إذا قارنّا التعليم في المملكة العربية السعودية عند تأسيسها على يد الملك عبد العزيز في العام 1932 بالتعليم اليوم، نلمس الجهود التي وُظفت من أجل الانتقال بالمجتمع السعودي من مجتمع شبه أُمّي يقوم على الكتاتيب إلى مجتمع يتميّز اليوم بانتشار المدارس والجامعات على مساحة المملكة، التي تزيد عن 32 ألف مدرسة، تضم نحو 5 ملايين من التلاميذ، فضلاً عن 32 جامعة أهلية وخاصة. صحيح أن المسيرة طويلة وشاقة لتحقيق نقلة نوعية في برامج التعليم وتحديثها وإعداد المعلمين، إلا أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أدرك منذ الوهلة الأولى أهمية تحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع على مستقبل المملكة في عالم يقوم على العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وذلك عبر توفير التعليم النوعي لجميع أفراد المجتمع، فاعتمدت المملكة منذ العام 2005 برنامجاً للابتعاث إلى الخارج، وقامت بتمديده لخمس سنوات أخرى في العام 2011.
وأقرّ الملك المصلح في شباط/فبراير2007 مشروعاً استراتيجياً نوعياً ارتبط بإسمه يقضي بتطوير التعليم العام، برامج وخططاً وكوادر بشرية وتجهيزات فنية، من أجل بناء اقتصاد معرفي يواكب سوق العمل السعودي ويجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة. من هنا، خاطب المعنيين بشؤون التعليم بالقول: “أتمنى أن تحملوا هذه المسؤولية بجد واجتهاد وتحسوا بمسؤوليتكم… بيد أنّني أتمنى أنْ تزداد هذه المسؤولية، وأن تربوا أجيالنا الحاضرة والمستقبلة على الخير وعلى العدل والإنصاف، وخدمة الدين والوطن بصبر وعمل”.
مرّ التعليم العالي في المملكة بأطوار عدة إلى أن وصل إلى الجامعة، فكانت “جامعة الملك سعود بن عبد العزيز”” في العام 1957 أول جامعة في المملكة، والتي فتحت أبوابها أمام الفتاة السعودية بعد سنتين من إنشائها، ومنذ تسلّمه الحكم عملياً في العام 1995 ورسمياً في العام 2005، يولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله التعليم الجامعي عناية خاصة، فأحدث فيه التغييرات والتحوّلات الكثيرة والكبيرة التي تقتضيها التطورات التقنية والمعلوماتية والحضارية، عبر الخطط المتوسطة والطويلة المدى، شملت القبول والاستيعاب والمواءمة والجودة والتمويل والبحث العلمي، والبعثات الطلابية والهيئات التعليمة إلى الخارج، والتخطيط الإستراتيجي.
وفي العام 2003، تأسّست «الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي» لتكون المسؤولة عن ضمان الجودة في الجامعات، ولتحقيق ذلك، وُضعت ثلاثة مشاريع: تنمية الإبداع والتميّز لأعضاء هيئة التدريس، وإنشاء مراكز أبحاث في الجامعات، وإسهام الجامعات في دعم البحث العلمي، وفي الوقت نفسه، أشركت الحكومة السعودية القطاعين الخاص والأهلي في إنشاء الجامعات.
عبد الرؤوف سنّو∗
مداميك التعليم العالي والبحوث: التوسّع الأفقي والنوعي
لقد تضاعف عدد الجامعات السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أربع مرات، بهدف إيصال التعليم العالي إلى كل ناحية في المملكة، فقفز من 8 جامعات إلى 32 جامعة منتشرة في أنحاء المملكة، بعضها لا يزال قيد الإنشاء، وذلك في غضون أربع سنوات، من ضمنها أربع جامعات أهلية، لقد جرى تأسيس جامعات جديدة رسمية في المدينة المنورة، وتبوك، وحائل، وجيزان، ونجران، والطائف، والقصيم، وشقرا، والجوف، والباحة، وأبها، والخرج، ورابغ، وفي الحدود الشمالية، وجدة، فضلاً عن «جامعة المجْمَعة» وفرع مدينة الملك عبد العزيز للطالبات في «جامعة الإمام محمد بن سعود»، و«المدينة الجامعية للبنات» في الجامعة السابقة المذكورة، و«مجمع الكليات للطالبات بجامعة أم القرى»؛ وكل ذلك في غضون سنوات قليلة من حكمه. ويتطلب نظام التعليم العالي هذا جهوداً مستمرة لتفعيل قدرته على المنافسة والتأثير في نهضة البلاد وتخريج أجيال مبدعة.
مع ذلك، قد يكون هذا الإنجاز فريداً مقارنة بما حصل ويحصل في العالم، وقد بلغت الكلفة الإجمالية لهذه المشاريع 81.5 مليار ريال سعودي، وانتهت بالفعل المرحلة الأولى منها ببناء 16 جامعة تضم 166 كلية و10841 وحدة سكنية، و12 مستشفى بطاقة استعابية من 3800 سرير، وقد بلغ تعداد طالبات وطلاب السعودية في التعليم الجامعي في العام 2010 أكثر من 700 ألف.
ولتعزيز العلوم الصحية والطبية، أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء «جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية» في الرياض، مع فرعين في جدة والإحساء.
وفي العام 2008، تأسست «جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات» بسعة 40 ألف طالبة، وتُعتبر أهم صرح تعليمي وعمراني أُقيم في عهد الملك عبدالله، وتمتد على مساحة 8 ملايين متر مربع، من ضمنها 3 ملايين مساحة الأبنية، وتحتوي الجامعة على 13 كلية، ومستشفى تعليمي، فضلاً عن مساكن لقرابة 20 ألف طالبة، أما كلفة المشروع، فزادت عن 20 مليار ريال سعودي.
وإدراكاً منه بضرورة أن يواكب التعليم الجامعي البحث العلمي وحاجات السوق من الاختصاصات، أمر الملك بتأسيس مراكز للبحوث في الجامعات، وأوعز بتأسيس ثلاثة مراكز لأبحاث النانو، وتقنية العلوم الحيوية، وتقنية المعلومات في جامعات الملك سعود، والملك عبد العزيز، والملك فهد للبترول والمعادن، وخصص لكل منها 12 مليون ريال سعودي. وفي آب/أغسطس 2013، صدرت إرادة ملكية بإنشاء مركزين للأبحاث في جامعة المجْمَعة، وهما «مركز الابتكار والأفكار الطلابية المتميزة»، و«مركز البحوث للكليات الصحية والعلمية». وفي 17 نيسان/إبريل 2010، صدر أمر ملكي بإنشاء «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» على بعد 25 كلم جنوب غربي الرياض، وهي نواة التطوير العلمي والبحثي والاقتصادي لصناعة طاقة المستقبل المستدامة، وفي رأي العاهل السعودي، فلا فصل بين نشر المعرفة وبين البحث العلمي المتخصص، فهما متلازمان يسيران جنباً إلى جنب.
وأحدث جامعتان في المملكة، بهمّة الملك المفعم بالحيوية والنشاط، هما على التوالي في العامين 2009 و2013: «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية – كاوست» (Kaust) للأبحاث والدراسات الجامعية والعليا في مدينة ثول على البحر الأحمر شمالي جدة، على مساحة 36 مليون متر مربع. فقدم الملك صاحب الرؤية المستقبلية لأهمية التعليم في تطور الشعوب مبلغ 10 مليارات دولار أميركية لصالح وقف الجامعة.
وليست جامعة كاوست بواحدة عادية تعتمد التعليم التلقيني النظري، بل البحث والتجريب والتنقيب وصولاً إلى الاكتشاف والاختراع. وتحتوي على أهم المختبرات في العالم ونخبة من الأساتذة العالميين المختصين، وتمتلك أضخم حاسوب في الشرق الأوسط والأدوات لدعم البحوث في مجال المواد المتقدمة، والتقنية الحيوية، والإلكترونيات والضوئيات، والأنظمة الإلكتروميكانيكية الميكرومترية/والأنظمة الإلكتروميكانيكية النانومترية (Nano technology). ويُطلق على الجامعة تسمية «معهد ماساتشوستس العربي» للإشارة إلى المعهد الأصيل في الولايات المتحدة المعروف باسم (MIT)، وإلى المستوى العريق للجامعة السعودية تلك.
بدأت جامعة كاوست بـ 400 طالب في العام 2011، وارتفع عدد طلابها إلى 12 ألفاً في العام 2012، وقد وفّرت كل مستلزمات المعيشة الكريمة للطلاب، من وحدات سكنية (3100 وحدة، ما بين بيوت وشقق) واهتمت بالمساحات الخضراء، بالإضافة إلى إنشاء مركز تجاري وآخر ترفيهي، ومسجد رئيسي.
أما الجامعة الثانية، فهي «الجامعة السعودية الإلكترونية» للتعليم عن بُعد، وتقع في الرياض ولها فروع في مدن سعودية أخرى، ويضم هذا الصرح العلمي كليات العلوم الإدارية والمالية والحاسوب والمعلوماتية، وكلية العلوم الصحية.
وتثميناً لهذه الجهود الجبارة، ودعم العاهل السعودي اللامحدود التعليم وعالميّ المعرفة والمعلومات، حصلت المملكة في العام 2012 على «جائزة القمة العالمية لمجتمع المعلومات» (WSIS Forum 2012) أثناء انعقاد القمة في جنيف.
وتبيّن للجنة المشرفة أن المملكة حقّقت تقدّماً ملفتاً في مجال خدمات التعليم الإلكترونية (مشروع نور) التي بلغت 2700 مهمة وظيفية تخدم أطرافاً مختلفة من الطلاب وأوليائهم والمدرسين والامتحانات والسجلات ومديريات التعليم والإداريين في وزارة التعليم بمختلف مستوياتهم.
وفي خطوة لافتة، تُفتتح في المملكة تباعاً 10 من «كليات التميّز» Colleges of Excellence)) للتدريب التطبيقي في المملكة، 4 منها للبنات الخريجات من المرحلة الثانوية، في جده والخرج، ومكة والمدينة. وسيلحق بهذه المدارس المميزة 26 مدرسة أخرى على مستوى المملكة. وتُدشن أولى مدارس البنات في أيلول/سبتمبر 2013 تحت اسم «كلية نيسكوت للبنات بجدة» (Nescot Jeddah Female College of Excellence)، وتدار من قبل اتحاد مؤلف من ثلاث جامعات بريطانية متخصّصة، أما الكليات الست الأخرى، فهي للذكور وتقع في جده ومكة والرياض وجازان وحائل وبريدة.
استراتيجية الملك عبدالله: ربع الموازنات على التعليم والابتعاث
اللافت في سياسة التعليم في المملكة خلال عهد الملك عبدالله مسألتان: التمويل الهائل للقطاع، من بنى تحتية وتوسّعه على مساحة المملكة، مدارس وجامعات ومراكز أبحاث وتجهيزات ومختبرات، وحجم الابتعاث الطلابي المتصاعد إلى الخارج.
وقد بُلِغَ ما أُنفق على التعليم بين الأعوام 2004 و2013 نسبة 25.5% من الموازنات السعودية. وبلغة الأرقام، أنفقت الدولة السعودية على التعليم ومنشآته وتجهيزاته في الفترة الزمنية نفسها مبلغ 1.204 ترليون ريال سعودي، أي أكثر من 321 مليار دولار أميركي. وهذا دليل على رعاية الملك عبدالله الخاصة للتعليم، وإيمانه بأنه الطريق الصحيح والأوحد للنهوض بالمجتمع السعودي، وصولاً إلى مجتمع المعرفة والتكنولوجيا.
تطور الانفاق على التعليم والصحة والخدمات والتنمية الاجتماعية وفق الموازنات المالية السعودية
2004-2013 (بمليار ريال سعودي)
السنة |
تقديرات الانفاق العام (مليار ريال) |
حصة التعليم من الموازنة |
% للتعليم من الموازنة |
حصة الصحة والتنمية ولاجتماعية من الموازنة |
% للصحة والتنمية من الموازنة |
2004 |
230 |
63.500 |
27.6 |
24.300 |
10.5 |
2005 |
280 |
70.100 |
25 |
27.100 |
9.6 |
2006 |
335 |
87.000 |
26 |
31.00 |
9.2 |
2007 |
380 |
96.700 |
25.5 |
39.500 |
10.4 |
2008 |
410 |
105 |
25.6 |
44.400 |
10.8 |
2009 |
475 |
122.100 |
25.7 |
52.300 |
11 |
2010 |
540 |
137.600 |
25.5 |
61.200 |
11.3 |
2011 |
580 |
150.00 |
24.8 |
68.700 |
11.8 |
2012 |
690 |
168.600 |
24.4 |
86.500 |
12.5 |
2013 |
820 |
204 |
25% |
100 |
12.1 |
المصدر: الميزانيات السعودية 2004-2013. موقع وزارة المالية السعودية على الانترنيت.
إنّ حجم الابتعاث إلى الخارج يدل بدوره على رؤية الملك عبدالله الإستراتيجية البعيدة المدى لإحداث نقلة نوعية في اقتصاد ومجتمع المعرفة، فعند اعتماد البرنامج في العام 2005، كان من المقرر أن يمتد إلى خمس سنوات، لكن هذا القائد المتنور رأى في العام 2011 أن يمتد إلى خمس سنوات أخرى، أي إلى العام 2016، وأن ينضم إليه جميع الطلبة الذين يدرسون في خارج المملكة على حسابهم الخاص.
وفي العام 2013، كان هناك 149742 من المبتعثين والمبتعثات على مقاعد الدراسة في أكثر من 30 دولة حول العالم للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مختلف الاختصاصات، من طب وصيدلة وهندسة ومحاسبة وقانون وكومبيوتر وتجارة إلكترونية، بالإضافة إلى العلوم الأساسية (الرياضيات والفيزياء والكيمياء)، تخرج منهم أكثر من 47 ألفاً بين الأعوام 2007 و2013.
وبذلك تحتل المملكة المرتبة الأولى في العالم من ناحية عدد الطلبة المبتعثين مقارنة بحجم سكانها، والثانية عالمياً بعد الصين، ويُضاف إلى المبتعثين نحو 137 ألفاً من المرافقين، ويبلغ حجم ما يُصرف عليهم جميعاً 20 مليار ريال سعودي سنوياً. وقد زاد الملك – الأب قبل سنوات قليلة من منح المبتعثين بنسبة 15%.
إشارة إلى أن المبتعثين إلى البلدان الأنكلو سكسونية، يخضعون لدورات لغة إنكليزية مكثفة تستمر ما بين 18 و22 شهراً، ويحصل زملاؤهم السعوديون في بلدان أوروبية أخرى على دورات مماثلة في اللغات الأجنبية تمكنهم من دخول جامعاتها.
وفي العام 2013، كان هناك حوالى 30 ألف طالب وطالبة يدرسون اللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة الأميركية تمهيداً لالتحاقهم بالجامعات الأميركية. وتشرف على رعايتهم ملحقية ثقافية مؤلفة من 500 موظف وموظفة، والحال هو نفسه في عواصم أجنبية أخرى.
أما مجمل الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الولايات المتحدة فبلغ في العام 2013 (69235) طالباً وطالبة، علماً أن أعدادهم ازدادت بنسبة 50% بين عامي 2011 و2012. وتمثّل الفتاة السعودية أكثر من 25% من الطلاب المبتعثين إلى الولايات المتحدة، وبين الأعوام 2005 و2012، بلغ حجم الزيادة لعدد المبتعثين إلى الولايات المتحدة نسبة 98%.
تطور أعداد الطلاب السعوديين المبتعثين في الولايات المتحدة بين الأعوام 1997 – 2011
والنسب المئوية للتغيير السنوي
السنة |
أعداد الطلاب |
نسبة التغيير % |
2012/2013 |
69236 |
30.6 |
2011/2012 |
53000 |
133 |
2010/2011 |
22704 |
43.6 |
2009/2010 |
15810 |
24.9 |
2008/2009 |
12661 |
28.2 |
2007/2008 |
9873 |
25.2 |
2006/2007 |
7886 |
128.7 |
2005/2006 |
3448 |
13.6 |
2004/2005 |
3035 |
13.8 – |
2003/2004 |
3521 |
15.7 – |
2002/2003 |
4175 |
25.2 – |
2001/2002 |
5579 |
5.8 – |
2000/2001 |
5273 |
2.3 – |
1999/2000 |
5156 |
4.6 – |
1998/1999 |
4931 |
7.9 – |
1997/1998 |
4571 |
– |
Source: Open Doors Fact Sheet: Saudi Arabia. Institute of International Education.
أُلحقت إضافات في الجدول من قبل المؤلف.
أبرز دول الابتعاث السعودي وأعداد الطلاب في العام 2013
الدولة |
أعداد المبتعثين |
الدولة |
أعداد المبتعثين |
الولايات المتحدة |
69236 |
الهند |
609 |
المملكة المتحدة |
14459 |
اليابان |
499 |
كندا |
13801 |
ماليزيا |
475 |
أوستراليا |
8789 |
هولندا |
326 |
نيوزيلنده |
2049 |
إسبانيا |
200 |
أيرلندا |
1707 |
هنغاريا |
200 |
مصر |
1265 |
كوريا الجنوبية |
200 |
الصين |
1143 |
لبنان |
120 |
ماليزيا |
1105 |
السويد والتشيك وسويسرا |
أكثر من 100 |
ألمانيا |
945 |
سلوفاكيا |
77 |
فرنسا |
923 |
سنغافورة |
50 |
بولندا |
744 |
إيطاليا |
40 |
النمسا |
700 |
|
|