نتعجَّب

نتعجَّب… المونسنيور بولس الفغاليّ نتعجَّب من شخص اعتاد على الحوار المسيحيّ الإسلاميّ على جميع الصعد يكتب مقالاً عنوانه: الحواريُّون وإخوة المسيح في المصادر الأجنبيَّة؟ أهي المنفعة المادِّيَّة دفعتْه أن يكتب؟ أو المنفعة المعنويَّة؟ يا ليته سأل أصدقاءه! ونطرح السؤال: ماذا أفاد المسيحيِّين من كلامه؟ لا شيء. والكثيرون ابتسموا. والبسطاء تضايقوا وتشكَّكوا. وماذا أفاد المسلمين؟ أعطاهم حجَّة جديدة للكلام عن “التحريف” في الأناجيل. أهكذا يكتب “المؤمن” إلى أيِّ ديانة انتمى، لمجتمع مختلط؟ من لا يكتب بروح المطران خضر، أفضل له أن لا يكتب، وإلاَّ يحتقره المفكِّرون. والله نفسه لا يكون راضيًا، هذا إذا كنّا نطلب رضى الله في ما نقول وفي ما نعمل. “الحواريُّون” كلمة جاءت من السريانيَّة، واستُعملت في العربيَّة: هم رسل السيِّد المسيح. وقيل سُمُّوا كذلك لخلوص نيَّتهم ونقاء سريرتهم. خمس مرَّات ورد اللفظ في القرآن. في سورة آل عمران: “قال الحواريُّون: نحن أنصار الله آمنّا بالله” (52: 3). وفي سورة المائدة: “إذ قال الحواريُّون: يا عيسى بن مريم، هل يستطيع ربُّك أن يُنزل علينا مائدة من السماء؟” (5: 112). وفي سورة الصف: “قال الحواريُّون: نحن أنصار الله” (14: 61). هذا في صيغة الرفع. وفي صيغة الجرّ، نعود إلى سورة المائدة: “وإذ أوحيتُ إلى الحواريِّين أن آمنوا بي وبرسولي” (5: 111). وفي سورة الصفّ: “كما قال عيسى ابن مريم للحواريِّين من أنصاري” (14: 61). وهكذا استُعمل اللفظ في سورتين من القرآن فقط. واستعملته الليتورجيّا السريانيَّة في الكلام عن الزمن الذي يفصل عيد القيامة عن الأحد الجديد: أسبوع الحواريِّين. أمّا الأناجيل الأربعة فتتحدَّث عن الرسل وعن التلاميذ. قال الربُّ لتلاميذه بعد القيامة: “كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم” (يو 20: 21). يُستعمل في الأناجيل مرارًا عديدة فعل “أرسل”، أمّا لفظ “رسول” فيرد بضع مرَّات في الأناجيل. مثلاً في مت 10: 20: “وهذه أسماء الرسل الاثني عشر”. وفي الإطار عينه في لو 6: 13 (اختار من التلاميذ اثني عشر سمّاهم رسلاً). ويرد لفظ “رسل” مع “أنبياء” في لو 11: 49. وأخيرًا يرد لفظ “رسول” مرَّة واحدة في يو 13: 16: “ما من خادم أعظم من سيِّده ولا رسول أعظم من معلِّمه”. وهكذا يصل استعمال لفظ “رسول” (أبوستولس) في الأناجيل الأربعة إلى أصابع اليد الواحدة. فالذين يتبعون يسوع هم “التلاميذ” (ماتيتيس)، واللفظ يرد قرابة 230 مرَّة في الأناجيل. لا حاجة لذكرها وهي بهذا العدد. ومن هؤلاء التلاميذ كان الاثنا عشر الذين نعرف كيف دعا الربُّ هذا أو ذاك. دعا سمعان بطرس وأخاه أندراوس. في الأناجيل الإزائيَّة (متّى، مرقس، لوقا) على شاطئ البحر: “اتبعاني أجعلكما صيّادَي بشر” (مر 1: 17). ومثلهما دعا يعقوب ويوحنّا أخاه “فتركا أباهما زبدى في القارب مع معاونيه وتبعاه”. في إنجيل متّى، نقرأ عن دعوة متَّى. “كان جالسًا في باب الجباية… فقال له يسوع: اتبعني، فقام وتبعه” (9: 9). أمّا الرسل الآخرون فلا نعرف كيف دعاهم المسيح، فردًا وفردًا، كما لا نعرف أسماءهم، في الأناجيل الإزائيَّة. هناك استثناء واحد اتَّفقت عليه الأناجيل الأربعة: يهوذا (أو: يوضاس) الإسخريوطيّ، الذي لم نعرف كيف دعاه يسوع، ولكنَّنا نعرف كيف سلَّم يسوع إلى اليهود ليُصلَب. وفي النهاية، شنق نفسه فانشقَّت إمعاؤه (مت 27: 5؛ أع 1: 18). أمّا عند يوحنّا، فنعرف أن أندراوس تبع يسوع مع آخر لا يُقال اسمه. أقاما مع يسوع نهارًا كاملاً. وفي الغد، أتى أندراوس بأخيه سمعان بطرس إلى يسوع. وفيلبُّس جاء ببرتلماوس (الفصل الأوَّل) وسوف يكون دور لتوما. مرَّة أولى خلال ذهاب يسوع إلى اليهوديَّة لكي يقيم لعازر من الموت. تردَّد التلاميذ “فقال توما الملقَّب بالتوأم لإخوانه التلاميذ: تعالوا نذهب نحن أيضًا ونموت معه” (يو 11: 16). ومرَّة ثانية بعد القيامة. ما صدَّق أنَّ يسوع قام فوضع شرطًا: “لا أصدِّق إلاَّ إذا رأيتُ أثر المسامير في يديه ووضعتُ إصبعي في مكان المسامير ويدي في جنبه” (يو 20: 25). فكان له ما أراد إذ قال يسوع لتوما: “هاتِ إصبعك إلى هنا، وهات يدك وضعْها في جنبي وكن مؤمنًا لا غير مؤمن”. فأجاب توما: “ربِّي وإلهي” (أجمل فعل إيمان. فيسوع هو الربُّ والإله. هذا هو موقف الإيمان وغيره موقف الكفر). فقال له يسوع: آمنتَ، يا توما، لأنَّك رأيتني، فطوبى لمن لم يروني وآمنوا” (آ27-29). * * * وتعب سعود المولى في إيراد اللوائح، وحمل المجهر لكي يرى الفروقات بين لائحة ولائحة. يا ليته استعمل إزائيَّة الأناجيل الأربعة التي نشرناها سنة 1996 في منشورات الرابطة الكتابيَّة، ليرى أنَّ ما من نصٍّ يقابل حرفيًّا النصَّ الآخر. فلو تشابهت النصوص لكنّا اكتشفنا أنَّ هذا النصَّ أخذ عن الآخر. إذًا، لما كانت الحاجة إلى أربعة أناجيل. ولكنَّنا نمتلك أربعة أناجيل، أي أربع نظرات إيمانيَّة حول يسوع المسيح في تاريخ الكنيسة. حاول كاتب من سورية أن يجمع الأناجيل الأربعة في إنجيل واحد. فنبذته الكنيسة بعد أن دُعيَ كتابُه “الأناجيل المختلطة”. ومع أنَّه استُعمل في وقت من الأوقات في الليتورجيّا اليونانيَّة والسريانيَّة، إلاَّ أنَّه لم تبقَ نسخة واحدة منه في هاتين اللغتين. ولكن أفلتت نسخة في اللغة العربيَّة وبعض اللغات الأوروبيَّة في القرون الوسطى. وأمّا إنجيل برنابا فهو تأليف متأخّر ولا يستحقُّ اسم إنجيل لأنَّ كاتبه راهب كاذب جعل نفسه من تلاميذ يسوع الأخصّاء مع أنَّه لم يعرف المسيح ولا رآه. تحدَّث إنجيل لوقا عن سبعين (أو اثنين وسبعين) تلميذًا أرسلهم يسوع اثنين اثنين أمام وجهه إلى كلِّ مدينة أو موضع عزم أن يذهب إليه” (10: 1). ما أخذوا مالاً معهم، ولا سلاحًا، بدوا مثل الخراف بين الذئاب. اضطهدهم الناس بدءًا باليهود وصولاً إلى الوثنيِّين. وكلُّ ما قالوا: “ملكوت الله اقترب منكم” (آ9). أي الله الملك آتٍ إليكم، فكيف تستقبلونه؟ ونسيَ صاحب المقال لائحة أعمال الرسل (1: 13). كانوا أحد عشر فأضيف متِّيّاس ليكون العدد اثني عشر. فرمزيَّة العدد أساسيَّة، لا في الأناجيل فقط، بل في العالم القديم. أبناء يعقوب اثنا عشر مع تبديل في الأسماء. وكذلك أبناء عيسو وأبناء إسماعيل. وفي مكَّة أيضًا في العصر الجاهليّ. وفي العالم اليونانيّ… فلا بدَّ من تأمين خدمة المعبد طوال الأشهر الاثني عشر في السنة. والرسل الاثنا عشر يكونون لا في خدمة معبد محدَّد، بل يصلون إلى العالم كلِّه كما قال لهم الربّ: “اذهبوا… وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين” (مر 16: 15). من مضى إلى هذه الأرض، ومن مضى إلى تلك؟ المهمّ أنَّ الخبر الطيِّب الذي أتى به يسوع على الأرض، وصل إلى كلِّ شعوب الأرض. ما بشَّر يسوع فقط في فلسطين، لكنَّه راح إلى شرقيّ الأردنّ وإلى نواحي صور وصيدا، وسوف يأمر تلاميذه: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم… وعلِّموهم أن يعملوا بكلِّ ما أوصيتكم به، وها أنا معكم طوال الأيَّام إلى منتهى الدهر” (مت 28: 19-20). * * * وماذا يقول سعود المولى عن الأناجيل؟ “في القرن الخامس للميلاد صدر مرسوم البابا جيلاسيوس الذي حدَّد الأناجيل بأربعة فقط وألغى أو أخفى البقيَّة”. يا ليته قال: “أحرق” كما اعتدنا أن نفعل في الشرق. ومتى يستطيع شخص مهما علا مقامه في الكنيسة أن يلغي إنجيلاً من الأناجيل أو يُخفيها؟ أهذا هو مستوى الكلام عند أستاذ جامعيّ! أما يعرف أنَّ قانون موراتوري قدَّم لائحة بالأسفار المقدَّسة منذ القرن الثاني. أما عرف صاحبنا بنسخة لإنجيل مرقس تعود إلى القرن الأوَّل. الأفضل أن نترك هؤلاء في جهلهم أو في نواياهم السيِّئة. يتحدَّثون عن الأناجيل المخفيَّة؟ قولوا لي: من أخفاها؟ أو “المكتومة”. هي وُلدت في جماعات انقسمت بين “البسطاء” و”الكمّال”. هذا غير معروف في المسيحيَّة. فالربُّ قال: “لا خفيّ إلاَّ سيظهر ولا مكتوم إلاَّ سيُعلن” (مر 4: 22). وقال لوقا: “ما تقولونه في الظلام سيُسمَع في النور، وما تقولونه همسًا في داخل الغرف سيُنادى به على السطوح” (12: 3). وفي نظر يسوع المسيح، الصغار هم قبل “الحكماء والفهماء” (مت 11: 25). وإذا أردتم بعض الأخبار من الأناجيل “المخفيَّة” فإليكم بعضها: “وفي يوم آخر، والربُّ يسوع يدخل مساءً مسكنَ يوسف. أصابه طفلٌ راكض نحوه بصدمة عنيفة إلى حدّ أنَّ الربَّ يسوع وقع تقريبًا. فقال لذلك الطفل: “كما دفعتني، اسقط ولا تنهض”. وللحال سقط الطفل أرضًا ومات”. هذا من إنجيل الطفولة العربيّ، المقطع 47. أهكذا يكون يسوع وديعًا متواضعًا فنتعلَّم منه؟ (مت 11: 29). ومرَّة كان يسوع يتعلَّم. وسأل المعلِّم عن حرف ألف “فرفع المعلِّم يده غاضبًا ليضربه، فيبست يده على الفور ومات” (المرجع السابق 49). أمّا يسوع في الأناجيل الأربعة التي هي أساس الإيمان والأخلاق، فشفى صاحب اليد اليابسة بالرغم من عداوة الذين كانوا حوله. قال الربُّ للرجل الذي يده يابسة: “قُم وقِفْ في وسط المجمع”… وقال للرجل: “مُدَّ يدك!” فمدَّها. فعادت صحيحة. فملأهم الغضب وتشاوروا كيف يفعلون بيسوع” (لو 5: 8-11). لا. فالكنيسة احتفظت بهذه الأناجيل “الملغاة” أو “المخفيَّة” ونقلتها إلى لغات العالم، ومنها العربيَّة. نقرأ فنضحك لئلاَّ نبكي. أمّا أن يستند إليها الباحثون “الجدِّيُّون”، فهذا يدلُّ على السخافة. أهكذا نكتب التاريخ؟ ماذا قال إنجيل متّى؟ مريم مخطوبة ليوسف. هي ابنة ثلاث أو أربع عشرة سنة وهو ابن سبع أو ثماني عشرة سنة. وماذا قالت الأناجيل المخفيَّة؟ عمر يوسف 89 سنة أو 90 سنة. ما أجمل مثل هذه الخطبة! * * * والكلام عن إخوة يسوع؟ نحن في العالم العربيّ، نعرف أنَّ كلَّ شابّ في القبيلة يدعو الآخر “أخاه”. وإبراهيم دعا لوطًا ابن أخيه: “يا أخي”. قال لابن أخيه قبل أن يفترقا: “نحن رجلان أخوان”. أمّا إخوة يسوع فهم من قبيلة يوسف. قالت الأناجيل “الملغاة”: كان ليوسف أولاد قبل أن يخطب مريم! ترون هذه القصص ذات اللون الأسود المخاطة بخيط أبيض! من هم “إخوة” يسوع بحسب الإنجيل؟ هم أربعة: يعقوب، يوسي، سمعان، يهوذا. لا شكَّ في ذلك. من هي أمُّهم؟ هي مريم، ولكن لا مريم العذراء. ومن هو أبوهم؟ كلاوبا. وكيف نقول ذلك؟ لأنَّنا نعرف كيف نقرأ إنجيل يوحنّا في 19: 25 حيث نجد أربع نساء: “وهناك عند صليب يسوع، وقفت أمُّه (واسمها مريم) وأخت أمِّه (سالومة، والدة يعقوب ويوحنّا الرسولين)، ومريم كلاوبا ومريم المجدليَّة”. هكذا نقرأ النصَّ في السريانيَّة وفي الأرمنيَّة وفي القبطيَّة… فنضع حرف العطف (واو) أمام مريم التي هي زوجة كلاوبا. أمّا في اليونانيَّة، كما في اللغات الغربيَّة، فالتوازي واضح: من جهة، أمُّه وأخت أمِّه. ومن جهة ثانية، مريم كلاوبا ومريم المجدليَّة. وإذا عدنا إلى إنجيل مرقس، نتعرَّف إلى أحد “إخوة” يسوع: “يوسى”. قيل في 15: 47: “ومريم أمُّ يوسى”. وفي 16: 1، نتعرَّف إلى “أخ” آخر: يعقوب. قيل: “ومريم أمّ يعقوب”. والآية 16: 1 تبدو متشابهة مع يو 19: 25: “مريم المجدليَّة، مريم أمّ يعقوب، سالومة”. ومن نقص؟ مريم العذراء. مضت النسوة لكي يطيِّبن جسد يسوع بعد أن اعتبرنه ميتًا. أمّا أمُّه فآمنت بالقيامة قبل القيامة، فكانت عند الصليب “واقفة” والوقوف هو التعبير عن إيمانها: “كانت واقفة”. الخاتمة تكلَّم يسوع في أراميَّة فلسطين. ولم يبقَ لنا من كلماته في هذه اللهجة سوى بضع كلمات. مثل “طليتا قومي”، أي “يا صبيَّة قومي” وغيرها. أمّا نصُّ الأناجيل فوصل في اللغة اليونانيَّة. فكُتب إنجيل متّى في منطقة البقاع اللبنانيّ وصولاً إلى أنطاكية، وإنجيل مرقس لأهل رومة، تحت نظر بطرس، وإنجيل لوقا للطبقة المثقَّفة في اليونان، في أثينة وكورنتوس، وإنجيل يوحنّا في أفسس. الأساس هو هو. وما قاله يسوع وعمله وصل إلينا في أربع نسخات. فلو كان هناك نسخة واحدة لكنّا خسرنا الكثير. ولكن الحمد لله أنَّ الشهادات عن يسوع لا تُحصَر في شهادة واحدة، مع إتلاف الشهادات الثلاث الأخرى. فالكنيسة لا تلغي كلام الله ولا تخفيه. مهما قال الجهّال هنا وهناك. أمّا ما ندعوه في لغتنا “الآثار المنحولة”، فهي مؤلَّفات انتحلت صفة ليست لها. فهي غير ملهمة. والذين كتبوها عبَّروا عن آرائهم الخاصَّة، لا عن تعليم الكنيسة التي هي جسد المسيح، والتي ينيرها الروح، فأخذت بالأناجيل الأربعة وأعمال الرسل، ورسائل بولس ويعقوب وبطرس ويوحنّا ويهوذا، ورؤيا يوحنّا. هذه الكتابات ملهمة وهي تقدِّم لنا أكثر من شهادة عن يسوع، بحيث نستطيع القول: كلُّ كتابة من كتابات العهد الجديد، هي إنجيل، هي بشارة، هي خبر طيِّب. ولا نحتاج إلى أناجيل تأتي من هنا وهناك تنسى أنَّ أساس إيماننا ما قاله بطرس ليسوع: “أنت المسيح ابن الله الحيّ”.

شاهد أيضاً

جدليّةٌ… إشراقاتُ خلود!

  دفعتَ إليّ بمخطوطٍ عنونتَه: “جدليّةُ الحضور والغياب”، فأشعرْتَني أنّكَ تضع بين يديّ سِفْرًا غاليًا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *