السعودية

 2004-2013 (بمليار ريال سعودي)

السنة

تقديرات الانفاق العام (مليار ريال)

حصة التعليم من الموازنة

% للتعليم من الموازنة

حصة الصحة والتنمية ولاجتماعية من الموازنة

% للصحة والتنمية من الموازنة

2004

230

63.500

27.6

24.300

10.5

2005

280

70.100

25

27.100

9.6

2006

335

87.000

26

31.00

9.2

2007

380

96.700

25.5

39.500

10.4

2008

410

105

25.6

44.400

10.8

2009

475

122.100

25.7

52.300

11

2010

540

137.600

25.5

61.200

11.3

2011

580

150.00

24.8

68.700

11.8

2012

690

168.600

24.4

86.500

12.5

2013

820

204

25%

100

12.1

 المصدر: الميزانيات السعودية 2004-2013. موقع وزارة المالية السعودية على الانترنيت.

 


إنّ حجم الابتعاث إلى الخارج يدل بدوره على رؤية الملك عبدالله الإستراتيجية البعيدة المدى لإحداث نقلة نوعية في اقتصاد ومجتمع المعرفة، فعند اعتماد البرنامج في العام 2005، كان من المقرر أن يمتد إلى خمس سنوات، لكن هذا القائد المتنور رأى في العام 2011 أن يمتد إلى خمس سنوات أخرى، أي إلى العام 2016، وأن ينضم إليه جميع الطلبة الذين يدرسون في خارج المملكة على حسابهم الخاص.
وفي العام 2013، كان هناك 149742 من المبتعثين والمبتعثات على مقاعد الدراسة في أكثر من 30 دولة حول العالم للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مختلف الاختصاصات، من طب وصيدلة وهندسة ومحاسبة وقانون وكومبيوتر وتجارة إلكترونية، بالإضافة إلى العلوم الأساسية (الرياضيات والفيزياء والكيمياء)، تخرج منهم أكثر من 47 ألفاً بين الأعوام 2007 و2013.

وبذلك تحتل المملكة المرتبة الأولى في العالم من ناحية عدد الطلبة المبتعثين مقارنة بحجم سكانها، والثانية عالمياً بعد الصين، ويُضاف إلى المبتعثين نحو 137 ألفاً من المرافقين، ويبلغ حجم ما يُصرف عليهم جميعاً 20 مليار ريال سعودي سنوياً. وقد زاد الملك – الأب قبل سنوات قليلة من منح المبتعثين بنسبة 15%.
إشارة إلى أن المبتعثين إلى البلدان الأنكلو سكسونية، يخضعون لدورات لغة إنكليزية مكثفة تستمر ما بين 18 و22 شهراً، ويحصل زملاؤهم السعوديون في بلدان أوروبية أخرى على دورات مماثلة في اللغات الأجنبية تمكنهم من دخول جامعاتها.
وفي العام 2013، كان هناك حوالى 30 ألف طالب وطالبة يدرسون اللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة الأميركية تمهيداً لالتحاقهم بالجامعات الأميركية. وتشرف على رعايتهم ملحقية ثقافية مؤلفة من 500 موظف وموظفة، والحال هو نفسه في عواصم أجنبية أخرى.

أما مجمل الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الولايات المتحدة فبلغ في العام 2013 (69235) طالباً وطالبة، علماً أن أعدادهم ازدادت بنسبة 50% بين عامي 2011 و2012. وتمثّل الفتاة السعودية أكثر من 25% من الطلاب المبتعثين إلى الولايات المتحدة، وبين الأعوام 2005 و2012، بلغ حجم الزيادة لعدد المبتعثين إلى الولايات المتحدة نسبة 98%.

 

تطور أعداد الطلاب السعوديين المبتعثين في الولايات المتحدة بين الأعوام 1997 – 2011

والنسب المئوية للتغيير السنوي

السنة

أعداد الطلاب

نسبة التغيير %

2012/2013

69236

30.6          

2011/2012

53000

133            

2010/2011

22704

43.6    

2009/2010

15810

24.9    

2008/2009

12661

28.2    

2007/2008

9873

25.2    

2006/2007

7886

128.7   

2005/2006

3448

13.6     

2004/2005

3035

13.8 – 

2003/2004

3521

15.7 –

2002/2003

4175

25.2 – 

2001/2002

5579

5.8  

2000/2001

5273

2.3  

1999/2000

5156

4.6  

1998/1999

4931

7.9  

1997/1998

4571

       Source: Open Doors Fact Sheet: Saudi Arabia. Institute of International Education.  

              أُلحقت إضافات في الجدول من قبل المؤلف.

 

                     أبرز دول الابتعاث السعودي وأعداد الطلاب في العام 2013

الدولة

أعداد المبتعثين

الدولة

أعداد المبتعثين

الولايات المتحدة

69236

الهند

609

المملكة المتحدة

14459

اليابان

499

كندا

13801

ماليزيا

475

أوستراليا

8789

هولندا

326

نيوزيلنده

2049

إسبانيا

200

أيرلندا

1707

هنغاريا

200

مصر

1265

كوريا الجنوبية

200

الصين

1143

لبنان

120

ماليزيا

1105

السويد والتشيك وسويسرا

أكثر من 100

ألمانيا

945

سلوفاكيا

77

فرنسا

923

سنغافورة

50

بولندا

744

إيطاليا

40

النمسا

700

 

 

         المصدر: وزارة التعليم العالي 27/7/2013 http://www.al-madina.com/node/468461

ويُلاحظ من الجدول الأخير الكم الهائل في أعداد الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الولايات المتحدة، الذي يمثل نحو نصف مجموع الطلاب تقريباً.
وهذا يعود إلى التفوّق العلمي والمعرفي للولايات المتحدة وتوافر اختصاصات تحتاج لها المملكة. مع ذلك، يشير الجدول إلى أن المملكة تعمل على تنويع المناهل الثقافية والعلمية لطلابها من جامعات أوروبية وأسترالية وآسيوية عريقة. فحوالى 20 ألف يدرسون في البلدان الأوروبية، وأقل من 9 آلاف على مقاعد الدراسة في أستراليا، فيما نحو 3800 يدرسون في الصين والهند واليابان وماليزيا وسنغافورة، وهذه الدول حققت قفزات في مضمار العلم وفي تبوء جامعاتها مراتب متقدمة من ناحية الجودة.


وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة، فإنّ آلاف الطلبة السعوديين المبتعثين هم اليوم على مقاعد الدراسة في جامعاتها وحدها، نسبة 49.2% منهم يدرسون العلوم والهندسة بأنواعها، وهذا يعني أن الطلبة السعوديين ينخرطون في دراسة اختصاصات ذات أهمية قصوى لعملية النهوض الاقتصادي وتحوّل المملكة إلى دولة صناعية تقوم على المعرفة والتكنولوجيا والتطوير العلمي. في المقابل، اختارت نسبة 36.1% من الطلاب دراسة اختصاصات في العلوم الاجتماعية وإدارة الأعمال والقانون، وهناك نسبة 3% منخرطة في دراسة العلوم الزراعية، وفي العام 2012، أنفقت المملكة العرببة السعودية مبلغ 5.3 مليارات دولار على طلابها في الولايات المتحدة.


وفي سابقة تاريخية، احتفلت المملكة العربية السعودية في أيار/مايو 2013 بتخريج الدفعة السادسة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث إلى أميركا، وبلغ عدد الخريجين والخريجات 7275 درسوا في 721 جامعة في 48 ولاية، وبلغ إجمالي الحاصلين على البكالوريوس 3229 خريجاً وخريجة (48.38% من مجموع الخريجين والخريجات). أما نسبة الخريجين والخريجات حملة الدكتوراه والماجستير والزمالة والإقامة الطبية فبلغت 55.62%، وبلغ مجموع الفتيات المبتعثات الخريجات 1868 فتاة.
وفي العام 2013، بلغ عدد الفتيات السعوديات في الولايات المتحدة من حملة الدكتوراه 139 خريجة من أصل 401 خريج (34.66%)، وحملة الماجستير 1190 خرّيجة بنسبة 34.02%. سبق ذلك في آذار/مارس 2013م تخريج 3500 مبتعث من بريطانيا في تخصصات مشابهة. وعلى المنوال نفسه في كل العواصم الغربية والأسيوية.

وليست الشهادات التي يحصل عليها الطلبة، ولا المعارف الأكاديمية والخبرات التي يكتسبونها هي وحدها الغاية من هذا البرنامج فحسب، وإنماإطلاع الطلاب على ثقافات جديدة ومختلفة واكتساب المعارف والعلوم ليكونوا رواداً في إحداث التغيير في مجتمعهم السعودي ونقله إلى مرحلة تنموية متقدمة (الخشيبان). كما أن برنامج الابتعاث، وبخاصة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يمكّن المجتمع الأمريكي من الحصول على صورة مغايرة لتلك النمطية عن السعودي المسلم، بأنه إنسان متحضر يسعى إلى العلم والمعرفة، وبالتالي إزالة ما علق في مخيلة ذلك المجتمع من جراء أحداث جمادى الثاني 1422هـ/أيلول/سبتمبر 2001م.

 

وجاء على لسان وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن العنقري “أن من مبادئ الابتعاث هو الحوار والتواصل [مع المجتمع الغربي] وإرساء قيم التفاهم والتسامح الإنساني بين الشعوب والاستعانة بسفرائنا من أبناء المملكة من الشباب والشابات أثناء فترة ابتعاثهم، في تمثيل الهوية السعودية وما تتسم به من قيم إنسانية حضارية متأصلة في ثقافتنا وديننا الحنيف”. وأكد ذلك الباحثان الأمريكيان ريشارد لوبارون وستيفاني هاوسهير اللذان أجريا لقاءات مع طلاب سعوديين في الولايات المتحدة. فتبين لهما أن الطلبة السعوديين أصبحوا أكثر انخراطاً في الحياة الأمريكية ولديهم صداقات مع الطلاب من مختلف الجنسيات. وامتدح الباحثان شجاعة الأسرة السعودية التي ترسل بناتها للدراسة في الولايات المتحدة بأعداد كبيرة واصفاً ذلك بأنه شيء هام جداً. ولفتا إلى أن هناك أدلة قوية بأن الطلبة السعوديين الشيعة المبتعثين ممثلون بصورة جيدة (المرجع السابق). في المقابل، طالب الباحثان الأمريكيان مجتمعهما بالانفتاح على الطلبة السعوديين لتسهيل التفاهم والصداقة بين أمريكا والسعودية. 

 

المرأة السعودية: معادلة جديدة في التعليم والتوظيف


وعلى خطٍ موازٍ مع النقلة النوعية للمجتمع السعودي، شكّلت مسألة تعليم المرأة وتأهيلها وتدريبها حاجة مجتمعية جوهرية بالنسبة إلى خادم الحرمين الشريفين، فبفضل جهوده وتشجيعه لها، أصبحت نسبة الفتيات في التعليم العالي 57%، في مقابل 43% للذكور في العام 2009، ثم 61% في العام 2010.
كما حظيت الفتاة السعودية على حقها في المنح الحكومية الجامعية الخارجية والابتعاث.


ووفق الإحصاءات، فهناك 27500 طالبة سعودية في مراحل الليسانس والبكالوريوس والدراسات العليا، يدرسن في العام 2009 في 31 بلداً حول العالم، وقد حظي تعليم المرأة على تقدير الأوساط العالمية.


وعلى صعيد متصل بالتحصيل العلمي والثقافي، نال التقدير المرأة السعودية، وإن بصورة متدرجة مدروسة، فعُينت الدكتورة نورا الفايز نائباً لوزير التعليم لشؤون البنات في العام 2009، وهي أول امرأة تتقلد هذا المنصب. وبعد سنوات ثلاث من ذلك التاريخ، عُينت الإخصائية منيرة بنت حمدان العصيمي وكيل مساعد لشؤون الخدمات الطبية في وزارة الصحة السعودية. وأمر العاهل السعودي بتعيين الدكتورة موضي الخلف مديرة للشؤون الثقافية والاجتماعية ومساعدة للملحق الثقافي بسفارة المملكة بواشنطن لتصبح أول سعودية تشغل منصباً دبلوماسياً. وعُيّنت الأميرة الجوهرة بنت فهد بن عبد العزيز مديرة «جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن» برتبة وزير، وحصلت الدكتورة منيرة العلولا على منصب نائب المحافظ للتدريب التقني للبنات في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وهي أول سعودية تحصل على هذا المنصب أيضاً، كما جرى تنصيب الدكتورة هيا العواد في مرتبة وكيل وزارة كأول مواطنة تشغل هذا المنصب في تاريخ الوزارات.


وفي العام 2011، فازت التلميذة السعودية بيان مشاط بالمركز الأول في «معرض أنتل الدولي للعلوم والهندسة» (
Intel International Science and Engineering Fair)  من بين مليون متباري، تقديراً لاختراعها لعبة فيديو تعليمية للأطفال أذهلت العالم.

 


وبعد حوالى السنتين، اختيرت العالمة السعودية في مجال العلوم والبيئة الدكتورة ماجدة أبو رأس من قبل «مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لشؤون البيئة والعلوم والتكنولوجيا والصحة» التابع لوزارة الخارجية الأميركية لتكون من ضمن 12 من النساء المشاهير في العلوم في المنطقتين. وبالمناسبة، علّقت العالمة السعودية بالقول: «هذا الانضمام يأتي من ثمار القائد والإنسان الملك عبدالله بن عبد العزيز، الذي حقق معادلة واقعية لمسيرة المرأة السعودية في عهده، من أجل العمل والتجديد في مسيرتها الطويلة…».

*


كان الملك المؤسس عبد العزيز يردد في مجالسه القول: “نحن آل سعود لسنا ملوكاً، ولكننا أصحاب رسالة”. وهذا القول ينطبق بكل جدارة على خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله. فكان بالفعل صاحب رسالة تقوم على خدمة المشاعر المقدسة، وعلى النهوض بالمملكة في المجالات كافة، ووضعها في مصاف الدول الكبرى المتقدمة، وعلى مساندة العالمين العربي والإسلامي والدفاع عن حقوقهما وإعلان شأنهما، وأول من وضع إستراتيجية سلام وتعايش للعالم عبر الحوار بين الأديان والحضارات والمذاهب. وهب حياته في سبيل تحقيق هذه الأهداف السامية، فاستحق من شعبه ومن الشعوب العربية والإسلامية ومن العالم كل احترام وتقدير.


—————————
  أكاديمي وباحث في الشؤون السعودية




         

 

 

شاهد أيضاً

جدليّةٌ… إشراقاتُ خلود!

  دفعتَ إليّ بمخطوطٍ عنونتَه: “جدليّةُ الحضور والغياب”، فأشعرْتَني أنّكَ تضع بين يديّ سِفْرًا غاليًا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *