القيم الانسانيّة في الكتاب المقدّس

 

المقدّمة

الكتاب المقدّس، أليس هو كتاب الله؟ ألا نقرأ فيه كيف أنّ الله أحبّ الانسان فخلقه على صورته لكي يصير على مثاله؟ أليس هو قصّة الله غير المدرَك الذي كشف عن ذاته للانسان ليُطلعه على إدراك كنهه؟ أليس هو إخلاء الله لذاته ودخوله في تاريخ الانسان ليجذبه إلى العيش بحضوره والتنعّم بغناه اللامتناهي؟

 

بَلا، هذا هو الكتاب المقدّس. ولكن، ما تقدّم لا يشمل سوى بُعد منه، وهو علاقة الله بالانسان، ويبقى علينا أن نسلّط الضوء بالمِثل على البُعد الانسانيّ في الكتاب المقدّس؛ عندها فقط لا نجنح في كلامنا، بل نصل إلى بَرّ الأمان المتأتي من بُعدَي الكتاب المقدّس العامودي والأفقي.

في مداخلتي المقتضبة هذه، سأتطرّق فقط الى بعض جوانب البعد الانساني في الكتاب المقدّس وما يحمل في طيّاته من قيم وأهميّة[1]، بحيث يمكننا أن نستشفّ فيه السلك الناقل الذي يربط أولى صفحاته بآخرها، فندرك التطوّر في مستوى القيم الإنسانية التي يلقيها الله في الانسان.

 

صلب الموضوع

تطالعنا أولى صفحات العهد القديم بتحريم الله لإراقة الدماء، إذ ما إن قتل قاين أخاه حتى بادر الربُّ إليه بسؤال تأنيبي: “أين هابيل أخوك؟ ماذا صنعتَ؟”[2] وبعدها نرى الربّ يقف لجهة المظلوم “إنّ صوتَ دماء أخيك صارخٌ إليَّ من الأرض”[3].

من ناحية أخرى، يعرض لنا النص ذاته الصراع بين الإخوة، فنرى الربّ يحذّر الانسان من الأنانيّة، هذه الطاقة الجانحة التي بمقدورها أن تدمّر الآخر ليس لمساءة إقترفها بل فقط لإثبات الذات على حساب الآخر وكيانه ووجوده وسعادته. فبدل أن تنقاد أشواق الانسان إلى هذه الغيرة العمياء يدعوه الربّ إلى أن يتحكّم بهذه النزعة المدمّرة فيتقاسم خيرات الأرض مع أخيه “علَيكَ أَن تَسودَ أشواق الخطيئة الرابضة عند الباب”[4].

كما إنّ الربّ يدعو الانسان إلى عدم الانكفاء على الذات والتقوقع على الأفكار الذاتيّة العقيمة، بل يحثّه على الانفتاح على الآخر بغية إقامة معه علاقة أمتن وأقوى وأغنى. إنّه يطلب منه الحوار مع أخيه “لمَ أطرقت رأسك؟”[5].

من ناحية أخرى يحثّ هذا النص الانسان على قول الصدق. فعلى سؤال الله له “أَينَ هابيلُ أَخوك؟” يحاول قاين التنصّل من الإجابة لا بل إنكار ما اقترفه: “لا أَعلَم. أَحارِسٌ لأَخي أَنا؟[6] وهذا هو جواب المجرم المعهود[7].

بعد روايات الطوفان ونوح والآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب، نصل إلى محطّة تاريخية ذات شأن وهي دعوة الربّ لموسى بأن يتسلّم القيادة لتحرير الشعب من العبودية وتتويج الخروج من مصر بإقامة عهد معه. أمّا بنود عهد الله مع الشعب فتقسم إلى جزئين متوازيَين؛ بحيث يطال الجزء الأوّل علاقة الربّ بالانسان، ويطرّق الجزء الثاني إلى القيم الانسانيّة. وتندرج هذه الأخيرة على الشكل التالي: أولاً، إكرام الوالدَين، ثمّ، عدم القتل، وتحريم الزنى، وعدم الإدلاء بشهادة زور وتفادي إشتهاء إمرأة القريب أو مقتنياته[8]. وبالواقع، فلقد كانت هذه الوصايا بمثابة النواة التي ستعود وتفصّل تباعًا[9].

ثمّ يعدّد سفر اللاويين المحرّمات الجنسيّة ويستفيض بها، فيحظّر الرجل من الاقتراب من ذات قرابته لكشف عورتها، وكذلك الأمر ينال هذا التحريم العلاقة الجنسيّة للانسان مع الأب والأم وزوجة الأب، والأخت، والحفيد والحفيدة، وبنت زوجة الأب، وأخت الأب، وأخت الأم، والعمّ والعمّة، والكنّة، وزوجة الأخ، وإمرأة الأب وأولادها. كما يمنع الرجل من الزواج من إمرأة وأختها وهي حيّة. وينعت مضاجعة الذكر للذكور بالقبيحة، وكذلك، فإنّ أيّة علاقة جنسيّة مع أيّة بهيمة هي فاحشة. فمن يرتكب إحدى هذه القبائح يجب أن يُفصَل من وسط الشعب وتتقيّؤه الأرض التي نجّسها[10]. ونجد صدى لجميع هذه النواهي في العهد الجديد في رسالة بولس إلى أهل قولسي: “أَميتوا إِذًا أَعضاءَكمُ الَّتي في الأَرض بما فيها مِن زِنًى وفَحْشاءَ وهَوىً وشَهوةٍ فاسِدَةٍ وطَمَعٍ وهو عِبادَةُ الأَوْثان[11].

بالإضافة إلى ما تقدّم، نجد بعض النواهي التي تهدف إلى الحفاظ على العلاقات السليمة بين الانسان وأخيه الانسان:

ففي بعض الأحيان، يقتصر الأمر على فئة معيّنة من الناس، كما هي الحال بالنسبة إلى القاضي الذي يُطلَب منه: “لا تُحَرِّفِ الحُكْمَ ولا تُحابِ الوُجوه ولا تأخُذْ رِشْوَةً، لأَنَّ الرِّشوَةَ تُعْمي أَبْصارَ الحُكَماء وتُفسِدُ قَضايا الأَبْرار[12]. وبعدها يتوجّه إلى المَلِك بقوله له: لا يُكثِرْ لِنَفْسِه مِنَ الخَيل … ولا يُكثِرْ لِنَفسِه مِنَ النَساء، لِئَلاَّ يَحيدَ قَلبُه، ولا يُبالِغْ في الإِكْثارِ مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَب[13].

أمّا قائمة الأمور التي تطال سائر الناس، فنذكر منها ما يلي:

-“لا تسرق”[14].

-“لا تظلم”، نورد على سبيل المثال: “لا تَظلِمْ قَريبَكَ ولا تَسلِبْه، ولا تُبِتْ أُجرَةَ الأَجيرِ عِندَكَ إِلى الغَد[15]؛ “لا تَجوروا في الحُكْم”[16]، “وإِذا نَزَلَ بِكم نَزيلٌ في أَرضِكم، فلا تَظلِموه”[17]، “لا تَجوروا في الحُكْمِ ولا في المِساحَةِ والوَزْنِ والكَيْل. بل تَكونُ لَكم مَوازينُ عادِلة وعِياراتٌ عادِلة وإِيفَةٌ عادِلة وهِينٌ عادِل”[18]. هذا بالنسبة إلى العهد القديم، أمّا في العهد الجديد فعندما أَتى إِلَى يوحنا بن زكريّا بَعضُ الجُباةِ لِيَعتَمِدوا، “وقالوا له: “يا مُعَلِّم، ماذا نَعمَل؟” فقالَ لَهم: “لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم” وسَأَله أَيضاً بَعضُ الـجُنود: “ونَحنُ ماذا نَعمَل؟” فقالَ لَهم: “لا تَتَحاملوا على أَحَدٍ ولا تَظلُموا أَحَداً، واقْنَعوا بِرَواتِبِكم”[19].

-“لا تَسعَ بِالنَّميمةِ بَينَ شَعبِكَ”[20]: “مِنَ الشَّرِّ صُنْ لِسانَكَ ومِن كَلامِ الغِشِّ شَفَتَيكَ”[21]؛ “مَن ظَنَّ أَنَّه دَيِّنٌ ولَم يُلجِمْ لِسانَه، بل خَدَعَ قَلبَه، كانَ تَدَيُّنُه باطِلاً[22].

-“جانِبِ الشَّرَّ”[23]: “يا مُحِبِّي الرَّبِّ كونوا للِشرّ مُبغِضين”[24]، “لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير”[25]، “لا تَدُسَّ على قَريبِكَ شرَّا وهو ساكِن مَعَكَ آمِنًا”[26].

-“لا تغضب”: “لا تَغرُبَنَّ الشَّمْسُ على غَيظِكم[27]؛”أَزيلوا مِن بَينِكم كُلَّ شَراسةٍ وسُخْطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشَتيمة وكُلَّ ما كانَ سُوءًا[28]؛ “فعَلى كُلِّ إِنسانٍ أَن يَكونَ سَريعًا إِلى الاِستِماعِ بَطيئًا عَنِ الكَلام، بَطيئًا عنِ الغَضب، لأَنَّ غَضَبَ الإِنسانِ لا يَعمَلُ لِبِرِّ الله”[29]؛ “فأَلْقُوا عَنكم أَنتُم أَيضًا كُلَّ ما فيه غَضَبٌ وسُخْطٌ وخُبْثٌ وشَتيمة”[30].

-“لا تدينوا”: لنسمع يسوع يقول لسامعيه: “لا تَدينوا لِئَلاَّ تُدانوا، فكَما تَدينونَ تُدانون، ويُكالُ لكُم بِما تَكيلون. لِماذا تَنظُرُ إِلى القَذى الَّذي في عَينِ أَخيك؟ والخَشَبَةُ الَّتي في عَينِكَ أَفَلا تَأبَهُ لها؟ بل كيفَ تَقولُ لأَخيكَ: “دَعْني أُخرِجُ القَذى مِن عَينِكَ؟ وها هي ذي الخَشَبَةُ في عَينِكَ… أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك[31]، ويكمل الرسول بولس في السياق عينه: “فَما بالُكَ يا هذا تَدينُ أَخاكَ؟ ومما بالُكَ يا هذا تَزدَري أَخاكَ؟ سَنمثُلُ جَميعًا أمامَ مَحكَمَةِ اللّه… إِنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَّا سيُؤدِّي إِذًا عن نَفْسِه حِسابًا لله[32]؛ ويعقوب بدوره يرجّع صدى يسوع وبولس: لا يَقولَنَّ بعضُكمُ السُّوءَ على بَعْض، أَيُّها الإِخوة، لأَنَّ الَّذي يَقولُ السُّوءَ على أَخيه أَو يَدينُ أَخاه يَقولُ السُّوءَ على الشَّريعَةِ ويَدينُ الشَّريعَة. فإِذا دِنتَ الشَّريعَة لم تَكُنْ لها حافِظًا، بل دَيَّان[33].

-“لا تنتقم”: في إطار تآمر عظماء الكهنة على يسوع، وبعد أن بسطوا أيديهم إليه وأمسكوه في بستان الزيتون  “إِذا واحِدٌ مِنَ الَّذينَ مع يسوع قد مَدَّ يَدَه إِلى سَيفِه، فَاستَلَّهُ وضَرَبَ خادِمَ عظيمِ الكَهَنَة، فقطَعَ أُذُنَه. فقالَ له يسوع: “إِغمِدْ سيفَك، فكُلُّ مَن يَأخُذُ بِالسَّيف بِالسَّيفِ يَهلِك. أَوَتَظُنُّ أَنَّه لا يُمكِنُني أَن أَسأَلَ أَبي، فَيَمُدَّني السَّاعةَ بِأَكثَرَ مِنِ اثَنيْ عَشَرَ فَيْلَقاً مِنَ المَلائِكَة؟” وبهذا فقد أظهر يسوع قوّة المغفرة إزاء المعتدين عليه، هو القادر أن يسحقهم بكلمة من فيه[34]؛ وها بولس يوصي أهل روما، ومن خلالهم جميع المؤمنين: “لا تُبادِلوا أَحَدًا شَرًّا بِشَرّ”[35].

-“لا تعبدوا المال”: بالعودة إلى الوصيّة الثانية في لائحة الوصايا العشر، يحذّر الربّ شعبه قائلاً: “لا يَكُنْ لَكَ آِلهَةٌ أُخْرى تُجاهي”[36]، ولا شكّ من أنّ التنويه إلى أحد الآلهة هو المال، ولذلك قال يسوع فيه: “ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهُما ويَزدَرِيَ الآخَر. لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لله ولِلمال”[37].

 

حتى الآن عرضنا النواهي والمحرّمات، والتي بمجرّد تفاديها، يبتعد الانسان عن الرذائل. أمّا الوجه الإيجابي للقيم فيقوم على إعتناق الفضائل، ونذكر منها:

-الصدقة: وتقوم على محبّة الإخوة والفقراء، وتتجسّد بالأعمال بما فيها ترك جزء المحاصيل ولقط السنابل وتعفير الكرمة “وإِذا حَصَدتُم حَصيدَ أَرضِكم، فلا تَذهَبْ في الحِصادِ إِلى أَطرافِ حَقلِكَ، ولُقاطَ حَصيدِكَ لا تَلقُطْ ، ولا تَعُدْ إِلى فَضَلاتِ كَرمِكَ، ولُقاطَ كَرمِكَ لا تَلْقُطْ، بلِ اَترُكْ ذلِكَ لِلمِسْكينِ والنَّزيل”[38]. وكذلك الأمر، فإنّ عشور كل ثلاث سنين هي لصالح الذين لا يملكون أرضاً خاصّة بهم كاللّاويين والغرباء، والأيتام والأرامل[39]. ومن الأفعال المتعلّقة بالصدقة نذكر الاستجابة لسؤال الفقير بكرم “اِفتحْ يَدَكَ لأَخيكَ المِسْكينِ والفَقيرِ الَّذي في أَرضِكَ”[40]؛ ونضيف: “لا تَمنعَ الإِحْسانَ عن أَهلِه إِذا كان في يَدِكَ أَن تَصنَعَه”[41]، “مَنِ إستهانَ بِقَريبِه يَخطَأ والَّذي يَرحَمُ المَساكينَ طوبى لَه”[42]، ويسوع نفسه يتمّ الكلام عن الصدقة: “مَن سأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ استَقرَضَكَ فلا تُعرِضْ عنه[43]؛ ويعقوب يعطي مثلاً عن الصدقة حيث يجب أن يقترن الإيمان بالأعمال: “ماذا يَنفعُ، يا إِخوَتي، أَن يَقولَ أَحَدٌ إِنَّه يُؤمِن، إِن لم يَعمَل؟ … فإِن كانَ فيكُم أَخٌ عُريانٌ أَو أُختٌ عُريانَةٌ يَنقُصُهما قُوتُ يَومِهِما، وقالَ لَهما أَحدُكم:اِذْهَبا بِسَلام فاستَدفِئا واشبَعا” ولم تُعطوهما ما يَحتاجُ إِلَيه الجَسَد، ماذا يَنفَعُ قَولُكُم؟ وكَذلِكَ الإِيمان، فإِن لم يَقتَرِنْ بِالأَعمال كانَ مَيْتًا في حَدِّ ذاتِه”[44].

-اللطف: إذا أراد إنسان أن يُحسن إلى غيره، فليكن لطيفًا معه، إذ إنّه في بعض الأحيان، تطغى طريقة العطاء على ما يُعطى بحدّ ذاته، وهذا ما نجده في سفر يشوع بن سيراخ:”يا بُنَيَّ، لا تَقرِنِ الصَّنيعةَ بِالمَلامة ولا العَطايا بِالكَلام الـمُكَدر. أَليسَ النَّدى يُسَكِّنُ القَيظ؟ فهكذا الكَلامُ أَفضَلُ مِن العَطِيَّة.أَما تَرى أَنَّ الكَلامَ أَفضَلُ مِنَ العَطِيَّة؟ وكِلاهُما عِندَ الرجُلِ الـمُحسِن.الأَحمَقُ يُعَنِّفُ ولا يَلطُف وعَطِيَّةُ الحاسِدِ تُحرِقُ العُيون[45]؛ ويُضيف سفر الأمثال: “الجَوابُ اللّيِّنُ يَرُدُّ الحَنَق والكَلامُ الـمُؤلمُ يُثيرُ الغَضَب[46]اللِّسانُ الليّنُ يَكسِرُ العِظام[47].

-الوداعة: إن الوداعة هي صفة من الصفات المميّزة للمسيح[48]، هو الذي يوجّه دعوته بقوله: “تتلمذوا إليّ، أنا الوديع والمتواضع القلب”[49]، فيجسّد بكلامه الوحي الأسمى لوداعة الله[50]. من ناحية أخرى، عندما يعلن “طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض”[51] يصبح ينبوع وداعة المؤمنين به، ولذلك يناشد بولس أهل أفسس أن يسيروا “سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها، سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر[52]، وفي مكان آخر يقول “أَيُّها الإِخوَة، إِن وَقعَ أَحَدٌ في فَخِّ الخَطيئَة، فأَصلِحوه أَنتُمُ الرُّوحِيِّينَ بِروحِ الوَداعة”[53]. إنّ الوداعة هي ثمرة من ثمار الروح[54]، وعلامة لحضور الحكمة التي تنزل من عَلُ[55]، ولذلك يدعو بولس تلميذه تيموتاوس بأن يطلبها من الله في رعايته للموكلين إليه[56]. كما على النساء المسيحيّات أن تتزينّ بها[57]، وهذا ما يصنع سعادة أزواجهنّ: “وإِن كانَ في لِسانِها رَحمَةٌ ووَداعة فلَيسَ زَوجُها كسائِرِ بَني البَشَر[58].

-التواضع: “أمَّا الوُضَعاءُ فالأرضَ يَرِثون وبِسلامٍ وَفيرٍ يَنعَمون”[59]. فعلى المتواضع يقع اختيار الله وحكمة القدير تُكشَف له[60]. أما صار “كلمة الله” بشراً، ليقود الإنسان إلى أوج التواضع، الذي يقوم في خدمة الله بخدمة البشر[61]. ومن عذراء متواضعة، لا تودّ أن تكون سوى أمة له، يجعل الله أُمّاً لابنه سيدنا يسوع المسيح[62]. وأسوة بمعلّمهم، دعا يسوع تلاميذه وقالَ لَهم: “مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَلْيَكُنْ آخِرَهم جَميعاً وخادِمَهُم”[63]؛ ومن جهته أضاف بولس: “لا تَفعَلوا شَيئًا بِدافِعِ الـمُنافَسةِ أَوِ العُجْب، بل على كُلٍّ مِنكم أَن يَتواضَعَ ويَعُدَّ غَيرَه أَفضَلَ مِنه[64].

-الصبر: “الطويل الأناة خير من الجبّار، والذي يسود على روحه أفضل ممن يأخذ المدن”[65]. وهو بخاصة سوف يقتدي بصبر يسوع نحو رسله وإزاء الخطأة. فلن يكون قاسياً مثل الخادم القليل الشفقة[66]، بل متسامحاً[67]، وسوف تظهر محبته من خلال ممارسته اليومية للصبر “المحبة تصبر”[68]. ولكي يحيا وفق دعوته، “سوف يحتمل الآخرين بمحبة، في كل تواضع ووداعة وصبر”[69]؛ ولذا، “عَلَينا نَحنُ الأَقوِياء أَن نَحمِلَ ضُعْفَ الَّذينَ لَيسوا بِأَقوِياء ولا نَسْعَ إلى ما يَطيبُ لأَنْفُسِنا[70].

-الرحمة: يفضّل الله الرحمة على تقديم الذبائح والمحرقات “فإِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة مَعرِفَةَ اللهِ أَكثَرَ مِنَ الـمُحرَقات[71]. ومن جهة أخرى، فالمَلك الذي يودّ أن يحفظ نفسه وأن يوطّد عرشه، ما له سوى أن يلجأ إلى معاملة الناس بالرحمة: “الرَّحمَةُ والحَقُّ يَحفَظانِ الملك ويَسنُدُ عَرشَه بالرَّحمَة”[72]. من جهته، يطلب المسيح من تلاميذه أن يتشبّهوا بأبيهم السماوي في إبداء الرحمة: “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم”[73]. هذا الحنان يجب أن يجعل المؤمن، أسوة بالسامري الصالح، قريباً من الشخص البائس، ورحيماً بمن يكون قد أساء اليه[74]. وعليه فلا يجوز للمسيحي أن يغلق أحشاءه لأخ يقع في عوز، لأن محبة الله لا تستقرّ إلّا في من يمارسون الرحمة[75]؛ ولذا يوصي بولس أهل أفسس: “لِيَكُنْ بَعضُكم لِبَعضٍ مُلاطِفًا مُشفِقًا[76].

-الصفح: منذ العهد القديم، لم تقتصر الشريعة فقط على وضع حدّ للانتقام بسنّة العين بالعين[77]، ولكنها أيضاً تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما أنها تحرّم الانتقام والحقد نحو القريب “لا تُبغِضْ أَخاكَ في قَلبِكَ، بل عاتِبْ قَريبَكَ عِتاباً، فلا تَحمِلَ خَطيئَةً بِسَبَبِه”[78]. في العهد الجديد، سيعلّم يسوع بأن الله لا يمكن أن يغفر لمن لا يغفر لأخيه، وأنه حتى نطلب غفران الله لنا، ينبغي أن نغفر لأخينا[79]، ويثني بولس: “ولْيَصفَحْ بَعضُكم عن بَعضٍ كما صَفَحَ الله عنكم في المسيح[80].

-العدل: تبدو لنا الصلة بين الحقّ والعدل طبيعية، إذ “من سفَكَ دَمَ الإِنسان سُفِكَ دَمُه عن يَدِ الإِنسان لأَنَّه على صورةِ اللهِ صُنِعَ الإِنسان”[81]. وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى الأخذ بعين الاعتبار أولئك الذين لا يمكنهم الإعتماد على أنفسهم، أي الفقراء والحزانى، لكيما يُحفَظ حقّهم[82]. ويخبرنا سفر الملوك الأول عندما تعدّى الملك آحاب على مُلك نابوت اليزرعيلي، كيف أنّ الربّ تدخّل ليعيد إليه حقّه المغتصب من خلال حكم أصدره عليه بواسطة النبي إيليا[83]. وهكذا فالربّ هو الذي ينصف البائس والمسكين[84]. وستكون المطالبة بالعدل إحدى ركائز أقوال الأنبياء: “أُحكُموا حُكمَ الحَقّ وآصنَعوا الرَّحمَةَ والرَّأفَة، كُلُّ إنْسانٍ إِلى أخيه[85]. أمّا الإنجيل فيُحدِث تبدلاً هامًّا في مفهوم العدل؛ فإن قاعدته الذهبية تصبح: “افعلوا للناس ما أردتم أن يفعله الناس لكم”[86]. ويستعمل بولس الرسول لفظة الحقّ بصفتها المضادّة للظلم “المحبّة لا تَفرَحُ بِالظُّلْم، بل تَفرَحُ بِالحَقّ[87]، فالحقّ مرادف للبرّ “فإِنَّ ثَمَرَ النُّورِ يكونُ في كُلِّ صَلاحٍ وبِرٍّ وحَقّ[88].

-الحقيقة: عندما جلس موسى ليقضيَ للشعب، وكان الشعب قُربَهُ من الصباح إلى المساء، رأى حموه أنّه يُنهك نفسه كثيرًا، إذ يقوم بأمر يفوق طاقته، ولا يمكنه قط أن يتولاّه وحده، فنصحه بقوله له: “وأَنتَ فآختَرْ مِن كُلِّ الشَّعبِ أُناساً مَهَرَةً أَتقِياءَ لله أَهلاً لِلثِّقَةِ يَكرَهونَ الكَسْب”[89]، هؤلاء القضاة، إذ يقضون للشعب بكلّ نزاهة، سيخفّفون عن الحمل الذي يُثقل كاهل موسى. ويخبرنا سفر العدد عن بالاق الموآبيّ الذي طلب من بلعام أن يلعن الشعب القادم إليه بكثرة والذي يشكّل مصدر خطر له، ولكن بلعام أبى إلاّ أن يباركهم، وعندما راح بالاق يلومه على فعلته اجابه بلعام أنّ الله هو الذي وضع كلامًا في فمه، وهو لا يمكنه سوى أن يطيع الله، ذلك أنّ الله “لَيسَ إِنسانًا فيَكذِب ولا ابنَ بَشَرٍ فيَندَم”[90]. ولنسمع الملك حزقيّا يقول في صلاته: “أذكُرْ يا رَبِّ كَيفَ سِرتُ أَمامَكَ بِالحَقِّ وسَلامَةِ القَلْب”[91]. كما ينصح سفر الأمثال الانسان بأن :”إِشتَرِ الحَقَّ ولا تَبعْه”[92]، والسبب يعود إلى أنّ “شفة الحقّ تَثبُت إلى الأبد”[93].

في العهد الجديد، تميّز يسوع بأنّه يقول الحقّ ولا يحابي الوجوه، وهذه الشهادة أتته، ليس فقط من قبل تلاميذه، بل من الفرّيسيّين والهيرودسيّين، إذ قالوا له: “يا مُعَلِّم، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ صادق، تُعَلِّمُ سَبيلَ اللهِ بِالحَقّ، ولا تُبالي بِأَحَد، لأَنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النَّاس[94]. وها هو يتوجّه للّذين آمنوا به قائلاً لهم: “تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم[95]. لم يكتفِ يسوع بأن قال الحقّ، بل كان تجسيدًا له، لنسمعه يقول عن ذاته: “أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة”[96]، كما قد صلّى في صلاته الكهنوتية للمؤمنين به “كَرِّسْهُم بالحَقّ إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ”، وها هو يكشف عن استعداده بأن يكرّس نفسه من أجلهم “لِيَكونوا هم أَيضاً مُكَرَّسينَ بِالحَقّ”[97]. هذا، وقد ظلّ يسوع متمسّكًا بقول الحقّ حتى في أحلك الأوقات، إذ عندما كان موثقًا وواقفًا أمام بيلاطس الذي يستجوبه، بقي متمسّكًا بمبادئه حتى الرمق الأخير، فلنسمعه يجيبه: “وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ”[98]. ومن بين النصائح التي يعطيها بولس للمسيحيّين الذين كانوا في ما مضى وثنّيين، أن يكُفُّوا عنِ الكَذِب ولْيَصدُقْ كُلٌّ مِنهم قَريبَه”[99]. أمّا القديس بطرس فيرى أنّ من يطيع الحقّ ينعم بطهارة النفس[100].

-الأمانة: يخبرنا نحميا العائد من المنفى كيف رمّم أسوار أورشليم المتهدّمة، وبعد أن أنجز عمله أقام حننيا رئيس القلعة على أورشليم “لِأَنَّه رَجُلٌ أَمينٌ وكانَ أَكثَرَ خَشيَةً للهِ مِن كَثيرين[101]؛ ويختصر يسوع مبدأ الأمانة في مثل الوكيل الخائن بقوله: “مَن كانَ أَميناً على القَليل، كانَ أَميناً على الكثيرِ أَيضاً. ومَن كانَ خائِناً في القَليل كانَ خائِناً في الكَثيرِ أَيضاً. فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم؟ وإِذا لم تكونوا أُمَناءَ على ما لَيسَ لَكم، فمَن يُعطيكُم ما لَكم؟”[102]

-الشهادة: تقوم الشهادة في الإقرار بحقيقة حادث ما، ويدعو الأمر إليها خاصة أثناء الدعوى أو النزاع بين أطراف مختلفة. يهتمّ الكتاب المقدَس بشهادة الناس مبيِّناً خطورتها: لا يجور الحكم على أحد دون شهادة بعض الشهود[103]، فسواء أكان تداركاً للخطأ أم لسوء النيّة، تطلب الشريعة أن يكون هناك على الأقل شاهدان[104]، ويقوم الشهود في الدعاوى الكبرى، ببدء تنفيذ الحكم إذ إنهم أوّل من يحملون مسؤوليّته[105].

تحرّم الوصايا العشر بشدّة شهادة الزور[106]، وتُحدَّد عقوبتها تبعاً لمبدأ “المثل بالمثل”: “ولْيَبحَثِ القُضاةُ جَيِّدًا، فإِن كانَ الشَّاهِدُ قَد شَهدَ بِالزُّورِ على أَخيه، فاصنَعوا بِه كما نَوى أَن يَصنَعَ بِأَخيه”[107] ويندِّد بها “الحكماء”[108]، لأنها أمر يرذله الربّ.

-السلام والعيش بوحدة: يكافئ الله الذي يبتغي السلام بالبركات “اْبتغِ السَّلامَ واْسع إِلَيه”؛ “سَلامٌ وافِرٌ لِمُحِبِّي شَريعَتِكَ ولَيسَ لَهم حَجَرُ عِثار”، “فإِنَّ للمُسالِمِ ذُرِّيَةً باقِيَة”[109]، ويطوِّب يسوع الساعين إلى السلام: “طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون[110]، ويوصي بولس الرسول المؤمنين بالعيش بالسلام والوحدة في ما بينهم “سالِموا جَميعَ النَّاسِ إِن أَمكَن، على قَدْرِ ما الأَمرُ بِيَدِكم“، “عيشوا بِسَلامٍ فيما بينَكُم” وكونوا على رأَيٍ واحِدٍ وعيشوا بِسَلام، وإِلهُ المَحبَّةِ والسَّلامِ يَكونُ معَكُم”، ” فأَتِمُّوا فَرَحي بِأَن تَكونوا على رأيٍ واحِدٍ ومَحَبَّةٍ واحِدة وقَلْبٍ واحِدٍ وفِكْرٍ واحِد”[111].

-المحبّة الأخوية: منذ العهد القديم، كملت وصية محبة الله “بالوصية الثانية”: “أحبب قريبك كنفسك”[112]، ولا تقتصر كلمة “القريب” على المعنى المحدود، أي إبن البلد أو من من يمتّ بصلة دموية أو عائلية الى الانسان، بل يتخطّاه بكثير: “ولْيَكُنْ عِنْدَكُمُ النَّزيلُ الـمُقيمُ فيما بَينَكم كآبنِ بَلَدِكم، تُحِبُّهُ حُبَّكَ لِنَفسِكَ، لأَنَّكم كُنتُم نُزَلاءَ في أَرضِ مِصْر”[113].

وعليه، تضيف الشريعة إلى واجبات الانسان نحو الله المتطلبات التي تنظّم العلاقات بين البشر: ومنها مثلاً ما جاء في الوصايا العشر[114] و”قانون العهد” الذي تتوفّر فيه الأوامر الحاثّة على مراعاة الفقراء والصغار. ويسير كلّ التراث النبويّ وكلّ تعليم كتب الحكمة في الاتجاه نفسه، نذكر على سبيل المثال: “البُغْضُ يُثيرُ النِّزاع والحُبُّ يَستر جَميعَ المعاصي”[115]. فلا يستطيع المرء أن يُرضي الله بدون احترام سائر البشر وبخاصة المنبوذين منهم: “يحبّ الله الغريب، يَرزقه طعاماً وكسوة، أحبّوا الغريب، فإنّكم كنتم غرباء في أرض مصر”[116].

وإذا كان المفهوم اليهوديّ يرى في المحبّة الأخويّة وصيّة تضاف إلى وصايا أخرى وعلى المستوى نفسه، فالرؤية المسيحيّة توليها الصدارة بل تعتبرها الوصيّة الوحيدة. من أولى صفحات العهد الجديد إلى آخرها، يظهر حبّ القريب غير قابل للانفصال عن الحبّ الإلهي: “المحبة الأخوية هي تمام العمل بالشريعة”[117]، وهي في آخر الأمر، الوصيّة الوحيدة، وهي العمل الوحيد والمتعدّد الأوجه لكلّ إيمان حيّ[118]، “لأن الذي لا يحبّ أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحب الله وهو لا يراه ونعلم أنّا نحبّ أبناء الله إذا كنا نحب الله”[119]؛ جوهر الأمر أنّه لا يوجد إلا حبٌ واحد.

الوصية التي تركها يسوع لنا: “ليكن حبّ بعضكم لبعض كما أنا أحببتكم”[120]. فإذا عاش التلاميذ هذه المحبة الأخويّة، في عالم لا ينتمون إليه، تستطيع محبتهم هذه أن تكون بمثابة شهادة يَثبُت للعالم من خلالها أن يسوع هو المرسل حقاً من الآب: “ويعرف الناس جميعاً أنكم تلاميذي إذا أحبّ بعضُكم بعضاً”[121].وما يسترعي الانتباه أنّ يسوع تخطّى كلّ التوقّعات فطلب من المؤمنين أن يحبّوا أعداءهم ويصلّوا من أجل مضطهديهم، لكي يصبحوا أبناء الآب السماوي، أمّا إذا اكتفوا بمحبّة مَن يحبّهم، فلن ينالوا أيّ أجرٍ، وإذا سلّموا فقط على إخوانهم فلن يحظوا بزيادة، لأنّ الوثنيّين يفعلون ذلك[122].

في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس يورد الرسول بولس نشيد المحبة حيث إنّ التكلّم بلغّات الناس والملائكة، والتمتّع بالنبوءة والعلم بجميع الأسرار والمعرفة كلّها، حتى الإيمان الكامل والقيام بالأعمال الحسنة تجاه المساكين والاستشهاد حرقًا، كلّ هذه الأمور لا نفع لها إذا خلت من المحبة التي تفوق كلّ ما سواها، لأنّها لا تزول أبدًا، في حين أنّ النبوّات والألسنة والمعرفة كلّها معرّضة للزوال والاضمحلال[123]. أخيرًا، لا تقوم المحبة التي يتطلّبها يسوع على الشعور الصادق تجاه الغير وحسب بل تتجسّد بالأفعال التي تبلغ أوجها في بذل الذات، إذ “لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه”[124].

علاوة عن القيم التي أوردناها، نجد في الكتاب المقدّس دعوة إلى عيش قيم إنسانية أخرى، على سبيل المثال: صنع الخير: “واْصنعِ الخَيرَ”[125]، وإكرام الأهل: “أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ[126] واحترام المسنّين: “قُمْ قُدَّامَ الأَشيَب، وكَرِّمْ وَجْهَ الشَّيخ” (لاويين 19: 32).

 

 

الخلاصة

نرى أنّ جميع القيم الانسانية التي تنبع من لدن الربّ، تنعكس بالخير على الانسان الذي يحاول أن يعيشها بحبٍّ وإخلاص، تمامًا كا يقول صاحب المزامير: “أَوامِرُ الرَّبِّ مُستَقيمةٌ تُفَرِّحُ القُلوب وَصِيَّةُ الرَّبِّ صافِيَةٌ تُنيرُ العُيون” (مزمور 19: 9). فكلمة الربّ المستقيمة تقود السائر بها إلى برّ الأمان. إنّها الهداية إلى الحقّ لمن يحفظها. يبقى علينا أن نقدّر حقّ قدره كلّ ما كان حقًا وعادلاً ومستحبًا وأن نسلك فيه، مع علمنا أنّنا بقدرتنا نعجز عن المضيّ قدمًا، فلنتسلّح بسلاح روح الله، هو الذي يثبّت خطانا في إكمال السير حتى ولو حفّت طريقنا بالأشواك والعثرات.

أخيرًا، لقد أظهرَتْ لنا جولتنا السريعة في الكتاب المقدّس أنّ القيم الانسانيّة فيه لها وجهان: الأوّل سلبيّ، يقوم على النهي والتحريم، والثاني إيجابي، يحثّ على اعتناق القيم والفضائل. فهل نغالي إذا شبّهنا علاقة الله بالمربّي الذي يخطو تدريجيًا مع الانسان القاصر فيعطيه أولاً النواهي، لينفّذها كما هي، أمّا حين يصل إلى سنّ البلوغ، فيروح يوحي إليه بالقيم بصورة إيجابية، ليبلغ به، في نهاية المطاف إلى ملء قامة المسيح؟



[1] غنيٌّ عن القول أنّ التطرّق إلى كلّ قيمة إنسانيّة بحدِّ ذاتها يستحق بأن نكرّس لها دراسة على حدة، ولكنّنا سنكتفي بإدراج بعض الأمثلة التوضيحيّة، والتي لا تطال الموضوع بصورة شاملة.

[2] تكوين 4: 9

[3] تكوين 4: 10.

[4] تكوين 4: 7.

[5] تكوين 4: 6.

[6] تكوين 4: 9.

[7] يمكننا أن نستنتج من نص قاين وهابيل دعوة الله إلى الإنسان الى اللاعنف، وهذه الدعوة سترد بإيضاح في ما بعد: “لا تقتل” (تثنية الاشتراع 5: 17).

[8] خروج 20: 12-17.

[9] وعليه نقرأ في ما يلي كلّ الأحكام التي تمتّ بصلة إلى جميع حالات القتل وكيف يجب أن تعاقَب (خروج 21: 12-36)، وسرقة الحيوانات التي يجب أن تعوَّض (خروج 21: 37-22: 3)، كما يدعو إلى عدم ظلم النزيل ومضايقته، وعدم الإساءة إلى الأرملة واليتيم (خروج 22: 20- 21)، وعدم فرض الرِّبى على المَدين (خروج 22: 24؛ لاويين 25: 35-38).

[10] راجع لاويين 18: 6-30.

[11] قولسي 3: 5؛ راجع أيضًا أفسس 5: 1-7.

[12] تثنية الاشتراع 16: 19.

[13] تثنية الاشتراع 17: 16-17.

[14] خروج 20: 15؛ لاويين 19: 11؛ تثنية الاشتراع 5: 19؛ متى 19: 18؛ مرقس 10: 19؛ لوقا 18: 20؛ روما 13: 9.

[15] لاويين 19: 13.

 [16]لاويين 19: 15.

[17] لاويين 19: 33.

[18] لاويين 19: 35-36.

[19] لوقا 3: 12-14.

[20] لاويين 19: 16.

[21] مزمور 34: 14.

[22] يعقوب 1: 26.

[23] مزمور 34: 15.

[24] مزمور 97: 10.

[25] روما 12: 21.

[26] أمثال 3: 29.

[27] أفسس 4: 26.

[28] أفسس 4: 31.

[29] يعقوب 1: 19-20.

[30] قولسي 3: 8.

[31] متى 7: 1-5.

[32] روما 14: 10-12.

[33] يعقوب 4: 11-12.

[34] متى 26: 51 -53.

[35] روما 12: 17؛ 1 بطرس 3: 9.

[36] خروج 20: 3.

[37] متى 6: 24؛ لوقا 16: 13.

[38] لاويّين 19: 9-10؛ 23: 22؛ تثنيه 24: 20- 21.

[39] تثنية 14: 28- 29؛ طوبيا 1: 8.

[40] تثنية الاشتراع 15: 11.

[41] أمثال 3: 27؛ راجع أيضًا2 كورنتس 8: 7.

[42] أمثال 14: 21.

[43] متى 5: 42.

[44] يعقوب 2: 14-17.

[45] يشوع بن سيرخ 18: 15- 18.

[46] أمثال 15: 1.

[47] أمثال 25: 15.

[48] 2 كورنتس 10: 1.

[49] متى 11: 29.

[50] متى 12: 18- 25.

[51] متى 5: 4.

[52] أفسس 4: 1- 2.

[53] غلاطية 6: 1؛ راجع أيضًا كولسي 3: 12.

[54] غلاطية 5: 23.

[55] يعقوب 3: 13، 17.

[56] 1 تيموتاوس 6: 11؛ 2 تيموتاوس 2: 25.

[57] 1 بطرس 3: 4.

[58] يشوع بن سيراخ 36: 23.

[59] مزمور 37: 11.

[60] 1 كورنتس 1: 25، 28- 29.

[61] متى 20: 28؛ مرقس 10: 45.

[62] لوقا 1: 38- 43.

[63] مرقس 9: 35.

[64] فيلبي 2: 3.

[65] أمثال 16: 32؛ 25: 15؛ جامعة 7: 8.

[66] متى 18: 23- 35.

[67] متى 5: 45.

[68] 1 كورنتس 13: 4.

[69] أفسس 4: 2، كولسي 3: 12- 13، 1 تسالونيكي 5: 14؛ غلاطية 6: 2.

[70] روما 15: 1.

[71] هوشع 6: 6.

[72] أمثال 20: 28.

[73] لوقا 6: 36.

[74] لوقا 10: 30- 37.

[75] 1 يوحنا 3: 17.

[76] أفسس 4: 32.

[77] خروج 21: 23- 25.

[78] لاويين 19: 18.

[79] متى 6: 12.

[80] أفسس 4: 32.

[81] تكوين 9: 6؛

[82] خروج 23: 6؛ إشعيا 10: 2؛ إرميا 5: 28؛ أيوب 36: 6 ، 17.

[83] 1 ملوك 21: 1-29.

[84] أمثال 31: 8-9.

[85] زكريا 7: 9؛ راجع أيضًا زكريا 8: 16؛ أشعيا 58: 6-7؛ عاموس 2: 6-7؛ 5: 7، 12، 15؛ 8: 4-6؛ ميخا 6: 8؛ صفنيا 2: 3؛ إلخ.

[86] متى 7: 12.

[87] 1 كورنتس 13: 6.

[88] أفسس 5: 9؛ 6: 14.

[89] خروج 18: 21.

[90] عدد 23: 19.

[91] 2 ملوك 20: 3.

[92] أمثال 23: 23.

[93] أمثال 12: 19.

[94] متى 22: 16.

[95] يوحنا 8: 32.

[96] يوحنا 14: 6.

[97] يوحنا 17: 17، 19.

[98] يوحنا 18: 37.

[99] أفسس 4: 25.

[100] 1 بطرس 1: 22.

[101] نحميا 7: 2.

[102] لوقا 16: 10-12.

[103] عدد 5: 13.

[104] عدد 35: 30، تثنية 17: 6؛ 19: 15 راجع متى 18: 16.

[105] تثنية الاشتراع 17: 7؛ راجع أعمال7: 58.

[106] تثنية الاشتراع 5: 20.

[107] تثنية الاشتراع 19: 18- 19.

[108] أمثال 6: 19؛ 14: 5؛ 24: 28؛ 25: 18.

[109] مزمور 34: 15؛ 119: 165؛ 37: 37.

[110] متى 5: 9.

[111] روما 12: 18؛ 1 تسالونيقي 5: 13؛ 2 كورنتس 13: 11؛ فيلبي 2: 2.

[112] لاويين 19: 18؛ متى 19: 19؛ لوقا 10: 27-28؛ 1 بط 1: 22؛ 1 يوحنا 4: 7، 11، 21.

[113] لاويين 19: 34؛ تث 10: 19.

[114] خروج 20: 12-17؛ 22: 20- 26؛ 23: 4- 12؛ عاموس 1: 2، إشعيا 1: 24- 17، إرميا 9: 52، حزقيال 18: 5- 9، ملاخي 3: 5؛ أمثال 14: 21، 1: 8-18، سيراخ 25: 1، حكمة 2: 10 – 12.

[115] أمثال 10: 12.

[116] تثنية الاشتراع 15: 18- 19.

[117] غلاطية 5: 14، 6: 2، رومة 13: 8- 9، كولسي 3: 14.

[118] يوحنا 15: 12؛ غلاطية 5: 6، 22.

[119] 1 يوحنا 4: 20- 21، 5: 2.

[120] يوحنا 13: 34-35؛

[121] يوحنا 35:13.

[122] متى 5: 43-45.

[123]  1كورنتس 13: 1-8.

[124] يوحنا 15: 13.

[125] تثنية الاشتراع 12: 28؛ مزمور 34: 15؛ 37: 27؛ إلخ.

[126] خروج 20: 12؛ لاويين 19: 3؛ متى 19: 19.

شاهد أيضاً

جدليّةٌ… إشراقاتُ خلود!

  دفعتَ إليّ بمخطوطٍ عنونتَه: “جدليّةُ الحضور والغياب”، فأشعرْتَني أنّكَ تضع بين يديّ سِفْرًا غاليًا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *