الدكتور إيلي كرم طبيب لبناني وباحث متخصّص بالطبّ الڤيدي. باشر دراسته للطب فـي الجامعة الأميركية فـي بيروت ونال الدكتوراه فـي هذه الجامعة. ثم تابع تخصّصه فـي أميركا، وعمل أربع سنوات باحثاً عياديّاً فـي الأمراض المزمنة ومعايناً فـي الطبّ الڤيدي فـي مركز مهاريشي الصحّي-بوسطن/أميركا.
رافق د. كرم البرفسور اللبناني أنطوان أبو ناضر وتتلمذ عليه، وقد جمعته به جيرة وروابط عميقة، فكلاهما من بلدة بسكنتا/قضاء المتن فـي لبنان. وكان للبروفسور أبو ناضر مساهمة فعّالة فـي إعادة إحياء الطبّ الڤيدي وتنظيمه، وذلك بالتعاون مع عدد من أساتذة الطبّ والعلماء اللامعين.
وفـي عام 1998 اختار د. كرم متابعة دراساته الطبية فـي حقل العلوم الڤيدية، وذلك بعد أن سحره هذا الجانب العريق من علم الطب أي الأيورڤيدا بمبادئها وتطبيقاتها.
تتلمذ د. كرم فـي قراءة النبض على عدد من كبار الأخصّائيين فيه من أطبّاء هنود وغربيين ساهموا فـي إعادة إحياء الطبّ الڤيدي، وتمرّس فـي جسّ النبض فـي مركز مهاريشي الصحّي/بوسطن السابق الذكر.
وعام 2004 عاد إلى لبنان وعمل باحثاً عياديّاً مع عدد من مشاهير الأساتذة الأطباء فـي المركز الطبي للجامعة الأميركية AUBMC.
وهو اليوم يستخدم خبرته ومعرفته العميقتين فـي الأيورڤيدا لمعالجة المرضى، فيجري معاينات طبية ڤيدية عامة فـي بيروت كما يتابع بحوثه فـي الطب الڤيدي وينشرها فـي عدد من المجلات العلمية.
عرفتُ د. كرم فـي الثمانينات من القرن الماضي وكلانا رافق البروفسور أبو ناضر. كان إيلي كرم يومها فـي بداية دراسته الجامعية للبيولوجيا والطب. ثم باعدت بيننا الأيام، لا سيما بعد أن سافر إلى أميركا وانتقلتُ إلى فرنسا، ثم عدنا والتقينا مرّة أولى فـي الندوة التي عقدت حول هذا الكتاب “الأيورڤيدا والطبّ العربي” فـي 25/05/2006، وكان من المحاضرين فيها.
بعدها قصدت مركزه فـي بيروت لأستشيره فـي مشكلة صحّية. وقد فوجئت ودهشت بما عنده من دقة وحرفية فـي قراءة النبض. وسررت بمقاربته الشاملة وتشخيصه المتكامل من جسّ النبض. وأعجبت بقدرته على كشف مشاكل فكرية أو عاطفية من خلال هذه القراءة، ولفتني عدد من وصفاته المرهفة والمميزة.
ولو أردت أن أقارنه بعشرات كبار الأطباء الأيورڤيديين الذين عرفتهم وتابعت معايناتهم فـي الهند وفرنسا وهولندا وغيرها لقلت إنه طبيب ڤيدي أصيل، احترف قراءة النبض وتشخيص الأمراض بها، وهو يطوّر معرفته العميقة هذه مع الزمن بمواصلة البحث وبتراكم الخبرات. ما جعل منه مرجعاً فـي حقل تخصّصه.
مفهوم كرم للطبّ الڤيدي
يركز د. كرم فـي بحوثه ومحاضراته على أن الطبّ الڤيدي أو الأيورڤيدا هو أقدم نظام للوقاية والعناية الصحّية. ويعتبره مقاربة شاملة للصحّة، لا تكتفي بمداواة الأمراض وشفائها وحسب، وإنما تعيد التوازن للجسم وتعزّز قدراته الشفائية.
ويعتبر د. كرم المزاجات الثلاث التي تتحدّث عنها الأيورڤيدا قوى ثلاث أو ثلاثة مبادئ بيولوجية أساسية تتحكّم بالجسد وتضبط كل وظائفه وهي:
1 – الحركة Vata،
2 – الاستقلاب (الأيض) Pitta،
3 – البنية Kapha. والمرض نتيجة تلقائية لاختلال توازن هذه القوى.
ومن طرق العلاج الأيورڤيدية التي يركّز عليها د. كرم المسّاج الطبي الڤيدي فهو بعرفه من أنجع الوسائل لإعادة التوازن إلى القوى الثلاث السالفة الذكر، ويعرّف د. كرم المسّاج الطبي الڤيدي بأنه علاج تدليك متزامن بالزيت للجسم يقوم به خبيران يعملان بانسجام لإعادة التوازن للجانبين البنيويين والمتكاملين للجسم. ويضيف د. كرم أن هذا العلاج يعيد الانسجام كذلك إلى الدورة الدموية والدورة اللمفاوية وموجات الدماغ. ويؤكّد أن البحوث الطبية قد أظهرت أنه إذا كان شطرا الدماغ منسجمين، فعندها يتمتّع المرء بمقدرة صحية عالية وإنتاجية قصوى، وهذا ما يهدف إليه المسّاج الطبّي الڤيدي.
وللتعرّف على فكر هذا الباحث الڤيدي ونشاطه فـي نشر الأيورڤيدا وخبرته بالمعالجة بهذا الطبّ العريق طرحنا عليه بعض الأسئلة توزّعت على عدّة محاور، وجاءت مع أجوبتها كما يلي:
الأيورڤيدا والطب الحديث
س: كيف توفّق بين ممارسة الأيورڤيدا والطبّ الغربي؟
ج: ثمّة ترابط بين نظامَي الطبّ الڤيدي والغربي. الطبّ الغربي الحديث يسعى من خلال علم عمره 300 سنة إلى معالجة الأمراض. وقد درس لذلك جسم الإنسان بكل أجهزته وأنسجته وخلاياه. وهو لا يزال فـي طور الدراسة. وما اكتشفه حتى اليوم جيّد، ولكنه ليس كاملاً. أما الطبّ الڤيدي فهو عبارة عن رؤية واضحة وشمولية لجسم الإنسان لا تتخلّلها شوائب العِلم الحديث، وهو يعمل على المحافظة على التناغم والانسجام بين الأجهزة المختلفة الصانعة لجسم الإنسان بصورة متكافئة ومتكاملة ومتناسقة.
س: كيف أثر تخصّصك بالطبّ الحديث فـي ممارسة الأيورڤيدا؟
ج: نحن نعتبر الطب الحديث جزءاً لا يتجزأ من الطب الڤيدي الشامل، ومن دونه يصعب على الإنسان فهم الطبّ الڤيدي القديم، وقد استعملنا الطبّ الحديث وأجهزته العلمية لتحليل الطبّ الڤيدي واستيعابه.
س: هل تعتقد أن ممارسة الأيورڤيدا تحتاج فعلاً إلى تخصّص فـي الطبّ الحديث؟
ج: بالطبع فالطب الڤيدي بوجهه الموضوعي الذي أُسس بجهود البروفسور أبو ناضر وزملائه يستند بصورة موضوعية على الطبّ الحديث وكل الأبحاث والاكتشافات فيه. ونحن اليوم نسعى لدمج الطبّ الحديث وما اكتشفه والاستعانة به لدراسة الطبّ الڤيدي وكنه أسراره.
س: منذ متى تعالج بالأيورڤيدا؟
كنت باحثاً فـي الأمراض المزمنة فـي أمريكا ومركّزاً دراساتي على تأثير الطبّ الڤيدي وذلك على هذه الأمراض ثم انتقلت إلى لبنان. ونحن اليوم فـي صدد هيكلة الطبّ الڤيدي فـي لبنان.
س: ما الذي جعلك بعد إنهاء دراستك فـي الطب العامّ تتّجه إلى التخصّص فـي الطبّ الڤيدي؟
ج: للطب الڤيدي ميزتان أساسيتان:
1 – هو أولاً طب خاص للمريض وبالتالي يسقط حواجز الخوف بين الطبيب ومريضه ومن شأن هذا الأمر أن يحفّز إفرازات الأندورفين Andorphines فـي جسم الإنسان، وقد أثبتت البحوث العلمية فاعلية هذه الإفرازات عموماً فـي عملية الشفاء.
2 – إنه طبّ شمولي يقارب المريض ويعالجه كَمكْمن للصحة، وليس كأجهزة عضوية مريضة. وهذه الميزات شجّعتني للتخصّص فيه.
س: هل لديك أمثلة لحالات صحّية عالجتها ولم يكُن الطب الحديث قد نفع فـي علاجها؟
ج: تركّز طبيعة عملي فـي أميركا على أنني باحث فـي الأمراض المزمنة، وعلى دراستها ومعالجتها عموماً. والأمراض المزمنة غالباً ما تغدو تعبيراً عن مراحل المرض المتقدّمة. وفـي الطبّ الحديث نحاول التخفيف من العوارض الظاهرة للأمراض المزمنة من دون أن نصل غالباً إلى شفائها، ولكننا فـي الطب الڤيدي نعالج الصحّة المعتلّة وليس المرض، فإذا استطعنا ترسيخ الصحّة عندها تتلاشى عوارض المرض تلقائياً.
س: هل تمارس تخصّصاً معيّناً فـي الأيورڤيدا أم أنك طبيب ڤيدي عام؟ وهل ثمّة تخصّص إجمالاً فـي الأيورڤيدا؟
2 – الطب الڤيدي يسعى دوماً للحفاظ على الصحّة، وتخصّصه يكمن فـي هذا المضمار. وفـي الطبّ الڤيدي نرى الإنسان بجماله وكماله، وقد سعيت شخصياً إلى هذا الطبّ لأنني لا أرى المريض بصورته المجزأة. وإنما أسعى لأرى الإنسان بشكله الكامل قابلاً للصحّة والعافية ومع ذلك يمكن للطبيب أن يتمرّس فـي بعض الحقول الطبية ويمعن بدراستها أكثر من غيرها.
س: ماذا عن الجراحة بين الأيورڤيدا والطبّ الحديث؟ وهل تستطيع الأيورڤيدا الحلول محل الجراحة؟ وما هو تقويمك للممارسة الجراحية الحديثة؟
ج: فـي الطبّ الڤيدي علم ومعرفة كافية عن الجراحة، ولكننا لم نستطع خلال ربع قرن من دراسة مخطوطات الطبّ الڤيدي القديم أن نستخرج كل ما فيها من معرفة، وأن نكرّس لها ما تتطلّب من وقت وتفرّغ. ونحن نفهم عموماً، واستناداً إلى مبادئ الجراحة فـي الطب الڤيدي، أن هناك بعض المواضع الجدّ حسّاسة فـي جسم الإنسان والتي يجب عدم تشويهها فـي العملية الجراحية لأن ذلك يُحدث خللاً مزمناً.
لسنا ضدّ الجراحة، ولكن الأيورڤيدا تدرس الأعضاء فـي مكمنها ووظائفها العضوية والنفسية معاً، وهذا ما ندعوه المقاربة الشمولية. وإلى ذلك ترسم الأيورڤيدا خارطة مفصّلة للجسد ومواضعه. وهي بمساهماتها هذه قادرة أن تعطي دفعة وزخماً ومعرفة مميّزة للجراحة فـي الطبّ الحديث.
قراءة النبض بين العِلم والتطبيق
س: كيف تقيّم تطوّر ممارستك لقراءة النبض بعد سنوات الخبرة هذه؟
ج: النبض هو لغة التحاكي مع الجسد، إنه الأبجدية التي نستعملها لقراءة جسم الإنسان بما فيه من صحّة أو مرض. وخلال ممارستي لهذا النوع من الطبّ انتقلنا من دراسة النبض السطحي ونحن اليوم فـي صدد قراءة خمسة مستويات من النبض. علماً أن هناك سبعة مستويات لقراءة النبض.
س: ما هو هامش الخطأ فـي قراءة النبض؟ وهل تعتقد أنك أخطأت أو تخطئ أحياناً فـي قراءة النبض؟
ج: إذا كان الطبيب صادقاً مع ذاته ومع مريضه فما من هامش للخطأ، فهو إما يرى المرض أو لا يراه فـي النبض. وفـي الحالة الثانية فلا يمكنه إرشاد المريض.
س: ما هو تقديرك لنسبة الخطأ فـي الممارسة الطبية الڤيدية؟ ومقارنة بالطبّ الحديث هل هي أصغر أم أكبر؟
ج: الطب الحديث يعتمد على العوارض، وعوارض أمراض مختلفة يمكن أن تتشابه. أما فـي الطبّ الڤيدي فنحن لا نعتمد على العوارض وإنما على جسّ النبض لاكتشاف الأمراض وتشخيصها. لذا فهامش الخطأ فـي الأيورڤيدا أضيق.
س: هل يمكنك تصوّر ممارسة للأيورڤيدا من دون قراءة النبض؟ مثل التواصل مع المرض عبر الهاتف أو الأنترنت لا سيما أولئك المقيمين خارج لبنان، وهل يمكن معالجتهم دون معاينة؟
ج: جسّ النبض هو الطريقة الأصعب فـي معرفة جسم الإنسان وكشف أسراره. فهذا الصامت الأكبر والأكثر تكلّماً ليس من السهل دراسته. وهذه الدراسة ترتكز على أسس علمية يضاف إليها حسّ مرهف فـي تحسّس النبض. ومن شأن قراءة النبض أن ترشدنا إلى مكامن وخفايا غفلها المريض نفسه. والحوار المباشر بين الطبيب والمريض يكون عبر جسّ النبض.
الأدوية والعلاجات الأيورڤيدية
س: علاجات البانشاكارما وغيرها من العلاجات الخاصة فـي الأيورڤيدا هل أشرفت وتشرف على متابعتها؟ وهل هي متوفرة فـي لبنان؟
ج: أفضل العلاجات التي درسناها ومارسناها فـي أميركا، كانت علاج إخراج السموم Detox من الطبقة الكثيفة من الجسد. هناك الكثير من العلاجات التي تستطيع إخراج السموم من الطبقة المائية من الجسد، ولكننا ننفرد فـي دراستنا وممارستنا بإخراج السموم من الطبقة الكثيفة، وبذلك نكون قد أضفينا الكثير من الصحّة على جسم الإنسان. هدفنا أن نوفّر هذه العلاجات، وهي تتطلّب من المرء المكوث فـي مشفى خاص أقلّه مدّة سبعة أيام متواصلة، وهذا ما نطمح إليه فـي لبنان.
س: كيف تؤمّن الأدوية الأيورڤيدية فـي لبنان؟ وهل من مشكلة فـي تأمينها؟
ج: نعمل بجهد مع بعض الزملاء وبواسطة وزارة الصحة اللبنانية لإدخال هذا النوع من التركيبات المستخرجة بطريقة علمية ونقية من بعض المواد العشبية وغيرها والتي تمّت دراستها بإشراف وزارة الصحّة الأميركية عبر منظمة الأغذية والأدوية FDA فيها. والتركيبات المذكورة تبعد كل البعد عن المستحضرات الاصطناعية المتداولة فـي يومنا الحالي، فهي بنقاوتها وطبيعتها تحافظ على اتزانها العضوي وبالتالي على قدرتها الشفائية. أما المستحضرات الاصطناعية فتتعاطى بطريقة سطحية مع العوارض الظاهرة ولا قدرة لها عموماً على العلاج الشامل والجذري وبالتالي إضفاء الصحة.
س: هل فعلاً ليس للأدوية الأيورڤيدية أعراض جانبية كما يقال، أم أن لكل دواء أعراض جانبية؟
ج: الأدوية الأيورڤيدية إذا استخدمت بطريقة صحيحة لا ينتج عنها أي أعراض جانبية، لأنها استخراجات من الأعشاب والأزهار الطبيعية، ولكنها إذا استعملت فـي غير موضعها فقد يُحدث ذلك خللاً فـي الطبيعة التكوينية لجسم الإنسان، مما قد ينتج عنه أعراض جانبية.
س: هل تجد من خلال تجربتك أن الأيورڤيدا قادرة على معالجة كل الحالات والأمراض، أم أن ثمة أنواع محدّدة تعالجها؟
ج: الطب الڤيدي يتعاطى مباشرة مع الصحّة وإن كانت له عين ثاقبة على الأمراض. فالأمراض عديدة، ولكن الصحّة واحدة. فإن درسنا مكمن الصحّة أو العافية واستطعنا المحافظة عليها لأمكننا بسهولة تفادي الكثير من الأمراض. ومن هنا فإن الطبّ الڤيدي طبّ وقائي بالدرجة الأولى.
والمرض يمرّ فـي ست مراحل متلاحقة، وهي عبارة عن التطوّر المرضي من المرحلة الأولى إلى السادسة، وفـي مراحله الأخيرة يصبح من الصعب التراجع فـي المرض إلى المرحلة الخامسة أو الرابعة، ولكنه ليس بالمستحيل.
الأيورڤيدا واليوغا والطب النفسي
س: الأيورڤيدا واليوغا والتأمل ما العلاقة بينهم فـي تجربتك أنت؟ وهل تصف اليوغا والتأمل لمرضاك؟
ج: لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن 80% من الأمراض جذورها نفسية، لهذا السبب فنحن كأطباء ننصح عموماً بالتأمل والصلاة واليوغا للتخفيف من حدّة الضغوطات الاجتماعية على نفسية الفرد وفكره.
وإذا كان هذا الفرد مريضاً فثمّة نوعان من المرضى:
1 – مَن هو فـي حالة نفسية قابلة للعلاج بطرق اليوغا والتأمل.
2 – وبالمقابل هناك مَن ليس لهم القدرة فـي حالتهم المرضية أن يتقبلوا مثل هذه الأمور.
ولكن التأمل عموماً شيء مستحسن ومرغوب فـي الطبّ الڤيدي.
س: ماذا عن الأيورڤيدا والطبّ النفسي وعلم النفس؟ إلى أي مدى تساعد الأيورڤيدا فـي العلاجات النفسية؟ وهل ترى نفسك أحياناً مضطراً أن تكون طبيباً أو معالجاً نفسياً؟ وهل يمكن للأيورڤيدا أن تحلّ محلّ الطب أو العلاج النفسي؟
ج: جميع الأمراض بصورة عامة تؤثر مباشرة على الحالة النفسية للإنسان. وإذا فصلنا الحالة المرضية عن الحالة النفسية نكون قد عالجنا نصف المرض. ومن هنا نقول إن الطبّ الڤيدي طب شمولي فهو لا يجزّئ ولا يفصل الحالة النفسية عن الحالة المرضية الجسدية، فإنهما متلاحقتان وإن يكن تطوّر عوارضهما ليس متزامناً، فالواحدة يمكن أن تسبق الأخرى.
ومن هنا معالجتنا بالطريقة الشمولية، أي أننا فـي جميع الأحوال نرصد الحالة النفسية ونعالجها تماماً بالتكافؤ والتضامن مع الحالة المرضية الجسدية، ويمكننا فـي بعض الأحيان الاستعانة بالطبيب النفسي.
الأيورڤيدا والهند وأنظمة الطبّ الأخرى
س: إلى أي مدى تجد من خلال خبرتك أن الأيورڤيدا مرتبطة بالثقافة والحضارة الهندية التي نشأت فيها؟ وإلى أي مدى يمكن تطوير أيورڤيدا مختصّة بلبنان والعالم العربي؟
ج: الطب الڤيدي هو معرفة وعلم كما أن الطبّ الحديث هو الآخر معرفة وعلم. فإذا تمّ اكتشاف بعض الأمور فـي أميركا فهذا لا يعني أن الطبّ صار أميركياً. والمخطوطات الڤيدية التي نحن بصدد دراستها اليوم وجدت فـي الهند، ولكنها ليست هندية بفعل أنها معرفة شاملة. ويمكن فـي يوم ما أن نعثر على بعض المخطوطات فـي أي بلد آخر وبذلك فما من صفة وطنية للمعرفة.
وبما أن هذه المخطوطات اكتشفت فـي الهند، كان الهنود ممارسين لهذا النوع من الطب. ولكن الكثيرين منهم يمارسوه بطريقة مجتزأة وغير فعّالة. أما ما يقوم به البروفسور طوني أبو ناضر مع مجموعة من الأطباء، وقد كان لي الشرف أن أكون بينهم، فهو دراسة هذا العلم من مخطوطات جد قديمة وفـي لغته الأصلية من دون أن تدخلها شوائب ولا انحرافات.
فـي الهند تستخدم الأيورڤيدا اليوم منتجعاً صحّياً وليس كوسيلة علاجية، ورغم ذلك فهناك بعض المراكز التي تتوارث هذه المعرفة كونها وجدت فـي الهند، وكان الهنود السبّاقين فـي ممارستها، وهي تطبّقها على نحو صحيح، ولكنها تفتقد عموماً إلى الدراسات العلمية. أما نحن فنتفرّد بدراستنا العلمية المختصّة لتلك المخطوطات ولهذا العلم.
س: هل تجد ثمة علاقة بين الأيورڤيدا وأنظمة الطبّ البديل والطبيعي الأخرى؟
ج: الطبّ الڤيدي طبّ شامل بطبيعته. وبذلك فهو مكتمل بذاته. ولكن بما أننا فـي مستهلّ دراساتنا للأمور فنحن نجد أنفسنا أحياناً بحاجة إلى الاستعانة بخبرات أخرى تضيء على المعرفة الطبّية والعلاجية من زوايا أخرى.
س: هل تجد جانباً تجارياً واضحاً وقوياً فـي ممارسة أنظمة الطبّ البديل: أعشاب، أدوية، متمّمات غذائية إلخ…؟
ج: إن كل المهن على الأرض مهما كان نوعها يمكن أن تتطوّر لتصبح رسالة فنزيل عنها شوائب المادة والغايات المادية، والطبّ الڤيدي هو إحدى هذه المهن، وهو كما الطب الحديث يمكن أن نستخدمه لغاية مادية أو أن نترفّع به ليصير رسالة فنرفعه إلى المستويات التي يجب أن تكون عليها ممارسته لا سيما وأننا نتعاطى مع أثمن شيء عند كل إنسان وهو ديمومة صحّته وعافيته.
س: هل لديك اطلاع على الطبّ العربي التقليدي؟ وهل ترى ثمّة علاقة بينه وبين الأيورڤيدا؟
ج: ليس لي علاقة به، نحن بدأنا هذا الطبّ القديم المستحدث مع دراسات الكثير من العلماء فـي أميركا وعلى رأسهم البروفسور طوني أبو ناضر اللبناني وباشرنا دراساتنا فـي أهم جامعات العالم مثل هارڤرد و MIT. وإن أمكننا الاستفادة من المخطوطات القديمة العربية التي تدرس بطريقة علمية وشمولية جسم الإنسان، فهي توسع الآفاق وتساعد على معرفة أسباب الأمراض وبالتالي معالجتها.
ولا يغربنّ عن بالنا هنا أن هدف الطبيب مساعدة الإنسان على الوقاية من الأمراض بالدرجة الأولى، وهذا ما يدخله الطبّ الڤيدي بطريقة مفصّلة جدّاً. وهو غير مدروس كفاية فـي الطبّ الحديث.
الأيورڤيدا فـي لبنان والعالم العربي
س: هل تجد من خلال تجربتك أنه ثمّة أنواع من الأمراض يتعرّض لها اللبنانيون والعرب أكثر من غيرها؟
ج: تتمحور أنواع المرض تبعاً للطب الڤيدي حول البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والبيئة فـي لبنان ومحيطه نارية Pitta، لذا يتعرّض السكان لأمراض ناتجة عن اختلال المزاج الناري أكثر من الأمكنة الأخرى.
س: ما هي مشاريعك المستقبلية للأيورڤيدا فـي لبنان؟
ج: نحن ما زلنا فـي بداية الطريق. ونطمح أن يكون لنا فـي لبنان مركزاً وقائياً للعلاجات يستطيع المرء أن يتعالج فيه لمدة سبعة أيام قابلة للتجديد سبعة أخرى. لماذا سبعة أيام؟ لأننا نعتبر أن جسم الإنسان مكوّن من سبع طبقات من الأنسجة المختلفة. لذا فالطبيب المعالج يمكن أن يصل فـي كل يوم فـي معالجته إلى طبقة واحدة من هذه الأنسجة، وهكذا فبخلال سبعة أيام يمكننا أن نصل إلى الطبقات الأكثر رهافة ومعالجتها، فالسبعة أيام تغدو ضرورية لإتمام المعالجة.
س: كيف ترى مستقبل الأيورڤيدا عموماً فـي لبنان؟ وهل يمكن للبنان أن يكون مركزاً للأيورڤيدا فـي العالم العربي؟
ج: لبنان هو خصوصاً واحة استشفائية للعالم العربي بمناخه وبشغف أبنائه بتحصيل العِلم والمعرفة ولا سيّما فـي مجال الطبّ، ونحن بذلك نملك العاملَين الأساسيَين الموجبَين للعلاج، فطبيعة علاجنا تفرض علينا المناخ المعتدل. وإلا فسيظهر بعض العوارض الناتجة سلبياً عن الحرارة الخارجية المرتفعة أو على العكس المتدنية جداً فتعيق عملية الشفاء.
الباب 3//
الفصل 3//
الدكتور إيلي كرم
رائد في الطب الڤيدي
من لبنان